القلق الإثيوبي يتصاعد بسبب التعاون المصري - الصومالي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
TT

القلق الإثيوبي يتصاعد بسبب التعاون المصري - الصومالي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقبال نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة في وقت سابق (الرئاسة المصرية)

انتقادات إثيوبية للحضور المصري - الصومالي زادت وتيرتها مع شراكة ثلاثية بين القاهرة وأسمرة ومقديشو، بعد نحو شهرين من اتهامات أديس أبابا للقاهرة بشأن مخاوف من «زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي».

القلق الإثيوبي لم يتوقف منذ إعلان القاهرة المشاركة في قوات حفظ السلام في الصومال، ثم وصول معدات عسكرية مصرية في أغسطس (آب) الماضي، حتى انعقاد قمة رؤساء مصر والصومال وإريتريا بأسمرة، ويمضي في «تصاعُد».

ووفق خبراء تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، فإن «أديس أبابا تحاول إيجاد عدوّ خارجي أمام الإثيوبيين، مع تَنامي الأزمات والقلاقل الداخلية وتصاعد قلقها»، وتوقّعوا ألا يتحول ذلك القلق لصدام أو حرب بالوكالة، مع ترجيح «إمكانية الذهاب لحلول دبلوماسية» مع زيادة الضغوط على إثيوبيا.

وبعد يوم من قمة التعاون المصرية - الصومالية - الإريترية، نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، انتقادات مباشرة للقاهرة بشأن حضورها في مقديشو، بعد مرات لجأت فيها الدبلوماسية الإثيوبية لاتهامات «غير مباشرة لم تحدّد خلالها اسم القاهرة صراحةً».

ونقلت الوكالة الإثيوبية عن رئيس معهد الدبلوماسية العامة الإثيوبي في السويد، ياسين أحمد، قوله إن «تدخّل مصر في الصومال يشكّل تهديداً غير مسبوق للاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «مصر غير قادرة على المساهمة في حفظ السلام بالدول المجاورة لها، مثل السودان وليبيا، ولا تستطيع حتى حماية حدودها من التهديدات، وستفشل في حفظه بالصومال»، وحسب حديث أحمد، في المنبر الإثيوبي الرسمي، فإن «السبب الرئيسي وراء تدخّل مصر في الصومال هو مَطالبها فيما يتعلق بـ(سد النهضة)، ومحاولة خلق ضغوط على إثيوبيا»، داعياً مصر «إلى التعاون مع إثيوبيا في تعزيز الأمن الإقليمي».

وعبَّر أحمد عن قلقه إزاء «إمداد مصر للصومال بالأسلحة، وأن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الأمنية القائمة، وتقويض الجهود الجارية لتحقيق الاستقرار في الصومال»، مدافعاً عن حق وصول إثيوبيا إلى البحر من خلال مذكرة التفاهم مع «أرض الصومال» الموقَّع مطلع العام.

في المقابل، فنّدت عضو «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، الدكتورة أماني الطويل، ما اعتبرته «أخطاء وقع فيها المسؤول الإثيوبي تكشف عن قلق غير مبرّر» من أديس أبابا، بشأن حق مصري قانوني في التعاون مع الصومال، موضحةً أن مصر لها وجود تاريخي في الصومال، وشاركت في جهود إنهاء الحرب الأهلية بمقديشو، وكانت تستقبل الوفود لبحث حلول، بخلاف حضورها الحالي الداعم لدولة صديقة.

وكان لمصر أيضاً تاريخ كبير في مهام حفظ السلام بأفريقيا، ولم يصدر عن أي جهة أي ملاحظات بشأن القوات المصرية التي تأتي من بين جيش مصنَّف عالمياً، وفق الطويل، التي لفتت إلى أن «الحديث عن عدم قدرة القاهرة على حماية حدودها أمر لا يستند لوقائع»، والواقع يقول عكس ذلك، و«إثيوبيا هي الأضعف، ولا تستطيع حماية أراضيها».

