طرفا الصراع في السودان يهاجمان متطوعين يكافحون المجاعة

أكثر من نصف السكان معرَّضون للجوع الحاد

توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)
توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)
TT

طرفا الصراع في السودان يهاجمان متطوعين يكافحون المجاعة

توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)
توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)

يقول متطوعون محليون ساعدوا في إطعام أشد الناس فقراً في السودان على مدى 17 شهراً منذ اندلاع الصراع هناك، إن هجمات تستهدفهم يشنّها الطرفان المتحاربان تجعل من الصعب تقديم المساعدات الضرورية وسط أكبر أزمة جوع في العالم، على ما أوردته وكالة «رويترز» في تقرير لها.

وفرّ كثير من المتطوعين خوفاً من تهديدات بالاعتقال أو العنف، وتوقفت المطابخ الخيرية (المعروفة في السودان باسم التكايا) التي أقاموها في بعض المناطق الأكثر نكبة عن تقديم الوجبات لأسابيع. وتشير تقديرات إلى أن مئات الأشخاص يموتون يومياً من الجوع والأمراض المرتبطة بالجوع في السودان.

من أحد المطابخ الإغاثية في أم درمان (رويترز)

وتحدثت «رويترز» مع 24 متطوعاً يديرون مطابخ في ولاية الخرطوم بوسط السودان ودارفور في الغرب، وأجزاء من الشرق، حيث فرّ الملايين من منازلهم وفقدوا سبل عيشهم منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية.

وكثَّفت منظمات إنسانية دولية دعمها للمتطوعين؛ لأنها لم تتمكن من توصيل المساعدات الغذائية إلى مناطق بالبلاد يحدق بها خطر المجاعة. لكن عشرة من المتطوعين قالوا عبر الهاتف إن هذا جعلهم أكثر عرضة للنهب من قِبل «قوات الدعم السريع».

وكشف جهاد صلاح الدين، وهو متطوع غادر مدينة الخرطوم العام الماضي، وتحدث من القاهرة: «كنا في أمان عندما لم تكن (قوات الدعم السريع) على علم بالتمويل... ينظرون إلى مطابخنا على أنها مصدر للطعام»...

وقال 12 متطوعاً إن كلاً من طرفي الصراع، هاجم أو احتجز متطوعين للاشتباه في تعاونهم مع الطرف الآخر. وتحدث معظم هؤلاء شريطة عدم نشر هوياتهم خوفاً من الانتقام.

بانتظار الحصول على وجبة إغاثية في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

وقال متطوع في بحري، وهي مدينة تشكّل إلى جانب الخرطوم وأم درمان منطقة العاصمة السودانية الكبرى، إن جنوداً يرتدون زي «قوات الدعم السريع» سرقوا الهاتف الذي كان يستخدمه لتلقي التبرعات عبر تطبيق «مصرفي» على الهاتف المحمول إلى جانب ثلاثة ملايين جنيه سوداني (1200 دولار) نقداً مخصصة للغذاء في يونيو (حزيران) الماضي. وهذه كانت واحدة من خمس وقائع هذا العام تعرض فيها للهجوم أو المضايقة من قِبل القوات شبه العسكرية التي تسيطر على أحياء يشرف فيها على 21 مطبخاً تخدم نحو 10 آلاف شخص.

وذكر، أنه في وقت لاحق من شهر يونيو، اقتحمت قوات منزلاً يضم أحد المطابخ في منتصف الليل، وسرقت أكياساً من الذرة والفول. وقال المتطوع، الذي كان نائماً في ذلك المنزل، إنه تم تقييده وتكميمه وجلده لساعات من قِبل القوات للحصول منه على معلومات حول من يموّل مجموعة المتطوعين التي ينتمي إليها.

ولم تتمكن «رويترز» من التحقق من روايته بشكل مستقل، لكن ثلاثة متطوعين آخرين قالوا، إنه أبلغ بقية المجموعة بما حدث في ذلك الوقت.

ووفقاً لثمانية متطوعين من ولاية الخرطوم، التي تسيطر «قوات الدعم السريع» على معظمها، ارتفعت وتيرة هذه الحوادث مع زيادة التمويل الدولي للمطابخ الخيرية.

مجموعة من النسوة في مطبخ إغاثي بأم درمان (رويترز)

وقال إيدي رو، مدير «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة في السودان: «المطابخ المجتمعية في السودان تشكل شريان حياة للأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في مناطق تشهد صراعاً مستمراً». وأضاف: «من خلال دعمها، يتمكن برنامج الأغذية العالمي من توصيل الغذاء إلى أيدي مئات الآلاف من الأشخاص المعرَّضين لخطر المجاعة، حتى في مواجهة القيود الشديدة على الوصول إلى المساعدات». وذكر أنه يجب ضمان سلامة عمال الإغاثة.

