حكومتا ليبيا لبحث أزمة إدراج كتاب ديني بالمناهج التعليمية

سلطات بنغازي قررت تدريس «الكنوز الأثرية»... وطرابلس ترفضه

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
TT

حكومتا ليبيا لبحث أزمة إدراج كتاب ديني بالمناهج التعليمية

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)
أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب (الحكومة)

تصاعدت وتيرة الجدل بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في ليبيا بشأن قرار السلطات في بنغازي (شرق البلاد) إدراج كتاب ديني في المقررات الدراسية.

وبدا أن حكومة أسامة حماد التي أدرجت كتاب «الكنوز الأثرية» في المناهج التعليمية على غير رغبة غريمتها في طرابلس، تتجه لاستكمال بحث المسائل الفنية والإطار الزمني لتطبيق القرار، وذلك من خلال لجنة شكلتها الأحد.

وقال مصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن وزير التعليم في حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، موسى المقريف، سيعقد اجتماعاً هو الآخر، في غضون أيام، مع مدير مركز المناهج التعليمية، سيف النصر عبد السلام، للبحث في تداعيات قرار حكومة حماد.

وجاء قرار حماد الأسبوع الماضي إدراج كتاب «الكنوز الأثرية» ضمن المناهج التعليمية، وهو ما عده مراقبون أحد أعراض الانقسام السياسي.

الجدل حول الكتاب الذي يتضمن 100 سؤال وجواب في العقيدة والسيرة، وفق مراقبين، بدا لأنه يتخذ طابعاً دينياً مذهبياً؛ إذ يرى معارضوه، وأغلبهم من معسكر طرابلس، أنه «إقحام لمذهب ديني على آخر بفعل بعض الفقرات الموجودة بخصوص فقه الوضوء والصلاة»، في حين يقول مؤيدوه إنه «كتاب ديني قيّم لقي قبولاً بعد تدريسه لطلاب الدورات الصيفية في شرق البلاد».

ورغم وجود وزيرين للتعليم، أحدهما المقريف في غرب البلاد، والآخر هو جمعة خليفة الجديد في شرقها، فإن «أصابع الانقسام لم تطل المناهج التعليمية والامتحانات حتى اللحظة»، وفق الدكتور سيف النصر عبد السلام، مدير عام «مركز المناهج».

غلاف الكتاب المختلف على إدراجه بالمناهج الدراسية في ليبيا

وتخضع المناهج التعليمية الليبية لسلطة «مركز المناهج» في غرب البلاد، وفق قرار تأسيسه الصادر في عهد النظام السابق (2009)، ويقول عبد السلام لـ«الشرق الأوسط» إن «المركز يشرف على توزيع 47 مليون نُسخة من الكتب المدرسية على 57 مخزناً فرعياً في كل أنحاء ليبيا».

وحتى اللحظة، يبدو أن تطبيق تدريس «الكنوز الأثرية» بالمدارس في شرق البلاد وفي المدارس الخاصة بغربها، سيكون بواقع حصة أسبوعية بداية من العام الدراسي الحالي، وفق عاطف العبيدي، وزير الأوقاف بحكومة حماد، لقناة محلية ليبية، في حين يهيمن الغموض على السيرة الذاتية لمؤلف الكتاب المثير للجدل الذي اكتفت الوزارة بتعريفه على أنه المهندس صلاح الدين عبد السلام العبيدي.

وسرعان ما دخل مفتي ليبيا المعزول في غرب ليبيا، الصادق الغرياني، على خط الجدل المتصاعد، رافضاً إدراج الكتاب ضمن المناهج.

ويستمر التنازع على السلطة في ليبيا بين حكومتين: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والأخرى مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

ووفقاً لإحصاءات وزارة التعليم بحكومة «الوحدة»، فإن عدد المدارس في ليبيا بالمرحلتين الأساسية والثانوية يبلغ 6532 منشأة، ويدرس في المرحلتين نحو 2.3 مليون طالب.

ويصف مدير عام «مركز المناهج» قرار حكومة حماد بأنه «غير قانوني وغامض ويربك العملية التعليمية التي ما تزال متماسكة»، منوهاً بأن الكتاب لم يُعرض على المركز وخبرائه. وإذ يستبعد أي بوادر انقسام في التعليم بعد هذه الواقعة، فإنه يرجح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون الدافع وراء هذه الخطوة التي وصفها بـ«الأحادية»، هو «محاباة فئة بعينها»، دون توضيح هويتها.

وفي محاولة لاحتواء هذه الأزمة، تواصل «مركز المناهج» في غرب البلاد مع لجنة التعليم بمجلس النواب لوقف هذا القرار، وفق عبد السلام، في حين قررت حكومة حماد تشكيل لجنة من 9 أعضاء تقرر مدى صلاحية المنهج في موعد أقصاه الخميس المقبل.

