روسيا تستخدم «الفيتو» ضد «النكهة الاستعمارية» للحل في السودان

وزير الخارجية البريطاني اعتبره «عاراً» على بوتين

نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي رافعاً يده للتصويت في مجلس الأمن ضد مشروع قرار حول الوضع في السودان (رويترز)
نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي رافعاً يده للتصويت في مجلس الأمن ضد مشروع قرار حول الوضع في السودان (رويترز)
TT

روسيا تستخدم «الفيتو» ضد «النكهة الاستعمارية» للحل في السودان

نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي رافعاً يده للتصويت في مجلس الأمن ضد مشروع قرار حول الوضع في السودان (رويترز)
نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي رافعاً يده للتصويت في مجلس الأمن ضد مشروع قرار حول الوضع في السودان (رويترز)

أجهضت روسيا، يوم الاثنين، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية في السودان، والشروع في عملية سياسية انطلاقاً من «محادثات جدة»، لوضع حد للحرب المستعرة منذ 20 شهراً.

وجاء استخدام روسيا لحق النقض «الفيتو» ضد مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا مع سيراليون بعد مفاوضات صعبة وطويلة. وعلى رغم استجابة رئيس مجلس الأمن للشهر الجاري وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي للمحاولة الأخيرة التي قام بها المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير، الذي طلب تعليق الاجتماع سعياً إلى التوافق، عاد الأعضاء الـ15 إلى قاعة المجلس وصوتوا على النص الذي تجاوب معه 14 عضواً مقابل معارضة روسيا.

ويحتاج أي قرار في مجلس الأمن إلى موافقة ما لا يقل عن تسعة أصوات، بالإضافة إلى عدم استخدام «الفيتو» من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وهي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. وكان من شأن مشروع القرار أن «يندد بالهجوم المستمر من (قوات الدعم السريع) في الفاشر في دارفور»، ويطالبها بـ«الوقف الفوري لجميع هجماتها ضد المدنيين في دارفور وولايتي الجزيرة وسنار وأماكن أخرى». ويدعو إلى «وقف كل الهجمات ضد المدنيين» ويدعو أطراف النزاع إلى «وقف الأعمال العدائية على الفور»، والانخراط في حوار «بحسن نية بهدف الاتفاق على وقف إطلاق نار وطني على وجه السرعة».

كما يطالب كل الأطراف المتحاربة بحماية المدنيين في السودان، واتخاذ «كل الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين»، ويدعو إلى «اتخاذ خطوات عاجلة لوقف ومنع العنف الجنسي المرتبط بالصراع، والتأكد من عدم استخدامه كتكتيك في الحرب». وهو يدعو كذلك إلى «الموافقة على فترات توقف إنسانية على أساس مستدام»، ويدعو كل الأطراف إلى «السماح بتسهيل وصول المساعدات عبر الحدود بشكل كامل وسريع وآمن ومن دون عوائق».

«عار على بوتين»

وبعد التصويت، قال الوزير البريطاني ديفيد لامي إن المدنيين السودانيين «عانوا عنفاً لا يمكن تصوره خلال الحرب»، وإن هذه المعاناة «ندبة على الضمير الجماعي». وأضاف أنه «في وجه هذه الأهوال عملت المملكة المتحدة وسيراليون لجمع هذا المجلس معاً لمعالجة هذه الأزمة والكارثة الإنسانية لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والدعوة لوقف إطلاق النار. دولة واحدة وقفت في طريق تحدث المجلس بصوت واحد. دولة واحدة هي المعرقلة وهي عدوة السلام. إن الفيتو الروسي (عار)» على الرئيس فلاديمير بوتين الذي «يشن حرباً عدوانية على أوكرانيا. عار على بوتين لاستخدام مرتزقته لنشر الصراع والعنف في أنحاء القارة الأفريقية».

وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يتحدث أمام مجلس الأمن خلال اجتماع حول الوضع في السودان (رويترز)

«نكهة استعمارية»

وفيما كان لامي يلقي كلمته، بدا نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، وهو يتفحص هاتفه. وقال بوليانسكي لاحقاً إن «الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام هي أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاق لوقف النار»، مضيفاً أنه «لا ينبغي أن يفرض المجلس هذا الاتفاق بطريقة متبلة بنكهة استعمارية». ورأى أن «المشكلة الرئيسية في المسودة هي أنها تتضمن فهماً خاطئاً لمن يتحمل مسؤولية حماية المدنيين ومن يجب أن يتخذ قراراً في شأن دعوة القوات الأجنبية إلى السودان».

