ليبيون يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية

في ظل استمرار أزمة «المركزي» وارتفاع سعر الدولار

بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)
بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)
TT

ليبيون يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية

بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)
بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)

«أتمنّى أن تنخفض الأسعار قريباً، وألا تتركنا الحكومة رهينة ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية؛ لأنه أدّى إلى تزايُد أسعار السلع الغذائية بشكل كبير منذ شهر تقريباً».

بهذه الكلمات استهلّت أفطيمة عبد الهادي، التي تقطن منطقة سوق الثلاثاء بالعاصمة الليبية طرابلس، الحديثَ عن معاناتها من غلاء المعيشة، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن تزامُن نقص السيولة المستمرة منذ شهور مع أزمة المصرف المركزي «أشعَرَ الليبيين بتغوّل السوق الموازية، وتحكّمها في معيشتهم بدرجة كبيرة، مقارنةً بأوقات أخرى مرّت على البلاد خلال العقد الماضي».

مصرف ليبيا المركزي (رويترز)

ويرى الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، أنه عندما أُعلن عن إيقاف بنوك خارجية التعاملَ مع المصرف المركزي، على خلفية الصراع على إدارته، «تم رصد رفع قطاع غير هيّن من التجار لأسعار السلع بدرجة متفاوتة»، وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الرفع للأسعار الذي اعتمده التجار جاء «بدافع الاستغلال المعتاد للأزمات، وأيضاً لاستعدادهم شراء الدولار من السوق المُوازية».

وحسب القماطي، فإن اعتماد ليبيا على استيراد أكثر من 80 في المائة من احتياجاتها الأساسية، وخصوصاً الغذاء والدواء بالعملة الأجنبية، «هو ما يُسهم بدرجة كبيرة في تضخّم السوق»، موضحاً أنه «مع توقّف المصرف المركزي عن فتح الاعتمادات أو ضخّ العملة الأجنبية، بدأ أباطرة السوق المُوازية يحدّدون سعر الدولار للتجار والمستوردين، ومع ارتفاع تكلفة الاستيراد ترتفع الأسعار بالنسبة للمواطن».

ولفت القماطي لمفارقة وجود سوق المشير التي تتم فيها عملية بيع وشراء النقد الأجنبي، خلف مقرّ المصرف المركزي بطرابلس، علماً بأن هذه السوق تضم محلّات صرافة غير مرخّصة، تمارس نشاطها تحت مرأى الأجهزة الأمنية والتشكيلات المسلحة الموجودة بالعاصمة، وقد أغلقت السلطات المحلية سوق المشير، مساء الاثنين الماضي؛ سعياً للتحكم في سعر صرف الدولار بالسوق الموازية.

ليبيون أعرَبوا عن أملهم في ألّا تتركهم الحكومة رهينة ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية (رويترز)

الناشط المدني الليبي، محمد عبيد، يتّفق مع الطرح السابق، وكيف أن «السوق الموازية هي من توجّه الاقتصاد في وقت الأزمات؛ كونها الخزينة الحقيقية التي يلجأ الجميع إليها للحصول على العملة الأجنبية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «أسماء مافيا السوق الموازية معروفة للجميع بالشارع الليبي».

وخلال السنوات الماضية أفادت تقارير محلية ودولية بوجود سوء توظيف في فتح الاعتمادات التي يفترض أن تُوجَّه لشراء الغذاء والدواء، وقد سعى وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، محمد الحويج، لطمأنة الليبيين بالتأكيد على «امتلاك بلدهم احتياطياً استراتيجياً من كل المواد الأساسية، يكفي لـ3 أشهر حداً أدنى»، وفي هذا السياق، توقّع عبيد «قيام الأسر الكبيرة العدد إذا ما توفرت لهم السيولة بشراء وتخزين بعض السلع الغذائية؛ لتفادي ارتفاع أسعارها مستقبلاً إذا استمرت أزمة (المركزي)».

