لماذا تَكثّفَ الحراك الدبلوماسي الأميركي في بنغازي؟

القائم بالأعمال لدى ليبيا التقى رئيس مجلس النواب ونجلَي حفتر

بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)
بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)
TT

لماذا تَكثّفَ الحراك الدبلوماسي الأميركي في بنغازي؟

بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)
بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

كثّفت الدبلوماسية الأميركية مؤخراً تحركاتها في ليبيا، لا سيما في شرقها، وهو ما دفع عدداً من الليبيين والسياسيين إلى التساؤل عن أسباب هذه الاجتماعات التي جاءت بوتيرة متلاحقة على خلفية توتر سياسي تشهده البلاد، تزامناً مع إطلاق البعثة الأممية «مبادرة لحلحلة الأزمة».

وتتخذ محادثات المبعوث الأميركي الخاص السفير ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال برنت جيريمي، طابعاً دورياً مع الأفرقاء الليبيين، إلا أن هذه المرة كان لها وقع مختلف، وفق متابعين، خاصة بعد لقائه نجلَي المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

 

* مخاوف من «تمدد روسي»

 

للإجابة عن هذه التساؤلات، أدرج الدبلوماسي الليبي السابق رمضان البحباح، هذا الحراك ضمن «محاولة فهم موقف القيادة العامة للجيش الوطني مما يتردد عن انتقال سلاح روسي إلى شرق ليبيا، ومحاولة إيقافه»، محذراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «تنافس دولي قد يتطور إلى صراع بين دول عظمى في ليبيا، ويقود إلى تقسيمها».

رئيس مجلس النواب الليبي ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

واجتمع برنت في شرق ليبيا مع رئيس مجلس النواب، ورئيس أركان الوحدات الأمنية خالد حفتر، وشقيقه بلقاسم «مدير صندوق إعمار ليبيا». وتزامناً مع هذه الزيارة، نقلت وسائل إعلام محلية ليبية عن مسؤول بالقيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، قوله إن واشنطن «تتابع باهتمام مغادرة القوات الروسية من سوريا إلى شرق ليبيا»، وعدّ التحركات الروسية «انتهاكاً صارخاً لسيادة ليبيا، وخرقاً لقرار منع الأسلحة الأممي»، وفق قناة «ليبيا الأحرار» المحلية.

وتحدث محللون، ومن بينهم الأكاديمي والباحث الليبي أحمد العبود، عن «قلق» الإدارة الأميركية، ومن خلفها بعض قادة أوروبا، مما أسماه «انتقال النفوذ العسكري الروسي من سوريا إلى ليبيا، وتهديده للحافة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي».

ستيفاني خوري في لقاء سابق مع بلقاسم حفتر (أ.ف.ب)

ويعتقد العبود أن «روسيا أضحت وريث المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا جنوب الصحراء، وأحكمت سيطرتها العسكرية والاقتصادية، بما أفشل المشاريع الأوروبية لتعويض النفط والغاز الروسي بنفط نيجيريا».

 

* مخاوف من نقل الصراع إلى ليبيا

 

تمدد النفوذ الروسي في شرق ليبيا مع وجود قوات «فيلق أفريقيا»، وريث «فاغنر»، بعد حرب العاصمة طرابلس (2019-2020)، وسط تقارير عن إمدادات عسكرية عززت قاعدتَي الجفرة وبراك الشاطئ الخاضعتين لنفوذ «الجيش الوطني» صيف هذا العام.

ويرجح العبود في تصريح لـ«الشرق الأوسط» رغبة أميركا في الحصول على التزامات وتعهدات من جانب الأطراف الليبية بعدم استضافة وجود عسكري روسي مكثف وطويل الأمد، خاصة مع اقتراب وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للبيت الأبيض.