وتدور حرب منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي». واتُّهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استهداف مدنيين، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، واستخدام أساليب التجويع في حق ملايين المدنيين. وأشار أحد الدبلوماسيين إلى أنه خلال المفاوضات حول النص «أدلت روسيا بكثير من التعليقات المنحازة» لمعسكر البرهان. وعلى رغم الفيتو الروسي، واصل أعضاء المجلس دعواتهم إلى وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب في السودان.


مقالات ذات صلة

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» عمر حمدان خلال مؤتمر صحافي بنيروبي يوم 18 نوفمبر (الشرق الأوسط)

«قوات الدعم السريع» السودانية: خياراتنا مفتوحة لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتنا

أكد رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» السودانية، عمر حمدان، في مؤتمر صحافي أنهم لا يرفضون السلام، لكن هذا يتوقف على مبادرة جادة وبضمانات دولية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أرشيفية لجلسة مجلس الأمن الدولي (موقع الأمم المتحدة)

«فيتو» روسي ضد الدعوة إلى وقف إطلاق النار في السودان

استخدمت روسيا حقّ النقض (الفيتو)، الاثنين، لإسقاط مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية في السودان وحماية المدنيين من النزاع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا جندي من الجيش السوداني فوق شاحنة عسكرية خارج مستشفى في أم درمان في 2 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن مقتل 150 من «الدعم السريع» في غرب السودان

قالت القوات المسلحة السودانية إن 150 مقاتلاً من قوات الدعم السريع شبه العسكرية قتلوا في معركة بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور بغرب السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم )
خاص وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)

خاص وزير الخارجية السوداني لــ«الشرق الأوسط»: حريصون على تحسين علاقتنا مع دول الجوار

تترقب بورتسودان أول زيارة للمبعوث الأميركي، التي تستغرق يوماً واحداً، ويلتقي خلالها عدداً من المسؤولين في «المجلس السيادي» وحاكم دارفور، مني أركو مناوي.

وجدان طلحة (بورتسودان)

«قانون اللاجئين» يثير جدلاً في مصر

طالبة لجوء سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
طالبة لجوء سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
TT

«قانون اللاجئين» يثير جدلاً في مصر

طالبة لجوء سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)
طالبة لجوء سودانية مع أطفالها تتقدم بطلب لجوء في مركز تسجيل مفوضية اللاجئين بمصر (المفوضية)

أثار مشروع قانون ينظم أوضاع اللاجئين في مصر، ويناقشه مجلس النواب (البرلمان)، حالة جدل واسعة في مصر، وسط تساؤلات عن الفائدة التي ستعود على القاهرة من إقراره، وانتقادات لما نصّت عليه بنود مشروع القانون من «امتيازات وحقوق» للأجانب، عدّها البعض محاولة لـ«توطينهم»، ما يزيد من أعباء البلاد الاقتصادية.

وبينما أكّد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أهمية سن تشريع ينظّم ويقنن أوضاع اللاجئين، أرجعوا حالة الجدل بشأنه إلى «عدم التمهيد» للقانون، و«تناقض» مضمونه مع خطاب إعلامي ورسمي كان يشكو من العبء الاقتصادي لزيادة عدد اللاجئين.

وتصدرت وسوم «#قانون_اللاجئين» و«#مجلس_النواب»، «تريند» مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث شارك عدد من روّاد المنصات بنود مشروع القانون، مع تعليقات تراوحت بين الرفض والقبول، والسؤال عن جدواه في هذا التوقيت، تزامناً مع استكمال مجلس النواب مناقشاته، بعد أن وافق عليه مبدئياً قبل أيام، وأنهى، الاثنين، مناقشة 32 مادة من موادّه الـ39.

وتقدّر بيانات حكومية رسمية أعداد الأجانب الموجودين في مصر بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7 في المائة من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.

فيما تشير بيانات «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» إلى تسجيل 818 ألف لاجئ من 60 دولة في مصر، يحتل السودانيون المرتبة الأولى بينهم بواقع 537 ألفاً و882 لاجئاً، يليهم السوريون بواقع 148 ألفاً و938 لاجئاً».

بينما تشير البيانات الأخيرة الصادرة عن حكومة مصر إلى أن أكثر من 1.2 مليون سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وعبر حسابها على موقع «إكس»، أشارت الإعلامية وعضوة مجلس النواب المصري دينا عبد الكريم إلى «أهمية التوقيت» عند مناقشة أي قانون. وقالت: «أدرك تماماً أن وقع القانون يبدو مخيفاً لبعض الناس في ظل القلق المتزايد من أعداد اللاجئين في مصر وضغطهم على الخدمات العامة»، لكنها أوضحت أن «القانون لم يأتِ بجديد سوى محلية التقييم مستنداً لما هو قائم بالفعل».

