ليبيا: لماذا تراجعت المطالب بكشف مصير النائب الدرسي المخطوف؟

غوتيريش دعا لإجراء تحقيقات «شفافة» في جميع حالات الاختفاء القسري بالبلاد

النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)
النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)
TT

ليبيا: لماذا تراجعت المطالب بكشف مصير النائب الدرسي المخطوف؟

النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)
النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)

بعد نحو ثلاثة أشهر على خطفه من منزله، يرصد حقوقيون وسياسيون ليبيون أسباب تراجع المطالب بكشف مصير النائب إبراهيم الدرسي، الذي اقتاده مجهولون من منزله في 17 من مايو (أيار) الماضي.

وأعاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحديث منتصف الأسبوع الجاري عن النائب الليبي في تقريره، المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، والذي تناول فيه مستجدات الأوضاع في ليبيا، قائلاً: «مصير الدرسي لا يزال مجهولاً»، داعياً السلطات الليبية إلى إجراء تحقيقات «شفافة وعادلة» في جميع حالات الاختفاء القسري بالبلاد.

غوتيريش دعا في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي السلطات الليبية للتحقيق في جميع حالات الاختفاء القسري بالبلاد (الشرق الأوسط)

ويرى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أنه «من غير المرجح استمرار الاهتمام بقضية الدرسي طويلاً»، وقال إن «الغالبية منشغلة الآن بمتابعة مستجدات الصراع بين البرلمان والحكومة القائمة بطرابلس؛ والمجلس الرئاسي على تغيير محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير». معتقداً أن زملاء النائب بالمجلس، وكذلك النخب والنشطاء السياسيين «ربما باتوا يتحفظون على طرح تساؤلاتهم عن قضية الدرسي، في ظل عدم إعلان السلطات والأجهزة الأمنية عن أي تطور جديد حول لغز جريمة اختفائه».

وأضاف التكبالي موضحاً أنه «من غير المعقول أن يختفي شخص بهذه المكانة دون معرفة مصيره، إن كان حياً، أو محتجزاً مثلاً، على ذمة قضايا، لذا كان يجب طمأنة أسرته وأقربائه؛ وفي حالة إن كان توفي فإنه يجب أن يعلن ذلك بوضوح».

كما لفت التكبالي لتأثير وضعية الانقسام والخلافات السياسية على تأويل الحادث، وطرح العديد من السيناريوهات المتعلقة باختفائه، مشيراً لما ردده البعض من أن ترؤس الدرسي للجنة الأوقاف بالبرلمان أوجد له «عداء مستتراً» مع بعض التيارات الدينية في الشرق الليبي، رغم عدم وجود أدلة تثبت ذلك.

النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

ورغم إقراره بأن البرلمان والقيادة العامة للجيش الليبي أصدرا تعليمات لكافة الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية ببذل قصارى الجهد للكشف عن مصير الدرسي، فإن التكبالي يرى أن هذه المطالب لا بد أن تتجدد من حين لآخر حتى لا تنسى القضية.

وكان مقربون من الدرسي قد أعلنوا عن خطفه من منزله ببنغازي، بعد حضوره الاحتفال بذكرى «عملية الكرامة» التي نظمها «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، مشيرين إلى أن الأجهزة الأمنية عثرت على سيارته في منطقة سيدي فرج شرق المدينة.

وكانت قبيلة الدرسة، التي ينتمي إليها النائب، قد طالبت بعد وقوع الحادث حفتر بـ«التدخل بشكل شخصي للإشراف على مجريات التحقيق، وإرجاع الدرسي إلى أسرته».

بدوره، استبعد الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، «تحريك التقرير المقدم إلى مجلس الأمن لقضية الدرسي بدرجة كبيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مضت ثلاثة أشهر على وقوع الحادث، فتراجعت مطالب قبيلة النائب من الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية بالكشف عن مصيره»، مرجعاً ذلك إلى أن كثيرين يربطون الأمر بتراجع دور البرلمان.

ويرى القماطي أن «التعويل الحقيقي على تحريك القضية كان معتمداً بنسبة كبيرة على الدور القبلي، وليس على التنديد الأممي، الذي يتحول مع مرور الوقت لنداءات وخطابات مكررة بشأن المخاوف من جريمة الإخفاء القسري بالبلاد».

وبالتزامن مع صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، تداولت منصات التواصل الاجتماعي الليبية مقطع فيديو لنجل الدرسي، لا يتجاوز عمره عامين، وهو يشير لصورة والده ويقبلها.

سهام سرقيوة البرلمانية الليبية المختطفة والمختفية (يمين) رفقة المستشارة الأممية السابقة ستيفاني وليامز (الأمم المتحدة)

وذكّر القماطي بحديث بعض المسؤولين الأمميين والدبلوماسيين الغربيين من حين لآخر عن النائبة سهام سرقيوة، التي خطفت هي الأخرى من منزلها قبل قرابة 5 أعوام، ولا يزال مصيرها مجهولاً، ورأى أن تلك الإشارات لم تقد لأي جديد في قضيتها.