قرار محمد المنفي بتعيين محافظ جديد فجّر أزمة المصرف المركزي (رويترز)

وبرغم إقراره بوجود سوق موازية في كل من حقبتَي الملكية ونظام معمر القذافي، فقد أوضح عضو مجلس النواب الليبي، على التكبالي، أن السوق الموازية في ليبيا «لم تشهد هذا التوسع والتضخم إلا بعد السنوات الأولى لثورة فبراير (شباط) 2011، وتحديداً مع تصاعُد نفوذ التشكيلات المسلحة».

ويعتقد التكبالي أنه «مع بروز قوة ونفوذ التشكيلات المسلحة، وفي أعقاب الانقسام في 2014، حدث التوسع الأكبر لهذه السوق»، وقال إن هذا كان «نتيجة طبيعية لضعف الرقابة وانتشار الفساد، وفرض أمراء الحرب من قادة التشكيلات سيطرتَهم على عديد من المؤسسات المالية والأسواق بمناطق نفوذهم»، مشيراً لظاهرة «الاعتمادات الوهمية»، حيث «حصل البعض في فترة ما على العملة الأجنبية بالسعر الرسمي، بذريعة استيراد أدوية وغذاء، أو خامات أساسية، لكن لم يتم استيراد أي شيء، وقاموا ببيع هذه العملة بالسوق الموازية بـ5 أضعاف»، وفق قوله.

بدأ الصراع على إدارة المصرف المركزي عندما أصدر رئيس المجلس الرئاسي قراراً بإزاحة محافظه الصديق الكبير (رويترز)

وبدأ الصراع على إدارة المصرف المركزي عندما أصدر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، قراراً بإزاحة محافظه الصديق الكبير، وتعيين محافظ جديد بشكل مؤقت خلفاً له، لكن قُوبِل هذا القرار برفض المجلس الأعلى للدولة، وسلطات شرق ليبيا التي أسرعت بإغلاق حقول النفط.


مقالات ذات صلة

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية (المجلس الرئاسي)

​توقعات بحسم أزمة المصرف المركزي الليبي

وسط توقعات بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال اجتماع ممثلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» برعاية أممية في العاصمة طرابلس

خالد محمود (القاهرة )

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

TT

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس، في أكبر عملية لاستعادة العاصمة منذ بداية الحرب المستمرة لنحو17 شهراً بينه وبين «قوات الدعم السريع». وتركز الصراع، يوم الخميس، على ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا». وجاء هجوم الجيش، الذي فقد السيطرة على معظم أنحاء العاصمة في بداية الصراع، قبل كلمة من المقرر أن يلقيها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد أبريل (نيسان) 2023 تسيطر «قوات الدعم السريع» بالكامل على مدينة الخرطوم، بما في ذلك المواقع العسكرية والسيادية، وتحاصر مقر القيادة العامة للجيش الواقع شرق المدينة. وذكر شهود أن قصفاً عنيفاً واشتباكات اندلعت عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهي الخرطوم وأم درمان وبحري. والجسور الثلاثة التي تركز حولها القصف هي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا».

تحليق الطيران

وقال سكان إن الجيش يقوم بقصف مدفعي عنيف وقصف جوي على منطقتَي الحلفايا وشمبات، في حين يحلق الطيران بكثافة، خاصة في مناطق المزارع المحيطة بجسر الحلفايا من جهة بحري. كما أظهرت مقاطع فيديو دخاناً أسود اللون يتصاعد في سماء العاصمة، وسط دوي أصوات المعارك في الخلفية. وقالت مصادر عسكرية لوكالة «رويترز» إن قوات الجيش عبرت جسوراً في الخرطوم وبحري، في حين قالت «قوات الدعم السريع» إنها أحبطت محاولة الجيش عبور جسرين إلى الخرطوم.

وتأتي الاشتباكات المتجددة في وقت يحتل ملف النزاع المتواصل في السودان مرتبة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وأزمة اللاجئين.

واستعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد في الغالب على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من طرد «قوات الدعم السريع» التي هي أكثر كفاءة على الأرض، من مناطق أخرى من العاصمة.