وبدأ جدل موازٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، ترافق مع تداول نشطاء صورة صدام نجل المشير خليفة حفتر، متصفحاً كتاباً ضمن زيارة سابقة إلى دورة صيفية لحفظ القرآن الكريم بـ«مسجد بيعة الرضوان» في بنغازي.

ووصف الناشط عبر منصة «إكس» إبراهيم مطرود، الكتاب بأنه «أفضل من الطائرة والدبابة لاجتثاث الإرهاب والعودة إلى إسلامنا الحنيف».

وسط هذا الجدل، لا يجد الباحث والمحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، تفسيراً لهذا «الصراع» سوى أنه «أحد أعراض عدم الاستقرار في الدولة الليبية».

ويشير إلى أن «الانقسام يدفع الفاعلين في الحكومتين إلى إثبات أنفسهم في مواقع وعبر مواضيع بعيدة عن أولويات تمس المواطن»، مبدياً اندهاشه من «الإلهاء بتلك القضايا التي من المفترض أن تشغل مفكري وعلماء الأمة، في حين أن البلاد غارقة في المخدرات والحبوب المهلوسة والهجرة غير النظامية والسلاح المارق والتسرب من التعليم وغياب الخدمات».

أما المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، الذي يصف قرار حكومة حماد بأنه «خطوة غير مدروسة»، فإنه يشير إلى خطورة بعض الفقرات التي وردت في «الكنوز الأثرية»؛ إذ يراها قد تحمل «أثراً ضاراً على مستقبل البلاد».

ويحذر امطيريد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مما عدها «مخاطر أخرى على نسيج المجتمع من هذا الكتاب»، فحسب رؤيته قد «يخلق ثغرة فكرية وثقافية بين المواطنين في الغرب والشرق، وفجوة بين الأجيال»، مشيراً إلى أن ليبيا «في غنى عن مشاريع انقسام جانبية تضاف إلى الانقسامات الأمنية والسياسية».


مقالات ذات صلة

ليبيا ترفض أن تكون «شرطياً لأوروبا» لصد تدفقات «المهاجرين»

شمال افريقيا الحويج خلال مشاركته في طاولة مستديرة في جامعة بنغازي عن الهجرة (وزارة الخارجية بحكومة حمّاد)

ليبيا ترفض أن تكون «شرطياً لأوروبا» لصد تدفقات «المهاجرين»

دعت وزارة الخارجية في حكومة شرق ليبيا الدول المطلة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط إلى ضرورة التعاون لحل أزمة تدفقات المهاجرين غير النظاميين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الكوني مستقبلاً خوري في طرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

ستيفاني خوري تُطلع «الرئاسي» على تحركها دولياً لحلحلة الأزمة الليبية

قال المجلس الرئاسي الليبي إن نائبه موسى الكوني التقى المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري لبحث آخر مستجدات الأوضاع على كل الأصعدة لا سيما حالة الجمود السياسي.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا الصحافي الليبي محمد الصريط قرقر (صفحته الشخصية على «فيسبوك»)

اعتقال صحافي في بنغازي الليبية يثير مخاوف من «قمع الحريات»

تبدي الجماعة الحقوقية في بنغازي الليبية مخاوفها من توقيف الصحافي محمد قرقر، متحدثين عن ازدياد عمليات الاعتقالات بشرق البلاد، ما عدّوه «ممارسات تعسفية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من تظاهر عائلات مرضى الأورام في مدينة الزاوية غرب ليبيا (الشرق الأوسط)

مرضى الأورام في ليبيا... شكاوى من «الإهمال الحكومي ونقص العلاج»

يتّهم قطاع من مرضى الأورام في ليبيا السلطات الحاكمة بـ«إهمالهم»، وعدم توفير العلاج لهم، لكن الحكومتين المتنازعتين في البلاد تشيران إلى بذل جهود في هذا الملف.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزّعتها حكومة «الاستقرار» لمشاركة رئيسها في ندوة ببنغازي

ليبيا: خلافات سياسية جديدة تضرب مؤسسات السلطة

اتهمت حكومة «الاستقرار» الليبية «المجلس الرئاسي» بمحاولة «بثّ الفوضى وتقويض الجهود الرامية لتعزيز مبدأ التداول السلمي للسلطة والوظائف العامة».

