مصر تلاحق «الكهرباء المسروقة» بمناطق فقيرة ومترفة

طرق متنوعة لسرقة «التيار»... وأكثر من نصف مليون محضر في 5 أسابيع

أبراج كهرباء ضغط عالٍ في مصر (رويترز)
أبراج كهرباء ضغط عالٍ في مصر (رويترز)
TT

مصر تلاحق «الكهرباء المسروقة» بمناطق فقيرة ومترفة

أبراج كهرباء ضغط عالٍ في مصر (رويترز)
أبراج كهرباء ضغط عالٍ في مصر (رويترز)

منذ 18 عاماً، يعمل أيمن جمال (اسم مستعار)، الذي يشارف على عقده الخامس، في شركة كهرباء جنوب القاهرة، حيث بات خبيراً بالطرق التي يتمكن بها كثيرون من سرقة الكهرباء، وبقوة القانون أصبح منذ أعوام واحداً ممن يستطيعون وقف ذلك بـ«ضبطية قضائية» تُمكنه من تحرير محاضر مباشرة لسارقي التيار، لكنه رغم هبّة الحكومة لملاحقتهم، لا يُبدي تفاؤلاً كبيراً في أن تنتهي المشكلة قريباً.

وسرقة الكهرباء تعني الحصول على وصلات غير شرعية، سواء من المصدر الرئيسي للطاقة في الحي الذي يقطن فيه سارق التيار، أو باستهلاك الكهرباء دون عداد، تُحصل من خلاله الحكومة مستحقاتها لدى المواطن، أو أن يُركب المواطن عداداً ثم يتلاعب فيه بحيث لا يحسب قيمة استهلاكه الفعلي، وفق ما شرح لـ«الشرق الأوسط» مسعد محفوظ (اسم مستعار) وهو موظف آخر في شركة الكهرباء، متخصص في توصيل العدادات بمنطقة السادس من أكتوبر (جنوب الجيزة).

يتجاوز جمال، الذي عمل 15 عاماً محصلاً لفواتير الكهرباء ثم ترقى ليصبح مراجعاً منذ 3 سنوات، عن شرح الطرق التي يُسرق بها التيار إلى قدرتهم على كشف التلاعب من خلال عداد يسمى «غفير»، يوجد في كل منطقة تقريباً، ويحسب حجم الطاقة الكهربائية المستهلكة فيها مقابل الطاقة المسجلة في العدادات، ما يعكس مقدار السرقات، أو ما يسميه «الفقد التجاري».

أسعار الكهرباء للمنازل ارتفعت بنسب تراوحت ما بين 14 إلى 40 % (الشركة القابضة لكهرباء مصر)

وكلما كان الرقم أكبر، حفّز ذلك جمال وزملاءه على القيام بحملات تفتيشية في تلك المنطقة. وكلما كشفوا سرقات أكبر زاد ذلك من «أرباحهم»، إذ يُحاسبون بنظام الأرباح وليس الحوافز. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نتفقد بيتاً بيتاً، حتى نضبط السرقات ونحرر محاضر بها».

وتنتشر طرق سرقة الكهرباء في مصر منذ سنوات، حتى إنها شهدت تطوراً في الأسلوب. يقول جمال: «في البداية كانوا يستخدمون كيس ملح، أو مغناطيس داخل العداد لإبطاء حركة دوران العداد، لكن هذه الطرق باتت قديمة، وحالياً يتم التلاعب في بوردة (الشريحة الإلكترونية) العداد نفسه، من قبل فني، فيخفض القراءات».

وأعلن جهاز «تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك»، الشهر الماضي، زيادات سنوية في شرائح استهلاك الكهرباء لقطاعات عدة، منها المنازل التي تراوحت معدلات الزيادة في شرائحها ما بين 14 إلى 40 في المائة.

العقاب

ينص قانون الكهرباء الصادر عام 2015 على «معاقبة من استولى بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين»، وفي حالة تكرار السرقة تتضاعف العقوبة (الدولار يساوي 48.88 جنيه).

ومؤخراً لوّحت الحكومة بحرمان سارقي الكهرباء - ممن تثبت عليهم التهمة بحكم قضائي - من الدعم التمويني، وهو عبارة عن سلع يحصل عليها أكثر من 8 ملايين أسرة بأسعار مخفضة.

وعملياً لا يرى جمال أن تهديد الحكومة سيُنفذ، إذ لا تصل عادة المحاضر للمحكمة، ويتصالح سارق التيار بدفع مبلغ متوسطه 10 آلاف جنيه.

