الأموال الليبية بالخارج... «نزيف متواصل» بسبب «التجميد» والاضطرابات السياسية

«المحاسبة» يرصد خسائر جديدة لـ«صندوق الاستثمارات»

وفد ليبي خلال مباحثات مع رئيس وزراء غينيا بشأن الاستثمارات الليبية هناك (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
وفد ليبي خلال مباحثات مع رئيس وزراء غينيا بشأن الاستثمارات الليبية هناك (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
TT

الأموال الليبية بالخارج... «نزيف متواصل» بسبب «التجميد» والاضطرابات السياسية

وفد ليبي خلال مباحثات مع رئيس وزراء غينيا بشأن الاستثمارات الليبية هناك (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)
وفد ليبي خلال مباحثات مع رئيس وزراء غينيا بشأن الاستثمارات الليبية هناك (محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار)

أثار تقرير رقابي، تم تسريبه في ليبيا مؤخراً، قضية الأموال والعقارات المملوكة للبلاد في دول عدة مختلفة، وما لحق بها من خسائر كبيرة، منذ إسقاط النظام السابق.

وتحدث مسؤولون ليبيون سابقون واختصاصيون اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط»، عن أسباب تفاقم نزيف الخسائر التي تتكبدها الاستثمارات الليبية في الخارج، وعددوا من بينها انعكاسات تجميد الأموال والأصول الليبية بقرار مجلس الأمن في عام 2011، بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية.

وخسرت «محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار» وحدها 40 في المائة من رأسمالها بواقع 1.5 مليار دولار، حسبما أفاد تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023، الذي تم تسريبه الأسبوع الماضي، علماً بأن هذه المحفظة من بين أذرع اقتصادية تابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار (الصندوق السيادي الليبي).

ويرى فهد إسماعيل، الذي عمل سابقاً عضواً بمجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «تجميد الأصول الاستثمارية من قبل مجلس الأمن ولجنة العقوبات عام 2011 يفاقم نزيف الأموال الليبية، ويعرقل توظيف أصول المحفظة بفاعلية أو التعامل بمرونة مع المؤسسات والمصارف».

ويبلغ إجمالي الأموال الليبية المجمدة بموجب قرار مجلس الأمن الصادر عام 2011 نحو 38.9 مليار دينار (وفق آخر أرقام رسمية صادرة عن ديوان المحاسبة)، علماً بأن الصرف من هذه الأموال يستلزم موافقة لجنة دولية أنشئت بقرار مجلس الأمن رقم 1970 - 2011. وقدّرت تقارير الأصول المجمدة بقرابة 200 مليار دولار، لكنها «تآكلت»، بحسب مسؤولين محليين.

والملاحظ أن تقرير ديوان المحاسبة الأخير وثّق الرواية الرسمية القائلة إن «التجميد المفروض على المؤسسة الليبية للاستثمار بقرار مجلس الأمن الدولي قد عرقل قدرتها على التخارج من الأسهم التي تشهد خسائر كبيرة في قيمتها السوقية».

ويقرّ الرئيس الأسبق للمؤسسة الليبية للاستثمار، محسن الدريجة، بحجية دعوات المؤسسة المستمرة إلى وقف القرار الدولي بتجميد أصولها الاستثمارية، باعتبار أن «استثمار الأموال أفضل من بقائها مجمدة».

إلا أن الدريجة تساءل في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «عما إذا كانت المؤشرات والنتائج تعطي انطباعاً بأن قطاع الاستثمار يعمل على نحو مرضٍ في إدارة أصوله غير المجمدة»، كما تساءل أيضاً عن «مصير تنفيذ خطة إعادة هيكلة مضى على إعدادها أكثر من 12 سنة».

لكن إسماعيل رأى أن «تجميد الأموال الليبية يحول دون إجراء أي هيكلة مالية حقيقية في المؤسسة»، منبهاً إلى أن «تعقيدات ملف الاستثمارات الليبية في الخارج تفوق قدرة أي مسؤول على وقف هذا النزيف».

