​ليبيا: هل تُغير «حرب النفوذ» الخريطة العسكرية والسياسية؟

حفتر «يتوسّع» جنوباً... والدبيبة يتوعد

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
TT

​ليبيا: هل تُغير «حرب النفوذ» الخريطة العسكرية والسياسية؟

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

اعتاد الليبيون على مشاهد التحشيد العسكري وتحريك الأرتال من منطقة إلى أخرى طوال العقد الماضي، لكن هذه المرة وهم يراقبون تحريك عناصر تابعة لـ«الجيش الوطني» إلى جنوب غربي البلاد، اختلف الأمر، متذكرين زحفه السابق على العاصمة.

قوات بـ«الجيش الوطني» تتحرك باتجاه الجنوب الغربي (من فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)

كانت «القيادة العامة» للجيش بشرق ليبيا الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أعلنت على لسان المتحدث باسم رئاسة أركانها البرية، تنفيذ «مهمة عسكرية محددة» ضمن «خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي»، غير أن الخبر أثار مخاوف عدة لدى الغرماء غرباً.

و«المهمة» التي أطلقتها «القيادة العامة»، واكبتها تفسيرات وشكوك عدة من جانب سلطات طرابلس، لجهة «ما قد تخفيه هذه التحركات من أهداف استراتيجية»، فضلاً عن أنها تأتي في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة.

ومنذ توقف الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على طرابلس 2019، والأوضاع العسكرية تراوح مكانها في ليبيا، إلا أن البلاد شهدت عقب ذلك مزيداً من الانقسام السياسي بين حكومتين متصارعتين على السلطة الأولى بطرابلس، والثانية في بنغازي.

وعملية تحريك القوات عدّها المناوئون بغرب ليبيا «نكوصاً» عن اتفاقية «وقف إطلاق النار» الموقعة في جنيف 2020، وتعهدوا بمقاومتها. لكن ذلك استدعى على الفور تساؤلات حول القوة العسكرية للطرفين على الأرض.

وسعت قيادة «الجيش الوطني» سريعاً إلى طمأنة «الرافضين»، وقللت من مخاوفهم، وقالت إن هذا التحريك يأتي «تنفيذاً لتعليمات المشير خليفة حفتر، في إطار تعزيز الأمن على الحدود، والتصدي لأي تهديدات قد تستهدف سلامة الوطن واستقراره».

وتحركت القوات باتجاه مدينة سبها، التي توصف بأنها «عروس الجنوب الليبي»، مروراً بغات، وأباري ومرزق والقطرون، وبراك والشاطئ وصولاً إلى أدري، تلك القرية الصغيرة التي تعد النهاية الغربية لوادي الشاطئ، ويقطنها قرابة 4 آلاف مواطن.

الموالون لـ«الجيش الوطني»، والمناوئون له، قدموا في حديثهم إلى «الشرق الأوسط»، قراءات متباينة من منطلقات بعضها مناطقية، لكنها عكست فصلاً جديداً من فصول الحرب على «تمديد النفوذ على الأرض».

حفتر مستقبلاً في لقاء سابق ببنغازي نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (القيادة العامة)

انصبّ الاهتمام في ليبيا إلى حد كبير بعد رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، على جبهتي (شرق ليبيا وغربها)، وبالتبعية سقط الجنوب من حسابات الساسة الذين تصارعوا على الحكم مذاك، وبقي سكان تلك المدن البعيدة يشتكون «الإقصاء» حتى الآن.

وظلّت حدود ليبيا الجنوبية منذ توقف «حرب 2019» مقسّمة (شبه عرفي): (الجنوب الغربي) منها لسلطات طرابلس، و(الشرقي) لسلطات بنغازي، لكن الأخيرة سعت للحضور حكومياً في بعض مناطق الجنوب، فضلاً عن حضور عسكري أيضاً على الأرض من قبل.

