هل تسهم المساعي الإقليمية في حل أزمة «المركزي» الليبي؟

في ظل تزايد ملحوظ لحجم التقارب المصري - التركي

المصرف المركزي في طرابلس (رويترز)
المصرف المركزي في طرابلس (رويترز)
TT

هل تسهم المساعي الإقليمية في حل أزمة «المركزي» الليبي؟

المصرف المركزي في طرابلس (رويترز)
المصرف المركزي في طرابلس (رويترز)

يترقب ليبيون نتائج مساعٍ مصرية وتركية لحلحلة الأزمة الراهنة بشأن الصراع على المصرف المركزي الليبي، وما أعقبها من إغلاق لحقول النفط، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الجهود الإقليمية على وضع حد للصراع المستحكم بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح (رويترز)

وكان رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، قد تحدث عن التقارب المصري - التركي، وقال في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» إنه «سيساعد على عدم قيام حرب في ليبيا، ويسهل سحب أي قوات أجنبية من ليبيا، ويؤدي مع جهود المجتمع الدولي لتقارب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، حتى نصل لحلول للوضع في بلاده».

ووسط تباين ليبي بشأن قدرة المساعي الإقليمية على حلحلة الأزمة الراهنة، يرى المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي، محمد السلاك، أن «أولى ثمار التقارب المصري - التركي مؤخراً قد تكون الدفع بعملية سياسية شاملة في ليبيا، تنهي حالة الانقسام، ومن بينها أزمة (المركزي)».

لقاء سابق يجمع المنفي ونائباه والصديق الكبير (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال السلاك إن «القاهرة وأنقرة تمتلكان قدرة على التأثير الإيجابي في الأطراف الليبية، وتوافقهما قد يدفع لحلحلة الأزمة الليبية، في ظل غياب تأثير لجهود بعثة الأمم المتحدة حتى الآن».

ويعتقد السلاك، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن حلول الأزمة الليبية «يجب أن تتضمن حزمة من الإجراءات القانونية، ومسارات للمصالحة الوطنية، وصولاً للتوافق بشأن الانتخابات العامة». معتبراً أن الإشكالية في أزمة المصرف المركزي تتمثل في «غياب أي ضمانات للحلول المطروحة في المفاوضات»، وقال إن «الحل لن يأتي إلا بالتوافق، ومصر وتركيا لديهما القدرة على دفع الأطراف للقبول بحلول توافقية».

الصديق الكبير (رويترز)

وكان المجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، قد عيّن في أغسطس (آب) الماضي محافظاً جديداً للمصرف المركزي، بعدما عزل المحافظ الصديق الكبير، في خطوة وصفت «بالتجاوز الواضح» لصلاحيات كل من مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»، وصعّدت من حدة الانقسامات بين الأطراف الليبية، ودفعت حكومة أسامة حمّاد بشرق ليبيا إلى وقف إنتاج وتصدير النفط.

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية الليبي، أحمد المهدوي، أن المساعي المصرية التركية قد تنجح في حل الخلاف بشأن رئيس البنك المركزي، في ضوء التقارب بينهما، وقال إن تركيا «يمكن أن تمارس ضغوطاً على حكومة الدبيبة في الغرب للقبول بحل توافقي مع الشرق الليبي، يقضي بعودة الكبير لمدة شهر، يعقبها قيام (مجلس الدولة) والبرلمان بتسمية رئيس جديد للمصرف»، معتقداً أن «هذا الحل يتطابق مع الرؤية المصرية الداعمة لجبهة الشرق».

المهدوي يرى أن تركيا «يمكن أن تمارس ضغوطاً على حكومة الدبيبة في الغرب للقبول بحل توافقي مع الشرق الليبي» (الوحدة)

ويرى المهدوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «أنقرة لن تفرط في حليفها الصديق الكبير بسهولة»، مشيراً إلى أن «المقترح الأممي بتشكيل لجنة ثلاثية لإدارة المصرف المركزي لن تقبل به تركيا»، عادّاً الأزمة «مفتعلة من طرف حكومة عبد الحميد الدبيبة لإعاقة الحل في ليبيا، وضمان موضع قدم لها على خريطة الطريق المستقبلية».

وقال المهدوي إن الأزمة الأخيرة «تتعارض مع رغبة المجتمع الدولي، التي تستهدف التهدئة والاستقرار في ليبيا، في ضوء استمرار أزمة حرب غزة، والتوترات في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر».

وتسعى مصر وتركيا للضغط على حكومتي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، والمكلفة من مجلس النواب، للتوصل لاتفاق ينهي أزمة وقف تصدير النفط الليبي، وفق وكالة «بلومبرغ» الاقتصادية.