مقر المؤسسة الليبية للاستثمار بالعاصمة طرابلس (الصفحة الرسمية للمؤسسة)

ومنذ سنوات لم تنقطع مساعي الحكومات الليبية المتعاقبة لفكّ التجميد عن أموال البلاد المجمدة منذ مارس (آذار) 2011. وفي هذا السياق، شكلت حكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لجنة قانونية منذ عامين، لبحث الملف مع عدد من الدول.

وإلى جانب العقوبات الدولية، من غير المستبعد تفاقم خسائر الاستثمارات الليبية مع «تذبذب أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل في ليبيا، بما جعل الاستثمارات الليبية عُرضة للتأثر بالأزمات الاقتصادية وتقلبات أسواق الطاقة العالمية»، وفق العضو السابق في مجلس إدارة هيئة الاستثمار، الذي نبّه إلى «انخفاض القيمة السوقية للأصول للاستثمارات في العقارات أو الطاقة».

ومن بين ملاحظات ومخالفات أوردها التقرير الرقابي الليبي، كانت لافتة خسائر الاستثمارات الليبية في أفريقيا، وتحديداً في غينيا، في ضوء ما كشفه ديوان المحاسبة من «فقدان 29 في المائة من إجمالي قيمة أصول فرع الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية (لايكو) هناك».

وجاء الكشف عن أرقام هذه الخسائر تزامناً مع زيارة وفد تابع لحكومة «الوحدة» إلى غينيا، لاتخاذ خطوات نحو استعادة ملكية مزرعة موالح كبرى، توصف بأنها «الأكبر في غرب أفريقيا».

ويلقي إسماعيل باللائمة على نظام الرئيس السابق معمر القذافي الذي اتخذ قرارات استثمارية «غير مدروسة في شركات أو مشاريع غير مربحة، وقطاعات متعثرة أو أسواق عالية المخاطر»، مفسراً ذلك بما عدّه «رغبة النظام السابق في السيطرة والتمدد في القارة الأفريقية دون جدوى اقتصادية حقيقية».

وسبق أن تصاعدت وتيرة القلق الليبي إثر قرار حكومة بوركينا فاسو في يونيو (حزيران) الماضي تأميم «المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية» الذي أنشئ بالشراكة مع ليبيا، ما دفع السلطات في غرب ليبيا إلى البحث في مصير كل الأصول المجمدة بالخارج.

ورغم أن تجميد الأموال الليبية بالخارج، كان حاضراً بقوة في تشخيص الخبراء، فإن الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد منذ عام 2011 كان لها نصيب من الأسباب التي قادت نحو «عدم وجود رؤية واضحة، وتقييد العمليات الاستثمارية وإضعاف الرقابة على الاستثمارات الخارجية»، وفق اسماعيل.

ويعتقد إسماعيل أن اضطرابات ما بعد «ثورة 17 فبراير» 2011 فتحت الباب أمام «نزاعات قانونية لمحفظة (ليبيا أفريقيا للاستثمار) مع شركات ومستثمرين في الخارج، قادت إلى خسائر مالية ضخمة نتيجة تسويات أو أحكام قضائية ضدها».

ومن بين الاقتصاديين الليبيين من يرى أسباباً إضافية لاستمرار نزيف الخسائر، في ضوء التركيبة الهيكلية للأذرع الاستثمارية الليبية، ومنهم الاختصاصي في الشأن الاقتصادي نعمان البوري، الذي يقول إنه «لا يوجد استثمار ناجح ومربح يديره موظفون عموميون»، منتقداً «امتلاك مؤسسة حكومية لمشاريع في قطاعات متعددة وإدارتها بموظفين تابعين لها».

وتأسست «المؤسسة الليبية للاستثمار» في عهد النظام السابق عام 2006، وتضخ استثماراتها البالغة 70.8 مليار دولار في مجالات الزراعة والعقارات والسياحة والنفط والغاز بدول أفريقية وأوروبية.

وإذ يرى البوري «أن دور الاستثمارات الحكومية يجب ألا يتعدى إدارة الأموال والأسهم»، فإنه يوصي بالاستفادة من «تجربتي الصناديق السيادية في النرويج وسنغافورة»، وكذلك البريطانية التي تعد شريكة في الأرباح الاستثمارية بفرض ضرائب دون مخاطرة برأسمال.


