درنة الليبية لتجاوز أحزان «الإعصار» واستعادة بريقها

سلطات بنغازي تفتتح مشروعات عدّة بـ«المدينة المكلومة»

صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)
صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)
TT

درنة الليبية لتجاوز أحزان «الإعصار» واستعادة بريقها

صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)
صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)

تخطو مدينة درنة الليبية، التي أوجعها الموت وعصرتها الأحزان، خطوات حثيثة «باتجاه الحياة»، متجاوزة نسبياً غصّة ومآسي خلفها طوفان «دانيال» المتوسطي بعد فقد الآلاف من الأهل والأصحاب.

وبشيء من الفرح، المصحوب ببعض الشكوى، تنشغل درنة، الواقعة شمال شرقي ليبيا، بحراك دائم ما بين تدشين مشروعات وافتتاحها، منتظرة استكمال باقي ترميم أجزاء المدينة، التي التهمها الإعصار الجارف العام الماضي.

جانب من الاحتفالات خلال افتتاح عدد من المشروعات التي يشرف عليها «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا» (مديرية أمن درنة)

وعلى مقربة من ساحل البحر المتوسط، الذي ذابت فيه بعض أجساد غرقى المدينة الجبلية، شهدت درنة مساء الاثنين افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة» ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.

وتسبب الإعصار في وقوع أضرار فادحة وواسعة النطاق في درنة، حيث جرفت الفيضانات أحياء بكاملها، ودمر مدارس وأسواقاً وبنيات تحتية عامة؛ وهو ما تسبب في مقتل واختفاء الآلاف من الأشخاص، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

ويعمل «صندوق التنمية»، الذي يترأسه بالقاسم حفتر - من خلال شركات عربية ودولية - على إعادة إعمار المدينة، بتدشين مساكن لمن تهدّمت منازلهم، بالإضافة إلى استكمال بناء مقارّ للمؤسسات العامة التي أتى عليها الإعصار.

حضور غفير شارك في الاحتفالات بافتتاح عدد من المشروعات في درنة (مديرية أمن درنة)

وفي احتفالية مسائية، الاثنين، افتتح رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وبالقاسم حفتر، ورئيس الحكومة أسامة حمّاد، عدداً من المشروعات في درنة.

وقالت إدارة «صندوق التنمية» إن هذه المشروعات تأتي «استكمالاً للجهود المبذولة من قِبله، والتي تهدف إلى إعادة إحياء درنة، من خلال إعمار كامل المباني الخدمية ومقارّ المؤسسات الحكومية». لكن رغم ذلك لا يزال بعض ممن تضرروا من الإعصار يشكون قلة التعويضات التي حصلوا عليها، مقابلاً لاستئجار وحدات سكنية.

وحضر الافتتاحات التي ابتهج بها سكان بدرنة، عدد من المسؤولين وقيادات أمنية وعسكرية، إلى جانب مشايخ وأعيان وأهالي المدينة. وحرص صالح على تكريم بالقاسم، وذلك بمنحه «درع العطاء والتميز»؛ تقديراً لـ«مجهوداته المبذولة في إعادة إعمار درنة».

ومع ذلك، لم تنجُ المشروعات التي يشيّدها الصندوق، الذي يترأسه نجل حفتر، من مناكفات الانقسام السياسي في ليبيا، بالنظر إلى أنه كُلف به من قِبل مجلس النواب «بصلاحيات وزارة المالية لتحصيل الأموال بالاقتراض من مصرف ليبيا المركزي، واستثنائه من الرقابة المالية وديوان المحاسبة».

صورة من أعلى لعدد من المساكن الجديدة التي تم بناؤها في درنة بعد الإعصار المدمر (مديرية أمن درنة)

وغمز رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، من قناة بالقاسم حفتر، وقال إن «هناك أجهزة تنفّذ مشروعات في بعض المدن الليبية، دون الخضوع للرقابة، وهذا خلل كبير». ولم يمنع انتقاد الدبيبة أن يشيد بعمليات البناء، لكنه قال إن «التنمية لها شروطها».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» المؤقتة في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

وتمددت آثار الدمار الواسعة التي لحقت بالمدينة لتتجاوز الخسائر المادية، وتسبب في أضرار نفسية للذين طالهم الإعصار. وقد قدّرت «يونيسيف» تأثير السيول على أكثر من 300 ألف طفل ليبي، واعتبرتهم «جيلاً كاملاً» تضرر بشكل مباشر؛ ذلك أن كثيراً من هؤلاء، بحسب جمعيات إغاثة دولية، بقوا أكثر من 15 ساعة، إما تحت أنقاض منازلهم أو جرفتهم المياه لأماكن عدة، أو حتى بجانب جثث أشخاص آخرين لقوا حفتهم، وربما جثث عائلاتهم.

