تأجيل المشاورات السودانية - الأميركية بالقاهرة

عودة مبعوث واشنطن إلى سويسرا بعد عدم حضور وفد الحكومة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
TT

تأجيل المشاورات السودانية - الأميركية بالقاهرة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

تأجلت المشاورات السودانية - الأميركية التي كان مقرراً عقدها هذا الأسبوع في القاهرة. إذ لم يحضر وفد الحكومة السودانية إلى مصر، وعاد المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، إلى سويسرا، لاستكمال جهود الإغاثة للمتضررين داخل السودان، ما يعكس تعثر مفاوضات حل الأزمة السودانية.

وشهدت الساعات الأخيرة حالة من التضارب، بشأن موعد مشاورات القاهرة التي أعلنت الحكومة السودانية المشاركة فيها استجابة لاتصالات من الحكومة المصرية والجانب الأميركي. واستبعد دبلوماسيون وسياسيون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «حدوث انفراجة للازمة السودانية قريباً»، غير أنهم أشاروا إلى أن «مسار التفاوض مع الحكومة لم ينتهِ، ولكن تم تأجيله»، وتوقعوا «استكمال الجانب الأميركي التفاوض في سويسرا عبر جولات جديدة».

وكانت الحكومة السودانية رفضت المشاركة في المحادثات التي دعت لها الولايات المتحدة في سويسرا يوم 14 أغسطس (آب) الحالي، لطرفي الحرب في السودان (أي الجيش و«قوات الدعم السريع»)، بحضور ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والسعودية والإمارات، في حين شارك في الاجتماعات ممثلون عن «الدعم السريع».

غير أن مجلس السيادة السوداني أعلن تجاوبه مع اتصالات أجراها الوسطاء الدوليون، وقرر، الأحد، إرسال وفد حكومي إلى القاهرة، للقاء وفد من الإدارة الأميركية «لمناقشة رؤية الحكومة في إنفاذ اتفاق جدة»، وذلك بعد اتصالات المبعوث الأميركي إلى السودان والحكومة المصرية، حسب إفادة من مجلس السيادة السوداني.

وأرجعت مصادر سودانية مطلعة عدم حضور الوفد السوداني للقاهرة إلى «اعتراض الحكومة على طريقة دعوة المبعوث الأميركي لها»، وأشارت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مجلس السيادة السوداني وافق على اجتماع القاهرة، بشرط الإبلاغ بالموعد بوقت كافٍ، غير أن المبعوث الأميركي اتصل بالقيادة السودانية على طريقة الأمر بحضور الاجتماع فوراً، فكان الرد بالرفض».

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

يأتي ذلك في وقت أعلن فيه المبعوث الأميركي للسودان، الأربعاء، عودته إلى سويسرا مرة أخرى لاستكمال الجهود الإغاثية للمتضررين من الحرب في السودان. وقال عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»: «أعود الآن إلى سويسرا، حيث يعمل الشركاء على مدار الساعة لتوفير المزيد من الإغاثة عبر ممر أندريه، وغيره من الممرات الرئيسية في الجنوب والشمال»، مضيفاً أن «التجويع لا يمكن أن يكون سلاحاً في الحرب، ويتعين علينا أن نحافظ على هذا الزخم».

وأشار بيرييلو إلى مشاركته في اجتماع المباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مدينة العلمين (الثلاثاء)، وقال إنه شرح «التقدم المحرز في المحادثات السودانية العاجلة في سويسرا لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية للشعب السوداني».

وفي الوقت نفسه أشار نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتل، عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، إلى جهود تبذلها القاهرة وواشنطن للحل في السودان، وقال: «تعمل الولايات المتحدة ومصر على تكثيف الجهود الدبلوماسية لحمل القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) على الوفاء بالتزاماتها بموجب إعلان جدة، والالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان الوصول إلى الغذاء والدواء والخدمات الطارئة».

وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أكد خلال مباحثاته مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في القاهرة، (الثلاثاء)، «موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فوري وشامل لإطلاق النار، والعمل على احتواء التداعيات الإنسانية للصراع، وتسهيل العمل الإنساني، ووفاء الدول المانحة بتعهداتها السابقة على صعيد تقديم المساعدة للسودان ودول الجوار للتعامل مع التداعيات الإنسانية للأزمة».

وشدد سفير السودان السابق في الاتحاد الأوروبي، السفير علي يوسف، على أن «المشاورات مع الحكومة السودانية في القاهرة لم يتم إلغاؤها، ولكن تأجلت»، وأبدى عدم تفاؤله بتحقيق انفراجة قريبة في الأزمة السودانية.

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان، ليل الثلاثاء - الأربعاء، إن «الاستهتار» الذي يتعامل به «الطرف الآخر»، أي القوات المسلحة السودانية، مع دعوة الوساطة للمشاركة في التفاوض يعكس عدم الرغبة والجدية في إنهاء معاناة الشعب السوداني، والسعي إلى «إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها».

وأضافت أن وفدها المفاوض في جنيف ناقش مع فريق الوساطة سبل الوصول إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين.

وجدَّد الوفد التزامه الكامل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين عبر معبرَي أدريه والدبة.

وتستهدف المحادثات التوصل إلى آليات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية، وكيفية إلزام الأطراف المتحاربة بتنفيذ «إعلان جدة» كاملاً.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

وعدَّ يوسف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تركيز الحكومة السودانية في الفترة المقبلة سيكون على الخيار العسكري»، مشيراً إلى «استعدادات قوية من الجيش السوداني في الفترة الأخيرة، لاستهداف أماكن تمركز (الدعم السريع) في مناطق العمليات العسكرية داخل السودان».

وأكد الدبلوماسي السوداني أن «اجتماعات جنيف كانت محاولة من الجانب الأميركي للالتفاف على مخرجات (اتفاق جدة) الإنساني، وبفرض أسلوب أميركي معين في التعامل مع الأزمة الإنسانية داخل السودان، وهو ما رفضه الجيش السوداني»، وأوضح أن الحكومة السودانية ترفض «عدم اعتراف الجانب الأميركي بمجلس السيادة السوداني بصفته سلطة انتقالية».

وعقب اندلاع الحرب الداخلية في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، استضافت مدينة جدة، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش و«الدعم السريع»، انتهت إلى توقيع ما عرف بـ«إعلان جدة الإنساني»، ونص على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أن «هناك توافقاً على تنفيذ مخرجات اتفاق جدة الإنساني»، لكنه أشار إلى أن «المشاورات دائرة حول كيفية وآلية التنفيذ، ومدى قبول الطرف الآخر في الحرب (أي الدعم السريع) بالآليات المطروحة من الجيش السوداني».

مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في بداية يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

وحذر ميرغني من الضغوط السياسية التي تمارس على الحكومة السودانية لعدم التعاطي مع مسارات التفاوض المطروحة في جنيف، وقال: «هناك حملات إعلامية وسياسية من قوى سياسية تابعة للنظام السابق (نظام عمر البشير)، تستهدف وقف مشاركة الحكومة في المفاوضات»، وتوقع أن «تستمر مفاوضات جنيف لفترة تزيد على شهر، عبر جولات عديدة، أملاً في الوصول لاتفاق ينهي الحرب المستمرة بالسودان».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن عن هجوم استباقي ضد «الدعم السريع» في الخرطوم

المشرق العربي صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)

الجيش السوداني يعلن عن هجوم استباقي ضد «الدعم السريع» في الخرطوم

لليوم الثاني على التوالي، واصل كل من الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» تبادل القصف الكثيف كل في مناطق سيطرة الآخر، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين.

