تغييرات مرتقبة في قانون «الإيجار القديم» تُربك مصريين

حكم «الدستورية» جدّد مخاوف المستأجرين وأحيا آمال الملاك

أحد الأبنية في منطقة وسط القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
أحد الأبنية في منطقة وسط القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
TT

تغييرات مرتقبة في قانون «الإيجار القديم» تُربك مصريين

أحد الأبنية في منطقة وسط القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)
أحد الأبنية في منطقة وسط القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

«عندنا عمارة في منطقة المهندسين بتجيب إيجار 18 جنيهاً (0.37 دولار أميركي)»، قالها رجل الأعمال المصري الشهير، نجيب ساويرس، معبّراً في تصريحات تلفزيونية عن تضرره من تراجع عائد الشقق المؤجرة بموجب قانون «الإيجار القديم»، رغم وجودها في منطقة فارهة، وهو ضرر يشكو منه عدد كبير من الملاك المصريين.

كلمات ساويرس يمكن أن تُسمع بروايات متعددة حالياً على ألسنة ملاك العقارات القديمة في مصر، الذين استبشروا خيراً بحكم المحكمة «الدستورية العليا»، والتي قضت، السبت الماضي، بعدم دستورية بعض الأحكام المتعلقة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ويشمل ذلك «بطلان تثبيت الأجرة السنوية للوحدات السكنية».

في المقابل، يرى مستأجرون أن أي تعديل تشريعي مقبل لقانون الإيجار القديم، سوف يصدره البرلمان بموجب حكم المحكمة الدستورية، يجب أن يراعي ظروفهم المعيشية، بما لا يسمح بزيادة الأعباء عليهم، في ظل أزمة اقتصادية وحالة غلاء عامة.

«كفى ظلماً للمُلاك، أخيراً سنتخلص من قانون الأموات، الذي أتاح لمستأجرين رحلوا أن تورث شققهم لأولادهم»، قالتها السبعينية عايدة مصطفى، لافتة إلى أن العقار الذي تقطن به، والمكون من 4 طوابق في منطقة المطرية بالقاهرة، والمملوك لزوجها الراحل وشقيقه، توجد به 4 شقق مؤجرة منذ فترة السبعينات، بعقد إيجار قيمته 6 جنيهات فقط، مبينة أن «هذه القيمة لا تكفي لشراء ساندويتش فول»، على حد قولها.

وتضيف ربة المنزل لـ«الشرق الأوسط»: «رحل المستأجرون، وانتقلت الشقق لورثتهم وفق القانون، الذي منع نجلي أن يتزوج ويقيم في عقار والده، واضطر لاستئجار شقة خارجية بمبلغ 3 آلاف جنيه... فهل هذا عدل؟».

وبينما لا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد الشقق التي تخضع لقانون «الإيجار القديم»، يوضح مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة في مصر، لـ«الشرق الأوسط»، أن التقديرات تشير إلى «وجود نحو 2.5 مليون وحدة تخضع للقانون».

ويضيف: «زيادة القيمة الإيجارية للوحدات تخفف عن المالك عبء الأسعار القديمة التي تقدر بجنيهات ضئيلة، حيث سيعود له حقه الضائع، ويتمتع بقيمة إيجارية أعلى، وهو ما يتناسب مع الوضع الاقتصادي الحالي، ويحقق العدل المجتمعي، فحكم المحكمة الدستورية نصّ على أن هناك اعتداء على العدل».

على الجهة المقابلة، يشكو فاروق السيد، المُعلم المتقاعد، مما سوف يواجهه وغيره من «أصحاب المعاشات» من مصير حال تغير القانون. يقول «أليس من الظلم أن أترك مسكني، أو أن تزيد القيمة الإيجارية بما لا يتناسب مع دخلي الشهري وأنا مُسن؟».

ويضيف السيد، الذي استأجر مسكنه منذ نهاية السبعينات بمبلغ 8 جنيهات: «هناك من يردد حالياً بعد حكم المحكمة الدستورية أن (الحق رجع لأصحابه)، لكن غاب عنهم أن هذا الحق أخذه المالك عندما أجّر الشقة قديماً، وأخذ خلوّاً (مقدّماً) بسعر الماضي، وحالياً يريد أخذ حقه مُجدداً... نريد النظر إلينا بعين الرحمة، لن نستطيع تحمل أي تكاليف جديدة تسبب لنا ارتباكاً».

