نزوح قرابة نصف مليون سوداني هرباً من الحرب في شرق الجزيرة

اتهامات لطيران الجيش «بقتل أكثر من 160 مدنياً في دارفور»

نازحون من منطقة الجزيرة في شرق القضارف (أ.ف.ب)
نازحون من منطقة الجزيرة في شرق القضارف (أ.ف.ب)
TT

نزوح قرابة نصف مليون سوداني هرباً من الحرب في شرق الجزيرة

نازحون من منطقة الجزيرة في شرق القضارف (أ.ف.ب)
نازحون من منطقة الجزيرة في شرق القضارف (أ.ف.ب)

اتهمت هيئة محلية تدعى «مبادرة دارفور للعدالة» في بيان لها الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، بالإغارة على أكثر من منطقة في إقليم دارفور الذي تسيطر عليه «قوات الدعم السريع»، ما أدى إلى مقتل 160 مدنياً وجرح العشرات غيرهم، بينما نزح نحو نصف مليون بعد أن قُتل المئات شرق ولاية الجزيرة بوسط البلاد، فراراً من عمليات «الدعم» التي أعقبت انسلاخ أحد كبار قادته وانضمامه للجيش، كما أدى تفشِّي وباء «الكوليرا» لإزهاق عشرات الأرواح في المنطقة.

وقالت «المبادرة التطوعية» إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني قصف مخيماً للنازحين بمنطقة بليل شرق مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، ليل السبت - الأحد، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص، وإصابة العشرات بجروح خطيرة وفقاً لإحصائيات أولية، مشيرة إلى أن أغلب القتلى من النساء والأطفال وكبار السن، ونقلت مقاطع فيديو بثها نشطاء في وسائط التواصل، حجم المأساة.

من احتفال بتخريج عسكريين للجيش في مدينة القضارف (أ.ف.ب)

ووفقاً لـ«مبادرة دارفور للعدالة»، فإن الطيران الحربي ارتكب ما سمته «مجزرة أخرى» في مدينة «الكومة» بولاية شمال نهر النيل، مساء الجمعة الماضي، بقصفه مدرسة «الفاروق الأساسية» التي تُستخدم مركزاً لإيواء النازحين «وهدمها فوق رؤوسهم؛ ما أودى بحياة 60 مدنياً، وخلَّف عشرات الجرحى والمصابين، معظمهم من النساء والأطفال».

والمواطنون الذين تَعَرَّضُوا للقصف الجوي كانوا قد لجأوا لهذه المخيمات في عام 2004 هرباً من قصف الطيران لقراهم إبان حرب دارفور بين الجيش والحركات المسلحة، تحت زعم أنهم «حواضن للحركات المسلحة»، وقالت «المبادرة» في بيانها: «الآن بعد 20 عاماً، يعاود الطيران نفسه ضربهم من جديد، كأنه لم يَكْفِهِ ما فعله بهم سابقاً».

من جهتها، وصفت «لجان مقاومة بليل» غارات الجيش على المواطنين بأنها جرائم «لا تستفز مشاعر السودانيين فحسب، بل تكشف بوضوح عن الإجرام الذي مارسه جيش الحركة الإسلامية الذي يقوده (رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان)، وقد تجاوز كل الخطوط الحمراء، من دون أي محاسبة أو رد فعل حقيقي من المجتمع الدولي».

وتوعدت بعدم ترك ما سمته الممارسات الإجرامية «تمر مرور الكرام»، ودعت من أطلقت عليهم «الشرفاء من أبناء السودان» والمجتمعين الدولي والإقليمي «للوقوف ضد هذه الجرائم، ومحاسبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية».

