«إنها رسالة تهديد بإمكانية الاستفتاء على شرعية مجلس النواب الليبي»... هكذا وصف عدد من المراقبين خطاب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، لرئيس البرلمان، عقيلة صالح، بشأن أحدث حلقات الصراع بينهما، والذي يتعلق هذه المرة بقانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا.
خطاب المنفي أشار إلى أن مجلس النواب «سلطة تشريع انتقالي مؤقت، مدّد لنفسه دون استفتاء الشعب، كما ينص على ذلك الإعلان الدستوري بنص صريح، وذلك لظروف أمنية منعت ذلك الاستحقاق الدستوري حينها».
كما صعّد «الرئاسي» من نبرة التحدي في خطابه بالتأكيد على أن الظروف الأمنية «زالت اليوم مع حالة الاستقرار والإعمار، التي نشهدها في كل ليبيا»، في إشارة لزوال الأعذار أمام البرلمان لإجراء استفتاء على تجديد شرعيته.
وعلى الفور طرحت التساؤلات حول ما هي خيارات البرلمان للرد على تهديد المجلس الرئاسي، إذا ما أقدم على تنظيم هذا الاستفتاء الشعبي؟ وما مدى جدية المنفي في المضي قدماً بهذا المسار؟ أم أن الأمر ليس أكثر من ورقة ضغط على عقيلة صالح لانتزاع «بعض المكاسب السياسية»؟ كما يعتقد البعض.
بداية، توقّع عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن البرلمان ومعه كل القوى والنخب بالمنطقة الشرقية «لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء أي إجراء من هذا القبيل يقدم عليه المجلس الرئاسي»، معتقداً أنهم «قد يقومون في المقابل بتنظيم استفتاء على شرعية واستمرار المجلس الرئاسي وحكومة (الوحدة الوطنية) لإزاحتهما من المشهد السياسي».
وحذّر التكبالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من تداعيات تلك الخطوة التصعيدية إذا ما وقعت، مؤكداً أنها «لا تنذر فقط بترسيخ الانقسام الراهن، بل قد تُهدد وحدة البلاد».
وترى بعض الأوساط السياسية أن البرلمان ربما يُفكر في الرد حينها على خطوة المجلس الرئاسي بإجراء استفتاء مماثل، قصد إقرار «النظام الفيدرالي» لتقسيم ليبيا إلى 3 أقاليم، ورسم خريطة جديدة لتوزيع الثروة النفطية، وفقاً لمناطق تمركزها في شرق البلاد وجنوبها.
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية حكومة أسامة حماد، وهي مدعومة من «الجيش الوطني»، الذي يقوده خليفة حفتر.
من جانبه، عَدّ عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة، في تصريحات إعلامية أن القرارات الأخيرة لمجلسه جعلت المجلس الرئاسي بمثابة «جسم ميت»، وفق قوله، ومن ثم تُعد دعوته لإجراء الاستفتاء «أمراً لا يرقى للرد عليه» في إشارة لتصويت البرلمان من قبل على إنهاء ولايته.
من جهته، يرى وكيل وزارة الخارجية الأسبق، السفير حسن الصغير، أن البرلمان ربما يكتفي في المرحلة الراهنة بالبيان، الذي أصدرته حكومة حماد للرد على خطاب المجلس الرئاسي.
ويعتقد الصغير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هدف الدبيبة والمنفي من الحديث عن الاستفتاء «عرقلة البعثة الأممية عن مباشرة أي حوار، أو عملية سياسية جديدة تقود لإجراء الانتخابات؛ وهو ما يؤذن بقرب رحيلهما عن السلطة».
وكان حماد قد أصدر بياناً انتقد فيه خطاب المنفي، وعَدّ مطالبته للبرلمان بإلغاء قانون المحكمة الدستورية «محاولة لتعميق الشقاق والانقسام بين مؤسسات الدولة الرسمية».
وتوقّع الصغير أن يستند المنفي في مطالبته للاستفتاء بحل البرلمان إلى المادة (31) من مخرجات «لجنة فبراير (شباط)»، المضمنة بالتعديل السابع للإعلان الدستوري، والتي تنص «على عدم جواز حل البرلمان إلا بناءً على استفتاء يُجرى بناءً على طلب من رئيس الدولة».
المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أكد بدوره أن إجراء الاستفتاء على شرعية البرلمان بهدف إسقاطه بشكل منفرد أو مع «الأعلى للدولة» وتطبيق النتائج «يرتهن بالدرجة الأولى على موافقة القوى المسلحة بعموم ليبيا، خصوصاً المتمركزة في شرق البلاد وجنوبها».
ووصف محفوظ خطوات أطراف الصراع على السلطة في ليبيا بكونها «ضربات استباقية لإنهاء وجود الخصوم»، متوقعاً أن «يدشن المجلس الرئاسي بالتنسيق مع الدبيبة استفتاءً على البنود الخلافية بالقوانين الانتخابية، التي أقرّها البرلمان قبل عام، والتي تجيز ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية لرئاسة الدولة». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «في حال تم حسم الخلاف على البنود شعبياً، فإنه لن يكون هناك عذر أمام مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة لاستمرار عدم التوافق بينهما، حول الإطار القانوني المنظم للانتخابات».
ويرى محفوظ أن المنفي والدبيبة يسعيان لتعزيز مواقفهما أمام الرأي العام المحلي والدولي حيال إجراء الاستحقاق الانتخابي، مبرزاً أن «خطوة الاستفتاء ستمكنهما من إزاحة خصمهم العنيد (البرلمان)»، رغم قناعته بأنهما، مثل باقي الأجسام السياسية في ليبيا، لا يرغبان في ذلك.