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الشرق الأوسط)

من جهته، استبعد المحلل السياسي الليبي، وسام عبد الكبير، حلولاً قريبة لأزمة الخلاف بشأن المصرف المركزي، معتبراً أن «الانقسام شائك ومعقد، وقد يطول الخلاف لأسابيع أخرى».

وقال عبد الكبير إن «المفاوضات تجاوزت مسألة عودة المحافظ، وأعادت الخلاف بشأن الاتفاق الذي عقد بمدينة بوزنيقة المغربية، الخاص بتسمية المناصب السيادية»، مشيراً إلى أن «الاتفاق أعطى لجبهة شرق ليبيا تسمية المحافظ المركزي»، غير أن هناك مطالب «بضرورة تطبيقه على تسمية كل المناصب السيادية».

وأضاف عبد الكبير، لـ«الشرق الأوسط» موضحاً أن «الإشكالية في من يحدد اسم محافظ المركزي»، مشيراً إلى «أن مخاوف الأطراف من تطبيق حل البعثة الأممية بتشكيل لجنة ثلاثية لإدارة المصرف الليبي لمدة شهر تكمن في احتمال أن تطول الفترة المحددة لأمد أبعد من ذلك».

وكانت الأطراف الليبية قد توافقت في مدينة بوزنيقة المغربية، عام 2021، على تقاسم تسمية المناصب السيادية، ومنح الاتفاق إقليم برقة في الشرق اختيار منصبي مصرف ليبيا المركزي، وهيئة الرقابة الإدارية، وأعطى إقليم طرابلس في الغرب مناصب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والنائب العام، وديوان المحاسبة، في حين يتولى إقليم فزان المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد.

وعدّ عبد الكبير أن «تحقيق انفراجة في أزمة المصرف المركزي يمكن أن يأتي بتدخل إقليمي من مصر وتركيا، للتأثير على أطراف الصراع السياسي»، مستبعداً «سيناريو عودة الكبير لمنصبه مرة أخرى»، لكنه أشار إلى «التدخل التركي لضمان خروج مشرّف له، باختياره في منصب شرفي آخر».

وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى «حكومة الوحدة» التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة في طرابلس بالغرب، والثانية يقودها أسامة حمّاد بشرق ليبيا.


مقالات ذات صلة

تراجع قيمة الدينار ينهك الليبيين في ظل تواصل الانقسام السياسي

شمال افريقيا بات جل الليبيين المنهكين من الفوضى المستمرة منذ عقد يعانون من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية (أ.ف.ب)

تراجع قيمة الدينار ينهك الليبيين في ظل تواصل الانقسام السياسي

يعاني الليبيون المنهكون من الفوضى المستمرة منذ عقد من تدهور خطير في قدرتهم الشرائية، بعد خفض في قيمة الدينار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري تترأس اجتماع الفريق الفني الليبي بحضور «مجموعة العمل» المنبثقة عن «عملية برلين» (البعثة)

ليبيا: البعثة الأممية ترعى استحداث آلية تنسيق إقليمية معنية بالحدود

تحدثت البعثة الأممية في ليبيا عن «اختيار مقر المركز المشترك للتواصل وتبادل المعلومات في طرابلس، والتخطيط لإنشاء مركز مماثل في بنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا هانا تيتيه خلال جلسة مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

تيتيه تدعو لـ«خريطة طريق توافقية» لحل الأزمة السياسية في ليبيا

دعت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أنسميل» هانا تيتيه، إلى وضع «خريطة طريق توافقية» لحل الأزمة السياسية في ليبيا.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا جانب من اجتماع «المركزي» في مقره ببنغازي مع حكومة حمّاد (الحكومة)

«المركزي» لتفكيك تعقيدات الإنفاق «المزدوج» بين حكومتي ليبيا

في لقاءين متتابعين ما بين مقري المصرف في طرابلس وبنغازي، أجرى «المركزي الليبي» مباحثات مع رئيسي الحكومتين الدبيبة، وحمّاد، تمحورت حول ضرورة ترشيد الإنفاق.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع ديوان المحاسبة برئاسة شكشك (الديوان)

​«الرئاسي» الليبي يهدّد بإجراءات لحسم نزاع «النواب» و«الدولة»

دعا المجلس الرئاسي الليبي مجلسي «النواب» و«الأعلى للدولة» إلى سرعة تجاوز خلافاتهما والسمو فوق المصالح الضيقة والآنية

خالد محمود (القاهرة )

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

عشرات القتلى المدنيين في الفاشر بدارفور

نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
نازحون فروا من مخيم «زمزم» إلى مخيم بالعراء في دارفور الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

قُتل عشرات المدنيين في مدينة الفاشر في إقليم دارفور غرب السودان، وفق ما أفاد مصدر طبي ونشطاء محليون، الخميس، في ظل تصاعد الاشتباكات، ووسط مخاوف من اقتحام «قوات الدعم السريع» للمدينة.