أحمد يونس (كمبالا)
العالم العربي رجل يطهر أحد الأروقة في منطقة ود الحليو بالسودان (أ.ف.ب)

وباء الكوليرا يزيد من معاناة السودانيين في بلد تمزقه الحرب

مخاوف من ارتفاع الوفيات نتيجة مرض الكوليرا في السودان الذي تمزقه الحرب.

«الشرق الأوسط» (كسلا )
شمال افريقيا «مفاوضات جنيف» لحل الأزمة في السودان (حساب المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو)

ترقب سوداني لمباحثات إنفاذ «اتفاق جدة» بالقاهرة

المبعوث الأميركي إلى السودان: «الوفود المشاركة في المفاوضات تريد استمرار الاجتماعات الجارية لتحقيق نتائج على الأرض».

أحمد إمبابي (القاهرة) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا من الأضرار التي أصابت مستشفى الضعين (الشرق الأوسط)

الطيران الحربي السوداني يشن غارات مكثفة على مدن في دارفور

قال مواطنون لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت الفضائي، إن المناطق التي استهدفها الطيران «لا توجد بها قوات تابعة لـ(قوات الدعم السريع)».

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا 
محمد حمدان دقلو «حميدتي» (رويترز)

حميدتي يلوّح بتصعيد جديد في السودان

توعد قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتصعيد جديد يمنع بموجبه «الجيش السوداني من التحكم بمصير السودان»، وبتبني خيارات جديدة - لم يحددها.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (نيروبي)

الجزائر: إبعاد وزير سابق من حملة تبون بسبب «خطأ جسيم»

حمزة آل سيد الشيخ (يسار) مع مدير حملة الرئيس المترشح (حملة المترشح)
حمزة آل سيد الشيخ (يسار) مع مدير حملة الرئيس المترشح (حملة المترشح)
TT

الجزائر: إبعاد وزير سابق من حملة تبون بسبب «خطأ جسيم»

حمزة آل سيد الشيخ (يسار) مع مدير حملة الرئيس المترشح (حملة المترشح)
حمزة آل سيد الشيخ (يسار) مع مدير حملة الرئيس المترشح (حملة المترشح)

عزلت «مديرية» حملة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، المترشح لولاية ثانية، من صفوفها عضو الحكومة السابق حمزة آل سيد الشيخ، بحجة «ارتكابه خطأً جسيماً؛ لاستخدامه التكليف (يخص تنشيط تجمعات الدعاية) خارج الإطار المحدد له».

وأبعد إبراهيم مراد، مديرُ حملة تبون، أمس الثلاثاء، عضوَ «الثلث الرئاسي» في «مجلس الأمة (الغرفة البرلمانية الثانية)» حالياً وكاتب الدولة للزراعة الصحراوية سابقاً، آل سيد الشيخ، من الفريق المعني بتنظيم التجمعات الدعائية لمصلحة الرئيس المترشح، من دون تقديم تفاصيل أخرى عن أسباب القرار الذي صدر في بيان.

عبد المجيد تبون المترشح لدورة رئاسية ثانية (حملة المترشح)

وجاء عزل آل الشيخ بعد 24 ساعة فقط من تعيينه من طرف مراد نفسه، بوصفه أحد أبرز منشطي حملة تبون. وأبدى ناشطون في إدارة حملة الرئيس المترشح تحفظاً عن الخوض في «الخطأ الجسيم»، الذي ارتكبه الوزير الأسبق، علماً بأنه كان من أبرز داعمي تبون خلال كامل ولايته الأولى (2019 - 2024)، ولهذا اختاره ليكون برلمانياً في «الثلث» الذي يمثله في «مجلس الأمة».

ويعدّ إبعاد حمزة آل سيد الشيخ من المحيط القريب للرئيس المترشح أول «حادثة» تشهدها الكتلة السياسية النشطة في حملة تبون، وذلك منذ بدايتها في 15 أغسطس (آب) الحالي، وهي تتكون من عشرات الأحزاب والجمعيات، التي انتشرت في الميدان بكثافة لحشد الأصوات لمصلحته، استعداداً ليوم الانتخاب المقرر في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل.

