​تدريبات فصيلين مسلحين في طرابلس تثير تساؤلات الليبيين

البعض عدّها «دليلاً على وجود ترتيبات سرية بين قادة هذه المجموعات»

عناصر أمنية في طرابلس (رويترز)
عناصر أمنية في طرابلس (رويترز)
TT

​تدريبات فصيلين مسلحين في طرابلس تثير تساؤلات الليبيين

عناصر أمنية في طرابلس (رويترز)
عناصر أمنية في طرابلس (رويترز)

لفت استعراض عسكري أجراه تشكيلان مسلحان رئيسيان بالعاصمة الليبية طرابلس أنظار مراقبين ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، وطرح عدة تساؤلات عن دوافع وأسباب هذا التحرك في هذا التوقيت بالذات.

والتشكيلان هما جهازا «الردع» و«الاستقرار»، بالإضافة إلى مشاركة مجموعات مسلحة أخرى في الاستعراض.

وتوقع الباحث بمعهد الخدمات الملكية المتحدة، جلال حرشاوي، أن تكون هذه التدريبات «دليلاً على وجود ترتيبات تتم خلف الأبواب بين قادة هذه المجموعات المسلحة في البقاء بالعاصمة». لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن «علاقة (الردع) و(الاستقرار)، وهما الفصيلان الأكبر عدةً وعتاداً بالعاصمة، لا ترقى بأي حال لتوصف بالتحالف، وإنما بالقدرة على التعايش دون توترات عالية».

ورغم إقراره «بترسيخ نفوذ هذين الفيصلين بالعاصمة»، فإن حرشاوي قلّل مما يطرحه البعض من مخاوف عن استمرار استقطاب الشبان الصغار للانضمام لذلك، قائلاً: «لا يمكن القول إن أياً من المجموعات المسلحة الرئيسية في منطقة طرابلس الكبرى يتوسع حجمه بسرعة في التوقيت الراهن».

شهدت السنوات الماضية تغيرات في خريطة نفوذ التشكيلات وقياداتها بعد تسريح بعضها (إ.ب.أ)

وشهدت السنوات الماضية تغيرات في خريطة نفوذ التشكيلات وقياداتها، حيث تم تسريح بعضها وحله تدريجياً، خاصة المؤدلج منها، فيما لا يزال البعض الآخر منها مسيطراً مع تغيير أسمائه وانتماءاته.

في هذا السياق، يرى رئيس مؤسسة «السلفيوم» للأبحاث والدراسات، جمال شلوف، أن «وجود خطر يهدد نفوذ قيادات هذه التشكيلات من أمراء الحرب، أو أصحاب القوى الفاعلة بالعاصمة وعموم الغرب الليبي، هو ما دعا هؤلاء للتوحد، ومحاولة الابتعاد عن خوض المواجهات المسلحة فيما بينهم».

ووجّه شلوف انتقادات لسياسة حكومة عبد الحميد الدبيبة في تعاملها مع تلك التشكيلات، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنها «عملت منذ تسلمها إدارة البلاد بداية عام 2021 على تصعيد وتقوية تشكيلات مسلحة، وأجهزة أمنية بعينها، على حساب تهميش تشكيلات أخرى، في محاولة لضمان استمرار سيطرة الحكومة على العاصمة».

شلوف قال إن حكومة الدبيبة عملت على تصعيد وتقوية تشكيلات مسلحة بعينها (الوحدة)

ويُعد جهاز «الدعم والإسناد الأمني»، برئاسة محمد الباروني، الذي أمر الدبيبة قبل شهر بإنشائه، هو أحدث الأذرع الأمنية المقربة منه، إلى جوار (اللواء 444 قتال)، بقيادة محمود حمزة، و(اللواء 111) بقيادة عبد السلام الزوبي.

ويشير شلوف إلى أن « قادة التشكيلات المقربة من حكومة الدبيبة، وكذلك من بقي منهم على الحياد، أدركوا منذ فترة أن نتيجة أي صراع جديد بينهم قد يؤدي إلى تقليص قوتهم»، مضيفاً: «لقد توقفوا بعد سنوات، أنهكوا فيها العاصمة وأهلها بصراعاتهم على المال ومناطق النفوذ».

وانتهى شلوف إلى أن هذه التشكيلات «باتت تركز بدرجة كبيرة على توسيع مواردها المالية، مستفيدة من وضعيتها؛ نظراً لتبعية غالبيتها ظاهرياً لمؤسسات ووزارات الدولة، وتمويلها من الخزينة العامة».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» ومقرها طرابلس، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب.

تشكيل مسلح خلال اعتقاله عدداً من المهاجرين السريين بضواحي العاصمة (الشرق الأوسط)

من جانبه، أكد المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، أن تداعيات هذا «التعايش المؤقت» بين تشكيلات العاصمة «لا يمكن حسمها راهناً بالقول إنها قد تصب في مصلحة حكومة الدبيبة كما يردد البعض، لأن عدداً كبيراً منها يصطف معها حالياً».

وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التعايش «قد يعطي انطباعاً للرأي العام الدولي باستقرار الأوضاع بالعاصمة؛ وبالتالي تنتفي معه الحاجة لوجود حكومة جديدة».

لكن من جهة أخرى، يرى محفوظ أن «هذا التعايش قد يشكل خطراً إذا ما تم توظيفه بعقد أحد الأطراف صفقة مع تلك التشكيلات، بهدف قبولها ودعمهما لحكومة جديدة، أو فرض تلك القيادات لشروط ما على الحكومة».

وانتهى محفوظ مبرزاً أن الوضع بالعاصمة «لا يزال مفتوحاً على سيناريوهات كثيرة في ظل عدم وجود معالجة حقيقية ومهنية لمعضلة التشكيلات المسلحة».


مقالات ذات صلة

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

منذ سنوات، تتعالى أصوات التحذير من ارتياد شباب ليبيين قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا مشاركون في المناورات البحرية التي نفذتها «أفريكوم» (السفارة الأميركية)

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

تعهدت واشنطن بمواصلة العمل لدعم القوات البحرية الليبية في تعزيز جهود الأمن البحري الموحدة.

خالد محمود (القاهرة )

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
TT

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)
الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا في الرابع من الشهر الحالي، حالة من الجدل في البلاد، بعدما وصف بأنه «مزيف».

«الوزير الغيني» يتوسط الحويج ودومة والفضيل (يسار) (وزارة الخارجية)

وكان وزير الخارجية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عبد الهادي الحويج، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح دومة استقبلا ما وصف بـ«وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو أمادو لامين سانو»، قبل أكثر من أسبوعين، غير أن نشطاء وإعلاميين شككوا في شخصية الأخير، وعدوه «شخصاً مزيفاً».

وانتشر بيان منسوب لوزارة الخارجية الغينية، لم يتسن لـ«الشرق الأوسط» التأكد منه، ينفي صلة «أمادو لامين سانو» برئيس الجمهورية والحكومة الغينية، وأنه «ليس مستشاراً للرئيس، ولم يُكلَّف من طرفه بنقل أي رسالة».

وعدّ الإعلامي الليبي خليل الحاسي، الواقعة «اختراقاً أمنياً مذهلاً في حكومة حمّاد في قلب بنغازي»، كما وصفها بأنها «فضيحة دبلوماسية سياسية مزلزلة في خارجيته».

وقال الحاسي، الذي كان أول المتناولين للواقعة عبر حسابه على منصة «إكس»، إن «شخصاً اسمه أمادو لامين سانو استطاع أن ينتحل صفة وزير الدولة والمستشار الخاص لرئيس جمهورية غينيا بيساو، وأن يضحك على الحكومة، وحظي باستقبال رسمي ومراسم وأرتال وفنادق وجولات سياسية».

«الوزير الغيني» خلال استقباله في شرق ليبيا (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

وأمام تصاعد الجدل حول حقيقة «الوزير المزعوم» خرج وزير الخارجية الحويج، في مداخلة لقناة «الحدث» الليبية (الخميس)، ليدافع عن موقف حكومته، ويؤكد أن أمادو لامين سانو هو «وزير غيني تم استقباله في ليبيا بشكل رسمي».

واتهم الحويج حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بالوقوف وراء هذه «الشائعات»، وأرجع ذلك لأن حكومته «تحقق اختراقات» رغم الاعتراف الدولي بحكومة طرابلس، التي قال إن «لديها مشاكل».

بل إن الحويج قال إن أمادو لامين سانو يشغل أيضاً منصب وزير مكلف بشؤون الحج والعمرة لدولة غينيا بيساو، كما أنه مسؤول عن الشؤون الإسلامية والعربية في برلمانها.

وكان أمادو لامين سانو بحث في اللقاء الذي حضره أيضاً رئيس ديوان مجلس النواب عبد الله المصري الفضيل، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين الصديقين.

ومع تواصل أصداء هذه الواقعة، قال رئيس تحرير جريدة «الوسط»، بشير زعبية إن حادثة «(الوزير الغيني المزعوم) ليست الأولى».

وذكّر زعبية بحادثة مماثلة كانت أحداثها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 عندما استقبل عدد من مسؤولي حكومة «الوفاق الوطني» آنذاك شخصاً من مالطا وقد انتحل صفة مبعوث رئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، قبل أن تكشف أمره الحكومة المالطية.

وقد قال خليل الحاسي: «لم يكتشف الأمن الداخلي ولا المخابرات في بنغازي ذلك الاختراق الأمني، بل دولة غينيا بيساو التي أرسلت مذكرة عاجلة رداً على احتجاج سفارة ليبيا على الزيارة؛ لأنها تعني الاعتراف بحكومة حماد وليس الدبيبة».

يُشار إلى أنه في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أجرى حماد اتصالاً هاتفياً مع روي دوارتي دي باروس رئيس وزراء جمهورية غينيا بيساو.

وقالت الحكومة حين ذلك، إنهما تبادلا وجهات النظر حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل التعاون في المجالات ذات الأهمية المشتركة.