طفل نازح من ولاية الجزيرة في وسط السودان (أ.ف.ب)

وفي شرق ولاية الجزيرة بوسط السودان، تواصلت موجات النزوح الكثيف هرباً من عمليات عسكرية تتهم «قوات الدعم السريع» بارتكابها في سياق «حرب انتقامية» ضد السكان المحليين، على خلفية انسلاخ أحد أبناء المنطقة، القائد بقواتها أبو عاقلة كيكل، واستسلامه للجيش؛ ما أدى لمقتل المئات، ونزوح مئات الآلاف.

وقال «مؤتمر الجزيرة» وهو منظمة محلية تطوعية، في إحصائية له: «إن أكثر من 400 بلدة من جملة 515 بلدة تم تهجيرها قسراً كلياً، بينما تبقت 115 بلدة تم تهجيرها جزئياً، ويواجه سكانها حصاراً محكماً، وتمارَس ضدها أبشع أنواع الانتهاكات».

ووفقاً لـ«المؤتمر»، فإن عدد النازحين الذين تم إحصاؤهم تجاوز 400 ألف نازح، وتَوَقَّعَ أن يكون العدد الفعلي قد تجاوز 600 ألف نازح حتى الآن؛ لأن عمليات الحصر تأثرت بانقطاع الاتصالات، واستمرار النزوح اليومي.

ويقدر سكان «محلية شرق الجزيرة» بنحو 635 ألف نسمة، وفقاً لتعداد 2010، ويُتوقع أن يكون العدد قد فاق المليون نسمة، موزعين على 5 وحدات إدارية هي: «مدينة رفاعة، رفاعة الكبرى، تمبول، الهلالية، ود راوة» وتضم 515 قرية.

ووفق الإحصاءات، فإن الفارين من القتال توزعوا على عدد المدن والبلدات شمال وجنوب المنطقة، 90 ألفاً منهم في مدينة حلفا الجديدة، 40 ألفاً في مدينة الفاو، قرية الفردوس 17 ألفاً، مدينة القضارف 70 ألفاً، ولاية كسلا 80 ألفاً، بينما نزح نحو 100 ألف إلى ولايتي نهر والشمالية، بينما تَفَرَّقَ نحو 40 ألفاً في شرق الجزيرة ومنطقة الحلاوين غرب نهر النيل الأزرق.

عناصر من الجيش السوداني في القضارف (أ.ف.ب)

ولا توجد إحصاءات رسمية عن أعداد القتلى والجرحى، وتُقَدَّر أعدادهم بالمئات، بيد أن تقارير صحافية ذكرت أن مدينة «الهلالية» وحدها فقدت أكثر من 250 قتيلاً، بجانب العشرات الذين قُتلوا في عدد من البلدات والقرى، إما بإطلاق الرصاص عليهم، وإما بسبب انتشار الأوبئة، وانعدام الرعاية الصحية والأدوية، خصوصاً وباء «الكوليرا» الذي يتردد أنه ينتشر بكثافة بين النازحين والقرى التي لا تزال محاصرة.

ووصفت منظمة «مؤتمر الجزيرة» أوضاع النازحين بأنها «غاية في الخطورة»، وقالت إنهم بحاجة فورية للغذاء والكساء، ومياه الشرب والأدوية، في ظل انتشار حميات مختلفة، مشيرة إلى أن أعداداً كبيرة منهم تفترش الأرض، وتلتحف السماء في سهول، وقالت: «يقطع النازحون مسافات طويلة سيراً على الأقدام، وقد فارقت الحياة من قبل فتاتان (15 و18 سنة) مصابتان بمرض السكري، نتيجة الإعياء الشديد».


مقالات ذات صلة

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

أفريقيا مواطنون يتجمعون للحصول على المياه بالعاصمة السودانية الخرطوم (أ.ب)

«الأمم المتحدة»: حلفاء الأطراف المتحاربة بالسودان يسهمون في «المجازر»

اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوى المتحاربة في السودان بـ«تمكين المجازر» بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

تضاربت الأنباء بشأن المعارك العسكرية المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية في شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم من طرفي الحرب بالتفوق.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

الحكومة السودانية تتهم بعض المنظمات الدولية بتسليم الإغاثة لـ«الدعم السريع»

قالت الحكومة السودانية إن التقارير الدولية التي تشير إلى وجود مجاعة في السودان «كاذبة»، وإن بعض المنظمات «تكتب تقارير من مكاتبها في نيروبي دون إجراء أي مسح».