بلقاسم حفتر ملتقياً القائم بالأعمال الأميركي (السفارة الأميركية)

وحسب ما تم الإعلان عنه من جانب السفارة الأميركية لدى ليبيا، فإن لقاءات برنت تستهدف بحث تعزيز العملية السياسية، ودعم جهود البعثة الأممية، والعمل على توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية.

ومن منظور الأمن القومي الأميركي، هناك حسابات خاصة، وفق بن فيشمان، الباحث في معهد واشنطن للشرق الأدنى، الذي لم يستبعد «إثارة ملفَّي الوجود الروسي في ليبيا، وتوحيد القوات المسلحة، خلال اللقاءات الأميركية مع نجلَي حفتر»، إلا أنه شكك في نجاح هذه المساعي «مع قدوم إدارة أميركية جديدة بقيادة ترمب».

ويشرح فيشمان الذي عمل في السابق مديراً لشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، دوافعه لهذه الرؤية قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر يتعلق بكيفية تعامل ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، مستبعداً أن يختار الرئيس الأميركي المنتخب «خوض معركة مع روسيا بشأن سوريا وليبيا، إذا ما كان يريد التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا».

وتكشفت مخاوف حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة في غرب البلاد من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا، إثر تقارير تحدثت عن «تدفق السلاح والعتاد الروسي إلى بنغازي»، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الخميس، متعهداً بعدم السماح بدخول أي قوات أجنبية لليبيا «إلا باتفاقات رسمية وضمن إطار التدريب».

في المقابل، يرصد عماد الدين بادي، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، ما عدّه «سوء تقييم أميركي للعلاقة الروسية بحفتر»، منتقداً في الوقت نفسه ما أسماه «محاولات واشنطن لتمكين حفتر وأبنائه سياسياً».

ووسط زخم الحديث عن التدفقات الروسية إلى شرق ليبيا، لم يغب عن تقديرات بعض المحللين الربط بين الدور الأميركي، والخطة التي قدمتها الأمم المتحدة هذا الأسبوع لتنظيم انتخابات، وتوحيد الحكومتين المتنافستين في البلاد، وإصلاح المؤسسات، خصوصاً أنها كانت حاضرة في تصريحات برنت.

وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي العبود: «هناك إدراك لطبيعة دور المبعوث نورلاند خلال السنوات الماضية، وعلاقته بجميع أطراف الصراع في ليبيا، وإقناعه لهم بالانخراط في التسوية التي تطرحها ستيفاني خوري، بعد أن أخفق في إقناعهم سابقاً بالانخراط في مبادرة عبد الله باتيلي».

وتعد واشنطن من بين الدول المرحبة بخطة الأمم المتحدة، كما شاركت في اجتماع تشاوري لحشد عملية سياسية بقيادة ليبية، عقدته منظمة «ويلتون بارك» التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، بتيسير من الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

شمال افريقيا المجلس الرئاسي الليبي في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: «الرئاسي» يصعّد ضد «النواب» بشأن «المصالحة الوطنية»

طالب المجلس الرئاسي الليبي البرلمان بتجنب «القرارات الأحادية» التي قال إنها «تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلباً على أمن واستقرار البلاد».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير تركيا وملحقها العسكري (حكومة الوحدة)

ليبيا: مطالب بالتحقيق مع الدبيبة والمنقوش بسبب «لقاء كوهين»

وصول آليات عسكرية مفاجئة إلى طرابلس وقوات «الوحدة» تعزز مواقعها في الزاوية

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جل الليبيين عبّروا عن مخاوفهم من عودة الاقتتال إلى البلد (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوفون من احتمال انهيار «اتفاق وقف النار» بين الحكومتين المتنازعتين

عوامل عديدة دفعت الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية للقلق والخوف من احتمالية من عودة الاقتتال بين السلطتين المتنازعتين على السلطة في شرق البلاد وغربها.

