توافق مصري - إيراني على استمرار مسار «استكشاف» العلاقات الثنائية

السيسي بحث مع عراقجي في القاهرة خفض التصعيد بالمنطقة

الرئيس المصري خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

توافق مصري - إيراني على استمرار مسار «استكشاف» العلاقات الثنائية

الرئيس المصري خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

توافق بين القاهرة وطهران على استمرار مسار «استكشاف» العلاقات الثنائية، في أول زيارة لوزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لمصر، التي تعد أيضاً الأولى لمسؤول إيراني كبير منذ 2014، وتناولت أيضاً الحديث عن أهمية خفض التصعيد بالمنطقة.

تلك الزيارة التي تأتي وسط ترقب إيراني دولي لضربة إسرائيلية محتملة، يراها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» لا تعني اقتراب البلدين من مسار التطبيع الكامل، لكنها «مؤشر فقط على تحسن العلاقات»، لافتين إلى أن إيران بحاجة إلى دور مصر المهم بالمنطقة لتهدئة التصعيد الحالي، ومن ثم تأتي الزيارة ضمن «نطاق الدبلوماسية الوقائية».

وخلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعرب الوزير الإيراني عن «تقدير بلاده للجهود المصرية المستمرة لتحقيق الاستقرار والأمن بالمنطقة»، مشيداً بـ«الدور المصري في ذلك الصدد على جميع المسارات»، وتم «الاتفاق على أهمية استمرار المسار الحالي لـ(استكشاف) آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين الدولتين»، وفق بيان صحافي لـ«الرئاسة المصرية».

ووصل عراقجي إلى القاهرة، مساء الأربعاء، قادماً من عمّان، في إطار جولة إقليمية منذ نحو أسبوعين، شملت أيضاً لبنان وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان. وستقوده بعد مصر إلى تركيا، بحسب إفادة سابقة لـ«الخارجية الإيرانية».

وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا»، كانت آخر زيارة لمسؤول إيراني كبير إلى مصر في عام 2014، مع مشاركة حسين عبداللهيان، الذي كان يتولى إدارة الشؤون العربية والأفريقية بوزارة الخارجية، في مراسم اليمين الدستورية للرئيس السيسي، وسبقه وزير الخارجية، علي أكبر صالحي، في 2013.

جانب من المحادثات المصرية - الإيرانية في القاهرة بحضور عبد العاطي وعراقجي (الخارجية المصرية)

وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد العرابي، يعتقد أن العلاقات بين البلدين تبدو جيدة، وهناك زيارات مصرية سابقة لطهران، لكن هناك اعتبارات يجب أن توضع في الاعتبار، ونحن نبحث كل جوانب علاقات البلدين بشكل مستفيض، خاصة أن إيران لها أذرع بالمنطقة، تعد أحد أسباب عدم الاستقرار، ولها تأثير على الاقتصاد المصري.

ويستهدف الحوثيون منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها «مملوكة أو تشغلها شركات إسرائيلية»، وتأتي الهجمات رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة. ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر، وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وفقد قناة السويس المصرية نحو 6 مليارات دولار أميركي (الدولار يساوي 48.65 جنيه في البنوك المصرية).

وتعد زيارة عراقجي في حد ذاتها «مؤشراً على تحسن العلاقات»، وخاصة أن مصر سبق أن شاركت في تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والعزاء في سلفه الراحل إبراهيم رئيسي، الشهرين الماضيين، وفق تقدير الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمد عباس ناجي، موضحاً: «لكن الاتفاق المصري - الإيراني على استمرار مسار (الاستكشاف) لتطوير علاقات يعني أن الأمور تحتاج مزيداً من الوقت، خصوصاً أن هناك ملفات بين البلدين تحتاج لمناقشات، ولا سيما الملفين اليمني والفلسطيني».

وكان البلدان قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979، قبل أن تُستأنف العلاقات من جديد بعد ذلك بـ11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال، وشهد عام 2023 لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين، وتطور في مايو (أيار) من العام ذاته، بتوجيه رئاسي إيراني لوزارة خارجية بلادها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر. وكذا لقاءات على مستوى وزراء الخارجية، بخلاف لقاء السيسي ورئيسي، في الرياض، في نوفمبر الماضي، واستمرار الاتصالات لبحث الوضع في قطاع غزة والبحر الأحمر، وحالياً لبنان.

وبالتالي، فإن «هناك أهمية ألا تدفع مصر فاتورة أحد، وأن يقوم التعاون بين البلدين بما لا يؤثر على المصالح المصرية»، وفق محمد العرابي، مؤكداً «أهمية المناقشة الصريحة لكل التحفظات على بعض التصرفات بما يراعي مصالح القاهرة ويعزز العلاقات».

وباعتقاد ناجي، فإن الحضور الإيراني وارتباطه بالميليشيات بالمنطقة يناهض مساعي الاستقرار في المنطقة، مضيفاً: «لذا سيحتاج تطبيع العلاقات مزيداً من المشاورات والوقت».

