في ظل استمرار حالة الانقسام السياسي في ليبيا، جاءت زيارة رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتفتح بات التساؤلات حول دلالة توقيتها وأهدافها، وإمكانية أن يحصل بعدها على دعم لمقترحاته بشأن حلحلة الأزمة السياسية، وصولاً لإجراء الانتخابات العامة.
وعلى الرغم من أن زيارة صالح إلى واشنطن - التي بدأت منتصف الأسبوع الماضي - ركزت حسب متابعين على وجود عناصر شركة «فاغنر» الروسية في ليبيا، والحيلولة دون تصعيد جديد بين أفرقاء الأزمة السياسية، فإن البعض يرى أن نتائجها تظل محدودة الأثر، نظراً للانشغال الأميركي بالاستحقاق الرئاسي.
تركز النقاش الأميركي مع رئيس مجلس النواب الليبي، وفق رؤية أستاذ العلاقات الدولية، إبراهيم هيبة، حول سبل تهدئة التوترات، ومنع الصدام بين صالح من جهة، وبين خصومه داخل الساحة السياسية، ممثلين في رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.
وجهة نظر هيبة تنطلق من أن واشنطن «تسعى لتفادي أي توتر مقلق بالساحة الليبية، في ظل انشغالها بالمستجدات الإقليمية؛ وتحديداً التصعيد بين إسرائيل وإيران». وذكّر هيبة في هذا السياق بالأزمة الأخيرة المتعلقة بإدارة المصرف المركزي، التي أدت لتوقف إنتاج وتصدير النفط الليبي، ما أثر بدرجة ما على السوق العالمية، «وهو ما لا ترغب واشنطن بتكراره».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: «الوحدة الوطنية» المؤقتة التي تتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب مقراً لها، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان، والقائد العام لـ«الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر.
ووفقاً لبيان البرلمان الليبي عن الزيارة، فقد التقى صالح القائم بأعمال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، جون باس، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، بالإضافة إلى المبعوث الخاص للولايات المتحدة، ريتشارد نورلاند؛ حيث جرت مناقشة جملة من القضايا بشأن التسوية الشاملة للأزمة السياسية.
وبشأن ملف التهدئة بين الأطراف الليبية، يعتقد هيبة أن واشنطن تركز على هذا المحور، في ظل سعيها الدؤوب لـ«كبح جماح الوجود الروسي في البلاد، بالإضافة إلى الشفافية في إنفاق وتوزيع الإيرادات النفطية، بما يمنع وصولها إلى جماعات متطرفة عبر عمليات غسيل الأموال».
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد صرّح في مقابلة صحافية بأن مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة موجودة في مالي وليبيا «على أساس تجاري».
وانتهى هيبة إلى أن صالح سعى من خلال زيارته لأميركا إلى إرسال رسالة مفادها أن علاقته مع روسيا «ليست قائمة على تحالف استراتيجي، وأنه منفتح للتعاطي مع واشنطن في ملفات عديدة سياسية واقتصادية»، كما أنه «يتطلع للحصول على دعمها لخططه بإيجاد حكومة جديدة بالبلاد؛ وهو الأمر الذي لا يزال محل نزاع سياسي».
وكان صالح قد دعا، خلال لقاءاته في واشنطن، إلى ضرورة الإسراع في إطلاق المنتدى الليبي - الأميركي، بهدف بناء شراكات استراتيجية. كما ذكّر بدعوة المدير العام لـ«صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، بلقاسم حفتر، للشركات الأميركية للمساهمة في تنفيذ مشاريع التنمية وإعادة الإعمار.
المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، يرى من جهته أن واشنطن «نجحت في فرض أجندة مطالبها على جدول تلك الزيارة، حيث جرى تركيز المسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية على أن يحدد صالح بوضوح موقفه من وجود قوات روسية في شرق ليبيا».
وتحدث محفوظ عن المقابلة الإعلامية، التي أجريت مع صالح في واشنطن، والتي أشار خلالها إلى «عدم وجود مذكرة رسمية بين مجلسه وموسكو بشأن وجود قوات «فاغنر» في ليبيا، وقال بهذا الخصوص: «هذا أكثر هدف سعت واشنطن لتحقيقه». مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن تصريح صالح «يتناقض مع تصريحات سابقة لمسؤولين روس بأن وجودهم العسكري في شرق ليبيا وجنوبها تم بالتنسيق مع قيادة البرلمان، والقيادة العامة للجيش الليبي».
وفي مقابلة مع قناة «الحرة» الأميركية، قال صالح: «لا وجود لمعاهدة رسمية مع روسيا بشأن وجود قوات عسكرية في ليبيا».
وعلى الرغم مما أورده بيان البرلمان الليبي عن استعراض صالح لتطورات الأزمة السياسية، واقتراحه جملة من الحلول التي تتطلب دعم ومساندة المجتمع الدولي للوصول للانتخابات، فإن محفوظ استبعد أن «تكون مثل هذه الأحاديث قد جرى التطرق لها بتوسع». وأرجع ذلك «لتفهم المسؤولين بواشنطن أن هناك ربما إدارة جديدة قد تحكم البيت الأبيض، وتدشن سياسات جديدة بالمنطقة برمتها».
وقلل محفوظ مما يتردد حول تخوف صالح من تحركات يقودها الدبيبة والمنفي لحل البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، عبر تنظيم استفتاء شعبي، في ضوء اتفاقهما مؤخراً على تفعيل «مفوضية الاستفتاء»، وقال موضحاً: «صالح يعلم أن قرار تنظيم مثل هذا الاستفتاء قد يقابل بمعارضة من واشنطن وحلفائها».
وخلال العامين الماضيين، ركّزت واشنطن مساعيها على ضبط الملف الاقتصادي الليبي «لإدراكها أن عوائد النفط هي محور الصراع الرئيسي بالأزمة»، وفق رؤية محفوظ. كما ترى أن «ضبط حركة الأموال قد يقود لحلحلة الملفين السياسي والأمني، في ضوء تنازع وتطلع كل طرف للحصول على النصيب الأكبر من كعكة العوائد لضمان بقائه في السلطة، عبر شراء ولاء المؤيدين».