وأوضحت «لجان المقاومة في الفاشر» أن المدنيين قُتلوا الأربعاء في اشتباكات وقصف نفذته «قوات الدعم السريع» التي تخوض حرباً ضد الجيش منذ أبريل (نيسان) 2023.

ووقعت أعمال العنف بعد أيام من مقتل أكثر من 400 شخص في هجمات لـ«الدعم السريع» على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ومخيمات نازحين قريبة، وفقاً للأمم المتحدة.

وقدّر الجيش السوداني عدد القتلى الأربعاء بـ62 شخصاً، بينهم 15 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات، فضلاً عن إصابة العشرات.

صورة قمر اصطناعي تُظهر نيراناً مشتعلة في مخيم «زمزم» للاجئين (أرشيفية - رويترز)

وقال الجيش في بيان إنه صد «الهجوم الشرس» على شرق المدينة، في رد منسق مع «القوة المشتركة من حركات الكفاح المسلح، والمخابرات، والشرطة، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية». وأضاف أن «قوات الدعم السريع» قد «قامت بقصف عشوائي للمدينة خلال فترات متقطعة».

وتدافع عن الفاشر مجموعات مسلحة متحالفة مع الجيش تُعرف باسم «القوات المشتركة»، وقامت في الأشهر الماضية بقطع خط إمدادات «الدعم السريع» مراراً.

ويصف خبراء معركة الفاشر بـ«الحيوية» بالنسبة للجيش السوداني وحلفائه.

وتحاصر «الدعم السريع» الفاشر منذ أشهر في محاولة للسيطرة عليها، حيث تظل آخر مدينة رئيسية في دارفور تحت سيطرة الجيش، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الإقليم ذي المساحة الشاسعة غرب السودان.

مائة قذيفة يومياً

بحسب محمد، أحد المتطوعين النازحين من مخيم «زمزم» إلى الفاشر، لم يتوقف القصف على الفاشر خلال الأيام الماضية.

وقال محمد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنه أصيب بطلق ناري أثناء الهجوم على «زمزم» الأسبوع الجاري. ولعدم وجود منشآت طبية، تلقى محمد ومئات المصابين علاجاً أولياً في أحد منازل المخيم، إلى أن نزح محمولاً إلى داخل مدينة الفاشر.

وأشار محمد إلى نفاد الأدوية من الفاشر التي لم يعد فيها «مسكنات آلام أو مواد حيوية... ونستخدم الكي بالنار لتضميد الجروح وتطهيرها».

ويتلقى وسط الفاشر «مائة قذيفة يومياً»، بحسب محمد الذي طلب عدم نشر اسم عائلته حفاظاً على أمنه، بلا ملاجئ للمدنيين.

وحذرت الأمم المتحدة من توابع وخيمة في حال اقتحام «الدعم السريع» للمدينة التي تعاني انعداماً حاداً للأمن الغذائي.

ويعيش في محيط الفاشر 825 ألف طفل في «جحيم على الأرض»، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

فارون من مخيم «زمزم» للاجئين يبحثون عن مأوى في العراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

مئات آلاف النازحين

أدت الحرب التي دخلت عامها الثالث الثلاثاء الماضي، إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح 13 مليون شخص، في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.

كما أدى النزاع إلى تقسيم البلاد إلى قسمين عملياً؛ إذ يسيطر الجيش على الوسط والشمال والشرق، في حين تسيطر «الدعم السريع» على كل دارفور تقريباً، بالإضافة إلى أجزاء من الجنوب مع حلفائها.

وبعد الهجوم الكبير الذي شنته الجمعة في دارفور، أعلنت «الدعم السريع» الأحد سيطرتها الكاملة على مخيم «زمزم» للاجئين الذي كان يضم نحو مليون لاجئ، حسب مصادر إغاثية.

وأدى الهجوم إلى نزوح 400 ألف على الأقل من سكان المخيم إلى المدن المجاورة. وقالت «غرفة الطوارئ»، وهي مجموعة متطوعة مدنية بمدينة طويلة القريبة من الفاشر، إن النازحين الجدد «يعانون نقصاً في الغذاء ومياه الشرب ومواد الإيواء»، مع عدم توافر أي مساعدات إنسانية في المنطقة.

وكان مخيم «زمزم» أول منطقة في السودان أُعلنت فيها المجاعة في أغسطس (آب) الماضي. وبحلول ديسمبر (كانون الأول) امتدت المجاعة إلى مخيمين آخرين في دارفور، وفق تقييم مدعوم من الأمم المتحدة.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الكثير من النازحين ربما ما زالوا عالقين في «زمزم».