وركّز لقاء عراقجي مع السيسي أيضاً، بحسب بيان «الرئاسة المصرية»، على «التطورات الجارية بالمنطقة»، وأكد الرئيس المصري «موقف بلاده الداعي لعدم توسّع دائرة الصراع، وضرورة وقف التصعيد، للحيلولة دون الانزلاق إلى (حرب إقليمية شاملة) وضرورة استمرار وتكثيف الجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يستقبل نظيره الإيراني في القاهرة (الخارجية المصرية)

كما ركّز لقاء عراقجي مع وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، على «التطورات الإقليمية المتلاحقة في كل من لبنان وقطاع غزة والبحر الأحمر، وما تفرضه مستجدات الأحداث من ضرورة لخفض التصعيد في المنطقة ومنع انزلاقها لحرب إقليمية، وأهمية احترام حرية الملاحة البحرية»، وفق بيان صحافي لوزارة الخارجية المصرية.

وبحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، فإن «لقاء الرئيس المصري مع الوزير الإيراني دليل على أهمية الزيارة وتقدير من مصر لمخاطر المرحلة، وما يمكن للقاهرة القيام به لاحتواء المشهد وخطورته وتقليل تداعياته المحتملة، بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية».

في المقابل، تدرك طهران كذلك دور ومكانة مصر وجهودها في تهدئة الأوضاع وتخفيف التصعيد الجاري والاتصالات الواسعة للرئيس ووزير الخارجية بمختلف الأطراف الإقليمية والدولية، ما يتيح للدبلوماسية المصرية لعب دور هام ومؤثر لدى مختلف أطراف الصراع، وفق حجازي، الذي يرى الزيارة ضمن «نطاق الدبلوماسية الوقائية المطلوبة في المرحلة المقبلة».

وتصاعد التوتر تحسباً لهجوم إسرائيلي متوقع على إيران، رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنّته طهران على إسرائيل في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، جاء ذلك في أعقاب صراع متصاعد بوتيرة سريعة بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

وباعتقاد محمد عباس ناجي، فإن طهران تعي حجم وأهمية الدور المصري مع جهوده المتواصلة لوقف التصعيد بالمنطقة، باعتبار أن القاهرة طرف رئيسي لجهود وقف إطلاق النار بغزة، وحالياً في دعم لبنان، لافتاً إلى أن الزيارة لمصر «كانت فرصة لتأكيد وتكرار أهمية عدم الانسياق وراء أي تصعيد يقود لحرب شاملة، خاصة أن شظاياها ستمتد لكل دول المنطقة».


مقالات ذات صلة

مصر تعلن رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام

الاقتصاد محطة وقود بمصر (أ.ف.ب)

مصر تعلن رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام

أعلنت وزارة البترول المصرية، اليوم (الجمعة)، رفع أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، وذلك للمرة الثالثة هذا العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السفير الروسي بالقاهرة خلال ندوة حول مستقبل تجمع «بريكس» (الشرق الأوسط)

مطالبات مصرية بدور «إيجابي» لـ«بريكس» تجاه الحرب في غزة ولبنان

طالب خبراء ودبلوماسيون مصريون، خلال ندوة عقدت في القاهرة، الخميس، بموقف ودور «إيجابي» لتجمع «بريكس» تجاه التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا منظر يظهر بنايات أثرية على نيل أسوان جنوب مصر (محافظة أسوان)

التحديات المائية في أفريقيا تتصدر محادثات مصرية - أوغندية

نقل الوزير عبد العاطي لنظيره الأوغندي «حرص مصر على مزيد من تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من «سد النهضة» (رويترز)

تكرار الزلازل في إثيوبيا يثير مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»

أثار تكرار الزلازل في إثيوبيا، مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة» الإثيوبي، خاصة مع ما اعتبره خبراء «تزايداً كبيراً في الزلازل بأديس أبابا خلال العام الجاري».

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي متوسطاً رشاد وكامل بعد اداء رئيس المخابرات الجديد اليمين (الرئاسة المصرية)

تعيين رشاد رئيساً جديداً للمخابرات العامة في مصر

أعلنت الرئاسة المصرية، أمس، تعيين حسن محمود رشاد، رئيساً جديداً لجهاز المخابرات العامة، خلفاً للواء عباس كامل الذي تولى رئاسته منذ 2018. وأدى رشاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تكرار الزلازل في إثيوبيا يثير مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»

جانب من «سد النهضة» (رويترز)
جانب من «سد النهضة» (رويترز)
TT

تكرار الزلازل في إثيوبيا يثير مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»

جانب من «سد النهضة» (رويترز)
جانب من «سد النهضة» (رويترز)

أثار تكرار الزلازل في إثيوبيا، مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة» الإثيوبي، خاصة مع ما اعتبره خبراء «تزايداً كبيراً في الزلازل بأديس أبابا خلال العام الجاري عن المعدلات المعتادة». ورغم تأكيد الخبراء على «عدم وجود تأثير مباشر للزلازل في الوقت الراهن على (السد)»، فإنهم «أبدوا تخوفات وقلقاً بشأنها في المستقبل».