خالد محمود (القاهرة)

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
TT

مقتل 49 شخصاً بقصف جوي على العاصمة السودانية

أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أشخاص يسيرون بشارع يحمل آثار الدمار في أم درمان يوم 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)

قتل 49 شخصاً وأصيب آخرون، ودُمر أكثر من 160 مسكناً، جراء قصف جوي نفذه طيران الجيش السوداني على منطقة العامرية غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة تقع تحت سيطرة «قوات الدعم السريع». وفي الوقت ذاته شهدت مدينة النهود بولاية غرب كردفان اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة من جهة؛ وقوات الاحتياط التابعة للجيش و«المستنفرين» المؤيدين للجيش من الجهة الأخرى، أدت إلى مقتل 3 أشخاص؛ هم: اثنان من قادة قوات الاحتياط التابعة للجيش، وضابط من الشرطة.

وقالت «لجان المقاومة الشعبية» إن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني ألقى 11 برميلاً متفجراً على ضاحية العامرية مساء الأحد، ما أدى إلى مقتل 49 شخصاً معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال، وأصيب المئات بجراح، وإن القصف الجوي دمر نحو 160 منزلاً، وإن عشرات الضحايا ما زالوا تحت الأنقاض.

ولم يعلق الجيش على تلك الأحداث كالعادة، بينما تداولتها منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع» بكثافة، خصوصاً أن المنطقة التي قصفها الطيران تقع تحت سيطرة هذه القوات، فيما قالت منصات موالين للجيش إن ما حدث كان استهدافاً لـ«قوات الدعم السريع».

دبابة مُدمَّرة نتيجة الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أم درمان (رويترز)

إدانة الغارة الجوية

وأدانت «غرفة طوارئ أحياء العامرية ودار السلام» في غرب مدينة أم درمان الغارة، وعدّتها «جريمة حرب؛ إذ إن تنفيذ طيران الجيش هذه المجازر يعيد إلى الأذهان قصص وروايات القتل والإبادة الجماعية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة، وجرائم الحرب الحالية في الكومة ومليط والجزيرة وسنار».

ودعت «غرفة الطوارئ» الجهات الإنسانية والصحية إلى التحرك للمنطقة، وتقديم الدعم الطبي العاجل للجرحى والمصابين من المدنيين، وإنقاذ العالقين وسط نيران الحرب في أم درمان. ودعت المجتمع الدولي إلى القيام بدوره، و«فرض حظر طيران شامل لحماية المدنيين، والضغط على الأطراف لوقف الحرب».

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمشاهد صادمة لجثث النساء والأطفال المتفحمة، فيما عدّت «مبادرة دارفور للعدالة»، وهي منظمة طوعية، ما حدث في العامرية تعميقاً للأزمة والمأساة الإنسانية، وقالت إن «طيران الجيش استهدف المدنيين بضراوة، وألحق دماراً كبيراً بالأعيان المدنية والصحية، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي».

وعقب مطالبة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، خلال زيارته بريطانيا لبحث موضوع حظر الطيران وتحديد مناطق آمنة للمدنيين، أكدت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوورد، أن بريطانيا ستقدم مسودة قرار تهدف إلى ضمان امتثال الأطراف المتحاربة لالتزاماتها السابقة بحماية المدنيين، ودعم جهود الوساطة لوقف إطلاق النار تدريجياً.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال ولاية كردفان (أ.ف.ب)

غرب كردفان

وفي مدينة النهود بولاية غرب كردفان، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات تابعة للشرطة، وقوات تابعة للجيش، أدت إلى مقتل 3؛ هم: ضابط شرطة، واثنان من قادة قوات الاحتياطي «المستنفرين» للقتال مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع».

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق ولاية غرب كردفان، باستثناء مدينتي بابنوسة، والنهود التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» من جميع الجهات. وقالت مصادر إن سبب المعركة هو اختلاف على سيارة من نوع «لاند كروزر» تتبع شرطة الجمارك، وقد استولى عليها «المستنفرون» بناء على قرار لجنة الأمن تسخير عربات المؤسسات الحكومية في العمليات الحربية.

ووفقاً لمصادر، فإن شرطة الجمارك طالبت باسترداد السيارة، لكن «المستنفرين» رفضوا إعادتها، ونتيجة لذلك، هاجمت قوة مسلحة من شرطة الجمارك اجتماعاً أمنياً، وأطلقت عليه النار من رشاشات متوسطة. وأوضحت المصادر أن بقية أفراد الشرطة تدخلوا لمصلحة زملائهم في شرطة الجمارك، وأن الأوضاع تحولت إلى قتال بين الطرفين.

وقال شهود عيان إن «الأوضاع لا تزال مضطربة في المدينة، فيما فرضت الشرطة حظر التجوال فيها»، وإن «عدداً من المواطنين الذين أصابهم الرعب الناتج عن تبادل إطلاق النار نزحوا من المدينة إلى المناطق القريبة؛ بما في ذلك مدينة غبيش التي تسيطر عليها (قوات الدعم السريع)».