دخلت تعقيدات الصراع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا منطقة تبادل الاتهامات بين خالد المشري ومحمد تكالة، المتنازعين على قيادة هذا الجسم الاستشاري بطرابلس العاصمة، وهو ما عدّه متابعون «تكريساً لانقسامه؛ ما لم يتم التوصل إلى حل».
وفي تصعيد جديد على مسار الأزمة بينهما، اتهم المشري غريمه تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس»، وذلك عقب حكم أصدرته محكمة استئناف جنوب طرابلس، الأربعاء، بـ«بطلان وعدم صحة جلسة انتخابات رئاسة مجلس الدولة، وقبول الطعن المقدم من رئيس المجلس السابق محمد تكالة».
وبدأ النزاع على رئاسة المجلس الأعلى في السادس من أغسطس (آب) الماضي، عندما أُعلن فوز المشري على تكالة بفارق صوت واحد، مع وجود ورقة انتخابية كُتب عليها اسم الأخير من الخلف، لكن اللجنة القانونية للمجلس حسمت فيما بعد الأمر لصالح المشري، الذي تمكن من السيطرة على مقر المجلس بالعاصمة وصفحته الرسمية على «فيسبوك».
وعُقدت جلسة رسمية، حضرها 77 عضواً، صوّت 67 منهم على اعتماد رأي اللجنة القانونية بالمجلس بصحة فوزه بالرئاسة، وعَدِّ ورقة الانتخاب محل الجدل ملغاة، فيما اتجه تكالة للقضاء.
وعدّ المشري الحكم بأنه «صدر عن دائرة غير مختصة بالنظر في المسائل الدستورية»، لافتاً إلى أن قانون المحكمة العليا رقم 6 لسنة 1982 «ينص في مادته (31) على أن تكون المبادئ القانونية، التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها، ملزمة لجميع المحاكم والجهات الأخرى كافة في ليبيا».
وزاد المشري من اتهاماته لتكالة قائلاً إنه «يمارس هو وداعموه طيلة المدة الماضية كل أشكال التعسف ضد أعضاء المجلس، وذلك بإسقاط عضوية بعضهم ومنحها لمن لا يستحقها، والحيلولة دون انعقاد المجلس».
وطرحت الأزمة بين طرفي النزاع تساؤلات عدة حول مصير المجلس مستقبلاً، وهل سيتوقف الأمر عند هذه النقطة من الانقسام؟ أم أن الأمر قد يتطور إلى تصعيد مسلح؟
ويرى سياسيون ليبيون أن الحكم الصادر، الأربعاء، «قد يتعارض مع ما صدر عن المحكمة العليا؛ التي أكدت اختصاص الدائرة الدستورية بالنظر في أي مخالفة للنظام الداخلي للسلطة التشريعية، والأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي». وتتفق وجهة النظر هذه مع ما ذهب إليه المشري.
وأوضح هؤلاء السياسيون أن الصراع على رئاسة المجلس الأعلى يحتاج إلى «تقديم تنازلات، وتفهّم لأوضاع ليبيا من طرفي النزاع وأنصارهما، وإلا لأصبح في البلاد جسم آخر منقسم».
ووجه أحد الأعضاء المقربين من جبهة المشري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أصابع الاتهام إلى الدبيبة بـ«الوقوف خلف تكالة في نزاعه مع المشري بقصد تفتيت المجلس، ومنعه من التوافق مع مجلس النواب». غير أن حكومة الدبيبة سبق أن رفضت مثل هذه الاتهامات، ورأت أنها «بعيدة» عن تجاذبات تكالة والمشري.
ونص حكم الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس على قبول الطعن، الذي تقدم به تكالة شكلاً ضد المشري، وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتاً لحين الفصل في الموضوع.
ويعتقد المشري أن الحكم الصادر من محكمة استئناف جنوب طرابلس «موصوم بالعدم»، داعياً إلى «تقديم أحكام المحكمة العليا ومبادئها على ما سواها». لكن جبهة تكالة ترى أنه «استولى على مقر المجلس من دون وجه حق».
وسبق لتكالة أن اتهم المشري بـ«الاستيلاء» على الصفحة الرسمية للمجلس عبر موقع «فيسبوك»، وقال إن الصفحة تعرضت لـ«عملية قرصنة».
وتجسد أول أشكال الانقسام في عقد جلستين للمجلس الأعلى للدولة: الأولى تابعة للمشري في مقره الرئيسي، والثانية دُعي إليها من طرف أنصار تكالة في فندق المهاري، وسط مخاوف من تزايد الأجسام المنقسمة في ليبيا، بالإضافة إلى وجود حكومتين متنازعتين على السلطة.
وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس غرباً، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية، وبعض مناطق بالجنوب برئاسة أسامة حماد، وتمارس مهامها من شرق ليبيا.
وفي أعقاب الأزمة، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني خوري، إنها تحدثت مع المشري وتكالة، كل على حدة، بشأن أهمية الحفاظ على وحدة المجلس الأعلى للدولة، مشددة على «الحاجة إلى حل للحفاظ على وحدة المجلس، ومنع أي انقسامات أخرى في المؤسسات في ليبيا».