جانب من القمة الثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

أما الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، فيرى أن القلق الإثيوبي المتصاعد منبعه أن «أديس أبابا تعتقد أن التحركات المصرية في الصومال موجَّهة ضدها مساندةً لموقف مقديشو في اعتراض على اتفاقية أديس أبابا مع (أرض الصومال) بمنحها أرضاً على ساحل البحر الأحمر، وبالتالي يقف ضد خطها الاستراتيجي، بأن يكون لديها إطلالة على العالم عبر البحر الأحمر، وهو ما يهدّد أمن مصر القومي، وترفضه القاهرة».

وانتقدت إثيوبيا الموقف المصري الرافض لعقد أديس أبابا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، وكانت القاهرة عدّت الاتفاق حينها «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

ولم تقبل أديس أبابا في أواخر أغسطس الماضي، إعلان سفير الصومال لدى مصر، علي عبدي أواري، في بيان صحافي، «بدء وصول المعدات والوفود العسكرية المصرية إلى العاصمة الصومالية مقديشو في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام ببعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، التي من المقرّر أن تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الحالية (ATMIS) بحلول يناير 2025».

وانتقد متحدث «الخارجية الإثيوبية»، نبيو تاديلي، في بيان صحافي وقتها، ما وصفه بـ«التدخلات الخارجية» في الصومال، مؤكداً أن بلاده «لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي»، وتلاه دعوة وزير الخارجية الإثيوبي، تاي أصقي سيلاسي، في مؤتمر صحافي، أغسطس الماضي، مقديشو، إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا»، محذّراً من أن لبلاده «حدوداً للصبر».

كما رفضت أديس أبابا إعلان «الخارجية المصرية»، في سبتمبر (أيلول) الماضي «وصول شحنة من المساعدات العسكرية المصرية إلى مقديشو للجيش الصومالي، بهدف دعم وبناء قدراته»، وأعرب وزير الخارجية الإثيوبي، حينها، عن «قلقه من أن إمداد الذخائر من قِبل قوى خارجية من شأنه أن يزيد من تفاقم الوضع الأمني الهشّ، وينتهي به الأمر في أيدي الإرهابيين في الصومال»، وفق إفادة لـ«الخارجية الإثيوبية».

وهو ما ردّ عليه وزير خارجية الصومال، أحمد معلم فقي، في تصريحات لـ«رويترز» وقتها، قائلاً إن «الدافع وراء هذه التصريحات المسيئة هو محاولتها (إثيوبيا) إخفاء التهريب غير القانوني للأسلحة عبر الحدود الصومالية التي تقع في أيدي المدنيين والإرهابيين».

حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا في يناير الماضي (الرئاسة الصومالية)

وترى أماني الطويل أن «القلق الإثيوبي المتصاعد» منذ اتفاقية التعاون العسكري مع إثيوبيا، نتيجة «محاولة أديس أبابا خلْق عدو خارجي للتغطية على الأزمات والقلاقل الداخلية المتصاعدة، ومحاولة للقفز للأمام، واختلاق أزمات غير حقيقية».

وحسب الطويل، «ليس أمام إثيوبيا إلا مراجعة مواقفها تجاه مصر والصومال»، مؤكدةً أن «الظروف الداخلية الإثيوبية وقدرتها العسكرية الضعيفة لا تسمح بأي صدام، أو الانجرار لمواجهات مباشرة».

وكذلك مصر، وفق تقدير الطويل، «ليس في نيتها أي ضرر بأي أطراف، وسياساتها الخارجية قائمة على التوازن والشراكة والتعاون لمن أراد، ومجابهة أي تهديدات محتملة أيضاً بكل الوسائل القانونية والمشروعة لمن لم يستجِب».

كما يرى عبد المنعم أبو إدريس أن «القلق الإثيوبي لا يمكن أن يصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع مصر، لكن الاحتمال الوارد أن تحدث مواجهة بين إثيوبيا والصومال، أو بين إريتريا وإثيوبيا، وهما حليفتان للقاهرة».

