ليبيا: سلطات طرابلس لمواجهة «السوق السوداء» للدولار

بعد تراجع سعر الدينار أمام العملات الأجنبية

سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)
سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)
TT

ليبيا: سلطات طرابلس لمواجهة «السوق السوداء» للدولار

سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)
سوق المشير لبيع وشراء الدولار بالعاصمة الليبية طرابلس قبل إغلاقه (جمال جوهر)

صعّدت السلطات الأمنية بالعاصمة الليبية جهودها لمواجهة المضاربات على الدولار في «السوق السوداء»، وأقدمت على إغلاق محال بيع وشراء العملات الأجنبية بسوق المشير بالمدينة القديمة في طرابلس.

ويأتي هذا التصعيد بعد يومين من مطالبة وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، محمد الحويج، الجهات الضبطية بمنع «المضاربة بالدولار».

وتراجع سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار في «السوق السوداء» إلى أكثر من 8 دنانير، وسط صراع على قيادة المصرف المركزي بين جبهتي غرب ليبيا وشرقها، أدى إلى تعطيل إنتاج وتصدير النفط.

مصرف ليبيا المركزي بطرابلس (جمال جوهر)

وتعد سوق المشير أشهر مكان في العاصمة لبيع وشراء الدولار وباقي العملات الأجنبية، بالإضافة إلى الذهب، وتشهد تجمعات يومية من السماسرة والمواطنين الراغبين في تبادل العملات.

وأقدمت السلطات في طرابلس على إغلاق سوق المشير، منذ مساء الاثنين، فيما أظهرت مقاطع فيديو يتم تداولها على نطاق واسع المحال بالسوق وهي مغلقة اليوم الثلاثاء، وسط غضب المواطنين من هذا الإجراء، الذي قالوا إنه «لن يحل الأزمة».

وبجانب سوق المشير، يتم تبادل الدولار بيعاً وشراء في شارع الرشيد القريب من السوق، بالإضافة إلى أماكن أخرى، لكن السلطات أقدمت على غلقها (الثلاثاء)، ما تسبب في تراجع سعر الدولار إلى 7.61 دينار.

وأبدى محللون واختصاصيون اندهاشهم من قرار إغلاق سوق المشير، ورأوا أن ذلك «ليس حلاً»، بالنظر إلى أن الدولار يعد «عصب الحياة في ليبيا». وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي الليبي، مختار الجديد، إن «سوق المشير وأسواق العملة عموماً ليست مجرد لقاء للسماسرة، ويجب إغلاقها كما يردد البعض، بل هي الحياة بالنسبة لنا، ولن تستطيعوا خنق الحياة بمجرد قفل مكان».

ووجه الخبير الاقتصادي حديثه للسلطات التي أقدمت على إغلاق السوق دون أن يأتي على ذكرها، قائلاً: «دعوا عنكم الأفكار الجماهيرية جانباً، وافهموا الحياة على حقيقتها، واعرفوا من هو عدوكم الحقيقي». في إشارة إلى نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.

الصديق الكبير (رويترز)

وانتهى الجديد قائلاً: «راقب نفسك وستجد أنك تأكل دولاراً، وتلبس دولاراً، وتركب دولاراً، بل حتى إنك لتكاد تتنفس دولاراً». في إشارة إلى أن ليبيا تستورد جل احتياجاتها من غذاء ودواء وملبس بالعملة الصعبة.

ويجري المجلسان التشريعيان في ليبيا: النواب والمجلس الأعلى للدولة، مشاورات تدعمها الأمم المتحدة لحل الأزمة، لكنهما لم يعلنا بعد عن إحراز تقدم كبير.

وسبق أن حذر رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، من انفلات سعر صرف الدولار في السوق الموازية مقابل الدينار، وقال في 18 من سبتمبر (أيلول) الحالي، إن «الدولار في طريقه لتجاوز الـ10 دنانير، ما لم تحل أزمة المصرف، وإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي».

صالح حذر من انفلات سعر صرف الدولار في السوق الموازية (رويترز)

ويسجل الدولار 4.7 دينار في السوق الرسمية، لكنه غير متوافر، وفق متابعين ليبيين، مشيرين إلى أن إغلاق سوق المشير «دفع سماسرة إلى الاتجار به سراً».

ويقصد صالح بـ«إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي» أن يعدل المجلس الرئاسي عن عزل محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، ومن ثم تعود سلطات شرق ليبيا إلى تشغيل النفط المغلق».

