السيسي وإردوغان يؤكدان تطابق مواقف مصر وتركيا تجاه القضايا الإقليمية

مباحثات في أجواء ودية ومذكرات تفاهم للتعاون في مختلف المجالات

TT

السيسي وإردوغان يؤكدان تطابق مواقف مصر وتركيا تجاه القضايا الإقليمية

جلسة ثنائية بين السيسي وإردوغان بقصر الرئاسة في أنقرة (الرئاسة التركية)
جلسة ثنائية بين السيسي وإردوغان بقصر الرئاسة في أنقرة (الرئاسة التركية)

أكدت مصر وتركيا تطابق موقفهما بشأن القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها وقف إطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، وحل القضية الفلسطينية بما يضمن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية، والتصدي للتعنت الإسرائيلي وعرقلة التوصل إلى هذا الحل.

وعكست المباحثات، التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة له لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014، تطابقاً في وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها الأوضاع في غزة والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، وملفات سوريا والسودان والقرن الأفريقي، مع تباين نسبي بالنسبة للوضع في ليبيا، لا سيما بشأن الوجود الأجنبي، ووجود ميليشيات ومرتزقة في البلد الجار لمصر.

ووقعت مصر وتركيا عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم للتعاون في مجالات الطاقة والصناعة والنقل والتجارة والاستثمار والتعاون المالي والدفاعي وغيرها، خلال الاجتماع الأول للمجلس الاستراتيجي رفيع المستوى للعلاقات بين البلدين، الذي عُقد برئاسة السيسي وإردوغان.

السيسي وإردوغان خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الرئاسة التركية)

وقال إردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع السيسي، عقب انتهاء المباحثات: «بحثنا خلال الاجتماع الأول للمجلس الاستراتيجي رفيع المستوى تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والصناعة»، مضيفاً أن زيارته للقاهرة في فبراير (شباط) الماضي كانت «نقطة تحول» في علاقات البلدين، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن «واصلنا حوارنا وتعاوننا على أعلى مستوى. وقد واصلنا خلال العام الماضي أيضاً تعزيز العلاقات الاقتصادية، ورجال أعمالنا ومستثمرونا يواصلون الإسهام في الاستثمارات في مصر، ونشجعهم على ذلك، وننتظر قدوم المستثمرين المصريين إلى تركيا»، مشيراً إلى أن هناك «إقبالاً كبيراً من الشعب المصري على الثقافة واللغة التركية، والعام المقبل سنحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس علاقاتنا الدبلوماسية، وسنواصل البناء على العلاقات التاريخية بين البلدين».

جلسة ثنائية بين السيسي وإردوغان بقصر الرئاسة في أنقرة (الرئاسة التركية)

وأكد إردوغان ثقته بأن التقدم الإيجابي في العلاقات «سيسهم في تعزيز السياحة أيضاً»، مضيفاً: «نريد زيادة تعاوننا في مجالات الغاز الطبيعي والطاقة النووية والطاقة المتجددة، وقد وقّعنا العديد من الاتفاقيات في مجالات التعاون المختلفة، التي ستزيد من تعزيز العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة، بعد أن اتفقنا خلال زيارتي للقاهرة على إعادة تشكيل المجلس الاستراتيجي»، مشيراً إلى أن مصر «بين أكبر 5 شركاء تجاريين لتركيا، ونمضي بخطوات جيدة في هذا الشأن، وسنزيد حجم التبادل بين البلدين».

بالنسبة للقضايا الإقليمية، قال إردوغان إن تعاون مصر وتركيا وإسهامهما في سلام واستقرار المنطقة «أمر ضروري للغاية، وقد تناولنا في اجتماعنا مشاكل المنطقة وسبل حلها، واتفقنا على استمرار التشاور بيننا، والوضع الداخلي في فلسطين كان محور اجتماعنا اليوم، وتركيا ومصر لهما موقف مشترك بشأن ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة فوراً، ووصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع»، مؤكداً أن هناك «تطابقاً في مواقفنا، ونحن على تشاور وثيق بشأن هذه القضايا، وستسهم زيارة أخي السيسي في تعزيز وتعميق هذا التشاور».

