مصر: تغيّرات مجتمعية مرتقبة مع تعديل «الإيجار القديم»

مجلس النواب شكّل لجنة لتحليل حكم «الدستورية»

مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر: تغيّرات مجتمعية مرتقبة مع تعديل «الإيجار القديم»

مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)
مساكن قديمة في منطقة الكوربة بمصر الجديدة شرق العاصمة القاهرة (الشرق الأوسط)

بقلق ينتظر الموظف المصري المتقاعد كمال درويش (67 عاماً)، ما ستؤول إليه تعديلات قانون «الإيجار القديم»، والذي يناقشه مجلس النواب المصري (البرلمان) حالياً، وسط ترقب لتأثير أي تعديلات مرتقبة على أوضاع اجتماعية واقتصادية دامت لعقود. وبينما وعد رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، كلاً من المستأجرين والملاك بـ«تحقيق التوازن»؛ أعلن، الأحد، تشكيل لجنة برلمانية لتحليل حكم المحكمة الدستورية الذي أبطل مادتين في القانون الصادر عام 1981.

وقضت «الدستورية»، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ببطلان ما تضمنته المادتان من ثبات الأجرة السنوية، باعتباره «عدواناً على قيمة العدل وإهداراً لحق الملكية»، ومنحت البرلمان مهلة 8 شهور لتعديل القانون.

وخلال جلسة عامة، الأحد، أكد جبالي أن المجلس سيمنح الفرصة لـ«أطراف المصلحة الرئيسين - الملاك والمستأجرين - للتعبير عن آرائهم ومواقفهم»، بالإضافة إلى الاستماع لرأي أساتذة القانون وعلم الاجتماع وغيرهم من الخبراء لأخذ آرائهم؛ لـ«ضمان الحصول على رؤية متكاملة تجمع بين التحليل القانوني والمقاربة الاجتماعية».

كما قرر الاستعانة بالدراسات والبحوث التي أعدتها الجهات البحثية المعنية في هذا الملف، والحصول على جميع البيانات والإحصاءات.

القانون القديم

مجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

ويدفع درويش، بموجب القانون القديم، 62 جنيهاً فقط (الدولار يعادل 49.2 جنيه)، نظير شقته في ناحية شبرا الخيمة، والتي تزوج وأنجب فيها منذ عام 1987. ورغم إقراره بأن هذه القيمة «غير عادلة» لأصحاب العقارات في الوقت الحالي، فإنه يخشى أيضاً أن تقفز إلى ألفَي جنيه مثلاً، حال احتساب سعر السوق؛ ما يعني إنفاق أكثر من نصف معاشه البالغ 3900 جنيه، على بند واحد فقط.

وألفا جنيه هي القيمة الدُّنيا التي يطالب بها أصحاب العقارات نظير الشقق في المناطق الشعبية التي تخضع للقانون القديم، على أن ترتفع أضعاف ذلك في المناطق العالية، حسب رئيس ائتلاف أصحاب العقارات مصطفى عبد الرحمن.

ينتظر عبد الرحمن أن يتواصل معهم البرلمان رسمياً. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنهم سبق أن وضعوا وثيقة تقترح هذه القيمة، مع تحديد مدة انتقالية 3 سنوات، بعدها تتحرر العلاقة بين المالك والمستأجر؛ بمعنى أنه «إذا أراد المستأجر البقاء في الشقة يحرر له المالك عقداً جديداً يُجدد كل فترة، ويحدد إيجاره وفق قيمة السوق، أو يخرج ويترك الشقة». لكن بيشوي شحاتة يعتبر مثل هذا المقترح «كارثياً» للمستأجرين، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، وهو من سكان «شارع طلعت حرب» العريق وسط القاهرة، ويدفع 250 جنيهاً شهرياً: «كل يوم الأسعار تزيد، أنا موظف لا يعوض راتبي هذه الزيادات المستمرة في كل شيء، ليضاف إليها قيمة إيجار أكبر».

وترى أستاذة علم الاجتماع السياسي الدكتورة هدى زكريا، أن تعديل قانون الإيجار القديم هو محاولة لإعادة العدالة الاجتماعية لطبقة كان يُفترض نظرياً أنهم طبقة ملاك؛ أي متوسطو الدخل، لكنهم مع الوقت وتحرك الأسعار، هبطوا في السلم الاجتماعي بسبب ثبات قيمة الإيجار. وأضافت: «في السبعينات، من كان يحصل على 50 جنيهاً في الشهر من عمارته، كان هذا مبلغاً جيداً جداً له، يوفر معيشة جيدة، والآن هذا المبلغ لا يشتري كيلو فاكهة». وكان سعر الدولار يعادل 1.4 جنيه عام 1970.