مقالات ذات صلة

الإعلان عن «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة بشرق ليبيا

شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية عدداً من المهاجرين المصريين (جهاز مكافحة الهجرة)

الإعلان عن «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة بشرق ليبيا

قالت سلطات أمنية بشرق ليبيا إنها نجحت في «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة في عملية وصفتها بـ«المُحكمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا بن قدارة رئيس «مؤسسة النفط الليبية» (المؤسسة)

«الليبية للنفط» تنفي صدور حكم ضد رئيسها يتعلق بحمله جنسية إماراتية

نفت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا خبراً انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حول صدور حكم نهائي من محكمة استئناف طرابلس مفاده ثبوت حمل رئيسها جنسية إماراتية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من مؤتمر «برلين» بشأن ليبيا في يونيو 2021 (أرشيفية - البعثة الأممية)

بريطانيا تستضيف اجتماعاً حول ليبيا من دون حضور «أطراف الأزمة»

قبل التئام مؤتمر منتظر، في لندن بشأن ليبيا، زادت حدة الخلافات بين الأفرقاء المتنازعين على السلطة، فيما بدا عدم تمثيل «الفاعلين في الأزمة» أمراً مستغرباً للبعض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح عدّ زمن حكومة الدبيبة انتهى منذ  وقت طويل (حكومة الوحدة)

رئيس «النواب» الليبي: زمن حكومة الدبيبة انتهى

ذكر المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي أن السلطات الإيطالية دعت النائب العام، المستشار الصديق الصور، إلى زيارة روما.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك مستقبلاً عبد الحميد الدبيبة (المكتب الإعلامي لديوان المحاسبة)

تقرير ديوان المحاسبة يصدم الليبيين ويدفعهم للتساؤل عن أسباب تراجع عائدات النفط

أثار تقرير ديوان المحاسبة الليبي لسنة 2023، الصادر نهاية الأسبوع الماضي، انتقادات سياسية وإعلامية ضد سلطات طرابلس.

جاكلين زاهر (القاهرة )

«الليبية للنفط» تنفي صدور حكم ضد رئيسها يتعلق بحمله جنسية إماراتية

بن قدارة رئيس «مؤسسة النفط الليبية» (المؤسسة)
بن قدارة رئيس «مؤسسة النفط الليبية» (المؤسسة)
TT

«الليبية للنفط» تنفي صدور حكم ضد رئيسها يتعلق بحمله جنسية إماراتية

بن قدارة رئيس «مؤسسة النفط الليبية» (المؤسسة)
بن قدارة رئيس «مؤسسة النفط الليبية» (المؤسسة)

تعرض «حقل الوفاء» للغاز (غرب العاصمة الليبية طرابلس) لحادث سقوط 4 صواريخ «غراد»، دون خسائر مادية أو بشرية، بينما عمق حكم قضائي أزمة النفط بالبلاد، يعتقد أنه صادر عن محكمة استئناف طرابلس، بثبوت حمل فرحات بن قدارة، رئيس مجلس إدارة «المؤسسة الوطنية للنفط»، الجنسية الإماراتية.

وتحدث شهود عيان ووسائل إعلام محلية، الأحد، عن سقوط 4 صواريخ من نوع «غراد»، مجهولة المصدر، بالقرب من «حقل الوفاء» بمنطقة الحمادة، لكن دون أضرار. ولم تؤكد أي جهة رسمية صحة هذه الأنباء.

ونسبت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حكماً لمحكمة استئناف طرابلس، بإلغاء كل القرارات الصادرة عن بن قدارة، وعدّت أن «جميع التصرفات الصادرة عنه باطلة وعديمة الأثر، لكونه يحمل الجنسية الإماراتية بما يخالف قانون الجنسية الليبي»، غير أن «مؤسسة النفط» نفت ذلك.

وقالت المؤسسة، الأحد، إن «خبراً انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حول صدور حكم نهائي من محكمة استئناف طرابلس مفاده ثبوت حمل فرحات بن قدارة للجنسية الإماراتية»، وأضافت: «نفيد بأن ما ذكر من معلومات أمر عارٍ من الصحة، ولا يمتّ للحقيقة بأي صلة».