بدوره، يعتقد الخبير الاقتصادي الليبي، محمد أبو سنينة، أن «إغلاق محال بيع العملة بسوق المشير لا يعني توقف عمليات بيع وشراء النقد الأجنبي في السوق السوداء أو السيطرة على الأسعار بها». ورأى أن هذه «العمليات ستجرى في الخفاء، في البيوت والمقاهي وشركات الصرافة غير المرخص لها، ما دامت توقفت أو عجزت المصارف التجارية عن تقديم هذه الخدمة؛ مما يدفع في اتجاه المزيد من ارتفاع أسعار العملات الأجنبية»، لافتاً إلى أن الأسعار في السوق الموازية «يحددها الطلب على النقد الأجنبي والمعروض منه، وهذا لا يرتبط بمكان محدد أو زمان محدد».

ولم تتوصل الأطراف المتصارعة على إدارة المصرف المركزي إلى حل ينهي الأزمة حتى الآن، ففيما تبقي سلطات طرابلس على المحافظ الجديد، الذي عينته مؤقتاً، تتمسك سلطات شرق ليبيا بإغلاق الحقول والموانئ النفطية، ما تسبب في تزايد أسعار السلع أيضاً.

ونوه أبو سنينة إلى أنه «كان الأجدى الآن وفي السنوات السابقة تنظيم هذا النشاط، بحيث تمنح مكاتب وشركات الصرافة تراخيص وإذناً لمزاولة أعمالها تحت إشراف ورقابة مصرف ليبيا المركزي، مثل ما هو معمول به في كل دول العالم»، موضحاً أن «ما نشاهده من محال وهي ترفع لافتات بأنها شركات صرافة على مرأى ومسمع من الأجهزة الرقابية في مختلف ليبيا، ودون إذن من المصرف المركزي، يُعد مخالفاً للقانون؛ ويشكل أحد مظاهر التشوه في سوق النقد الأجنبي».

ويتخوف الليبيون من تزايد التأثيرات السلبية لصراع الأفرقاء على المصرف المركزي، وتعطيل إنتاج النفط وتصديره، وتداعيات ذلك على حياتهم المعيشية.


مقالات ذات صلة

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا تكالة والمشري خلال انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة عام 2023 (المجلس)

المشري يتهم تكالة بـ«اغتصاب السلطة»... إلى أين يتجه «الدولة» الليبي؟

في تصعيد جديد على مسار الصراع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اتهم خالد المشري غريمه محمد تكالة بـ«اغتصاب السلطة وانتحال صفة رئيس المجلس».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة المصرف المركزي

أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الأربعاء، التوصل إلى تسوية بين الأطراف الليبية لمعالجة أزمة إدارة المصرف المركزي الذي يشهد تنازعاً على السلطة.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية (المجلس الرئاسي)

​توقعات بحسم أزمة المصرف المركزي الليبي

وسط توقعات بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي خلال اجتماع ممثلي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» برعاية أممية في العاصمة طرابلس

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا بات جُلّ الليبيين يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية (أ.ف.ب)

ليبيون يتخوّفون من تغوّل «السوق الموازية» على قدراتهم الشرائية

أغلقت السلطات المحلية سوق المشير، مساء الاثنين الماضي، سعياً للتحكم في سعر صرف الدولار بالسوق الموازية.

جاكلين زاهر (القاهرة)

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

كيف أثرت حرب لبنان على جهود التهدئة في غزة؟

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أقاربها عقب غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا شمال قطاع غزة (رويترز)

بينما تراوح مفاوضات الهدنة في قطاع غزة مكانها منذ عدة أسابيع، تزداد وتيرة الحرب المشتعلة في لبنان، وتتسارع نداءات إطفائها عبر مقترح أميركي - عربي - أوروبي بوقفها مؤقتاً لمدة 21 يوماً، وسط ربط لبناني للتهدئة بمسار الصفقة في غزة وإنهاء التصعيد بالمنطقة، غير أن ذلك قوبل برفض إسرائيلي، وتوعد بمزيد من الضربات بالجبهتين.

ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن حرب لبنان أثرت على جهود التهدئة في غزة عبر مسارين؛ الأول «إيجابي، وهو إعادة تسليط الضوء على أن مفتاح حل الأزمة في جبهة لبنان مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، والثاني يحمل بعداً سلبياً؛ إذ لا يجعلها في سلم أولويات التحركات الدولية التي تخشى من الوصول لحرب شاملة تكون إيران جزءاً منها».

ووسط تواصل القصف الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، منذ الاثنين الماضي، مخلفاً مئات القتلى وآلاف النازحين بلبنان، دعت الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وفرنسا، إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، كما عبرت عن دعمها لوقف لإطلاق النار في غزة، وفقاً لبيان مشترك للدول، أصدره البيت الأبيض، الأربعاء.