إعادة ترتيب الأوضاع

تقاطع «شارع عبد الخالق ثروت» مع «شارع طلعت حرب» (الشرق الأوسط)

يملك رئيس ائتلاف مالكي العقارات، 28 شقة إرثاً من والده، في منطقة المعادي، والتي يبلغ متوسط أسعار الإيجارات فيها 10 آلاف جنيه للشقق الفارغة، وفق موقع «دوبيزل»، لكنه لا يحصل إلا على 7 جنيهات من كل شقة، و«لا يقبل المستأجرون حتى دفع قيمة صيانة العمارات».

وتوضح الدكتورة هدى زكريا قائلة إن «قاطني الشقق استفادوا لفترة طويلة بالفعل، والآن آن أوان أن يسترد الفريق الآخر حقوقه. وفي المقابل قد يحدث تأرجح لطبقة المستأجرين، لكنها (ليست عنيفة)»، متوقعةً أن يراعي مجلس النواب تطبيق التعديلات بشكل تدريجي، ويمنح فرصة للمستأجرين لإعادة ترتيب أوضاعهم.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل التي تخضع لقانون «الإيجار القديم»؛ ففي الوقت الذي يقول فيه بعض مالكي منازل الإيجارات القديمة إن عددها يقدر بـ3 ملايين وحدة فقط، يشير عدد من المستأجرين إلى أن عددها يصل إلى 10 ملايين وحدة، وهو تضاربٌ في الأرقام دفع مجلس النواب المصري لمخاطبة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقديم إحصائية حول عدد الوحدات التي تخضع لقانون «الإيجار القديم».

سلام مجتمعي

يتذكر طلعت عبد السلام القلش، وهو طبيب بشري لديه عمارتان في منطقة مصر الجديدة، كيف شيّد والده هذا الإرث: «باع أرضه في البلد، وعمل ليل نهار حتى يتمكن من بنائهما»، ومع الوقت لم يعد يجني سوى «ملاليم، فمات كمداً».

قبل 8 شهور، اشتبك الطبيب مع ساكن عنده، ووصل الأمر لاعتداء متبادل، في انعكاس لتوتر العلاقة بين شريحتَي الملّاك والمستأجرين. يقول المالك بغضب: «كل عام يغير بعضهم سياراتهم، ولديهم شاليهات في الساحل الشمالي، ويُدخلون أولادهم مدارس وجامعات أجنبية، ولا يدفعون سوى 13 جنيهاً للإيجار».

وتعتبر أستاذة علم الاجتماع هذه المشاحنات نتيجة طبيعية لعقود من «الظلم لمالكي العقارات» التي أدت إلى مشاكل وأزمات متكررة بين المالك والمستأجر، وترى أن «إعادة صياغة العلاقة بما يضمن التوازن والعدل للطرفين، سترسخ السلم المجتمعي». لكن على عكسها، يخشى كمال درويش أن تتعمق الأزمات بتعديل القانون إذا ذهبت التعديلات إلى فرض قيمة إيجار على مستأجري الشقق القدامى بسعر السوق الحالية. ويوضح: «في شبرا معظم البيوت إيجار قديم، ما عدا الأبراج المنشأة حديثاً، والناس محدودو الدخل، بل معدومو الدخل، ليسوا مثل سكان مصر الجديدة أو الزمالك».


مقالات ذات صلة

البرلمان المصري يقر «مبدئياً» قانوناً لتنظيم أوضاع اللاجئين

شمال افريقيا مجلس النواب (الحكومة المصرية)

البرلمان المصري يقر «مبدئياً» قانوناً لتنظيم أوضاع اللاجئين

وافق مجلس النواب المصري (البرلمان)، الأحد، مبدئياً على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، الذين تزايدت أعدادهم أخيراً في ظل صراعات وحروب تشهدها المنطقة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يلقي بيان الحكومة أمام البرلمان (أرشيفية - مجلس الوزراء)

ما المنتظر من البرلمان المصري في دور الانعقاد الخامس؟

تنطلق الثلاثاء أولى جلسات دور الانعقاد الخامس والأخير لمجلس النواب المصري (البرلمان).