وأوضحت «المؤسسة الوطنية للنفط» أن «موضوع القضية في الواقع هو طعن بإلغاء قرار نقل موظف، وهذا ما أكده منطوق الحكم المشار إليه، والمرفق مع هذا البيان، والذي ينص على إعادة موظف لسابق عمله، ولم ينص في الحقيقة على ما ورد زوراً على عدد من صفحات التواصل الاجتماعي مجهولة المصدر والتمويل».

ونوهت إلى أنه «جاء في الأسباب حمل بن قدارة الجنسية الإماراتية؛ وهذا ما نفاه محامي المؤسسة، وقدم بن قدارة على خلفية ذلك شكوى جنائية للنائب العام ضد المدعو (م، ش) ومحاميه لادعائهما زوراً حمله الجنسية الإماراتية».

وأطلقت «المؤسسة الوطنية» حزمة من المشاريع التنموية المتنوعة ببلدية مرادة، تشمل قطاعات التعليم والكهرباء والمياه والبنية التحتية والصحة، ضمن خططها للتنمية المكانية، وفي إطار دورها الاجتماعي تجاه البلديات القريبة من العمليات النفطية.

حضور الدبيبة ختام مسابقة للفروسية في مصراتة (حكومة الوحدة)

من جانبه، هنأ رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، لدى مشاركته مساء السبت، في ختام مسابقة كأس «شهداء مصراتة» للفروسية، بحضور بعض الوزراء والمسؤولين، وبعض السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية، «مدرسة شهداء مصراتة» بإعادة افتتاحها بحلتها الجديدة، مشيداً بالتنظيم المميز والجهود المبذولة لإنجاح المسابقة.

وعدَّ السفير الروسي، أيدار أغانين، المسابقة التي حضرها «دليلاً على حقيقة عودة الحياة»، الاسم الذي اختارته حكومة «الوحدة» لمشاريعها للتنمية.

كما أكد الدبيبة، خلال تفقده مشروع إنشاء مطار مصراتة الدولي الجديد، على أهميته في تطوير قطاع الطيران وتحقيق المعايير الدولية، مشيداً بجهود قطاع المواصلات في إنجاح هذا المشروع الاستراتيجي.

وكانت حكومة «الوحدة»، قالت إن فتح الله الزني، وزيرها للشباب، والمبعوث الخاص للدبيبة، سلّم، مساء السبت، رسالة خطية إلى رئيس غينيا بيساو، عمر سيسكو إمبالو، تتعلق بالتنسيق السياسي والتعاون، مشيرة إلى تجديده دعم بلاده «لجهود حكومة (الوحدة) من أجل التنمية والاستقرار»، مؤكداً أنها «الحكومة الشرعية والمعترف بها دولياً» وصولاً إلى الانتخابات العامة.

المنفي يتسلم رسالة من رئيس الوزراء الفلسطيني بطرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

في شأن آخر، قال رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، إنه تسلم، الأحد، رسالة خطية من رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، عبر القائم بأعمال السفارة الفلسطينية، محمد رحال، الذي نقل أيضاً تحيات الرئيس محمود عباس، مثمناً مواقفه العربية والدولية تجاه القضية الفلسطينية.

بموازاة ذلك، قال المتحدث باسم «المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا»، أكرم جرناز، إن سليمان شنين، سفير الجزائر، بحث خلال زيارته إلى مدينة نالوت، مع مشايخ وأعيان الأمازيغ في جبل نفوسة، «وضع الشريط الحدودي المشترك مع الجزائر، وأهمية استقرار المنطقة أمنياً»، لافتاً إلى التأكيد على أن المدن الأمازيغية الليبية «تمثل عمقاً استراتيجياً مهماً لأمن الجزائر وتونس».

اجتماع السايح مع وزير مالية حكومة «الوحدة» (المفوضية العليا للانتخابات)

من جهة أخرى، أدرج رئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السايح، اجتماعه بطرابلس، مع خالد المبروك، وزير المالية بحكومة «الوحدة»، في إطار التنسيق لبدء المرحلة الثانية لانتخابات المجالس البلدية، بداية العام المقبل.

ونقل عن المبروك، تهنئته بنجاح تنفيذ المرحلة الأولى من هذه الانتخابات، وإشادته بدور واستعدادات المفوضية للإيفاء بمسؤولياتها في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية الموكلة لها.