«البلديات الليبية»... بروفة «لترويض» الصراع السياسي

أجريت في عدد من المناطق بالأقاليم الثلاثة بوصفها مرحلة أولى

بدء عملية مسح وإدخال بيانات استمارات نتائج الانتخابات بمركز العدّ والإحصاء في مفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)
بدء عملية مسح وإدخال بيانات استمارات نتائج الانتخابات بمركز العدّ والإحصاء في مفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)
TT

«البلديات الليبية»... بروفة «لترويض» الصراع السياسي

بدء عملية مسح وإدخال بيانات استمارات نتائج الانتخابات بمركز العدّ والإحصاء في مفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)
بدء عملية مسح وإدخال بيانات استمارات نتائج الانتخابات بمركز العدّ والإحصاء في مفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

اجتازت الانتخابات البلدية في ليبيا «عقدة» الانقسام الحكومي نسبياً. وبدت في مرحلتها الأولى، التي ستعلن نتائجها لاحقاً، كأنها بروفة لـ«ترويض» الصراع السياسي، الذي اختفت ملامحه حكومياً، لكنها ظهرت في التحريض الجهوي والقبائلي على التصويت لصالح أسماء بعينها.

جانب من عملية الاقتراع بالانتخابات البلدية التي جرت في ليبيا السبت (المفوضية العليا)

وما بين السلبيات والإيجابيات التي رافقت العملية الانتخابية، عكس هذا الاستحقاق المؤجل، شعوراً لدى جل الليبيين بتحقيق «خطوة إلى الأمام» لجهة حلحلة الجمود السياسي، إذ يرى عبد المنعم الحر الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن مستوى التصويت كان «رائعاً».

وكانت عملية الاقتراع انطلقت (السبت) في 352 مركزاً انتخابياً في 58 مجلساً بلدياً، وتحدثت المفوضية عن نسبة مشاركة بلغت 74 في المائة من عدد الناخبين المسجلين البالغ 186 ألفاً و55 ناخباً، لكنها تراجعت الأحد، وقالت: «هذه النتائج لم تصدر عنها بتاتاً، وهي مجرد توقعات قابلة للتغيير».

وفي ظل انقسام بين حكومتين متنازعتين على السلطة في طرابلس وبنغازي، انتهت الجولة الأولى لهذه الانتخابات، من دون عقبات سياسية أو مشاحنات تُذكر، وهو ما أرجعه متابعون لعقدها «في بلديات صغيرة ليست في حسابات الأطراف المتناحرة».

مجريات العملية الانتخابية رصدتها «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» بليبيا في خمس بلديات، هي: مصراتة، وزلة، وسوق الخميس، والحوامد، ووادي عتبة، وقالت إنها «عملت على متابعة سير العملية الانتخابية من خلال فريقها الوطني، الذي قام بدوره بالعمل على عينة عشوائية في تلك البلديات».

وعددت المنظمة 8 نقاط إيجابية، رافقت العملية الانتخابية، من بينها أن المفوضية العليا للانتخابات «حافظت على درجة من الاستقلالية؛ رغم تعرضها لضغوط من القوى السياسية المحلية والإقليمية»، و«تمكنها من تنظيم هذه الانتخابات رغم الظروف الأمنية والسياسية الصعبة»، بالإضافة إلى «انضباط رجال الأمن بمراكز الاقتراع لتأمين العملية الانتخابية».

ليبي يبحث عن لجنته الانتخابية للاقتراع في الاستحقاق البلدي (المفوضية العليا)

وتوزعت الانتخابات على الأقاليم الثلاثة بواقع 29 بلدية في المنطقة الغربية ليس منها طرابلس، و15 بالمنطقة الشرقية ليس منها بنغازي أو طبرق أو البيضاء، بجانب 14 بلدية في الجنوب ليس منها سبها.