وارتفعت أعداد المحاضر التي حرّرتها الحكومة لسارقي الكهرباء الفترة الماضية، حتى تجاوزت خلال 5 أسابيع فقط أكثر من 600 ألف محضر سرقة، وفق ما صرّح به وزير الكهرباء المهندس محمود عصمت، خلال اجتماع الحكومة، في 19 سبتمبر (أيلول) الحالي.

ومن بين هذه المحاضر، حرّر جمال وزملاؤه في شركات الكهرباء أكثر من 100 ألف منها، والباقي ضبطته مباحث الكهرباء.

لماذا الآن؟

تربط الحكومة بين أزمة انقطاعات التيار الكهربي التي تشهدها مصر منذ سنوات قبل أن تتفاقم خلال شهور الصيف، وسرقة التيار. وعلّق رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، على السرقات المضبوطة قائلاً، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع ذاته: «لو نصف هذه السرقات لم تكن موجودة، فلن تكون هناك مشكلة في أي شيء، ولن نحتاج لتدبير موارد إضافية للكهرباء».

وكلّف توفير الكهرباء مصر خلال فصل الصيف، وفق مدبولي، 2.5 مليار دولار، بعدما كان تقدير الحكومة أنه سيحتاج 1.180 مليار دولار.

ومع ذلك، لا يرى مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء، أن سرقة الكهرباء هي السبب الرئيسي في أزمة الانقطاعات، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، طالباً عدم نشر اسمه: «الأزمة أكبر من ذلك»، منبهاً إلى ضرورة حساب «الفقد الفني»، عند محاولة تقليل المُهدر من الطاقة، في إشارة إلى البنية التحتية للكهرباء ونوع وأقطار الموصلات والكابلات.

وتقدر مصر قيمة المُهدر من الطاقة بسبب سرقة التيار بنحو «20 في المائة»، وفق مدبولي.

زيادة أسعار كهرباء المنازل تُقلق المصريين (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأكد المصدر أن ذلك لا يتعارض مع ضرورة مواجهة سرقات الكهرباء المتفشية، مشدداً على أن ذلك لن يتحقق سوى بالردع بالقانون «تعديل قانون الكهرباء وتغليظ العقوبات فيه، ووقف عملية التصالح في المحاضر».

لكن الخبير في مجال الطاقة والمسؤول السابق في وزارة الكهرباء، محمد سليم، يشدد على أن سرقة الكهرباء قضية مهمة، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»: «أهمية مواجهتها لتقليل الفقد الذي يكبّد الدولة خسائر مالية كبيرة»، بالإضافة إلى أن «عمليات السرقة تتسبب في عدم توازن الأحمال في الشبكات، فعند زيادتها في منطقة معينة يمكن أن تتسبب في تأثيرات ضارة كبيرة، مثل حرق محولات نتيجة الأحمال غير المخططة».

«الناس تعبانة»

يشكّك جمال في أن يُنهي الردع وحده الأزمة، قائلاً: «الناس تعبانة»، في إشارة إلى الأعباء الاقتصادية وأثرها على المواطنين. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن ندخل بيوت الناس، ونرى كيف تعيش، لا يمكن أن ننزل في مرة لتحصيل فواتير ونعود بها كاملة، لا بد أن نذهب مرة واثنين وثلاثاً، وأحياناً لا يستطيع المواطن الدفع». يتذكر حين كاد يقطع التيار عن منزل بعد بلاغ من أحد زملائه المُحصلين، ليتفاجأ أن الأسرة في حاجة لمساندة مالية.

وكانت جامعة الأزهر أوقفت الأستاذ المساعد بالعقيدة والفلسفة بكلية التربية في جامعة الأزهر الدكتور إمام رمضان إمام، في 10 من الشهر الحالي، بعد ظهوره في فتوى عبر «فيسبوك»، يحلّل فيها سرقة الكهرباء بعد ارتفاع الأسعار. ووصف الأزهر الفتوى بالشاذة: «تتضمن مخالفات فقهية، وتتعارض مع تعاليم الدين الحنيف».

لا يبرر جمال بذلك سرقة التيار، بينما يؤكد فني العدادات مسعد محفوظ، لـ«الشرق الأوسط»: «ليس الفقراء وحدهم من يسرقون الكهرباء، هناك أغنياء كثيرون يسرقونها، وكذلك مصانع تسرقها».

وهو أيضاً ما أكده وكيل لجنة الطاقة في الكهرباء، النائب محمد الجبلاوي، الذي يرى أن توجه الحكومة لمواجهة سرقة الكهرباء، الذي وصفه بـ«المحمود»، يجب أن «يشهد تعديلاً»، مطالباً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بـ«بعدم إغفال مشاريع كاملة تستهلك طاقة كبيرة، وتحصل عليها بالمخالفة، والتركيز على مواجهة سرقات المنازل فقط».


