​الألغام الأرضية... كابوس يطارد الليبيين في «الحرب والسلم»

باشاغا ينتقد عدم مسارعة لجنة «5 + 5» العسكرية بإزالتها

لقي 16 شخصاً من بينهم أطفال حتفهم منذ بداية عام 2024 (UNMASS Libya)
لقي 16 شخصاً من بينهم أطفال حتفهم منذ بداية عام 2024 (UNMASS Libya)
TT

​الألغام الأرضية... كابوس يطارد الليبيين في «الحرب والسلم»

لقي 16 شخصاً من بينهم أطفال حتفهم منذ بداية عام 2024 (UNMASS Libya)
لقي 16 شخصاً من بينهم أطفال حتفهم منذ بداية عام 2024 (UNMASS Libya)

أعاد انفجار لغمين أرضيين في متسابقِين بـ«رال للسيارات» في مدينة ودان ببلدية الجفرة الليبية، أزمة مخلّفات الحرب إلى واجهة الأحداث في البلد، الذي يعاني انقساماً سياسياً يعتقد بأنه أثّر على عملية التنمية، وعطّل تطهير ملايين الأمتار المزروعة بـ«قنابل الموت».

وأعلنت السلطات بشرق ليبيا مطلع الأسبوع الحالي، مقتل متسابق بعد انفجار لغم في سيارته، كما أُصيب 4 آخرون في انفجار لغم آخر خلال مشاركتهم في الرالي الصحراوي الذي انتهت نسخته العاشرة السبت، وأشرفت عليه الحكومة المكلفة من مجلس النواب.

تعمل «أونماس» على توعية الأطفال بمخاطر الألغام (UNMAS Libya)

وفتحت الانشقاقات العسكرية والأمنية التي عايشتها ليبيا، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي: «بوابة الموت»، وجعلت من مواطنيها خلال الأعوام التي تلت رحيله «صيداً» لمخلَّفات الحروب المتنوعة من الألغام و«القنابل الموقوتة» المزروعة بالطرقات والأراضي المهجورة والدروب الصحراوية، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى.

وبدا أن الألغام الأرضية بمثابة كابوس يطارد الليبيين في «الحرب والسلم»، علماً بأن الحرب التي شنها «الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، على طرابلس في أبريل (نيسان) 2019 توقفت منذ أكثر من 4 أعوام.

وكان ديوان رئاسة الوزراء الليبية في المنطقة الجنوبية، سارع فور انفجار اللغم الأول، وقال إنه من مخلّفات الحرب ضد «تنظيم داعش» بالجفرة. وأرجع وقوع الحادث إلى «ازدحام المتسابقِين عند البوابة الرئيسية لـ(رالي ودان)، مما أدّى إلى انحراف أحدهم نحو طريق صحراوية أخرى تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الميدان».

ومع وقوع الانفجار الثاني، سارع البعض إلى القول إنّ السيارة التي انفجر فيها اللغم اقتربت من «تحصينات عناصر (فاغنر) في قاعدة الجفرة التابعة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر»، لكنّ مصادر مقرَّبة من «الرالي» نفت ذلك.

مسؤول أممي يسلم كاشفة ألغام لمدير المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام (البعثة الأممية)

وباستثناء الجهود الأممية وبعض المساعدات الدولية التي خُصصت على مدار السنوات الماضية لمساعدة ليبيا في هذا الملف، لا تزال «قنابل الموت» تؤرق الليبيين، وهو لخطورته، يتطلب، وفق الدبلوماسي الليبي مروان أبو سريويل، من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في هذا المجال، مساعدة ليبيا.

وفي الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، قالت فاطمة زُريق، مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا (أونماس) إن التخلص من الألغام في ليبيا يتطلب «عملاً جباراً»، وتتطلع إليه كل الأطراف، مشيرة إلى أن هناك أكثر من 444 مليون متر مربع لا تزال ملوثة بالألغام ومخلفات الحروب.

ودخل فتحي باشاغا، رئيس الحكومة الليبية السابق، على خط الأزمة، وقال إن «البهجة التي أحدثها الرالي خيّمت عليها حادثة مؤلمة جراء انفجارات لألغام أرضية، أسفرت عن وفاة مواطن وإصابة آخرين، ما ألقى بظلال من الحزن على هذه الفعالية المميزة».

باشاغا، الذي ابتعد منذ إقالته عن العمل العام، عاد وكتب في إدراج على صفحته: «كان يفترض من اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) أن تلعب دوراً أكبر في تأمين المناطق المتأثرة بمخلفات الحروب».

ولجهة التعامل مع كابوس الألغام الذي يهدد حياة الليبيين، رأى الدبلوماسي الليبي أبو سريويل، في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحل الأمثل يكمن في التعامل مع هذا الملف عبر التدريب الحقيقي للكوادر الليبية، بجانب الدعم والمساندة الدولية بالخبرة والعنصر البشري المصاحب لهذه الكوادر، وكذلك برامج التوعية المستمرة».

وفي هذا الصدد، ذهب باشاغا إلى أن اللجنة العسكرية «تحظى بدعم دولي ورعاية أممية توفر لها فرصة فريدة لإنجاز مهامها بكفاءة». غير أنه وجه إليها انتقادات مبطنة، وقال إن «أداءها حتى الآن ظل محدوداً في إطار الاجتماعات والتصريحات، دون خطوات ملموسة تسهم في إزالة المخاطر الأمنية التي لا تزال تهدد حياة المواطنين».