وهنا يرجع الباحث السياسي الليبي أحمد التواتي، عدم إجراء الانتخابات في البلديات الكبرى، إلى ساسة البلاد المتصارعين على الحكم الذين «فرضوا سلطتهم السياسية في استبعاد البلديات الكبرى من السباق في هذه المرحلة».

لذا يقول لـ«الشرق الأوسط» هذه المدن «يكمن فيها الصراع والاستقطاب؛ ولهذا مرّت المرحلة الأولى من دون عراقيل، باستثناء بلدية مصراتة التي شهدت سخونة انتخابية».

ويرى أن الساسة «لعبوا دوراً استباقياً في هذه الانتخابات من قبل أن تبدأ، وبالتالي فإن السياسة لم تظهر في هذه الانتخابات باستثناء بلدية مصراتة»، وبرّر عقدها في البلديات الصغرى لتكون بروفة للمرحلة الثانية.

ومع المؤشرات الأولى لظهور النتائج، هنأ المواطنون قائمة «أبراج حمام السلام» بفوزها في الانتخابات البلدية، في مناطق جنزور، ورشفانة، والزاوية، وصرمان، وصبراتة.

جانب من عملية الاقتراع بالانتخابات البلدية التي جرت في ليبيا السبت (المفوضية العليا)

ولم يغفل تقرير «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» النقاط السلبية في هذا الاستحقاق، التي جاء من بينها «الدور البارز لشيوخ القبائل في توجيه الناخبين من أبناء القبيلة، إلى جانب غياب الإرث الثقافي الانتخابي لدى الليبيين».

وتحدثت المنظمة عما سمته «الاستغلال المؤسف لبعض المرشحين المتنافسين لمواقعهم ونفوذهم في المجالس البلدية المنتهية ولايتها لدعم وضعهم التنافسي، واجتذاب مزيد من الأصوات»، وقالت: «هذا السلوك ينتهك عدالة التنافس، ويمثل ثغرة يجب على المفوضية العليا الانتباه لها؛ ويجب أن تتوجه السلطة التشريعية لمعالجتها دون إبطاء لتفاديها في الانتخابات المقبلة».

كما رصدت المنظمة «غياب دور الرقابة القضائية على العملية الانتخابية»، وقالت إنه كان هناك «تفاوت وتباين بين المترشحين في رأس المال وأدوات الدعاية الانتخابية»، فضلاً عما تعانيه المفوضية الوطنية العليا «من ضعف الموارد المالية والبشرية ما يعيق عملها في بعض الأحيان».

وذهب الأمين العام لـ«المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، إلى أن «القبلية والمناطقية لهما دور كبير وفعّال أكبر من دور التيارات السياسية البارزة في ليبيا».

ومع الاحتفاء بهذه الخطوة شعبياً ورسمياً، وقبل أن تعلن النتيجة، برّر التواتي قلة أعداد المواطنين الذين سجلوا في هذا السباق قبل انطلاقه، بأنهم «كان يستشعرون اليأس من قدرة الانتخابات البلدية على إحداث تغيير».

وانتهى التواتي إلى أن هذه الانتخابات «تظل خطوة إلى الأمام، وإن كانت ستفرز مجالس عرجاء، إلا أن هذا يظل أفضل من الإبقاء على الجسم مشلولاً كما كان حاصلاً».

وكانت المفوضية نشرت القوائم النهائية للمرشحين، واحتوت على 1714 مرشحاً ومرشحة، وانسحب من القوائم الأولية 22 مرشحاً، وتم استبعاد 6 مرشحين بسبب عدم توفر شروط ومتطلبات الترشح في الطلبات التي تقدموا بها.


