مصر: التحول لـ«الدعم النقدي» توجُّه حكومي ينتظر إقرار «الحوار الوطني»

«الأمانة الفنية» تستقبل مقترحات من جميع الكيانات

اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
TT

مصر: التحول لـ«الدعم النقدي» توجُّه حكومي ينتظر إقرار «الحوار الوطني»

اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)
اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني بمصر لمناقشة ترتيبات مناقشات منظومة الدعم الحكومي (الحوار الوطني)

تترقّب الحكومة المصرية مناقشات «الحوار الوطني»، لمنظومة الدعم الحكومي المقدَّم للمواطنين، أملاً في الحصول على توافق الآراء من المتخصصين والسياسيين والاقتصاديين، بشأن التحول لنظام الدعم «النقدي» بدلاً من «العيني».

وبينما يناقش مجلس الحوار الوطني الذي يضم شخصيات عامة وحزبية، وأكاديميين، وعدداً من الشخصيات المحسوبة على قوى المعارضة، الترتيبات الخاصة ببدء جلسات نقاش منظومة الدعم الحكومي بمصر، رأى خبراء فوائد في التحول لنظام «الدعم النقدي»، وقالوا إن «المنظومة النقدية تحقّق مكاسب على مستوى الحماية الاجتماعية، أهمها ضمان وصول الدعم لمستحقيه، ومواجهة الهدر في السلع المدعمة»، بينما عارضه آخرون.

وتطبّق الحكومة المصرية منظومة لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

وتتطلّع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي مع العام المالي الجديد، بدايةً من يوليو (تموز) 2025، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي بالحوار الوطني».

وعقد مجلس أمناء الحوار الوطني، الاثنين، اجتماعاً لمناقشة الترتيبات الخاصة بجلسات منظومة الدعم الحكومي بمصر، وآلية تنظيمها على نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين؛ من خبراء ومتخصصين ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، وتعهّد المجلس في إفادة له، الاثنين، بأن «تُجرى المناقشات بتجرّد وحياد؛ لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، وتلبية احتياجات المواطن الأساسية، في ظل التغيّرات الاقتصادية الحالية».

وجاء اجتماع المجلس غداة تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أهمية مناقشات الحوار الوطني، وقال على هامش حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط أكاديمية الشرطة، الأحد، إن «الحوار الوطني في حالة انعقاد دائم، لمناقشة أي قضية تُثار»، مؤكداً «أهمية المخرجات التي تصدر من الحوار الوطني تجاه القضايا المختلفة».

وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني المصري، طلعت عبد القوي، إن «مجلس الحوار وضع خريطة طريق لمناقشات قضية الدعم، تتضمن آلية الحوار ومراحله، والمشاركين فيه»، مشيراً إلى أن «المجلس يستهدف ضمان المشاركة المجتمعية والسياسية والاقتصادية الواسعة في المناقشات؛ كون قضية الدعم قضيةً مجتمعية».

وأوضح أن «مجلس الحوار الوطني حرص على أن يكون للمواطن رأي في المناقشات، بفتح باب تلقّي المقترحات والآراء من الجميع لمدة 15 يوماً».

وأتاح مجلس الحوار الوطني الفرصة لجميع الجهات والمواطنين، للمشاركة في مناقشات منظومة الدعم، حيث أعلنت «الأمانة الفنية للحوار» الأسبوع الماضي، «بدء استقبال المقترحات والتصورات المكتوبة، من جميع الكيانات والجهات التي ترغب في المشاركة، عن طريق وسائل التواصل، لفترة تمتد لأسبوعين، تنتهي في العاشر من أكتوبر»، وتعهّد المجلس «بإدراج تلك المقترحات ضمن الجلسات النقاشية لمنظومة الدعم».

وعَدّ عبد القوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الهدف الأساسي من الحوار تحقيق مصلحة المواطن، إذا كان الأفضل التحول للدعم النقدي، أو الإبقاء على العيني»، مشيراً إلى أن «من معايير النقاش هي كيفية ضمان وصول الدعم لمستحقيه، والحفاظ على أموال الدولة، ودعم المواطن الأكثر احتياجاً».

وأكّد أن «مجلس الحوار الوطني سيرفع توصيات المناقشات إلى رئيس الجمهورية بتجرّد، دون الميل لتطبيق أحد النظامين العيني أو النقدي»، وقال إنه سيتم «تقديم مخرجات الحوار إذا كان هناك توافق حول الاتجاه للدعم النقدي، وإذا كانت هناك اختلافات سيتم إرسال المقترحات المختلفة التي طُرحت في المناقشات».