مستشفى الفاشر من الخارج (صفحة حاكم إقليم دارفور في «فيسبوك»)

مخاوف في دارفور

في غضون ذلك، واصلت «قوات الدعم السريع» إحراز تقدم في أجزاء أخرى من السودان في الأشهر القليلة الماضية في صراع تسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع مناطق من البلاد إلى الجوع الشديد أو المجاعة. وتعثرت جهود دبلوماسية تبذلها الولايات المتحدة وقوى أخرى، ورفض الجيش حضور محادثات كانت مقررة الشهر الماضي في سويسرا.

واشتدت المعركة هذا الشهر للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان. وتحاول «قوات الدعم السريع» التقدم من مواقع تحيط بالمدينة لمواجهة الجيش وجماعات متمردة سابقاً متحالفة معه. والفاشر هي آخر معاقل الجيش في دارفور حيث تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إن الوضع الإنساني حرج جداً، وهي واحدة من 5 عواصم ولايات في إقليم دارفور والوحيدة التي لم تسقط في أيدي «قوات الدعم السريع». وطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة أيضاً بإنهاء حصار الفاشر، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون من السكان والنازحين. وفي سبتمبر (أيلول) أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بداية الصراع، لكن بعض التقديرات تصل إلى 150 ألف ضحية، وفقاً للمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو. كما نزح أكثر من 10 ملايين شخص؛ أي نحو 20 في المائة من السكان، بسبب القتال، أو أُجبروا على اللجوء إلى دول مجاورة. وتسبّب النزاع في أزمة إنسانية هي من الأسوأ في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة.

الدخان يتصاعد قرب جسر الحلفايا في العاصمة السودانية (أرشيفية -رويترز)

جسور العاصمة المثلثة

يقسّم نهر النيل ورافداه؛ النيل الأزرق والنيل الأبيض، العاصمة السودانية الخرطوم إلى ثلاث مدن؛ الخرطوم وتقع إلى الجنوب بين نهرَي النيل الأزرق والنيل الأبيض، وملتقى النهرين عند منطقة المقرن، ليكونا بداية نهر النيل، وهي العاصمة الإدارية ومقر الحكومة والمركز التجاري والاستثماري، بينما تنحصر مدينة أم درمان بين نهر النيل والنيل الأبيض من جهتَي الشرق والغرب، وتمثل العاصمة الوطنية القديمة، أما مدينة الخرطوم بحري فتنحصر بين نهر النيل ونهر النيل الأزرق من جهتي الجنوب والخرطوم، وهي المدينة الصناعية. وترتبط مدن الخرطوم الثلاث بعشرة جسور، تَعبر الأنهر الثلاثة وتشكل وسائط التواصل؛ ليس بين مدن العاصمة فحسب، بل ببقية أنحاء السودان.

ومنذ بدأت الحرب تَقاسم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» السيطرة على الجسور والتحكم فيها، كلياً أو جزئياً. وفقَدَ الجيش السيطرة من الجهتين على كل جسور المدينة، ما عدا جسر النيل الأزرق، الذي يربط بين الخرطوم والخرطوم بحري، بينما سيطرت قوات «الدعم السريع» على جسور سوبا، والمنشية، والمك نمر، وخزان جبل أولياء، وتوتي.

ويتقاسم الطرفان السيطرة على جسور الفتيحاب والنيل الأبيض، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم. وأيضاً جسر الحلفايا، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم بحري. أما جسر شمبات فقد خرج من الخدمة على أثر تفجيره في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وكان وقتها تحت سيطرة قوات «الدعم السريع»، وتبادل الطرفان الاتهامات بتفجيره.

كذلك جسر خزان جبل أولياء، الذي قصفه طيران الجيش، لكن قوات «الدعم السريع» أفلحت في إعادته للخدمة مجدداً، وهو الجسر الوحيد الذي يربط بين قواتها من أم درمان حتى دارفور، وهو بطبيعته جسراً على السد، فإن تدميره كلياً قد يتطلب تدمير السد الذي يُنظم جريان المياه لصالح السد العالي في مصر.