«عناصر مارقة»

ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة، إن أكثر من نصف سكان السودان، أي 25.6 مليون شخص، يعانون الجوع الحاد ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وفي المناطق الأكثر نكبة، لجأ السكان النازحون بسبب القتال أو المحاصرون في منازلهم، إلى أكل الحشائش وأوراق الشجر.

وأقام متطوعون محليون مئات المطابخ في بدايات الحرب والتي كانت تقدم مرة أو مرتين في اليوم وجبات ساخنة، تتكون عادة من عصيدة الذرة الرفيعة أو العدس أو الفول. ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع التبرعات الخاصة، اضطر البعض إلى وقف أو تقليص الخدمات إلى خمس مرات فقط في الشهر.

وجبة يومية في مطبخ إغاثي (رويترز)

وفي ولاية شمال دارفور، كان على مجموعة تدير مطابخ في مخيم يؤوي نصف مليون شخص نزحوا بسبب العنف العرقي، التوقف مرات عدة عن تقديم الوجبات بسبب عدم كفاية التمويل، حسبما قال أحد المتطوعين هناك. وفي أغسطس (آب)، قالت هيئة عالمية معنية بأزمات الجوع إن الصراع والقيود المفروضة على تسليم المساعدات، تسببا في مجاعة في «مخيم زمزم».

وتدير «غرف الطوارئ»، وهي شبكة واسعة من المجموعات المجتمعية، الكثير من المطابخ الخيرية، وحاولت الحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وتوزيع المواد الغذائية والإمدادات الطبية.

وفي المناطق الأكثر تضرراً، قال متطوعون محليون إنهم يتعرّضون للاستهداف أسبوعياً أو كل بضعة أيام من قِبل عناصر مارقة، مقارنة بما يقرب من مرة واحدة في الشهر في وقت سابق من العام. وبدأ البعض في إخفاء الإمدادات الغذائية في مواقع مختلفة لتجنب خسارتها في هجوم واحد.

وقال المتطوع صلاح الدين: «هذه الهجمات لها تأثير سلبي كبير على عملنا. نخسر المتطوعين الذين يخدمون مناطقهم».

وفي مناطق يحتفظ الجيش بالسيطرة عليها، وصف ستة متطوعين الاعتقالات والمراقبة التي قالوا إنها أثنت أشخاصاً كانوا يساعدون في إدارة المطابخ عن مواصلة هذه المهمة؛ ما قلل من قدرتهم على العمل.

من أحد المطابخ الإغاثية (رويترز)

وتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بشأن تأخير تسليم مواد الإغاثة الغذائية، في حين نفت «قوات الدعم السريع» نهب المساعدات. وقال قائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد «الدعم» محمد حمدان دقلو (حميدتي) في سبتمبر (أيلول)، إنهما ملتزمان بتسهيل تدفق المساعدات.

تردد المانحين

وقال عبد الله قمر، أحد المنظمين بولاية الخرطوم، إنه مع تفشي الجوع أنشأت غرف الطوارئ 419 مطبخاً بهدف خدمة أكثر من مليون شخص يومياً في الولاية وحدها. لكن المتطوعين يكابدون لتأمين 1.175 مليون دولار لازمة لذلك كل شهر. وأوضح قمر أنهم تلقوا في سبتمبر نحو 614 ألف دولار.

وإن معظم الدعم كان يأتي في البداية من السودانيين المغتربين، «لكن موارد هؤلاء المانحين نضبت».

وأشار موظفو الإغاثة، إلى أن كثيراً من المانحين الأجانب ترددوا في تمويل المطابخ؛ لأن المجموعات التي تديرها غير مسجلة لدى الحكومة، وتستخدم في الغالب حسابات مصرفية شخصية... وقالت ماتيلد فو، مسؤولة الشأن السوداني في المجلس النرويجي للاجئين: «هناك الكثير من العزوف عن المخاطرة عندما يتعلق الأمر بدعم البرامج غير المسجلة».

مشهد آخر من أحد المطاعم الإغاثية في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

وأضافت أن المجلس بدأ في دعم جهات محلية تقدم مساعدات في السودان العام الماضي. وقالت: «الآن نرى أن الكثير من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة بدأت تدرك أننا لا نستطيع تقديم أي استجابة إنسانية - أي لا يمكننا إنقاذ الأرواح - من دونهم».

وقال محمد عبد الله، المتحدث باسم غرفة الطوارئ في جنوب الخرطوم: «تعمل المطابخ بشكل متقطع، لا يوجد تمويل ثابت». وقال إن غرفة الطوارئ لا تملك في بعض الأحيان سوى ما يكفي لتوفير وجبات الطعام مرة واحدة في الأسبوع، بما في ذلك في الأحياء المعرضة لخطر المجاعة.

انخفضت قيمة الجنيه السوداني 300 في المائة مقابل الدولار في السوق الموازية منذ بداية الحرب، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالنسبة نفسها تقريباً، وفقاً لمسوحات برنامج الأغذية العالمي.