جاكلين زاهر (القاهرة )
تحليل إخباري وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى مطار بنينا العام الماضي (الجيش الوطني)

تحليل إخباري بعد سقوط الأسد... روسيا تركّز على ليبيا لتحقيق طموحاتها الأفريقية

أدى سقوط بشار الأسد في سوريا إلى عرقلة مشاريع روسيا في أفريقيا، وأرغمها على البحث عن نقطة إسناد بديلة بحوض البحر الأبيض المتوسط، متطلعة في هذا السياق إلى ليبيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا من عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين بغرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

تعذيب «مهاجرين» طلباً للفدية يذكّر مجدداً بـ«تجارة الرقيق» في ليبيا

يتداول حقوقيون ليبيون صوراً ومقاطع فيديو تظهر أشخاصاً من ذوي البشرة السمراء يتعرضون للضرب بخراطيم وأعواد خشبية وآخرين على أجسادهم آثار تعذيب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
TT

تونس تسرّع وثيرة إقفال ملفات «الفساد والتآمر» على أمن البلاد

الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)
الرئيس التونسي عند استقباله وزيرة العدل لحثها على اختصار آجال البت في القضايا المحالة على المحاكم (الرئاسة)

كثفت السلطات الأمنية والقضائية التونسية تحركاتها لإسدال الستار على الملفات المتراكمة المتعلقة بالأمن، وفي مقدمها «تفكيك مئات الألغام» الموروثة عن العقود والأعوام الماضية، والقضايا المرفوعة منذ مدة طويلة ضد عشرات المتهمين في قضايا ذات صبغة سياسية - أمنية، بينها «الضلوع في الإرهاب»، و«التآمر على أمن الدولة»، و«الفساد الإداري والمالي».

واجتمع الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخراً مع رئيس الحكومة كمال المدوري، ووزيرة العدل ليلى جفال، ووزيري الدفاع والداخلية خالد السهيلي وخالد النوري، وطالب بتبسيط إجراءات التقاضي، وإقفال الملفات الأمنية والعدلية في «أقرب الآجال».

وحدة من قوات مكافحة الإرهاب التونسية (الشرق الأوسط)

كما أعلنت صفحات رئاسة الجمهورية والحكومة عن إصدار أوامر للحكومة «للتحرك بسرعة ونجاعة»، وتجنب «طول الإجراءات والتسويف»، وضمان «نجاعة المسؤولين». وشملت القرارات إدارات الأمن الداخلي والخارجي، وملفات محاربة الإرهاب والمخدرات، والتهريب والجريمة المنظمة.

تأجيل يليه تأجيل

حسب بلاغ نشرته صفحة رئاسة الجمهورية، فقد أمر الرئيس التونسي خلال جلسة عمل مع وزيرة العدل بـ«احترام الزمن القضائي في حسم القضايا المعروضة أمام المحاكم... حتى يأخذ كل ذي حق حقه، وفق القانون الذي يتساوى أمامه جميع المتقاضين»، منتقداً «التأجيل الذي يتلوه تأجيل في بعض القضايا المعروضة منذ أكثر من عشرة أعوام»، بما يوحي بقدر من «تمييع دور العدالة والقضاء».

عبير موسي المعتقلة بتهمة التآمر على أمن البلاد (موقع الحزب)

يُذكر أن دوائر الاتهام وقضاة التحقيق أنهوا مؤخراً الإجراءات التمهيدية لإقفال ملفات التحقيق في قضايا عشرات المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة»، و«الضلوع في الإرهاب»، و«الفساد»، بينهم رجال أعمال وسياسيون وبرلمانيون ووزراء، وأمنيون وعسكريون سابقون، وعدد من قادة الأحزاب السياسية، بينهم عبير موسي زعيمة الحزب «الدستوري»، وراشد الغنوشي وعلي العريض، ونور الدين البحيري والعجمي الوريمي، ومنذر الونيسي عن حزب «النهضة»، وعصام الشابي الأمين العام للحزب «الجمهوري»، وغازي الشواشي عن حزب «التيار الديمقراطي» اليساري، ورضا بالحاج وجوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورياض الشعيبي عن جبهة «الخلاص» المعارضة، إضافة لرجلي الأعمال المثيرين للجدل والسياسيين المستقلين كمال اللطيف وخيام التركي. علماً بأن متهمين آخرين أحيلوا أمام محاكم أخرى، بعد أن وجهت إليهم اتهامات مختلفة، تصل عقوبتها للإعدام.