إلا أن رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة يؤكد أن التعديلات المنتظرة ستحقق توازناً اجتماعياً، شارحاً ذلك بقوله: «نصف الوحدات المؤجرة على الأقل مغلق، وبالتالي مع التعديل وزيادة القيمة الإيجارية سيتخلى المستأجر عن الشقة المغلقة التي يستأجرها، ويستفيد غيره بها، ومع كثرة المعروض سيؤدي ذلك لانخفاض قيمة إيجار الوحدات وفق الإيجار الجديد، ومن ناحية أخرى يستفيد المالك برفع قيمة الإيجار».

أما شريف الجعار، رئيس اتحاد المستأجرين، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «حكم الدستورية يوصي بضرورة مراعاة التوازن الاجتماعي بإلغاء ثبات الإيجار، وبالتالي هناك ضرورة بالتزام المُشرع بزيادة القيمة الإيجارية مع مراعاة الظروف الاجتماعية، فنحن لا نرفض الزيادة، لكن مع الالتزام بنص الحكم، الذي أكد عدم جعل المستأجر فريسة تحت يد المؤجر واستغلال حاجته للسكن».

ولا تقتصر حالة الجدل والخلاف على قيمة «الإيجار القديم»، بل على ما يمكن أن يحدثه من تغيّر لأوضاع اجتماعية استقرت لعقود طويلة. يشير الجعار إلى ما يمكن أن يحدثه أي «تشريع جديد غير متوازن من ارتباك في معيشة فئات عديدة بالمجتمع، مثل كبار السن والأرامل والمطلقات، خاصة مع زيادة أعباء المعيشة عليهم في الأوقات الأخيرة».

ويـضيف: «نحن في حاجة لتشريع يراعي البعد الاجتماعي للمستأجر، فاقتطاع هذه الفئات لجزء من دخلها بنحو ثلاثمائة أو أربعمائة جنيه للإيجار قد يكون مقبولاً، أما رفعه عن ذلك الحد فهو يمثل تهديداً للمأوى وتهديداً للاستقرار المجتمعي، وهو ما يعرف بتكدير السلم الاجتماعي».

ويرى أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية في مصر، الدكتور حمدي عرفة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «حكم المحكمة الدستورية يضمن للمالك الحصول على عوائد أفضل، إذا ما أقرَّ البرلمان تعديلات ترفع من قيمة الأجرة أو تحدد زيادات سنوية تتماشى ومعدل التضخم».

بينما يحمل الحكم «تحدياً للمستأجرين، الذين اعتادوا لسنوات طويلة على أوضاع اجتماعية مستقرة بدفع إيجارات ثابتة ومخفّضة»، على حد قوله. مطالباً البرلمان بـ«وضع آليات تدعم التدرج في رفع الإيجار، بحيث تراعي الظروف المعيشية، وتتجنب الزيادات المبالغ فيها في الإيجارات المنتظرة، خاصة في الظروف الاقتصادية الحالية».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا مقر جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

«الجامعة العربية» تحذر من «إشعال الفتنة» في سوريا

حذرت جامعة الدول العربية، الخميس، من «إشعال فتنة» في سوريا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع رئيس الوزراء المصري مع عدد من المستثمرين (مجلس الوزراء)

تحويلات المصريين بالخارج تصل إلى أعلى مستوياتها

شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «ارتفاعاً قياسياً» أخيراً، وسط تأكيدات مسؤولين مصريين أن ذلك جاء في ظل «تحرير» سعر صرف الجنيه.

محمد عجم (القاهرة )
شمال افريقيا مطار الغردقة الدولي (موقع وزارة الطيران المدني المصرية)

مصر تعوّل على القطاع الخاص في تحسين الخدمات بالمطارات

تُعوّل الحكومة المصرية على «القطاع الخاص» لإدارة وتشغيل المطارات المصرية، سعياً لـ«تحسين جودة الخدمات» الجوية في حركة النقل الجوي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الرئيس المصري مع رئيس هيئة قناة السويس (الرئاسة المصرية)

السيسي يعوّل على مشروعات تطوير «قناة السويس» لمواجهة توترات البحر الأحمر

عوّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، على تطوير قناة السويس وتحسين الخدمات الملاحية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان؛ لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة التي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوب (تشرين الأول) 2021.