وأضاف أن ثلث المساعدات التي وصلت إلى غزة حتى اليوم كان 32 في المائة منها من تركيا، وعبّر عن شكره للسيسي على دور مصر في إيصال هذه المساعدات.

جانب من استقبال إردوغان للسيسي بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

كما انتقد إردوغان صمت بعض الدول تجاه سياسة العدوان الممنهج، التي تواصلها حكومة نتنياهو، وقال إنه يجب أن يتم الحؤول دون أن توسع إسرائيل نطاق الحرب إلى دول أخرى بالمنطقة.

من جانبه، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن السنوات الماضية شهدت ازدهاراً في التواصل بين الشعبين المصري والتركي، لا سيما من خلال الحركة السياحية المتنامية، والعلاقات التجارية والاستثمارية، التي تشهد نمواً مطرداً، فضلاً عن زيادة الاستثمارات التركية المشتركة في مصر، لا سيما في مجال التصنيع.

وأضاف السيسي موضحاً: «شهدنا اليوم توقيع عدد من مذكرات التفاهم خلال اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي، الذي يهدف إلى تحقيق نقلة في التعاون في مجالات الاستثمار والتجارة والنقل والزراعة والسياحة»، مشيراً إلى أن هذه المذكرات ستضع إطاراً مؤسسياً جديداً للعلاقات بين البلدين.

السيسي وإردوغان (الرئاسة التركية)

وتابع الرئيس السيسي قائلاً: «مباحثاتنا تناولت كذلك تأكيد أهمية تيسير اتفاقية التجارة البينية، وتوسيع اتفاقية التجارة الحرة، بهدف زيادة حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات المتبادلة، ومنح التسهيلات الممكنة لرجال الأعمال الأتراك في ظل مناخ الاستثمار المتيسر في مصر، الذي مكنهم من زيادة حجم أعمالهم وبيع منتجاتهم في مصر والتصدير للخارج».

وأضاف الرئيس المصري: «لعل زيارتي اليوم، ومن قبلها زيارة الرئيس إردوغان للقاهرة، تعكس الإرادة المشتركة لبدء مرحلة جديدة من الصداقة والتعاون بين مصر وتركيا، استناداً لدورهما المحوري في محيطيهما الإقليمي والدولي، وبما يلبي طموحات وتطلعات شعبينا الشقيقين».

ووفق إفادة للمتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أحمد فهمي، فإن زيارة الرئيس السيسي التاريخية لتركيا «تمثل محطة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين، وللبناء على زيارة الرئيس إردوغان التاريخية لمصر في فبراير الماضي، وتأسيساً لمرحلة جديدة من الصداقة، والتعاون المشترك بين البلدين، سواء ثنائياً أو على مستوى الإقليم، الذي يشهد تحديات جمة تتطلب التشاور والتنسيق بين البلدين».

وبخصوص الأزمات التي تعيشها المنطقة، قال الرئيس المصري إن «ما تعيشه منطقتنا والعالم اليوم من أزمات وتحديات بالغة، يوضح أهمية التنسيق والتعاون بين مصر وتركيا، وقد ناقشت مع الرئيس إردوغان سبل التنسيق والعمل معاً للمساهمة في التصدي للأزمات الإقليمية، وعلى رأسها معالجة المأساة الإنسانية التي يتعرض لها إخواننا الفلسطينيون في غزة، في كارثة غير مسبوقة قاربت على العام».

وأضاف السيسي قائلاً: «يهمني في هذا الصدد إبراز وحدة موقفي مصر وتركيا في المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار، ورفع التصعيد الإسرائيلي الحالي في الضفة الغربية، والدعوة للبدء في مسار يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة».