المرشح الرئاسي يوسف أوشيش خلال حملته الانتخابية في مدينة بجاية (أ.ف.ب)

والمعروف أن مدير الحملة هو في الوقت نفسه وزير الداخلية، وقد وضعه تبون بصفته رئيساً للجمهورية في «إجازة خاصة» خلال فترة الدعاية الانتخابية، التي تستغرق 21 يوماً، على أن يعود إلى مهامه الحكومية في 4 سبتمبر المقبل؛ أي قبل 3 فقط أيام من التصويت. وهذا التصرف من جانب تبون لم يسبقه إليه أي رئيس جزائري ترشح لدورة ثانية.

وفي سياق الحملة، أكد عبد القادر بن قرينة، رئيس «حركة البناء الوطني» وأحد أهم منشطي الدعاية لمصلحة تبون، أمس الثلاثاء، في تجمع بشرق العاصمة، أنه كان وراء عزل 7 وزراء على الأقل، على أساس تقارير رفعها للرئيس تتضمن «شكاوى منهم، يعدّ أصحابها كوادر بالوزارات المعنية ومواطنين عاديين».

وأوضح بن قرينة، وهو وزير سابق، أنه اعتاد «زيارة الرئيس مرة كل شهرين؛ لأنقل له، بناء على طلبه، النقائص والأشياء السلبية التي تجري في البلاد». وقال تحديداً، تحت هتافات ناشطين في حملة تبون: «أكد لي أنه يريد مني أن أحيطه علماً بكل ما هو غير إيجابي من أفواه الناس البسطاء عندما ألتقيهم. وقال لي: يا حاج عبد القادر، أكثر من يوجدون في محيطي المباشر ينقلون لي فقط الأخبار الإيجابية، وأنت تتردد على الأسواق والمقاهي والجنائز، أريد منك أن تبلغني برأي المواطن البسيط فيّ أنا، وفي الوزراء».

رئيس «حركة البناء» في الميدان لحشد الأصوات لمصلحة تبون (حملة الرئيس المترشح لولاية جديدة)

وأضاف بن قرينة، وهو يشرح المهمة التي كلفه إياها تبون: «رأيتموني من حين لآخر أهاجم وزيراً من الوزراء... لقد كنت سبباً في تنحية من 7 إلى 8 أعضاء في الطاقم الحكومي (خلال ولاية تبون الأولى)، والله لم أظلمهم؛ لأن مواطنين وكوادر في الوزارات المعنية اشتكوا لي ظلماً لحق بهم من هؤلاء الوزراء»، مشيراً إلى عزل وزيرين للزراعة ووزير لصناعة الدواء، ووزير للبريد، على أساس «ملفات» وضعها هو شخصياً بين يدي تبون.

وتابع بن قرينة: «قبل مدة قصيرة نقلت له مآخذ على بعض الوزراء الحاليين، لكن أكد لي أنه لا يريد إحداث تغيير إلا بعد الانتخابات الرئاسية، إذا جدد الشعب ثقته به، وطلب مني أن أتوقف عن نقل التقارير إليه إلى أن تنتهي الانتخابات». كما تحدث بن قرينة عن «وزير متورط في أخطاء جسيمة»، يحتمل إبعاده، من دون أن يذكر القطاع الذي يشرف عليه.

وتعدّ هذه الطريقة في التسيير شكلاً غير مألوف في المسؤوليات الكبرى بالبلاد، أو على الأقل لم يعلَن عنها أمام الصحافة. وتعكس، وفق مراقبين، انعدام الثقة من جانب الرئيس بمستشاريه وبمساعديه، وبأجهزة الرقابة الحكومية؛ المكلفة دستورياً ووفق قوانين البلاد، إعداد تقارير عن سوء التسيير والفساد.