وقال إدريس، وهو عضو سابق في مجلس السيادة قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، إنهم ماضون في تشكيل الحكومة، وإن القرار بتشكيلها لا رجعة فيه، موضحاً أن «فكرة نزع الشرعية وتكوين حكومة فكرة قديمة؛ لأن حكومة الثورة هي الحكومة الشرعية، وليس حكومة الانقلاب»، وانتقد ما أسماه تلكؤ القوى المدنية في تشكيل الحكومة بقوله إن «القوى المدنية لم تكن تملك الشجاعة الكافية لملء المقعد الشاغر».

سلطة شرعية

البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في مدينة بورتسودان (الجيش السوداني)

وأكد إدريس على أهمية تكوين سلطة شرعية لتمثيل الشعب السوداني، بقوله: «مجرد الحديث عن هذه الخطوة أحدث إرباكاً للمشهد السوداني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المشروعة لاسترداد الشرعية من حملة السلاح». وشدد على أنهم لن يتخلون عن تشكيل الحكومة إلاّ إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.

وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، لكن الهادي نفى بلوغ المفاوضات مرحلة تداول أسماء المرشحين للحكومة المراد تشكيلها. وأكد الهادي على التقائهم عدداً من قادة «قوات الدعم السريع»، وأجروا معهم مشاورات وأثنوهم عن تشكيل حكومة تابعة حصرياً لـ«قوات الدعم سريع»، وحصلوا منهم على تعهدات بتوفير الحماية والأمن للحكومة المزمعة حال تكوينها. وتابع: «الحكومة التي نسعى لتشكيلها ليست حكومة (قوات الدعم السريع)؛ لأن هذه القوات لديها إدارتها المدنية».

وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

تباين المواقف

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

وإزاء تباين المواقف داخل التحالف تقرر إحالة الخلاف لآلية سياسية تم تكوينها مؤخراً. وأكد إدريس على بروز تباينات جديدة في اجتماع «تقدم» الأخير حول فكرة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، قائلاً إن «البرهان لا يملك شرعية، والعالم يتعامل معه باعتباره سلطة أمر واقع؛ لذلك لن نترك له صوت الشعب ليتحدث باسمه، ونزع الشرعية منه يتطلب استرداد شرعية رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الذي عيَّنته الثورة التي أسقطت نظام البشير في عام 2019».

وأبلغ إدريس الصحافيين أن ثلاث قضايا رئيسية، هي - تشكيل الحكومة، وتكوين الجبهة المدنية، واجتماع المائدة المستديرة - حدثت تباينات بشأنها في اجتماع «تقدم» أحيلت إلى الآلية السياسية التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة حمدوك، للتوافق عليها والخروج بمواقف مشتركة. وأضاف: «بالنسبة لنا وحدة تحالف (تقدم) مهمة؛ لأنك لا تستطيع التحدث عن جبهة مدنية أوسع ما لم تحافظ على (تقدم)، وإننا بصفتنا جبهة ثورية لن نكون سبباً في تقسيم هذا التحالف المدني الضخم، فنحن مؤسسون له».

وقال إن اجتماع عنتيبي كان أساساً لبحث جدول قضية نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتوصلنا خلاله إلى ضرورة تكوين حكومة موازية، لكن الخلافات تراوحت بين من يطالبون بتشكيل حكومة مصغرة مرجعيتها الوثيقة الدستورية لعام 2019 وهياكل الحكم للفترة الانتقالية، وأن يكون أعضاء مجلس السيادة السابقين ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في وضع شبيه بحكومة منفى، للتحدث باسم الشعب السوداني، بينما رأى آخرون ضرورة التأسيس لسلطة جديدة داخل السودان وبمرجعية سياسية جديدة.

ومع تأكيده على وجود تيار يرفض فكرة تشكيل حكومة موازية خوفاً من تقسيم البلاد، إلاّ أن إدريس كشف عن تمسك غالبية أعضاء «الجبهة الثورية» ورؤساء وقيادات أحزاب داخل «تقدم» بخيار تشكيل الحكومة، إضافة إلى مجموعات مترددة. وأرجع ذلك إلى ما أسماه «ابتزاز الخطاب الدعائي للإسلاميين»، قائلاً: «نحن مع خيار تشكيل الحكومة، ونعتبرها خطوة مهمة لوقف المشروع الإخواني الهادف إلى تقسيم السودان».