وتعدّ المشروعات التي افتُتحت في درنة جزءاً من مشاريع أخرى مماثلة، حيث سبق أن أعلن الصندوق عن قرب الانتهاء من تشييد ألفي وحدة سكنية، وتنفيذ بنية تحتية في أنحاء مختلفة بدرنة، وهي المشاريع التي ينظر إليها على أنها «ستعيد للمدينة بريقها المفقود».

منطقة المسجد بحلّتها الجديدة بعد بناء مساكن جديدة وإطلاق عدد من المشاريع (مديرية أمن درنة)

وفي حين رحب حمّاد بجميع الحضور في هذا اللقاء، الذي وصفه بـ«التاريخي» في مدينة درنة، ترحَّم على أرواح الشهداء، الذين قضوا بسبب العاصفة المتوسطية «دانيال». وقال حمّاد إن «الجميع يحدوه الأمل بعد مرور سنة وثلاثة أشهر على الكارثة، التي ألمّت بدرنة وبعض المدن الأخرى، بانطلاق الحل النهائي لمشكلة الانقسام السياسي، ومشاكل الدولة كافة من درنة المِعطاءة»، وتحدث عن «افتتاح المشاريع الجديدة ونسب الإنجاز العالية على أرض الواقع، وما وصلت إليه مراحل إعادة الإعمار، وتحسن أوضاع الأهالي».

ولم ينسَ حمّاد تثمين جهود الشركات المحلية والأجنبية، وخصّ الشركات المصرية، كما توقف عند العملية السياسية في ليبيا، وقال إن احتضان ليبيا اجتماعاً مرتقباً لأعضاء مجلسي النواب والدولة «من شأنه أن يبعث برسائل قوية وواضحة للجميع، سواء في الداخل أو الخارج».

ويقول الهلال الأحمر الليبي إن فرقه تلقت بلاغاً عن فقدان 3975 شخصاً، وانتشلت 2317 جثماناً طيلة فترة عملها في المدينة، التي استمرت ثلاثة أشهر. في حين تشير حكومة حماد إلى أن عدد القتلى المسجلين لدى وزارة الصحة التابعة لها وصل إلى 3845 شخصاً.

أما البنك الدولي، فقد قدّر حجم الخسائر المادية جراء عاصفة «دانيال» بنحو 1.65 مليار دولار، حيث تضررت نحو 18.5 ألف وحدة سكنية، أي ما يعادل 7 في المائة من مجموع الوحدات السكنية في كامل أنحاء درنة.


مقالات ذات صلة

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا من اجتماع سابق للدبيبة مع حمزة في طرابلس العام الماضي (حكومة الوحدة)

تباين ليبي بشأن منح قائد تشكيل مسلح منصباً «استخباراتياً» بطرابلس

لا يتمتع مدير الاستخبارات العسكرية بطرابلس محمود حمزة، بخلفية عسكرية أكاديمية، لكن ظهوره الأول كان من بين مقاتلين ضد نظام الرئيس السابق معمر القذافي، عام 2011.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا صورة وزعها مكتب حفتر لاجتماع مع مبعوث فرنسا الخاص فى بنغازي

حفتر: جميع المبادرات فشلت في حل الأزمة الليبية

قال المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي إنه «لا يمكن الاحتفال بذكرى الاستقلال في ظل تصدع أركان الدولة وأساساتها».

خالد محمود (القاهرة)

الحكومة المصرية تؤكد التزامها بسداد الديون

مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأربعاء (مجلس الوزراء)
مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأربعاء (مجلس الوزراء)
TT

الحكومة المصرية تؤكد التزامها بسداد الديون

مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأربعاء (مجلس الوزراء)
مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأربعاء (مجلس الوزراء)

أكدت الحكومة المصرية، الأربعاء، التزامها بسداد ما عليها من التزامات وديون، وذلك تزامناً مع إعلان صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق مبدئي مع القاهرة، من شأنه صرف 1.2 مليار دولار، في إطار قرض بقيمة 8 مليارات دولار.

وقال رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، خلال اجتماع الحكومة، الأربعاء، إن «الدولة المصرية سددت خلال شهري نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وديسمبر (كانون الأول) الجاري، نحو 7 مليارات دولار من الديون المستحقة عليها»، مؤكداً أن «إجمالي ما جرى سداده خلال عام 2024 وصل إلى 38.7 مليار دولار».