وقبل بدء مناقشات قضية الدعم طلب مجلس أمناء الحوار الوطني من الحكومة «توفير بيانات كاملة حول منظومة الدعم العيني الحالية»، وقال عضو مجلس الأمناء، إن «مجلس الوزراء وفّر بيانات كاملة عن إجراءات الدعم الحكومي وصوره وأشكاله والمستفيدين منه، من مختلف الجهات والوزارات»، موضحاً أن «الحكومة لديها قاعدة بيانات كاملة ومحدَّثة بالمستحقين للدعم».

وتقدَّر نسبة مخصصات الدعم والمزايا الاجتماعية في موازنة العام المالي الحالي 2024 - 2025 بنحو 635 مليار جنيه، بواقع 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة قدرها 106 مليارات جنيه عن العام المالي السابق، حسب وزارة المالية المصرية.

ورأى مقرِّر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، إجراء حوار بشأن منظومة الدعم داخل الحوار الوطني، استجابةً لدعوة الحكومة، «تأكيداً على تعبير (الحوار) لنبض الشارع المصري»، وشدّد على ضرورة «مشاركة ممثّلين لكل أطياف الشعب المصري في مناقشات منظومة الدعم، بوصفها قضية تهم نحو 62 في المائة من السكان».

وذكر محسب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتجاه الأقرب هو التحول لمنظومة الدعم النقدي؛ لفوائده لمنظومة الحماية الاجتماعية والاقتصادية»، وقال إن «الحكومة تقدِّم بالفعل برامج دعم نقدية، مثل مبادرات (تكافل وكرامة، والعمالة غير المنتظمة)»، مشيراً إلى أن التحوّل للمنظومة النقدية «سيساعد في تقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، ويضمن وصول الدعم لمستحقّيه، وسيساهم في الحفاظ على توافر السلع الأساسية للأسر الأكثر احتياجاً، وفقاً لاحتياجاتهم، ويقلّل من كميات الهدر في السلع المدعمة بالأسواق».

ويستفيد 63 مليون مواطن من منظومة الدعم التمويني بمصر، في حين يحصل 71 مليون مواطن على دعم بمنظومة الخبز التمويني، حسب بيانات مجلس الوزراء المصري.

وحول المخاوف من ربط قيمة الدعم النقدي بمعدل التضخم، قال محسب، إنه «ستتم مراجعة القيمة المالية المخصصة للمستحقين، وفقاً لمعدلات التضخم الصادرة من البنك المركزي»، وقال إنه «ستتم إعادة تقدير القيمة في مشروع الموازنة السنوي، كما يحدث مع منظومة الدعم العيني الحالية».


مقالات ذات صلة

مصر: اتهامات متعاقبة بـ«التحرش» تُصعّد الانتقادات للتعليم الخاص

شمال افريقيا وزارة التربية والتعليم المصرية اتخذت إجراءات صارمة ضد مدرسة دولية جديدة بالإسكندرية (الوزارة)

مصر: اتهامات متعاقبة بـ«التحرش» تُصعّد الانتقادات للتعليم الخاص

بعد اتهامات متعاقبة بوجود وقائع «تحرش جنسي» داخل مدارس خاصة ودولية في مصر، تصاعدت الانتقادات الموجهة لهذه النوعية من المدارس.

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال افتتاح بعض مشروعات منصة «مصر الرقمية» (الرئاسة المصرية)

الحكومة المصرية تطمح لـ«رقمنة الخدمات»... فماذا عن عقبة «الأمية»؟

أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن توجه حكومي للإسراع في قصر إتاحة بعض الخدمات على الإنترنت.

رحاب عليوة (القاهرة)
العالم العربي رئيس جهاز حماية المستهلك في مصر يقود حملة لمتابعة ضبط الأسعار (مجلس الوزراء المصري)

«التضخم» يعود للارتفاع بمصر ويثير المخاوف من «انفلات» الأسواق

عاد معدل التضخم السنوي في مدن مصر للارتفاع خلال أكتوبر، بعد سلسلة من التراجعات استمرت على مدى 4 أشهر، وارتفع إلى 12.5 في المائة.

أحمد جمال (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقاء سابق بالجالية المصرية في نيويورك (الخارجية المصرية)

«افتح حسابك»... مبادرة مصرية جديدة لزيادة تحويلات المغتربين

قدمت الحكومة المصرية، مؤخراً، تيسيرات جديدة للمصريين المقيمين في الخارج، عبر مبادرة تتيح لهم فتح حسابات مصرفية في البنوك المصرية، ما يمكنهم من تحويل مدخراتهم.

رحاب عليوة (القاهرة)
المشرق العربي فوضى بالأسواق المصرية ومغالاة في تحديد هامش الربح (الشرق الأوسط)

مصر: الدولار يتراجع والاقتصاد يتحسن... والأسعار لا تتجاوب

تساؤلات في مصر من عدم استجابة الأسعار لمتغيري تراجع سعر الدولار، وتحسن مؤشرات الاقتصاد.

عصام فضل (القاهرة)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».