مقالات ذات صلة

ليبيا: حكم قضائي يعمّق الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

شمال افريقيا صالح وحماد في لقاء سابق ببنغازي (مكتب صالح)

ليبيا: حكم قضائي يعمّق الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

في حكم قضائي جديد قضت محكمة استئناف بنغازي في شرق البلاد بوقف نفاذ قرار المجلس الرئاسي بشأن إنشاء «مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني» وتعيين مجلس إدارة لها.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا ليبي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في مصراتة (أ.ف.ب)

ليبيا: انطلاق الانتخابات المحلية وسط توتر أمني بين ميليشيات «الوحدة»

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات بليبيا، (السبت)، انطلاق عملية الاقتراع في 352 مركزاً انتخابياً، و777 محطة اقتراع في 58 مجلساً بلدياً، تضم نحو 186055 ناخباً.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المركز الصحافي لرئيس المجلس عقيلة صالح)

ما خيارات «النواب الليبي» للتعامل مع إعلان تكالة فوزه بـ«الأعلى للدولة»؟

اتسعت حدة الخلاف على رئاسة «المجلس الأعلى للدولة» في ليبيا، بين خالد المشري ومحمد تكالة؛ مما عمّق المخاوف حول تجميد دوره السياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)

ليبيا لكسر «حاجز الانقسام» بخوض الانتخابات المحلية غداً

تتجه أنظار الليبيين إلى 58 بلدية في شرق البلاد وغربها وجنوبها يتوقع أن تجرى بها الانتخابات المحلية، وسط ترقب لكسر حاجز الانقسام السياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ليبيون من مصراته يتفحصون منشورات تحث على المشاركة بكثافة في الانتخابات (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يدعو الأطراف الليبية لدعم الانتخابات البلدية

حث الاتحاد الأوروبي جميع المرشحين للانتخابات المحلية في ليبيا على «اغتنام الفرصة وخوض الاستحقاق بنزاهة وبما يتفق مع قواعد السلوك التي وضعتها المفوضية الوطنية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان يُعوّل على دعم اقتصادي مصري لتقليل خسائر الحرب

نائب السفير السوداني في القاهرة خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن ملتقين اقتصاديين بين البلدين (الشرق الأوسط)
نائب السفير السوداني في القاهرة خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن ملتقين اقتصاديين بين البلدين (الشرق الأوسط)
TT

السودان يُعوّل على دعم اقتصادي مصري لتقليل خسائر الحرب

نائب السفير السوداني في القاهرة خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن ملتقين اقتصاديين بين البلدين (الشرق الأوسط)
نائب السفير السوداني في القاهرة خلال مؤتمر صحافي للإعلان عن ملتقين اقتصاديين بين البلدين (الشرق الأوسط)

يعوّل السودان على دعم اقتصادي مصري لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب. وأعلنت السفارة السودانية في القاهرة عن تدشين عدد من الفعاليات الاقتصادية بين البلدين في الفترة المقبلة، لتعزيز التعاون الاقتصادي، إلى جانب الإعداد لعملية إعادة الإعمار بالتعاون مع الشركات المصرية.

وفي حين يرى مسؤولون سودانيون تعزيز الشراكة الاقتصادية مع مصر «خطوة مهمة لتحقيق التعافي الاقتصادي لبلادهم»، قلل خبراء من «تأثير هذا التعاون»، وأرجعوا ذلك إلى «استمرار الحرب الداخلية في السودان التي تُهدد أي استثمارات».

وتستضيف مدينة بورتسودان، المؤتمر الاقتصادي الأول، يومي 19 و20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في حين يُعقد الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال بالقاهرة في 23 من الشهر نفسه، وفق نائب السفير السوداني في القاهرة، عمر الفاروق، الذي قال في مؤتمر صحافي بالقاهرة، مساء السبت: «إن انعقاد الملتقين بداية لأطر جديدة لتجاوز التداعيات الكبيرة التي أحدثتها الحرب في السودان، وتأثيراتها القوية على الاقتصاد الذي تأثر بصورة كبيرة».

