شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

حكومة «الوحدة» كشفت عن ترتيبات جديدة لضبط ملف العمالة الوافدة

مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
TT

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)
مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

يساور عدد من مسؤولي وساسة ليبيا في شرق البلاد وغربها قلق متزايد من ملف «شبح توطين المهاجرين غير النظاميين»، بعد أن عاد بقوة إلى واجهة الأحداث، إثر تصريحات صدرت عن وزير في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، في إطار تسويقه مبررات تطبيق نظام «الكفيل الخاص» في إدارة ملف العمالة الوافدة.

وفي بلد استقبل نحو 2.5 مليون مهاجر غير نظامي منذ 2011، وفق تقديرات رسمية، أبدت حكومة الدبيبة على لسان وزير العمل، علي العابد، مخاوف من «التوطين»، على اعتبار أن «تواجد المهاجر لعشر سنوات في البلاد يمنحه فرصة للحصول على الجنسية (وفق التشريع الليبي)، وقد يعطيه حق التصويت على دستور البلاد»، في بلد يُحكم بإعلان دستوري منذ عام 2011، وفق مقابلة للعابد مع قناة محلية.

علي العابد وزير العمل بحكومة «الوحدة» الليبية (المكتب الإعلامي للوزارة)

ويعرف تشريع صادر عن البرلمان الليبي العام الماضي التوطين بأنه «إدخال الأجانب إلى ليبيا بقصد اتخاذها موطناً دائماً لهم، بتأشيرة صحيحة أو بغير تأشيرة»، وكذلك «بقاء الأجنبي في ليبيا بعد انتهاء المدة المحددة لإقامته فيها، أو بعد زوال سبب دخوله»، علماً أن مجرد «دخول الأجنبي أو إقامته دون سبب معلوم هو دليل على أن السبب هو التوطّن في ليبيا».

مخاوف دستورية

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي الليبي، على اعتبار أنه قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة، ويتسبب في ارتفاع معدلات الجريمة في بلد غير مؤهل لاستضافة المهاجرين، ويقع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة»، وفق تعبير الدكتور محمد حسن مخلوف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بنغازي.

وفي خطوة وُصفت بأنها «إجراء احترازي»، اختارت حكومة الدبيبة قطع الطريق «أمام التوطين»، عبر استحضار تطبيق نظام «الكفيل»، وإلزام «صاحب العمل بإخراج العامل خارج البلاد بعد 3 سنوات من تواجده»، وذلك بعد تسجيله في منصة إلكترونية حكومية (منظومة «وافد») بإثباتات، تشمل عقد العمل وتأشيرة إقامة، وفق وزير العمل بحكومة غرب ليبيا.

رفض سيناريو «التوطين»

تصريحات العابد لم تكن الأولى الصادرة عن حكومة عبد الحميد الدبيبة؛ إذ سبق لوزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، أن عبّر عن رفضه سيناريو «التوطين»، وتمسك في تصريحات أطلقها في شهر أكتوبر (تشرين الأول الماضي) بأن ليبيا «دولة عبور للمهاجرين وليست المقصد».

مهاجرون غير شرعيين تم ضبطهم في العاصمة الليبية (أ.ب)

وفي حين تواجه ليبيا معضلة الانقسام السياسي المستمر بين حكومتين، الأولى برئاسة الدبيبة في غرب البلد، والأخرى مكلفة من البرلمان في الشرق برئاسة أسامة حماد، لكن هذا الانقسام بدأ يتلاشى قليلاً أمام مخاوف «التوطين».

ففي إجراء استباقي مبكر، أقرّ مجلس النواب في أغسطس (آب) من العام الماضي تشريعاً يقضي بـ«مكافحة توطين الأجانب في ليبيا». وأقرّ القانون عقوبات، تتراوح بين الغرامة والحبس، ومصادرة الأموال لمن قصد التوطن في ليبيا، أو من آوى أجنبياً أو شغَّله بقصد توطينه. وكان اللافت اشتراط وجود «كفيل ليبي الجنسية للأجنبي المتواجد في البلاد»، يكون مسؤولاً عن جميع الإجراءات الخاصة بالأخير.

انتشال جثث مهاجرين غرقوا في عرض السواحل الليبية (رويترز)

وعدّ متابعون صدور القانون آنذاك بمثابة رد فعل عملي على جدل حاد واكب مؤتمر روما حول الهجرة في يوليو (تموز) 2023، واستدعى تحذيراً من رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، أسامة حماد، للأطراف المشاركة في هذا المؤتمر من اتخاذ قرارات تسمح بتوطين المهاجرين في ليبيا، حسب تعبيره.