وانتقد بعض روّاد منصات التواصل الاجتماعي مشروع القانون، معربين عن مخاوفهم من أن يكون مقدمة لـ«توطين» الأجانب في مصر، أو أن يفتح الباب نحو زيادة أعداد اللاجئين بما يشكّل عبئاً إضافياً على الخدمات في البلاد، في وقت دافع فيه آخرون عن مشروع القانون.

وخشي البعض من «تحويل اللاجئ من ضيف لمستوطن»، واصفين مشروع القانون بأنه «يساوي بين اللاجئ وبين المواطن في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية».

غير أن عضو مجلس النواب المصري، محمود بدر، قال عبر حسابه على «إكس»، إن «القانون لا علاقة له بتوطين اللاجئين ومعظم مواده تأتي متوافقة تماماً مع اتفاقية اللاجئين التي وقّعت عليها مصر عام 1951». وأضاف أن القانون «يتيح حصر اللاجئين وينهي حالة الفوضى والعشوائية بشأن وجودهم».

وردّ بدر على ما يتردد بشأن منح الجنسية المصرية للاجئين، وقال: «القانون ليس له علاقة بذلك، والجنسية ينظمها تشريع آخر، واللاجئ كأي أجنبي يمكنه التقدم بطلب للحصول على الجنسية إذا انطبق عليه القانون الخاص بها».

ووفقاً لمجلس النواب، فإن القانون يأتي «في ضوء ما شهدته المنطقة من تفاقم بالأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية في العديد من دول الجوار، ما أدى إلى تنامي موجات عديدة من النزوح وزيادة التدفقات الوافدة إلى مصر»، مشيراً إلى أن «مصر تحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بين الدول الأكثر استقبالاً لطلبات لجوء جديدة عام 2023».

وأرجع مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتور عمرو الشوبكي، حالة الجدل إلى «دهشة كثيرين من سعي الحكومة لسن قانون ينظّم شؤون اللاجئين، في وقت روّج الخطاب الإعلامي والرسمي طوال الفترة الماضية لما يشكّله وجود الأجانب من عبء اقتصادي على البلاد».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط»: «كان لا بد من التمهيد للقانون وتوضيح الأسباب التي دفعت إلى إقراره لمنع حالة الجدل والبلبلة الموجودة حالياً».

في المقابل، أكد أستاذ العلاقات الدولية ومدير «مركز دراسات الهجرة واللاجئين» في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الدكتور إبراهيم عوض، «أهمية سن قانون ينظم وجود اللاجئين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من المفترض أن يكون لكل دولة قانون ينظم أوضاع اللاجئين وألا يتم الاعتماد فقط على المفوضية الأممية في هذا الشأن»، مشترطاً أن «يتماشى القانون مع الالتزامات الدولية في ضوء الاتفاقيات التي وقّعت عليها مصر في هذا الشأن».

ورفض عوض إطلاق اسم «امتيازات» على ما يحصل عليه اللاجئ، وقال: «لا يوجد شيء اسمه امتيازات، هناك 3 اختيارات أمام من يحمل صفة لاجئ، إما البقاء في بلد اللجوء أو العودة لبلاده، أو إعادة توطينه في دولة أخرى».

وشدّد على أن «وجود قانون للاجئين لا يعني بأي حال من الأحوال توطينهم في بلد اللجوء»، مؤكداً أن «حصر أعداد اللاجئين أمر مهم للاجئ وللدولة المضيفة في آنٍ واحد».

وقدّر رئيس مجلس الوزراء المصري، في وقت سابق، التكلفة المباشرة لاستضافة مصر ما يزيد على 9 ملايين شخص، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.

ويرى الشوبكي أن «مضمون مواد قانون اللاجئين بشكل عام لا ينطوي على مشكلات»، مشيراً إلى أن «حصر أعداد اللاجئين بدقة قد يسهم في زيادة الدعم الذي تحصل عليه مصر من المنظمات الدولية لتقديم الخدمات للاجئين».

وحسب مشروع القانون، «يتمتع اللاجئ فور اكتسابه هذا الوصف بحقوق منها الحق في الحصول على وثيقة سفر، وحظر رده أو إعادته قسرياً لموطنه أو بلد إقامته»، كما «يخضع اللاجئ في مسائل الأحوال الشخصية لقانون بلد موطنه أو لقانون بلد إقامته».