يشار إلى أن أطرافاً عدة من قبيلة الدرسي عقدت اجتماعات ولقاءات شعبية في مناطق مختلفة، تصاعدت خلالها نبرة التصعيد، التي لم تخل من توجيه اللوم لمجلس النواب، والتلميح بـ«تورط» بعض الأجهزة بشرق البلاد في الوقوف وراء اختفاء النائب، بالإضافة للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في الواقعة.


مقالات ذات صلة

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

شمال افريقيا الصديق الكبير يترأس اجتماعاً في طرابلس (المصرف المركزي الليبي)

ليبيا: تحشيد عسكري بطرابلس تزامناً مع إغلاق «المركزي»

تصاعد التوتر الأمني والعسكري في العاصمة طرابلس، بعدما تم إخلاء مقرّ المصرف المركزي، الذي تحدى محافظه الصديق الكبير محاولات المجلس الرئاسي عزلَه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام يترأس اجتماعاً سابقاً لمجلس إدارة مركز البحوث الجنائية والتدريب (مكتب النائب العام)

تباين في ليبيا حول تنفيذ عقوبة الإعدام

جددت أحكام بالإعدام أصدرتها محكمة بمصراتة الليبية بحق أربعة من المتهمين أدينوا بتفجير مجمع محاكم ونيابات بالمدينة، التساؤلات حول مدى إمكانية تفعيل تلك الأحكام.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا منظر جوي لمدينة درنة الليبية بعد الفيضانات التي شهدتها المدينة في 14 سبتمبر 2023 (رويترز)

الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التدهور السريع للوضع في ليبيا

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها، الثلاثاء، إزاء التدهور السريع للوضع الاقتصادي والأمني في ليبيا، مندّدة بالتصرّفات «الأحادية» لبعض الجهات الليبية الفاعلة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا دورية تابعة لرئاسة أركان القوات البرية في الجنوب الغربي (رئاسة الأركان)

«الوطني الليبي» يبسط قبضته على «منجم ذهب» قرب حدود تشاد

أفاد تقرير سابق صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأن ليبيا هي إحدى مناطق استخراج الذهب الحر الرئيسية وقد اجتذبت آلاف التشاديين.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة بثتها وسائل إعلام ليبية محلية لوصول لجنة «الرئاسي» إلى مقر المصرف المركزي

«الرئاسي» الليبي يدفع بمحافظ جديد لـ«المركزي»... والكبير يرفض التسليم  

أعلن «الرئاسي» الليبي أن مجلس الإدارة الجديد للمصرف المركزي بطرابلس سيباشر مهامه بداية من الأربعاء، فيما تمسك الصديق الكبير، المحافظ الحالي بمنصبه.

خالد محمود (القاهرة)

تأجيل المشاورات السودانية - الأميركية بالقاهرة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
TT

تأجيل المشاورات السودانية - الأميركية بالقاهرة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

تأجلت المشاورات السودانية - الأميركية التي كان مقرراً عقدها هذا الأسبوع في القاهرة. إذ لم يحضر وفد الحكومة السودانية إلى مصر، وعاد المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، إلى سويسرا، لاستكمال جهود الإغاثة للمتضررين داخل السودان، ما يعكس تعثر مفاوضات حل الأزمة السودانية.

وشهدت الساعات الأخيرة حالة من التضارب، بشأن موعد مشاورات القاهرة التي أعلنت الحكومة السودانية المشاركة فيها استجابة لاتصالات من الحكومة المصرية والجانب الأميركي. واستبعد دبلوماسيون وسياسيون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «حدوث انفراجة للازمة السودانية قريباً»، غير أنهم أشاروا إلى أن «مسار التفاوض مع الحكومة لم ينتهِ، ولكن تم تأجيله»، وتوقعوا «استكمال الجانب الأميركي التفاوض في سويسرا عبر جولات جديدة».

وكانت الحكومة السودانية رفضت المشاركة في المحادثات التي دعت لها الولايات المتحدة في سويسرا يوم 14 أغسطس (آب) الحالي، لطرفي الحرب في السودان (أي الجيش و«قوات الدعم السريع»)، بحضور ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والسعودية والإمارات، في حين شارك في الاجتماعات ممثلون عن «الدعم السريع».

غير أن مجلس السيادة السوداني أعلن تجاوبه مع اتصالات أجراها الوسطاء الدوليون، وقرر، الأحد، إرسال وفد حكومي إلى القاهرة، للقاء وفد من الإدارة الأميركية «لمناقشة رؤية الحكومة في إنفاذ اتفاق جدة»، وذلك بعد اتصالات المبعوث الأميركي إلى السودان والحكومة المصرية، حسب إفادة من مجلس السيادة السوداني.

وأرجعت مصادر سودانية مطلعة عدم حضور الوفد السوداني للقاهرة إلى «اعتراض الحكومة على طريقة دعوة المبعوث الأميركي لها»، وأشارت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مجلس السيادة السوداني وافق على اجتماع القاهرة، بشرط الإبلاغ بالموعد بوقت كافٍ، غير أن المبعوث الأميركي اتصل بالقيادة السودانية على طريقة الأمر بحضور الاجتماع فوراً، فكان الرد بالرفض».

المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

يأتي ذلك في وقت أعلن فيه المبعوث الأميركي للسودان، الأربعاء، عودته إلى سويسرا مرة أخرى لاستكمال الجهود الإغاثية للمتضررين من الحرب في السودان. وقال عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»: «أعود الآن إلى سويسرا، حيث يعمل الشركاء على مدار الساعة لتوفير المزيد من الإغاثة عبر ممر أندريه، وغيره من الممرات الرئيسية في الجنوب والشمال»، مضيفاً أن «التجويع لا يمكن أن يكون سلاحاً في الحرب، ويتعين علينا أن نحافظ على هذا الزخم».

وأشار بيرييلو إلى مشاركته في اجتماع المباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مدينة العلمين (الثلاثاء)، وقال إنه شرح «التقدم المحرز في المحادثات السودانية العاجلة في سويسرا لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية للشعب السوداني».

وفي الوقت نفسه أشار نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتل، عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، إلى جهود تبذلها القاهرة وواشنطن للحل في السودان، وقال: «تعمل الولايات المتحدة ومصر على تكثيف الجهود الدبلوماسية لحمل القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) على الوفاء بالتزاماتها بموجب إعلان جدة، والالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان الوصول إلى الغذاء والدواء والخدمات الطارئة».

وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أكد خلال مباحثاته مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في القاهرة، (الثلاثاء)، «موقف مصر المطالب بالتوصل لوقف فوري وشامل لإطلاق النار، والعمل على احتواء التداعيات الإنسانية للصراع، وتسهيل العمل الإنساني، ووفاء الدول المانحة بتعهداتها السابقة على صعيد تقديم المساعدة للسودان ودول الجوار للتعامل مع التداعيات الإنسانية للأزمة».

وشدد سفير السودان السابق في الاتحاد الأوروبي، السفير علي يوسف، على أن «المشاورات مع الحكومة السودانية في القاهرة لم يتم إلغاؤها، ولكن تأجلت»، وأبدى عدم تفاؤله بتحقيق انفراجة قريبة في الأزمة السودانية.

بدورها، قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان، ليل الثلاثاء - الأربعاء، إن «الاستهتار» الذي يتعامل به «الطرف الآخر»، أي القوات المسلحة السودانية، مع دعوة الوساطة للمشاركة في التفاوض يعكس عدم الرغبة والجدية في إنهاء معاناة الشعب السوداني، والسعي إلى «إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها».

وأضافت أن وفدها المفاوض في جنيف ناقش مع فريق الوساطة سبل الوصول إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز حماية المدنيين.

وجدَّد الوفد التزامه الكامل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين عبر معبرَي أدريه والدبة.

وتستهدف المحادثات التوصل إلى آليات وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية، وكيفية إلزام الأطراف المتحاربة بتنفيذ «إعلان جدة» كاملاً.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن (الخارجية المصرية)

وعدَّ يوسف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تركيز الحكومة السودانية في الفترة المقبلة سيكون على الخيار العسكري»، مشيراً إلى «استعدادات قوية من الجيش السوداني في الفترة الأخيرة، لاستهداف أماكن تمركز (الدعم السريع) في مناطق العمليات العسكرية داخل السودان».

وأكد الدبلوماسي السوداني أن «اجتماعات جنيف كانت محاولة من الجانب الأميركي للالتفاف على مخرجات (اتفاق جدة) الإنساني، وبفرض أسلوب أميركي معين في التعامل مع الأزمة الإنسانية داخل السودان، وهو ما رفضه الجيش السوداني»، وأوضح أن الحكومة السودانية ترفض «عدم اعتراف الجانب الأميركي بمجلس السيادة السوداني بصفته سلطة انتقالية».

وعقب اندلاع الحرب الداخلية في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، استضافت مدينة جدة، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش و«الدعم السريع»، انتهت إلى توقيع ما عرف بـ«إعلان جدة الإنساني»، ونص على حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أن «هناك توافقاً على تنفيذ مخرجات اتفاق جدة الإنساني»، لكنه أشار إلى أن «المشاورات دائرة حول كيفية وآلية التنفيذ، ومدى قبول الطرف الآخر في الحرب (أي الدعم السريع) بالآليات المطروحة من الجيش السوداني».

مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في بداية يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

وحذر ميرغني من الضغوط السياسية التي تمارس على الحكومة السودانية لعدم التعاطي مع مسارات التفاوض المطروحة في جنيف، وقال: «هناك حملات إعلامية وسياسية من قوى سياسية تابعة للنظام السابق (نظام عمر البشير)، تستهدف وقف مشاركة الحكومة في المفاوضات»، وتوقع أن «تستمر مفاوضات جنيف لفترة تزيد على شهر، عبر جولات عديدة، أملاً في الوصول لاتفاق ينهي الحرب المستمرة بالسودان».