إلا أن ساسة ليبيين، ومن بينهم عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد أبو بريق، أشاروا إلى وجود مبالغة وتهويل في الحديث عن «التوطين»؛ إذ عدَّه أبو بريق ضمن «هواجس لدى البعض»، معتقداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يسمى التوطين رهن لقوانين البلد نفسها، ولا يمكن فرضه على أي دولة إلا عبر اتفاقيات أو قوانين».

وفي خطوة عملية ترجمت توجهات ومخاوف حكومة الدبيبة، كان إعلان وزارة العمل إطلاق مبادرة تخصيص «سكن لإقامة العمالة الوافدة فقط»، في حين قالت الوزارة إنه «مسعى قطع الطريق على أي فرصة للتوطين، أو الإقامة داخل الأحياء السكنية، وإلزام العمالة بالخروج والعودة من البلاد في مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ دخولها الرسمي»، وفق نص القرار.

ولم يتوقف الأمر عند حدود ليبيا؛ إذ دخلت المنظمة الدولية للهجرة على الخط، مع تصريحات صدرت عن نيكوليتا جيوردانو، رئيسة بعثة المنظمة لدى ليبيا، حيث تحدثت المسؤولة الدولية في وقت سابق هذا الأسبوع عن استراتيجية دولية لتحسين إدارة الهجرة في ليبيا، وضمان قدرة المهاجرين على المساهمة بشكل آمن ومنتظم في التنمية الاقتصادية في ليبيا، معتبرة أن «80 في المائة منهم يأتون من دول مجاورة، مثل النيجر والسودان ومصر وتشاد، ومعظمهم يبحث عن فرص عمل قصيرة أو طويلة الأجل».

حرس الحدود خلال اعتقال عدد من المهاجرين السريين في الجنوب الليبي (الشرق الأوسط)

وفي رد فعل فوري رافض مقترح المسؤولة الدولية، أدرج تجمع الأحزاب الليبية تصريحاتها في سياق «خطة توطين المهاجرين، والإيحاء للرأي العام العالمي والمحلي بأن الأفارقة في طريق هجرتهم يقصدون الإقامة في ليبيا وليس عبور البحر لأوروبا». في حين ذهب الأكاديمي الليبي مخلوف إلى الحديث عن «محاولات أوروبية للمضي بهذا السيناريو إلى النهاية».

أما بالنسبة لمراقبين أوروبيين، ومن بينهم الباحثة الفرنسية المتخصصة في الشأن الليبي، فيرجيني كولومبييه، التي رصدت «مخاوف عميقة الجذور بين الليبيين»، فقد أشارت من جهتها إلى ما عدته «تفسيراً خاطئاً لتصريحات المسؤولة في المنظمة الدولية للهجرة».

وتنطلق الباحثة الفرنسية من حقيقة أن «ليبيا بلد عبور رئيس للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا، إلى جانب أنها وجهة للمهاجرين الباحثين عن فرص اقتصادية»، معيدة التذكير بأن ليبيا «كانت سوق عمل جذابة خلال عهد الرئيس السابق القذافي»، رغم ما عدته «انتشاراً لسوء معاملة العمال الأجانب، خصوصاً القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى».

وفي هذا السياق، خلصت كولومبييه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى تفسير ترويج المنظمة الدولية للهجرة، بدعم من الاتحاد الأوروبي وإيطاليا، لاتفاقيات تنقل العمالة بين ليبيا وبلدان المنشأ للمهاجرين، وذهبت إلى القول بأن تحقيق الاستقرار السياسي وتحسن الأوضاع الأمنية في ليبيا، «يقلل من تدفقات المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا».


مقالات ذات صلة

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

شمال افريقيا جانب من اجتماع الوفد الأممي مع القيادات المحلية في سبها جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

ناقش وفد أممي بقيادة خوري، خلال زيارته مدينة سبها بجنوب ليبيا مع كبار المسؤولين العسكريين، تحسن الوضع الأمني في الجنوب وتحديات أمن الحدود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة لسيف القذافي تداولها أنصاره على صفحاتهم الشخصية

تصريحات منسوبة لسيف القذافي تعيده للساحة السياسية الليبية

يُبقي أنصار سيف الإسلام القذافي عليه حاضراً في المشهد السياسي الراهن بتصريحات غير موثقة للتأكيد على قربه من الحياة العامة رغم أنه لم يظهر في مكان عام منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة خلال لقاء سابق مع الطرابلسي في حضور وزير شؤون مجلس الوزراء عادل جمعة (الوحدة)

