يفرض الحكم الصادر من المحكمة «الدستورية العليا» في مصر «زيادات» على الشقق المؤجرة بموجب قانون «الإيجار القديم»، الذي ينظم العلاقة بين الملاك والمستأجرين ويسمح للمستأجر بالبقاء بالوحدة المؤجرة مدى الحياة وللجيل الأول من بعده.
وقضت «الدستورية العليا»، السبت، ببطلان مادتين في القانون، فيما ضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى، معتبرة أن ثبات القيمة الإيجارية مع مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه بمثابة «عدوان على قيمة العدل وإهدار لحق الملكية».
ودعت المحكمة في حيثيات حكمها إلى «ضرورة إصدار تشريع يوازن العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فلا يمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالاً لحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه، ولا يهدر عائد استثمار الأموال - قيمة الأرض والمباني - بثبات أجرتها بخساً لذلك العائد فيحيله عدماً».
ووصف كبير الباحثين بـ«المركز المصري للفكر والدراسات»، محمد مرعي، الحكم بـ«التاريخي» لكونه يمس مئات الآلاف من المصريين سواء كانوا ملاكاً أو مستأجرين، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأمر الآن بيد مجلس النواب المصري (البرلمان) لإقرار تشريع قانوني يتوافق مع حكم المحكمة بأسرع وقت.
وقال عضو مجلس النواب المصري، النائب أيمن محسب، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يستعد بالمشاركة مع مجموعة من النواب لتقديم مشروع قانون يتضمن التعديلات التي تضمنها حكم المحكمة، مشيراً إلى أن الحكم لا يشكل مشكلة كبيرة في ظل اقتصار التعديل على القيمة الإيجارية فحسب.
ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل التي تخضع لقانون «الإيجار القديم»، ففي الوقت الذي يقول فيه بعض مالكي منازل الإيجارات القديمة إن عددها يقدر بـ3 ملايين وحدة فقط، يشير عدد من المستأجرين إلى أن عددها يصل إلى 10 ملايين وحدة، وهو تضاربٌ في الأرقام دفع مجلس النواب المصري لمخاطبة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لتقديم إحصائية حول عدد الوحدات التي تخضع لقانون «الإيجار القديم».
وأكدت «الدستورية» أهمية إسراع البرلمان في إصدار قانون يراعي التوازن الذي دعت إليه «الدستورية العليا» لضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، قبل أن يبدأ تطبيق الحكم، مما يؤدي لفوضى في العديد من التعاقدات المستندة لقوانين «الإيجار القديم»، حسب بيان المحكمة، السبت.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طالب خلال مؤتمر «حكاية وطن»، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بضرورة وجود «قانون قوي وحاسم وسريع» لمعالجة مشكلة العقارات المطبق عليها قانون «الإيجار القديم»، مع تقدير عدد الوحدات المغلقة بسبب القانون بمليوني وحدة تقدر قيمتها بتريليون جنيه.
وحددت المحكمة اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخاً لإعمال أثر حكمها، وهي المهلة التي أرجعها نائب رئيس المحكمة ورئيس المكتب الفني، المستشار محمود غنيم، لأنها «كافية زمنياً لحاجة المشرع الاختيار بين البدائل من أجل وضع الضوابط الحاكمة».
وعد المحامي المصري، محمد رضا، المهلة الممنوحة من المحكمة للبرلمان «فرصة من أجل صياغة التعديلات المطلوبة على القانون»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن الحكم يعالج مشكلة جسيمة في القانون مرتبطة بخلل عدم معالجة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية وتراجع العائد من الاستثمار في العقار بالنسبة لملاك العقارات القديمة.
وشدد النائب أيمن محسب على أن ما جاء في الحكم ستجري ترجمته في صياغة قانونية ومناقشته داخل البرلمان، لا سيما خصوصاً فيما يتعلق بالقيم العادلة للعقود الإيجارية ونسب الزيادة السنوية وغيرها من التفاصيل، مشيراً إلى أن التصور للتعديل المقترح سيضمن فقط استمرار العلاقة بين المالك والمستأجر من دون تغيير. وأوضح أن المسألة ستُناقش بشكل تفصيلي بظل اختلاف طبيعة المواقع التي تقع فيها العقارات واختلاف التقييم بين المدن والقرى وغيرها من الأمور التي سيتم مراعاتها عند إقرار التعديلات القانونية التي تتسق مع حكم المحكمة.
ويعد محمد مرعي حكم «الدستورية» بمثابة تحريك للماء الراكد في القانون الذي يتطلب ليس فقط مناقشات برلمانية؛ لكن حواراً مجتمعياً بمشاركة الأحزاب والقوى السياسية المختلفة والحكومة للوصول لصيغ توافقية تراعي مصالح الملاك والمستأجرين بجانب الظروف الاجتماعية للفئات الأقل دخلاً.
كان مجلس النواب في مصر أقر تعديلاً على قانون «الإيجار القديم» لـ«الأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكني» عام 2022، وهو التعديل الذي سمح بزيادة الإيجارات القديمة للأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية للاستخدام غير السكني بنسبة 15 في المائة سنوياً لمدة 5 سنوات على أن تنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بقوة القانون.