وما يقلّل من فرص تحوّل القلق المتصاعد لمواجهة محتملة، وفق أبو إدريس، أن «أديس أبابا تعاني من أوضاع معقدة في إقليمَي تيغراي وأمهرا، ومن الصعب أن تدخل في نزاع خارجي في الوقت الراهن، قد يهدّد وحدة الدولة الإثيوبية، والأقرب أن تحاول نسج حلف مُوازٍ لما صنعته مصر».


مقالات ذات صلة

انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

شمال افريقيا رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

انتخابات «جوبالاند» تعمق الخلاف مع حكومة الصومال

إجراء الانتخابات الرئاسية في ولاية جوبالاند بجنوب الصومال، رغم رفض مقديشو، حرّك تساؤلات بشأن مسار العلاقات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

صادق نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي الصومالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية عقب «تصويت 169 نائباً لصالحه».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا يشكل التأثير الكبير لمنطقة القرن الأفريقي في حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر نقطة الجذب الأولى للقوى الدولية... وفي الصورة يظهر ميناء تاجورة على ساحل جيبوتي (رويترز)

صراع النفوذ بالقرن الأفريقي... «حرب باردة» تُنذر بصدام إقليمي

تتزايد دوافع اللاعبين الدوليين والإقليميين للتمركز في منطقة «القرن الأفريقي» وهو الأمر الذي حوّلها ميداناً لـ«حرب باردة» ينتظر شرارة لينفجر صداماً إقليمياً.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)
عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)
TT

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)
عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

أعلن مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني أنه طلب إحالة 4 أشخاص يُشتبه في انتمائهم لـ«حماس»، إلى المحكمة بتهمة جمع أسلحة في أوروبا لصالح الحركة.

أُوقِفَ الرجال الأربعة وهم: عبد الحميد ل. ع، وإبراهيم ل. ر، المولودان في لبنان، والمصريان محمد ب، ونزيه ر. اللذان يحملان الجنسية الهولندية في 14 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.

لقطة من مداهمة لجهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - د.ب.أ)

وكتب مكتب المدعي العام الفيدرالي المتخصص في شؤون الإرهاب ومقره في كارلسروه (غرب): «كانوا جميعاً يعملون لصالح (حماس) في الخارج منذ سنوات، وشغلوا مناصب مهمة فيها، فيما يتعلق بإدارة الفرع العسكري للمنظمة»، على ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وحسبما أكدت النيابة أنه «في ربيع 2019، نظم إبراهيم ل. ر. إنشاء مخبأ لأسلحة نارية وذخيرة بينها بندقية (كلاشينكوف)، في بلغاريا التي زارها مرة أخرى في أغسطس (آب) 2023 للكشف على المكان. وفي صيف 2019، أحضر مسدساً إلى ألمانيا من مخبأ أسلحة في الدنمارك. وفي الفترة بين يونيو (حزيران) وديسمبر 2023، غادر المشتبه بهم الأربعة برلين مرات عدة للبحث عن مخبأ للأسلحة في بولندا، لم يُعرف موقعه».

وأوقف نزيه ر. في روتردام بموجب مذكرة توقيف أوروبية، في حين أوقف المشتبه بهم الثلاثة الآخرين في برلين.

وقال مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا أن «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية في أوروبا».

أحد عناصر جهاز مكافحة الإرهاب الألماني (غيتي)

ومن بين أهداف الحركة، ذكرت النيابة في بيانها الصحافي «السفارة الإسرائيلية في برلين، والقاعدة الأميركية في رامشتاين (في جنوب غربي ألمانيا) ومحيط مطار تمبلهوف السابق في برلين».

ويصنّف الاتحاد الأوروبي حركة «حماس» رسمياً منظمة «إرهابية» منذ عام 2003... وعززت ألمانيا الإجراءات الأمنية حول المقرات اليهودية في أعقاب هجوم «حماس» الدامي على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.