وأقامت إثيوبيا «سد النهضة» على رافد نهر النيل الرئيسي لإنتاج الكهرباء، وسط اعتراضات من دولتي المَصبّ (مصر والسودان)، وفشلت آخر جولة مفاوضات بين الأطراف الثلاثة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وتطالب القاهرة والخرطوم بـ«اتفاق قانوني ملزم» ينظم قواعد ملء وتشغيل «السد»، في حين أنهت أديس أبابا الملء الخامس نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي.

وشهدت إثيوبيا، مساء الأربعاء، زلزالاً بقوة 4.8 درجة على مقياس ريختر، وفق أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، الذي أوضح عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك» أن الزلزال الذي يعد السابع خلال 20 يوماً وقع على عمق 10 كيلومترات، وعلى مسافة 570 كم شرق «سد النهضة»، وعلى بعد 140 كم من العاصمة أديس أبابا.

وبحسب شراقي، فقد بدأت سلسلة الزلازل الأخيرة يوم 27 سبتمبر الماضي بقوة 4.9 درجة، وبعده بنحو 8 ساعات وقع زلزالان بقوة 4.5 درجة، ورابع في يوم 30 سبتمبر، وخامس بقوة 4.9 درجة في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ووقع الزلزال السادس يوم 13 أكتوبر بقوة 4.6 درجة.

وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط» إن «تكرار وزيادة معدلات الزلازل في إثيوبيا ظاهرة علمية واضحة؛ إذ إن المعدلات الطبيعية للزلازل بالمنطقة، كانت تتراوح ما بين 5 و10 زلازل في العام، وبدأت الزيادة عام 2023 حيث وقع 38 زلزالاً، في حين شهد العام الحالي حتى الآن 21 زلزالاً، بينها 7 في 20 يوماً، وهو أمر مقلق».

شراقي أكد أنه «على الرغم من عدم وجود تأثير مباشر للزلازل في الوقت الراهن على (السد)، فإن النشاط الزلزالي بالمنطقة مستقبلاً لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ويثير مخاوف؛ فتأثير الزلزال يتوقف على عدد من العوامل، منها قوته؛ إذ بلغت قوة الأخير 4.8 ريختر، لكن إذا تجاوزت 5 أو 6 ريختر (يُمكن أن تشكل خطراً)، كما أن التأثير يتوقف أيضاً على عمق الزلزال ومركزه والمسافة بينه وبين السد».

آخر جولة مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن «سد النهضة» في ديسمبر الماضي (الري المصرية)

وسبق أن طالبت القاهرة الجانب الإثيوبي بتقديم «دراسات فنية تفصيلية» بشأن «السد» ومعاملات الأمان المتعلقة بالإنشاءات والتشغيل، وحذر وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، الجانب الإثيوبي خلال «المنتدى العالمي العاشر للمياه» الذي عُقد بإندونيسيا في مايو (أيار) الماضي، من مخاطر «الاستمرار في بناء (السد) دون تقديم دراسات فنية تفصيلية حول آثاره البيئية والاقتصادية على دول المَصبّ».

ومع تصاعد المخاوف المصرية من مخاطر تكرار الزلازل وتأثيرها على «سد النهضة»، دعا الخبراء، القاهرة إلى مزيد من «التصعيد الدولي» الذي يركز على قضية أمان «السد»، وقالت مدير البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر، الدكتورة أماني الطويل، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «يجب على القاهرة أن ترفع مستوى التصعيد الدولي الذي يُركز على مخاطر عدم وضوح معاملات أمان (سد النهضة)، خاصة مع تكرار الزلازل في إثيوبيا». وبحسب الطويل، فإن «المجتمع الدولي لن يدرك حجم المخاطر والمخاوف المصرية سوى بتوضيح القاهرة حجم الخطر، وخلق حالة دولية تشعر المجتمع الدولي بوجود خطر حقيقي».

مصر تعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل (الشرق الأوسط)

وكانت مصر والسودان وإثيوبيا قد اتفقت عام 2011 على تشكيل «لجنة دولية» لتقييم مشروع «سد النهضة»، ضمت في عضويتها خبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، و4 خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية والأعمال الهيدرولوجية والبيئية والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود، من ألمانيا وفرنسا وجنوب أفريقيا.

وفي مايو 2013 خلصت اللجنة الدولية في تقريرها الشامل إلى أن «إنشاء (السد) يحتاج إلى مزيد من الدراسات من جانب الحكومة الإثيوبية لمنع الآثار السلبية»، وأبدت اللجنة حينها عدداً من التحفظات، منها «تحفظات تتعلق بسلامة السد، وتأثير قلة تدفق المياه على دولتي المَصبّ».

وتعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، حسب بيانات وزارة الري المصرية.