وعدّ الفاروق أن الحرب في بلاده «أثرت كثيراً على الإيرادات والاقتصاد، خصوصاً في المجالين الزراعي والصناعي»، مشيراً إلى أن ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني يستهدف إعادة العلاقات بين القطاعين الخاص في البلدين، موضحاً أن «بلاده لديها ما تقدمه لمصر في المجالات الغذائية والصناعية والنقل والبنية التحتية».

في حين قدّر رئيس القطاع التجاري بـ«الشركة المصرية - السودانية»، منجد إبراهيم، حجم خسائر السودان الاقتصادية بسبب الحرب بنحو «200 مليار دولار، نتيجة تدمير البنية التحتية والمنشآت، إضافة إلى خروج نحو 20 مليون فدان من الزراعة».

وتأسست «الشركة المصرية - السودانية» في أبريل (نيسان) 2021 لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.

ولفت إبراهيم خلال المؤتمر الصحافي، مساء السبت، إلى «تراجع معدلات التبادل التجاري بين مصر والسودان، لتسجل نحو 1 بالمائة، فضلاً عن توقف الاستثمارات بين البلدين بسبب الحرب». وأضاف أن «المستهدف رفع نسبة التجارة إلى نحو 10 بالمائة».

آثار الدمار في العاصمة السودانية جراء الحرب (د.ب.أ)

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار في 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 بالمائة، وفق «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري» في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.30 جنيه في البنوك المصرية).

ووفق إبراهيم، فإن ملتقى رجال الأعمال سيناقش عدداً من الملفات، على رأسها إعادة إعمار السودان والأمن الغذائي المصري - السوداني، مشيراً إلى عدد من المشروعات الجديدة التي ستناقش، من بينها إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر والسودان في أسوان، جنوب مصر.

ويرى الباحث السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، أن «التوقيت الحالي غير مناسب لبحث استثمارات جديدة في السودان، في ظل استمرار الحرب الداخلية»، وقال: «إن المناخ غير جاذب لأي مشروعات استثمارية، في ظل استمرار العدائيات الداخلية في عدد من الولايات»، مشيراً إلى أن «الفعاليات الاقتصادية تستهدف إتاحة فرص للمستثمرين السودانيين داخل مصر».

وأوضح خليل لـ«الشرق الأوسط» أن «دور القطاع الخاص المصري سيظهر أكثر بعد انتهاء الحرب، خصوصاً في ملف إعادة الإعمار»، لافتاً إلى أن «هناك رغبة من الحكومة السودانية لمنح الشركات المصرية مساحات أكبر في ملف التنمية وإعادة الإعمار، والتنقيب عن المعادن خلال الفترة المقبلة».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال السفير السوداني في القاهرة، عماد الدين عدوي، في تصريحات سابقة: «إن بلاده بدأت دراسة عملية إعادة الإعمار، بعد الحرب الداخلية الحالية»، وأضاف أن «الشركات المصرية هي الأجدر للقيام بإعادة الإعمار في السودان»، مشيراً إلى «عقد ورش عمل لبحث جهود الإعمار في قطاعات الزراعة والصناعة والبنية التحتية».

في سياق ذلك، عدّد رئيس مركز التكامل السوداني - المصري، عادل عبد العزيز، القطاعات التي ستُركز عليها الفعاليات الاقتصادية بين مصر والسودان، بقوله إنها تشمل 9 قطاعات، منها الزراعة والصناعات الغذائية والدوائية، و«ستجرى مناقشة فرص التعاون بين رجال الأعمال السودانيين المقيمين في مصر ونظرائهم المصريين».

وأوضح خلال المؤتمر الصحافي في القاهرة أن «المؤتمر الاقتصادي الأول في بورتسودان يستهدف الوقوف على الآثار الاقتصادية للحرب، وحجم الأضرار التي لحقت بمختلف القطاعات»، إلى جانب «بحث كيفية احتواء ومعالجة تلك الخسائر، وتقليل فاتورتها على الاقتصاد السوداني».