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماعات مجلس الحوار الوطني المصري خلال مناقشة قضية الحبس الاحتياطي (الحوار الوطني المصري)

مصر: «الحوار الوطني» على خط أزمة قانون «الإجراءات الجنائية»

دخل «الحوار الوطني» المصري على خط أزمة قانون «الإجراءات الجنائية» الذي قُوبل بـ«تحفظات» نقابية وحقوقية واسعة، خلال الأيام الماضية.

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب خلال مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد (البرلمان المصري)

مصر: مشروع قانون «الإجراءات الجنائية» يثير مخاوف بشأن «الحريات»

نصوص القانون المقترحة حملت «عبارات مطاطة قابلة للتأويل بما يتنافى مع النصوص الدستورية».

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب خلال مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد (البرلمان المصري)

البرلمان المصري يناقش تعديل «الإجراءات الجنائية» وسط «اعتراضات»

فجرت مناقشات تجريها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب (البرلمان) بشأن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية اعتراضات وتحفظات واسعة من أطراف عدة.

أحمد عدلي (القاهرة)

وزير الخارجية السوداني لــ«الشرق الأوسط»: حريصون على تحسين علاقتنا مع دول الجوار

وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)
وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)
TT

وزير الخارجية السوداني لــ«الشرق الأوسط»: حريصون على تحسين علاقتنا مع دول الجوار

وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)
وزير الخارجية السوداني علي يوسف (متداولة)

أكد وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، حرص بلاده على تحسين وتطوير علاقاتها مع دول الجوار، وقال: «هذا أمر مهم»، وستشهد الفترة المقبلة تحركات دبلوماسية مكثفة لمعالجة ملفات الخلافات مع تلك الدول من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها.

وأضاف، في تصريح خاص لــ«الشرق الأوسط»، أن بلاده «تبحث عن دول حليفة تقف إلى جانبه في مواجهة المشكلات والظروف التي يمر بها حالياً، ولا تبحث عن أحلاف».

وقال: «من التحديات المهمة التي ستواجه بلادنا في الفترة المقبلة معركة إعادة البناء، ويجب أن تشارك فيها الأطراف (شرقاً وغرباً)، لذلك ليس من الحكمة الانحياز لحلف أو معسكر».

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

وأوضح: «في تقديري يجب ألا ينحاز السودان إلى أحلاف أو تحالفات، هذا الأمر يحتاج إلى دراسة ومراجعة مواقف الدولة قبل الذهاب في هذا الاتجاه».

وقال يوسف: «نتمنى ألا تكون هناك دولة تدعم التمرد، أو تمده بالسلاح، ونأمل أن تقف الدول مع السودان وشعبه»، لافتاً إلى أن حرب أبريل (نيسان) «كشفت عن الدول التي وقفت بجانب السودان، والتي وقفت ضده».

وأضاف أن وزارته «ستركز في عملها على عدة محاور من أجل تحقيق الاستقرار والسلام، وتحقيق سياسة خارجية متوازنة للبلاد».

من جهة ثانية، قالت «وكالة الأنباء السودانية» (سونا) إن المبعوث الأميركي الخاص، توم بيرييلو، سيزور البلاد، الاثنين، بعد أن تأجل وصوله الذي كان مقرراً الأحد.

وعلمت الوكالة الرسمية أن تأجيل الزيارة يتعلق بترتيبات فنية خاصة بالجانب الأميركي.

حاكم إقليم دارفور رئيس حركة «جيش تحرير السودان» مني أركو مناوي (أ.ف.ب)

وتترقب مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، أول زيارة للمبعوث الأميركي، التي تستغرق يوماً واحداً، ويلتقي خلالها مع عدد من المسؤولين في «المجلس السيادي» وحاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير الخارجية علي يوسف، ومفوض العون الإنساني، سلوى آدم بنية، إضافة إلى ممثلين للقوى السياسية والإدارات الأهلية.

وأكد وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، الأسبوع الماضي، حرص بلاده على مواصلة الحوار مع الإدارة الأميركية «للعمل على تحقيق مزيد من التفاهمات إزاء ما يجري بالبلاد في ظل الإدارة الجديدة».

كانت مشاورات بين المسؤولين الأميركيين والسودانيين في مدينة جدة السعودية وفي القاهرة أخفقت في التوصل إلى تفاهمات في شأن مشاركة وفد الجيش السوداني في محادثات جنيف التي جرت في أغسطس (آب) الماضي.