وأشار مدبولي إلى أن سداد هذه المبالغ «كان يُمثل تحدياً كبيراً للدولة»، مؤكداً «التزام بلاده بسداد ما عليها من التزامات»، وموضحاً أنها لم تتخلف يوماً عن سداد تلك المستحقات»، ولفت في هذا الصدد إلى أن «المبلغ المستحق خلال العام المقبل سيكون أقل مما تم سداده هذا العام»، حسب إفادة رسمية نشرتها صفحة رئاسة مجلس الوزراء المصري على «فيسبوك».

جاءت تصريحات مدبولي في إطار الإشارة إلى «الانتهاء من المراجعة الرابعة مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، ضمن ترتيب تسهيل الصندوق الممدد، الذي ستحصل مصر بموجبه على 1.2 مليار دولار»، حيث لفت رئيس الوزراء المصري في هذا الصدد إلى التصريح الصادر عن رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، الذي أوضحت فيه أنه «تم التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات المصرية بشأن المراجعة الرابعة، ضمن ترتيب تسهيل الصندوق الممدد، كما أكدت أن السلطات المصرية واصلت تنفيذ سياسات رئيسية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، وذلك على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة، التي تتسبب في انخفاض حاد في عائدات قناة السويس».

مدبولي خلال اجتماع مجلس الوزراء (مجلس الوزراء)

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022 - 2023 إلى 7.2 مليار دولار خلال 2023 - 2024، حسب التصريحات الرسمية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك في أعقاب تغيير عدد من شركات الشحن الكبرى مسارات الملاحة، بسبب الهجمات التي تشنها جماعة «الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وحسب بيان صندوق النقد الدولي، الذي نشره على موقعه الإلكتروني، الأربعاء، فإن «مواصلة مصر تنفيذ جهود ضبط الأوضاع المالية سيكون ضرورياً للحفاظ على القدرة على تحمل الديون وخفض تكاليف الفوائد الكبيرة».

وأشار الصندوق إلى أن «الحكومة المصرية وافقت على زيادة نسبة الضرائب إلى الإيرادات اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلاً من زيادة الضرائب». وقال الصندوق إن هذا من شأنه «إتاحة المجال لزيادة الإنفاق الاجتماعي لمساعدة الفئات الضعيفة»، مضيفاً أنه «في حين أن خطط السلطات المصرية لتنظيم وتبسيط النظام الضريبي جديرة بالثناء، فإن هناك حاجة إلى مزيد من الإصلاحات لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية».

كما أشار صندوق النقد إلى أن «مصر وافقت على بذل مزيد من الجهود الحاسمة لضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو، والحفاظ على التزامها بسعر الصرف المرن».

وأكد رئيس الوزراء المصري، خلال الاجتماع الأربعاء، «استمرار جهود مختلف أجهزة وجهات الدولة المعنية فيما يتعلق بحوكمة وضبط بنود الإنفاق الاستثماري، وذلك بما يسهم في إتاحة الفرصة بشكل أكبر أمام مؤسسات القطاع الخاص لزيادة نسب معدلات مشاركته في كثير من الأنشطة الاقتصادية، هذا فضلاً عن مساهمة هذه الإجراءات في ضبط الأداء المالي للموازنة العامة للدولة».

وجدد مدبولي «تأكيد استمرار جهود مختلف الأجهزة المعنية لتأمين الاحتياطيات المناسبة من مختلف السلع الاستراتيجية والأساسية، التي من شأنها أن تضمن تلبية الاحتياجات الإنتاجية والاستهلاكية من هذه السلع، وإتاحة مخزون آمن منها، ضماناً لاستقرار مستوى أسعارها».

وسمحت السلطات المصرية بانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بنحو 40 في المائة، ورفعت أسعار الوقود 3 مرات خلال العام الحالي. كما رفعت أسعار الكهرباء وخفضت دعم الخبز.

ونهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حذَّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع الصندوق إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية في اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية، التي تواجه البلاد، ضارباً المثل بتأثر إيرادات قناة السويس بنحو 60 في المائة، نتيجة التوترات الأمنية بالبحر الأحمر.

ونهاية الشهر الماضي، خلال زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر لإتمام المراجعة الرابعة، قال رئيس الوزراء المصري إن القاهرة طلبت من صندوق النقد الدولي تعديل أهداف البرنامج ليس فقط لهذا العام، ولكن لكامل مدته، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل.

ولا يزال الاتفاق مع صندوق النقد على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بحاجة إلى موافقة المجلس التنفيذي للصندوق، قبل صرف شريحة جديدة من القرض.

تأتي المراجعة الرابعة في إطار برنامج قرض صندوق النقد الدولي الأخير لمصر الذي تبلغ مدته 46 شهراً، والذي تمت الموافقة عليه في عام 2022 وتم توسيعه إلى 8 مليارات دولار هذا العام، إثر تداعيات الأزمة الاقتصادية في مصر.