فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن قتل المناضل الجزائري العربي بن مهيدي

ماكرون يطلق بادرة تهدئة وسط توتر سياسي متفاقم بين البلدين

صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تعترف بمسؤوليتها عن قتل المناضل الجزائري العربي بن مهيدي

صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)
صورة للعربي بن مهيدي التُقطت في الخمسينات (أ.ف.ب)

انتظرت فرنسا 67 عاماً للاعتراف بأن جيشها قتل المناضل الجزائري، العربي بن مهيدي، في ليلة الثالث إلى الرابع من شهر مارس (آذار) عام 1957 شنقاً، بينما ظلت الرواية الرسمية للدولة الفرنسية تقول إن المهيدي «انتحر». والغريب أن بيان قصر الإليزيه، الذي يؤكد أن أمر الإعدام الذي أُعطي للجنود الفرنسيين جاء من الجنرال بول أوساريس. والحال أن الأخير اعترف في 2001 بأنه هو مَن أمر بشنق المهيدي، وجرى تمويه قتله بعملية انتحار.

العربي بن مهيدي (وسط) وشرقي إبراهيم (يمين) أمام فيلا البيار حيث كانا محتجَزين منذ اعتقالهما (أ.ف.ب)

الاعتراف الرسمي بقتل المناضل الجزائري جاء في بيان مطوَّل من 672 كلمة، صدر عن قصر الإليزيه بمناسبة الذكرى السبعين لانطلاق الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954، التي كان المهيدي أحد أهم صُناعها.

وجاء في بيان الإليزيه أن رئيس الجمهورية «يعترف، اليوم، بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة، الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر 1954، قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس».

واللافت أن فرنسا، التي درجت على الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها قواتها في الجزائر بـ«التقسيط»، كالت المديح والثناء بعد سنوات من الكذب الرسمي للمهيدي، المولود عام 1923، وتوقفت عند تفاصيل حياته، مثل حصوله على الشهادة الابتدائية، ثم دراسته في المرحلة الثانوية، وانتمائه للكشافة، وانضمامه باكراً إلى التيار المطالب بالاستقلال، بعد مجازر ولاية قسنطينة صيف عام 1945، وكذا التحاقه بالثورة الجزائرية التي أصبح أحد قادتها. وأشار البيان الرسمي إلى أن المهيدي كان مهندس المؤتمر الأول لجبهة التحرير الجزائرية، وأُسندت إليه قيادة منطقة العاصمة الجزائر. وقال بيان الإليزيه إنه كان أحد قادة «معركة الجزائر» في عام 1957، وهو العام الذي سقط فيه بقبضة الجيش الفرنسي الذي شنقه. كما أشار البيان إلى أن مصير العربي بن مهيدي شبيه بمصير المناضل الشيوعي موريس أودان، والمحامي الجزائري علي بومنجل، وكلاهما قُتل على أيدي القوات الفرنسية، في إطار «منظومة أمنية جاءت خارج مجتمع حقوق الإنسان والمواطن، وبسبب السلطات الخاصة التي أعطاها البرلمان للحكومة لإعادة النظام إلى الجزائر».

القادة الستة الذين فجّروا ثورة الجزائر. العربي بن مهيدي جالساً على اليمين (متداولة)

وذهب بيان الرئاسة إلى التنويه بالصورة التي أخذت للعربي بن مهيدي «مبتسماً وهو مكبَّل اليدين، ونظرة تنمُّ عن الكبرياء، بحيث إن العسكريين الفرنسيين الذين كانوا على دراية بشهرته أثّرت فيهم شجاعته والكاريزما» التي تحلَّى بها.

وجاء هذا الاعتراف وسط حالة من التوتر تهيمن على العلاقات الفرنسية الجزائرية. وكانت زيارة الدولة، التي قام بها الرئيس ماكرون إلى المغرب، وإعادة تأكيده أن «حاضر الصحراء ومستقبلها يُكتبان في إطار السيادة المغربية»، لتُفاقما التوتر بين الطرفين. ورغم ذلك، حرص «الإليزيه» على التذكير بأن هذا الاعتراف يندرج في إطار «العمل من أجل (إبراز) الحقيقة التاريخية» لما جرى خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، وهو «العمل الذي أطلقه ماكرون مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، وهذا العمل سيتواصل».

أعضاء لجنة الذاكرة الجزائريين مع الرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

ويُعد هذا الاعتراف، وفق القراءة الفرنسية، جزءاً من «تصالح الذاكرات»، وهو الهدف الذي يسعى إليه الطرفان من خلال قول الحقيقة؛ خدمة للأجيال القادمة. في هذا السياق، شدد البيان على أن ماكرون «سعى، منذ عام 2017، إلى البحث عن حقيقة تاريخ الاستعمار وحرب الجزائر؛ بهدف خلق ذاكرة سِلمية ومشتركة. وهذا الطموح، الذي كان إعلان الجزائر المشترك هو العمل التأسيسي له، هو أيضاً طموح الرئيس تبون».