وفي أول تعقيب لبناني، رحب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في تصريحات من نيويورك، بالبيان، مضيفاً: «تبقى العبرة في التطبيق بالتزام إسرائيل»، دون تعليق من «حزب الله»، وذلك غداة تأكيد رئيس البرلمان اللبناني المقرب من الحزب، نبيه برّي، لـ«الشرق الأوسط» أن المساعي الدولية تراعي عدم الفصل بين جبهة لبنان أو غزة.

في المقابل، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، القبول به، مؤكداً أن الأخير أصدر تعليماته إلى الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته في لبنان وغزة.

قطر إحدى الدول الداعية لوقف حرب لبنان، وإحدى دول الوساطة لوقف الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، أكدت على لسان المتحدث باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، عدم وجود رابط مباشر بين هذه المباحثات وتلك الهادفة إلى وقف التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

واستدرك الأنصاري، في مؤتمر صحافي بالدوحة، الخميس: «لكن من الواضح أن الوساطتين متداخلتان بشكل كبير عندما تتحدث عن الأطراف نفسها التي تشارك في الغالب في هذا المسار الدبلوماسي»، مضيفاً: «نعمل مع شركائنا لضمان وقف إطلاق النار الفوري في لبنان، كما نواصل جهودنا على المسار الآخر؛ المحادثات بشأن غزة».

تصاعد الدخان فوق جنوب لبنان في أعقاب غارة إسرائيلية وسط أعمال عدائية عبر الحدود بين «حزب الله» والقوات الإسرائيلية (رويترز)

وطالبت وزارة الخارجية المصرية، في بيان صحافي، الخميس، بـ«وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان»، محذرة من أن ما تفعله إسرائيل قد يقود إلى «فوضى تعرض المنطقة لعواقب خطيرة».

الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يعتقد أن حرب لبنان أثرت سلباً وإيجاباً على جهود التهدئة في غزة، لافتاً إلى «أن التأثير السلبي يتمثل في أن الجميع يهتم بلبنان، ونظيره الإيجابي هو التسريبات الإعلامية بشأن اشتراط (حزب الله) حدوث التهدئة في الجبهتين: الفلسطينية واللبنانية».

أنور يرى «أن نتنياهو مستمر في خياراته، لكن الضغوط الأميركية والدولية قد تدفعه لقبول تهدئة مؤقتة في لبنان بشكل أولي قبل صفقة شاملة تشمل غزة».

ويرى الكاتب اللبناني والباحث في الشؤون الدولية، بشارة خير الله، أن التصعيد في لبنان «سرق الاهتمام من غزة»، والأولوية حالياً للتهدئة في الجنوب اللبناني. ووفق خير الله، مستشار الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، فإن نتنياهو سيتمسك بخطة فصل جبهتي غزة ولبنان عن بعضها البعض، بخلاف «حزب الله» أملاً في ضغوط أكبر على «حماس» لتزيد مكاسبه.

ويرجح المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، رفض نتنياهو أي تسوية والاستمرار في التصعيد كما فعل في غزة، مع الإقدام على عملية اجتياح محدودة بلبنان، من أجل شراء المزيد من الوقت لضمان البقاء في السلطة، وضمان انتهاء الانتخابات الأميركية على أمل فوز حليفه دونالد ترمب، بوصفه منحازاً إلى إسرائيل في العديد من الملفات.

فلسطينية في أثناء خروجها مع أطفالها في وقت سابق من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

وعقب الرفض الإسرائيلي، صدر بيان إماراتي - سعودي - قطري - أميركي - أوروبي - ياباني، يجدد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل. فيما تبذل واشنطن وشركاء، لم تسمهم، جهوداً للتوصل إلى «تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييراً جذرياً» بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، في مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، من دون أن يقدم تفاصيل بشأنها، وسط مواصلة إسرائيل حربها على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية.

ووفق العبادي، «فإن إيران تخلت على ما يبدو عن أعوانها في المنطقة لا سيما (حزب الله)، وتقدم مراوغات إعلامية فقط»، مستدركاً: «لكن من المهم استمرار تلك النداءات الدولية لوقف الحرب».

وقد يشكل استمرار النداءات الدولية ضغوطاً على نتنياهو لوقف الحرب بلبنان، وربما يمتد ذلك لغزة، بحسب أنور، الذي أضاف: «لا يزال الأمل موجوداً... وفي ظل سياسة حافة الهاوية، كل شيء وارد». فيما أكد خير الله أن إسرائيل تحاول «فك مبدأ ربط الساحات ببعضها»، وستنتقل من غزة بالكامل إلى لبنان والتفرغ له، متوقعاً أن تهدأ الحرب في غزة قبل أن تهدأ في لبنان.