وعلى رغم رسائل الطمأنة التي حملتها تصريحات المتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، فإن هناك من عدّ، أن هذه التحركات جاءت بـ«إيعاز من الجانب الروسي» الذي «يتمدد في بعض مناطق ليبيا».

وانطلق المحلل العسكري الليبي عادل عبد الكافي، من نقطة أن حفتر، بهذا الإجراء «يدعم حلفاءه الروس، بـالتوسع من مناطق نفوذه كي يؤمّن الحدود الرابطة بين ليبيا والنيجر، بداية من ممر السلفادور وصولاً إلى حقل العطشان».

ويعتقد عبد الكافي في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن هناك في هذه المنطقة القصيّة «قرابة 18 ممراً تستطيع عناصر (الفيلق الأفريقي) التابع لروسيا استخدامها لتأمين عمليات الإمدادات العسكرية، ما يسهل لها الدفع بعناصر من الأراضي الليبي إلى النيجر ومالي».

هذا الاستنتاج الذي قدمه المحلل العسكري، نفاه المسماري في تصريحات صحافية، وأكد أن الهدف هو «تأمين كامل الأراضي الليبية، مع ما تشهده بعض الدول في الجنوب وفي الصحراء الغربية أو الأفريقية، من توترات وقلاقل».

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

ويرى متابعون ليبيون، أن ما يحدث في ليبيا من توترات، خاصة على الحدود، لا ينفصل عن الصراع الدولي في الساحل الأفريقي، عادّين أن «كل طرف يسعى لتعزيز قواته عبر حلفائه العسكريين في المنطقة، بقصد إحكام السيطرة على أكبر قدر من المناطق الحيوية، ومن ثم فتح نافذة حدودية جديدة على القارة».

وفتح الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا باباً واسعاً لتغوّل قوى دولية في الشؤون الداخلية للبلاد. وبحسب ما يعتقد سياسيون وأكاديميون، فإن روسيا تأتي في مقدمة هذه الأطراف، ويرون أنها «طوّرت من وجود قوات تابعة لها في ليبيا بتمدد نفوذها»، فيما يعرف بـ«الفيلق الأفريقي».

والحديث عن وجود قوات روسية في ليبيا ليس جديداً، لكن اتجاه موسكو لتعزيز هذا الوجود منذ أشهر قليلة، بحسب تقارير، بعد نقل قوات وعتاد إلى مناطق في شرق البلاد، زاد منسوب المخاوف والتحذيرات، ليس فقط لدى قوى محلية بل دولية أيضاً، ومن بينها أميركا وأوروبا.

جانب من المشروع التعبوي الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

رغم نفي قيادات «الجيش الوطني»، فإن التوتر وتسارع التحشيد العسكري، تواصلا على أطراف غرب ليبيا، ودخلت قوى دولية على خط الأزمة. إذ حضّت البعثة الأممية، الأطراف كافة على «تجنب أي أعمال استفزازية»، ودعتهم إلى الدخول في حوار لمنع مزيد من الانقسام، والحفاظ على الاستقرار وعلى «اتفاق وقف إطلاق النار» الموقع في عام 2020.

كما استشعرت بعثة الاتحاد الأوروبي هي الأخرى «القلق العميق» إزاء التحشيدات والتحركات العسكرية في المنطقة الجنوبية الغربية... وموقف البعثتين، وبعض الدول الرافضة لخطوة الجيش، استقبله المسماري، باستهجان كبير، لكن ذلك لم يمنع مصادر ليبية كثيرة من الربط بين هذا التحرك، واجتماعات سابقة لحفتر بقيادات عسكرية واستخباراتية عربية وأجنبية، معتقدين أن ليبيا ربما تكون «على أبواب تغيرات سياسية وعسكرية في الأيام الآتية».

والحديث عن المخاطر التي تتهدد «اتفاقية وقف النار» لم تتوقف عند تحذيرات البعثة الأممية، إذ يعتقد المحلل العسكري الليبي عبد الكافي، الذي يقيم في طرابلس، أن هناك «خرقاً للاتفاقية» التي تأسست على «عدم قيام أي تحركات عسكرية ضخمة، أو استفزازية لأي من الطرفين».