المؤرخ الفرنسي الشهير بن جامان ستورا (حسابه الشخصي)

وأمس، كتبت صحيفة «لو موند» أن المؤرخ الفرنسي المعروف، بن جامان ستورا، الذي اقترح على ماكرون العمل من أجل تصالح الذاكرتين الفرنسية والجزائرية، هو من اقترح على الرئيس الفرنسي التخلي عن الكذبة الرسمية وقول الحقيقة بخصوص موت العربي بن مهيدي، الذي قُتل في سن الـ34 عاماً. ويقارن ستورا بين الأخير وبين جان مولين، بطل محاربة الألمان النازيين، مؤكداً أن العربي بن مهيدي «أهم قائد للثورة الجزائرية ولحرب الاستقلال». وبرأيه، فإن بادرة ماكرون تعني عملياً «الاعتراف بالشرعية السياسية لحرب الوطنيين الجزائريين».

والمتعارف عليه في أوساط المؤرخين الفرنسيين أن العربي بن مهيدي شعار رمز لاستقلال الجزائر. وقد فرض العربي بن مهيدي احترامه، حتى على أعتى أعدائه، ومنهم الجنرال مارسيل بيجار الذي قاد كتيبة المظليين في معركة الجزائر. ويُنقل عنه أنه قال إنه «كان الأكبر حقيقة».

ونجحت مجموعة من المظليين في اعتقال العربي بن مهيدي، القائد العسكري والسياسي الذي عُثر عليه جثة هامدة بعد أيام قليلة. وخرجت بعدها رواية انتحاره في السجن. ووفق هذه الرواية الرسمية وقتها، فإنه انتحر في السجن، بعد أن مزّق قميصه قِطعاً وصنع منه حبلاً ربطه بحديد شُباك خليته. والحال أن مَن قتله هو «القائد صفر»، وهو رمز الجنرال بول أوساريس مع ستة من جنوده، وكان مكلفاً وقتها رسمياً بالتنسيق بين المخابرات والشرطة والقضاء. وانتظر أوساريس حتى عام 2001 ليعترف بمسؤوليته عن إعدام العربي بن مهيدي، وذلك في كتابه «الأجهزة الخاصة، الجزائر 1955ــ1957» الصادر عن دار بيران.

فهل ستكفي بادرة ماكرون؟ كثيرون يَبدون مشككين بما قد ينتج عنها. والمأخذ الرئيسي أن ماكرون يعمل «على القطعة»، بينما المطلوب شيء آخر. وليس سراً أن عدداً من الملفات تعوق، حتى اليوم، «تصالح الذاكرتين»، وليس آخرها الملفات السياسية، كملف الصحراء على سبيل المثال.



السودان ينسحب من نظام لمراقبة الجوع قبيل صدور تقرير عن المجاعة

أجزاء كبيرة من جنوب السودان تعاني من الحرب والمجاعة (أرشيفية - رويترز)
أجزاء كبيرة من جنوب السودان تعاني من الحرب والمجاعة (أرشيفية - رويترز)
TT

السودان ينسحب من نظام لمراقبة الجوع قبيل صدور تقرير عن المجاعة

أجزاء كبيرة من جنوب السودان تعاني من الحرب والمجاعة (أرشيفية - رويترز)
أجزاء كبيرة من جنوب السودان تعاني من الحرب والمجاعة (أرشيفية - رويترز)

علقت الحكومة السودانية مشاركتها في نظام عالمي لرصد الجوع قبيل صدور تقرير من المتوقع أن يظهر انتشار المجاعة في أنحاء البلاد، وهي خطوة من المرجح أن تقوض الجهود الرامية إلى معالجة واحدة من أكبر أزمات الجوع في العالم.

وفي رسالة بتاريخ 23 ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الزراعة بالحكومة السودانية إنها علقت مشاركتها في نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. واتهمت الرسالة التصنيف المرحلي «بإصدار تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته». ومن المتوقع أن ينشر التصنيف اليوم الثلاثاء تقريرا يفيد بأن المجاعة انتشرت في خمس مناطق في السودان وقد تمتد إلى 10 مناطق بحلول مايو (أيار)، وفقا لوثيقة اطلعت عليها رويترز.

وجاء في الوثيقة «يمثل هذا تفاقما وانتشارا لم يحدثا من قبل لأزمة الغذاء والتغذية، نتيجة الصراع المدمر وضعف وصول المساعدات الإنسانية».