جانب من توقيع مذكرات التفاهم خلال اجتماع المجلس الاستراتيجي للتعاون بين مصر وتركيا (الرئاسة التركية)

كما لفت السيسي إلى أنه تم خلال اللقاء «تبادل وجهات النظر حول الأزمة الليبية؛ حيث اتفقنا على التشاور بين مؤسساتنا لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا، مع تأكيد أهمية طي صفحة تلك الأزمة الممتدة، من خلال عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن، وخروج القوات الأجنبية غير المشروعة والمرتزقة من البلاد، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة حتى يتسنى لليبيا الشقيقة إنهاء مظاهر الانقسام، وتحقيق الأمن والاستقرار».

كما تمت مناقشة الأوضاع في سوريا؛ حيث أكد الرئيسان تطلعهما إلى «التوصل إلى حل للأزمة السورية التي أثرت على الشعب السوري الشقيق بشكل غير مسبوق»، وأعرب السيسي عن ترحيبه بمساعي التقارب بين تركيا وسوريا.

إردوغان مستقبلاً السيسي عند باب القصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

وتابع السيسي: «استعرضنا أيضاً الأزمة في السودان، والجهود التي تبذلها مصر بالتعاون مع مختلف الأطراف لوقف إطلاق النار وتغليب الحل السياسي، كما بحثنا وباستفاضة الأوضاع في القرن الأفريقي، خصوصاً في الصومال؛ حيث اتفقنا على ضرورة الحفاظ على وحدته وسيادته وسلامة أراضيه ضد التحديات التي تواجهه».

وزار السيسي أنقرة، الأربعاء، بدعوة من إردوغان، في رد على زيارة الأخير للقاهرة في 14 فبراير الماضي، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014، إذ تعد أول زيارة لرئيس مصري إلى تركيا منذ عام 2012.

وفي تقليد نادر الحدوث، استُقبل السيسي في مطار إسنبوغا في أنقرة؛ حيث كان في مقدمة مستقبليه عند سلم الطائرة، الرئيس إردوغان ثم اصطحبه والوفد المرافق إلى قصر «بيشتبه» الرئاسي؛ حيث أقيمت مراسم استقبال رسمية للرئيس المصري.

وأعرب الرئيس المصري عن سعادته بزيارته الأولى لتركيا ولقاء الرئيس رجب طيب إردوغان.


مقالات ذات صلة

ما أبرز الأسلحة الجديدة التي كشف عنها الجيش المصري في «إيديكس 2025»؟

شمال افريقيا أحد معروضات وزارة الإنتاج الحربي المصرية في «إيديكس 2025» (وزارة الإنتاج الحربي)

ما أبرز الأسلحة الجديدة التي كشف عنها الجيش المصري في «إيديكس 2025»؟

افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، النسخة الرابعة من معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية «إيديكس 2025»، الذي يقام على مدى 4 أيام بالقاهرة الجديدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا السيسي مستقبلاً عباس في القاهرة 8 يناير 2024 (إ.ب.أ) play-circle

السيسي لأبو مازن: مأساة الفلسطينيين تفرض على المجتمع الدولي دعمهم بكل السبل

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن معاناة الشعب الفلسطيني لا تقتصر فقط على ما يحدث في غزة، رغم الفظائع التي شهدها العالم هناك، بل تمتد إلى الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ناخبات في طابور أمام مركز اقتراع بمحافظة القاهرة الثلاثاء (أ.ش.أ)

«الطعون» تلقي بظلالها على انتخابات «النواب» رغم «فيتو» السيسي

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن «بعض ملاحظاته على عملية التصويت في انتخابات مجلس النواب كانت بمثابة فيتو لعدم رضاه عنها».

علاء حموده (القاهرة )
المشرق العربي خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره اللبناني جوزيف عون في القاهرة مايو 2025 (أ.ف.ب)

السيسي يؤكد لعون دعم مصر الثابت لاحترام سيادة لبنان

جدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي مع نظيره اللبناني جوزيف عون التأكيد على موقف مصر الثابت الداعم لاحترام سيادة لبنان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقرينته فى استقبال الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ وقرينته يوم الخميس (الرئاسة المصرية)

قمة مصرية - كورية في القاهرة تعزز العلاقات الثنائية

التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، نظيره الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، الذي يقوم بزيارة هي الأولى لمصر.

أحمد جمال (القاهرة )

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».