وجدان طلحة (بورتسودان)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)
من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)
TT

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)
من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار في البشر، قبيل تهريبهم عبر البحر المتوسط إلى شواطئ أوروبا.

وتتكرر في ليبيا عملية اعتقال مهاجرين جرى إعدادهم للهرب عبر سواحل ليبيا، من بينها صبراتة (غرب)، كما يجري الكشف عن «تحرير» العشرات من المهاجرين، الذين كانوا مخطوفين في «مخازن وزنازين سرية» تديرها عصابات للاتجار بالبشر.

عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

غير أن العمليات المتكررة لضبط واعتقال أعداد من المهاجرين غير النظاميين داخل ليبيا، أو توقيفهم وإعادتهم من البحر المتوسط، تطرح أسئلة كثيرة تتعلق بمدى حقيقة الجهود المبذولة للحد من تسرّبهم إلى أوروبا، والأسباب التي تقف وراء استمرار تدفق المهاجرين عبر الحدود الليبية المترامية.

السلطات الأمنية في غرب ليبيا خلال إنقاذ مهاجرين ضلّوا بالصحراء (وزارة الداخلية)

في سياق ذلك، قالت مديرية أمن صبراتة، الثلاثاء، إن «دوريات التحري والقبض» بمديرية الأمن تمكنت من إحباط عملية تهريب لمهاجرين سريين من جنسيات مختلفة «إثر مداهمة الوكر المُعد لتجميعهم قبل الانطلاق بهم إلى شاطئ البحر». وأوضحت المديرية أن القوات ضبطت 90 شخصاً ينتمون إلى دول أفريقية عدة؛ وجرى اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم».

وأمام كثرة عمليات التهريب، وازدياد نشاط الاتجار بالبشر، عبَّر مكتب الشؤون الأمنية بمديرية أمن صبراتة عن أمله من المواطنين كافة «التعاون التام، والوقوف مع الجهات الضبطية لمحاربة هذه الظاهرة، من خلال تقديم المعلومة عبر الهاتف، أو الحضور الشخصي إلى قسم البحث الجنائي».

وتعاني ليبيا من التأثيرات السلبية لملف الهجرة غير النظامية، وتعمل مع «المنظمة الدولية للهجرة» بشكل موسع على ترحيل آلاف المهاجرين إلى بلدانهم، وفق برنامج «الهجرة الطوعية». وقد رصدت المنظمة، في وقت سابق ترحيل 80 ألف مهاجر غير نظامي، ينتمون إلى 49 دولة أفريقية وآسيوية، من ليبيا إلى دولهم الأصلية منذ عام 2015، بدعم من البرنامج الأممي.

اعتقال مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

في شأن آخر، قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن دورية أمنية تابعة للقاطع الأمني الصحراوي القريات تمكنت من إنقاذ 13 مهاجراً غير نظامي من جنسيات أفريقية مختلفة، مشيرةً إلى أنهم كانوا تائهين في منطقة (الحمادة الحمراء)، بعد أن تقطّعت بهم السبل.

ونوهت الوزارة إلى أنه تم تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم، ونقلهم إلى مقر القاطع الأمني بالقريات، حيث سيتم إحالتهم إلى جهات الاختصاص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وسبق أن عثرت السلطات الليبية غير مرة على جثث لعابري الحدود تقطعت بهم السبل في الصحراء، بعد أن ضلوا طريقهم. ويمثل المهاجرون غير النظاميين العدد الأكبر في هؤلاء الضحايا، نظراً لإقدامهم على الهروب إلى ليبيا عبر الصحراء المترامية.