مقالات ذات صلة

مصر: رفع أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهاب»

شمال افريقيا مقر النيابة العامة المصرية (النيابة العامة)

مصر: رفع أسماء 716 شخصاً من «قوائم الإرهاب»

وفق إفادة للنيابة العامة المصرية الأحد فإن إجراء رفع أسماء مدرجين بـ«قوائم الإرهاب» يأتي في إطار توجه للحكومة المصرية بـ«مراجعة موقف القوائم الإرهابية جميعها»

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يوقع في دفتر الشرف بمقر وزارة الخارجية الكويتية (صفحة الخارجية المصرية عبر «فيسبوك»)

وزير الخارجية المصري: قد نكون الأكثر تضرراً من التصعيد في البحر الأحمر

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اليوم الأحد، إن مصر قد تكون الأكثر تضرراً بالتصعيد الحالي في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
شمال افريقيا أحمد رفعت (الشرق الأوسط)

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

وافق مجلس الشيوخ المصري على رفع الحصانة عن النائب أحمد دياب؛ للاستماع إلى أقواله في تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة اللاعب أحمد رفعت.

أحمد عدلي (القاهرة)
العالم العربي اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

تأكيدات مصرية خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
TT

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

قال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، إن كثيراً من النساء وأطفالهن يعانون من صدمات نفسية سيئة جراء الحرب الدائرة في السودان، مشيراً إلى أن بعض الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم بضعة أشهر تعرضوا لإصابات بالذخيرة الحية في مناطق الرأس والصدر.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أننا إزاء أسوأ أزمة إنسانية شهدتها المنظمة على الإطلاق... آلاف الأسر تفرقت، خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً، أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم، ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية، يبدو هذا الأمر مستحيلاً في بعض أجزاء البلد.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم زمزم للنازحين (أ.ف.ب)

ورأى أن «الحرب تعد مشكلة حقيقية للنساء والأطفال تحديداً... أجرينا في أحد المستشفيات العاملة بالعاصمة الخرطوم فحوصات لنحو 4200 امرأة وطفل، ووجدنا أن ثلثهم يعاني من سوء التغذية الحاد، وهذا القياس يدل على أن كل الذين أجريت لهم فحوصات، يعانون من سوء التغذية المتوسط والحاد بدرجات متفاوتة».

وأوضح أن «واحداً من كل 6 جرحى يعالجون في المستشفى ذاته، يعاني من أمراض مصاحبة... لدينا أطفال لا تتعدى أعمارهم شهوراً تعرضوا لإصابات بالرصاص في الرأس أو الصدر، وللأسف في بعض الأحيان لا تتوفر المواد الطبية اللازمة لعلاجهم، في ظل حالة الحصار على المستشفى، ومنع وصول المعونات الطبية إليه».

الوضع في دارفور

وكشف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، عن ارتفاع نسبة حالات الإصابة بسوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع في إقليم دارفور (غرب البلاد)، «وهو ما يتسبب في الوفيات لأسباب بسيطة يمكن علاجها لو توفرت الإمدادات الطبية».

امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وقال إن «نسبة انتشار أمراض سوء التغذية وفقر الدم أعلى بكثير من قدرة فرقنا على علاجها».

وأضاف كريستو: «في أغسطس (آب) الماضي، أجرينا فحوصات لنحو 30 ألف طفل في عمر سنتين وأقل، حيث أثبتت أن ثلث هذا العدد يعاني من سوء تغذية حاد».

وكشف تقرير سابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» في فبراير (شباط) الماضي عن وفاة طفل كل ساعتين في «مخيم زمزم» للنازحين في ولاية شمال دارفور.

ووفقاً للمنظمة، فإن الصراع في إقليم دارفور «أخذ طابعاً عرقياً، وعلى وجه الخصوص أحداث العنف التي جرت في ولاية غرب دارفور، وأدت إلى مقتل الآلاف ولجوء أكثر من 500 ألف شخص إلى تشاد».

وتجاوزت نسبة وفيات الأمهات في جنوب دارفور منذ مطلع العام الحالي التي سجلتها مرافق «أطباء بلا حدود»، 7 في المائة، وبينت الفحوصات التي أُجريت لرصد سوء التغذية بين الأطفال، معدلات هائلة تتجاوز عتبات الطوارئ.

وحض كريستو المجتمع الدولي «على بذل مزيد من الجهود للضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة؛ لتوفير الغذاء والدواء للآلاف من المدنيين في السودان».

وعالجت فرق «أطباء بلا حدود» أكثر من 4214 إصابة ناجمة عن العنف، بما في ذلك الأعيرة النارية وانفجارات القنابل، وشكلت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، 16 في المائة منهم.