عسكريون ضحايا الإرهاب

في أعقاب جلسات عمل جديدة مع وزراء الدفاع والعدل والداخلية، أمر الرئيس التونسي بتسوية وضعيات عائلات ضحايا الإرهاب والعنف من الأمنيين والعسكريين والمدنيين، وتفعيل مؤسسة «فدا»، التي أحدثتها الدولة قبل نحو عامين لهذا الغرض.

راشد الغنوشي المعتقل بتهمة الإرهاب (د.ب.أ)

كما أمر الرئيس سعيد بتسوية ملفات مئات الجرحى، وعائلات شهداء انتفاضة 2010 -2011، خاصة من عرفوا بـ«شهداء الثورة وجرحاها»، وهم بضعة مئات ممن أصيبوا بالرصاص أثناء المواجهات مع قوات الأمن خلال الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي.

وكانت الحكومات والبرلمانات والمحاكم، ومنظمات المجتمع المدني، قد دخلت منذ عام 2011 في جدال سياسي قانوني حول العدد الحقيقي لمن يمكن وصفهم بـ«شهداء الثورة وجرحاها». كما ظلت عائلات عشرات الأمنيين الذين قتلوا، أو أصيبوا بجراح خطيرة خلال المواجهات مع المسلحين والعصابات الإرهابية منذ 2011 دون سند مالي واجتماعي، إلى أن أحدثت رئاسة الجمهورية قبل عامين مؤسسة «فدا»، وقررت التكفل بكل الحالات الإنسانية مالياً واجتماعياً.

تفكيك الألغام الموروثة

أعلن وزير الدفاع الوطني قبل أيام أمام البرلمان أن القوات المسلحة تابعت طوال عام 2014 تحركاتها لتفكيك الألغام القديمة والجديدة، من بينها «ألغام يدوية الصنع» موروثة عن مرحلة الصراع بين السلطات والمجموعات المسلحة الإرهابية في جبال المحافظات الغربية للبلاد، والتي تسببت مراراً في مقتل أمنيين وعسكريين وتفجير عرباتهم.

ورغم تنويه السلطات الأمنية بنجاحها خلال العشرية الماضية في القضاء على أكثر من 90 في المائة من نشطاء المجموعات المسلحة، التي تنتمي إلى «تنظيم داعش»، و«القاعدة» وغير ذلك، فقد ظلت ألغام تنفجر وتتسبب في سقوط قتلى وجرحى بين الرعاة والسكان والأمنيين خلال عبورهم تلك الجبال.

ولذلك نظمت حملة واسعة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن تفجير حوالي 500 لغم، أغلبها يدوية الصنع.

عدد من المتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة (الموقع الرسمي لغازي الشواشي)

وأعلنت مصادر أمنية أنه في سياق الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة، تم في محافظة سوسة اعتقال تكفيرييْن، كانا في حالة فرار، بعد أن وجهت إليهما تهمة «الانتماء إلى تنظيم إرهابي»، دون الكشف عن اسم هذا التنظيم.

وأسفرت الحملات الأمنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية عن إيقاف عشرات المتهمين في قضايا مماثلة تحال على دوائر مكافحة الإرهاب والفساد، وتبييض الأموال، وتهريب السلع والمهاجرين غير النظاميين. لكن طالبت عدة شخصيات حقوقية مستقلة، وقيادات سياسية، ومنظمات نقابية وحقوقية مواقف بالإفراج عن غالبية الموقوفين، وإحالتهم إن لزم الأمر على القضاء في حالة سراح.