ليبيون يتساءلون حول جدوى «شرعنة» الميليشيات المسلحة

رئيس «الوحدة» الليبية قال إن حكومته «لا تزال تعمل على معالجة الخلافات والاشتباكات بين المجموعات المسلحة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء حفتر مع نائب وزير الدفاع الروسي في بنغازي (الجيش الوطني)

قتلى وجرحى في «اشتباكات مفاجئة» بالعاصمة الليبية

أسفرت اشتباكات مفاجئة، الأربعاء، في العاصمة الليبية طرابلس، عن سقوط قتلى وجرحى.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا زيارة وفد السفارة الأميركية في ليبيا إلى سبها (السفارة الأميركية على إكس)

«النفوذ الروسي» في ليبيا يلاحق زيارة المبعوث الأميركي للجنوب

يعتقد ليبيون بأن «نفوذاً روسياً يتمدد في جنوب البلاد ليس بمنأى عن توجهات الاستراتيجية الأميركية للمناطق الهشة وزيارة نورلاند الأخيرة إلى سبها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ألمانيا توقف مراهقاً يشتبه في تخطيطه لهجوم بدوافع إرهابية

الشرطة الألمانية أعلنت توقيف مراهق يشتبه في قيامه بالتحضير لتنفيذ هجوم إرهابي (إ.ب.أ)
الشرطة الألمانية أعلنت توقيف مراهق يشتبه في قيامه بالتحضير لتنفيذ هجوم إرهابي (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا توقف مراهقاً يشتبه في تخطيطه لهجوم بدوافع إرهابية

الشرطة الألمانية أعلنت توقيف مراهق يشتبه في قيامه بالتحضير لتنفيذ هجوم إرهابي (إ.ب.أ)
الشرطة الألمانية أعلنت توقيف مراهق يشتبه في قيامه بالتحضير لتنفيذ هجوم إرهابي (إ.ب.أ)

أعلن القضاء الألماني، الخميس، توقيف مراهق يشتبه في قيامه بالتحضير لتنفيذ هجوم انطلاقاً من دوافع إسلامية متطرّفة.

وبحسب ما أورده تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد أودع المشتبه به، الذي لم يتمّ تحديد عمره، الحبس الاحتياطي، الأربعاء، بعدما كشفت عمليات تفتيش لمنزله عن «شبهة قوية في أنّه كان ينوي صنع قنابل»، وفق بيان صادر عن النيابة العامة في كوبلنتس، الواقعة في جنوب غربي ألمانيا.

وأضافت النيابة العامة أنّه لا يوجد «أي دليل» يشير إلى أنّ ارتكاب الفعل كان وشيكاً، أو أنّه تمّ تحديد هدف.

وعثر في منزل المراهق، الواقع في منطقة ماينز (جنوب غربي)، على حربتين وأربع قطع من أنابيب مزوّدة بأغطية من كلا الطرفين، وأدوات يفترض أنها مخصّصة لإعداد آلية لإشعال النار.

وحصل المشتبه به على تعليمات عبر الإنترنت، بشأن تصنيع قنابل أنبوبية ومتفجّرات يمكن استخدامها في هذه القنابل.

وتشتبه النيابة العامة بتطرّفه الديني، وبنشر محتوى دعائي على الإنترنت يمجّد جرائم تنظيم «داعش» المتشدد.

ورفعت ألمانيا مستوى التأهب في مواجهة التهديد الإسلامي المتطرف، وزيادة الحوادث المعادية للسامية منذ الهجوم غير المسبوق، الذي شنّته حركة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والذي أدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة.

وكان قد تمّ توقيف مراهق آخر هذا الشهر يُشتبه في قيامه بالتحضير لهجوم يستهدف سوقاً لعيد الميلاد.

وشهدت ألمانيا هجوماً بشاحنة على سوق لعيد الميلاد في ديسمبر (كانون الأول) 2016، تبنّاه تنظيم «داعش» المتشدد، وأدى إلى مقتل 12 شخصاً في وسط برلين. ويعد ذلك الهجوم الأكثر دموية الذي تشهده البلاد.

كما شهدت ألمانيا في الأشهر الأخيرة عدّة هجمات يُشتبه في أنّ دوافعها إسلامية، كما تمّ إحباط العديد من الخطط في هذا الإطار.

في نهاية أغسطس (آب) الماضي، أسفر هجوم بسكين نفّذه شخص يحمل الجنسية السورية، وأعلن تنظيم «داعش» آنذاك مسؤوليته عنه، عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين بجروح في زولينغن (غرب).

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أدى هجوم آخر بسكين اتهم أفغاني بتنفيذه خلال مسيرة مناهضة للإسلام في مانهايم (غرب)، إلى مقتل شرطي تدخّل لمنع تنفيذه.