توزيع الطعام من أحد المطابخ العامة في الخرطوم (رويترز)

وقالت هند لطيف، المتحدثة باسم المتطوعين في منطقة شرق النيل المجاورة لمدينة بحري، حيث الكثير من الناس يموتون من الجوع كل شهر «في أحياء كان لدينا فيها مطبخ واحد، نحتاج الآن إلى ثلاثة مطابخ أخرى... ومع استمرار الحرب، سنرى المزيد من الناس يصلون إلى الحضيض».

وفي أحد أحياء بحري يصطف الناس مرتين في اليوم حاملين أوعية ودلاء لجمع مغارف من العصيدة التي يتم إعدادها على نار في فناء منزل أحد المتطوعين. ويقف بينهم معلمون وتجار وغيرهم ممن انقطعت سبل عيشهم.

وقالت ربة منزل تبلغ من العمر 50 عاماً، طلبت عدم نشر اسمها مثل غيرها من الذين أجريت معهم المقابلات لأسباب أمنية: «ليس لدينا أي طعام في المنزل لأننا لا نملك المال. نعتمد على المطبخ... ليس لدينا بديل».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

العالم العربي أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر إكس)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم السبت «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الرئيس التونسي يطالب بـ«حلول جذرية» في مستوى انتظارات الشعب

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي يطالب بـ«حلول جذرية» في مستوى انتظارات الشعب

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)

شدّد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد خلال اللقاء الذي جمعه، أمس الخميس، بقصر قرطاج، برئيس الحكومة، كمال المدوري، على ضرورة مضاعفة الجهود في كل المجالات، واستنباط «حلول جذرية في جميع القطاعات التي تم تدميرها». مؤكداً على أن تكون التشريعات، التي يتم إعدادها، في مستوى تطلّعات الشعب التونسي، وأن يشعر كل مسؤول، مهما كانت درجة مسؤوليته، أنّ تونس تعيش مرحلة تاريخية جديدة، وأن يستحضر في كل وقت معاناة التونسيين، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.

كما أكد سعيد العمل على اقتراح حلول جذرية، «بعيداً عن الترقيع والرتق»، لأوضاع تحتاج إلى بناء صلب «في مستوى انتظارات الشعب، الذي نهبت ثرواته وتم الاستيلاء على مقدراته، وما زالت بعض الدوائر تسعى إلى عرقلة جهود الدولة لزرع بذور اليأس والإحباط»، حسب نص البلاغ. مشيراً أيضاً إلى أنه «لا مجال للتسامح مع كل مسؤول يُعطّل تقديم الخدمات للمواطنين، ومن يتعمد مثل هذه الممارسات فلا بد أن يتحمل تبعاتها القانونية».

في سياق ذلك، تم التعرض خلال اللقاء إلى وضع حد للحالة التي آلت إليها الأملاك المصادرة، ووضع إطار قانوني جديد، «تعود بموجبه الأملاك للدولة وإلى الشعب التونسي وهي من حقه المشروع، فكثيرة هي العقارات التي تم إهمالها، فتقلصت قيمتها في ترتيب مفضوح للتفويت فيها بأبخس الأثمان، وهو ما يجب التصدي له، ومحاسبة كل من تسبب في هذه الجرائم النكراء»، وفق ما جاء في البلاغ.

والتقى رئيس الجمهورية، أمس الخميس بقصر قرطاج، وزيرة العدل، ليلى جفال، وبحث معها الزمن القضائي الذي يستغرقه البت في العديد من القضايا. وأكد وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، أنه «لا يُمكن تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، فلا يُظلم أحد ولا يفلت من المحاسبة أحد»، مشيراً في هذا السياق، إلى وجود كثير من القضاة الشرفاء، الذين يعون «أهمية وظيفتهم النبيلة في إرساء العدل، ويتساوى أمامهم كلّ المتقاضين، فالعدل أساس العمران وغيابه مؤذن بخرابه».

في سياق آخر، أكّد رئيس الجمهورية إعادة مشروع تنقيح مجلة الشغل، بما يضمن حقّ العمال بإنهاء عقود المناولة، ومع التحسّب في هذا المشروع لكلّ من يستبدل بعمّالٍ آخرين، حتى لا تنطبق عليه الأحكام الجديدة مع ترتيب آثار جزائية على هذه الممارسات.

وشدد الرئيس سعيد في هذا السياق على وضع حدّ لما يسمى العقود المحدودة في الزمن في أسرع الأوقات، «لأن العلاقة الشغلية يجب أن تكون عادلة، ولأن العامل له الحقّ في أجر مجز، وفي حياة مستقرّة مع التحسّب أيضاً في مشروع نصّ القانون للحالات، التي يمكن أن يستغلّها ليغمطوا العمّال حقوقهم».

وخلّص رئيس الجمهورية إلى التأكيد على أن الاستقرار الاجتماعي «لا يمكن أن يتحقّق إلا على أساس العدل».