وفي حوار مع «أخبار الأمم المتحدة»، قالت فاطمة، إنه وفقاً للخبراء: «سيستغرق تطهير ليبيا من مخلفات الحروب، في أفضل السيناريوهات 15 عاماً. وأفادت بمقتل 16 شخصاً، بينهم أطفال، منذ بداية عام 2024 بسبب الذخائر غير المنفجرة».

ورأت أن «المساحات التي لا تزال بحاجة إلى التنظيف تقدر بما يزيد عن 444 مليون متر مربع؛ وهذا يمثل أكثر من 64 في المائة من الأراضي المصنفة على أنها تحتوي على مخاطر الألغام ومخلفات الحروب»، منوهة إلى أن «عمليات المسح ما زالت جارية، بمعنى أن هذا الرقم ليس نهائياً، وقد يكون آخذاً في الازدياد».

حملة توعية بمخاطر الألغام (UNMAS Libya)

ومن وقت إلى آخر، تعلن الأجهزة العسكرية في غرب وشرق ليبيا، عن رفع وتدمير عشرات الأطنان من المتفجرات التي يعثر عليها في مناطق كانت مسرحاً لأحداث دامية خلال السنوات الماضية.

وانتهت فاطمة متحدثة عن «الاستراتيجية الوطنية» لمكافحة الألغام التي طورها المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام، بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتهدف إلى تنظيم القطاع، وتعزيز الجهود المبذولة للتوعية بمخاطر الألغام، مشيرة إلى «أهمية التعاون بين جميع الأطراف، لضمان نجاح هذه الجهود».


مقالات ذات صلة

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

منذ سنوات، تتعالى أصوات التحذير من ارتياد شباب ليبيين قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا مشاركون في المناورات البحرية التي نفذتها «أفريكوم» (السفارة الأميركية)

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

تعهدت واشنطن بمواصلة العمل لدعم القوات البحرية الليبية في تعزيز جهود الأمن البحري الموحدة.

خالد محمود (القاهرة )

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
TT

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا في الرابع من الشهر الحالي، حالة من الجدل في البلاد، بعدما وصف بأنه «مزيف».

«الوزير الغيني» يتوسط الحويج ودومة والفضيل (يسار) (وزارة الخارجية)

وكان وزير الخارجية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عبد الهادي الحويج، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح دومة استقبلا ما وصف بـ«وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو أمادو لامين سانو»، قبل أكثر من أسبوعين، غير أن نشطاء وإعلاميين شككوا في شخصية الأخير، وعدوه «شخصاً مزيفاً».

وانتشر بيان منسوب لوزارة الخارجية الغينية، لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التأكد منه، ينفي صلة «أمادو لامين سانو» برئيس الجمهورية والحكومة الغينية، وأنه «ليس مستشاراً للرئيس، ولم يُكلَّف من طرفه بنقل أي رسالة».

وعدّ الإعلامي الليبي خليل الحاسي، الواقعة «اختراقاً أمنياً مذهلاً في حكومة حمّاد في قلب بنغازي»، كما وصفها بأنها «فضيحة دبلوماسية سياسية مزلزلة في خارجيته».

وقال الحاسي، الذي كان أول المتناولين للواقعة عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «شخصاً اسمه أمادو لامين سانو استطاع أن ينتحل صفة وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو، وأن يضحك على الحكومة، وحظي باستقبال رسمي ومراسم وأرتال وفنادق وجولات سياسية».

«الوزير الغيني» خلال استقباله في شرق ليبيا (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

وأمام تصاعد الجدل حول حقيقة «الوزير المزعوم» خرج وزير الخارجية الحويج، في مداخلة لقناة «الحدث» الليبية (الخميس)، ليدافع عن موقف حكومته، ويؤكد أن أمادو لامين سانو هو «وزير غيني تم استقباله في ليبيا بشكل رسمي».

واتهم الحويج حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بالوقوف وراء هذه «الشائعات»، وأرجع ذلك لأن حكومته «تحقق اختراقات» رغم الاعتراف الدولي بحكومة طرابلس، التي قال إن «لديها مشاكل».

بل إن الحويج قال إن أمادو لامين سانو يشغل أيضاً منصب وزير مكلف بشؤون الحج والعمرة لدولة غينيا بيساو، كما أنه مسؤول عن الشؤون الإسلامية والعربية في برلمانها.

وكان أمادو لامين سانو بحث في اللقاء الذي حضره أيضاً رئيس ديوان مجلس النواب عبد الله المصري الفضيل، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الصديقين.

ومع تواصل أصداء هذه الواقعة، قال رئيس تحرير جريدة «الوسط»، بشير زعبية إن حادثة «(الوزير الغيني المزعوم) ليست الأولى».

وذكّر زعبية بحادثة مماثلة كانت أحداثها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 عندما استقبل عدد من مسؤولي حكومة «الوفاق الوطني» آنذاك شخصاً من مالطا وقد انتحل صفة مبعوث رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، قبل أن تكشف أمره الحكومة المالطية.

وقد قال خليل الحاسي: «لم يكتشف الأمن الداخلي ولا المخابرات في بنغازي ذلك الاختراق الأمني، بل دولة غينيا بيساو التي أرسلت مذكرة عاجلة رداً على احتجاج سفارة ليبيا على الزيارة؛ لأنها تعني الاعتراف بحكومة حماد وليس الدبيبة».

يُشار إلى أنه في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أجرى حماد اتصالاً هاتفياً مع روي دوارتي دي باروس رئيس وزراء جمهورية غينيا بيساو.

وقالت الحكومة حين ذلك، إنهما تبادلا وجهات النظر حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل التعاون في المجالات ذات الأهمية المشتركة.