وهنا، جدد المسماري التزام القيادة العامة «باتفاق وقف إطلاق النار، وبتعهداتها أمام الدول الصديقة والشقيقة، والمنظمات الدولية».

غير أن نبرة التخوف التي خلفها تحريك قوات «الجيش الوطني» جاءت متصاعدة، فـ«المجلس الأعلى للدولة»، وصف الخطوة بأنها «مشبوهة»، وتمثل «عودة إلى الصراع المسلح»، وطالب بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي «بموقف واضح» و«إدانتها بشكل واضح وصريح».

إلا أن وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي، قلل من خطورة الأمر، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تلك التحركات «تستهدف حماية الحدود من عمليات التهريب، وتدفق المهاجرين غير النظاميين»، ورأى أن الأمر «بات يستدعي تدخل الجيش».

خلال احتفال بتخريج دفعة بأكاديمية الدراسات البحرية بغرب ليبيا (مكتب الدبيبة)

وأمام ما تشهده ليبيا من متغيرات متسارعة في ظل «جمود سياسي»، بالنظر إلى ما تراه سلطات طرابلس من توسّع حفتر باتجاه الجنوب الغربي، واستقبال القاهرة أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، باتت هناك أحاديث داخلية تتوقع «متغيرات قريبة».

ويعتقد مسؤول ليبي سابق تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أن التقارب المصري - التركي واستقبال القاهرة حمّاد، وزيارة بالقاسم نجل حفتر إلى أنقرة مؤخراً: «ربما يكون وراء ذلك كله، شيء سيكشف عنه لاحقاً».

وزاد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، من توقعه بأن هذه التغيرات السريعة في المواقف «توحي بأن هناك اتفاقاً ما لتغيير كامل الخريطة العسكرية والسياسية الليبية؛ بحيث يسيطر الجيش الوطني على باقي أطراف ليبيا»، متوقعاً أن «أمراً ما سيحدث في ليبيا خلال الأيام القليلة المقبلة؛ وأن هذا سيغير مختلف قواعد اللعبة العسكرية والسياسية».

ولم يوضح المسؤول، ما إذا كان هناك اتفاق بين الأطراف الدولية المتداخلة في الملف الليبي بشأن قرب تشكيل «حكومة جديدة موحدة» أم لا. لكن هناك رهانات من مناوئي رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، على التقارب بين صالح، وخالد المشري الذي يتقرب من رئاسة «المجلس الأعلى للدولة»، لإنجاز ذلك عما قريب.

ومع أول ظهور للدبيبة، الذي انشغل بوفاة نجله عبد الرحمن، خلال الأسبوع الماضي، توعّد بـ«الوقوف أمام من يحاول تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام»، دون أن يأتي على ذكر حفتر.

واستغل الدبيبة كلمته خلال تخريج طلبة الكليات والأكاديميات العسكرية، ووجه حديثه للخريجين ودعاهم «للسير على نهج المؤسسين للجيش من أجل رد الأطماع الخارجية وتفتيت الطموحات الشخصية التي تسعى لعودة الاستبداد».

جانب من تدريب سابق بمركز تدريب الزاوية ومقر الكتيبة 103 مشاة (رئاسة أركان الوحدة)

التهديدات والتحشيدات - التي ربما تكون قلّت حدتها خلال الساعات الماضية لانشغالات داخلية - دفعت كثيرين للتساؤل عن حقيقة القوة الصلبة «لطرفي الصراع» على الأرض، وما يحوزان من قدرات عسكرية لاستخدامها إذا احتدمت المعركة التي يسعّر البعض نارها.

متابعون كثيرون للشأن العسكري يرون أن الأطراف الليبية اعتمدت بشكل كبير ومباشر منذ رحيل نظام القذافي، على دعم الأطراف الخارجية، ويشيرون إلى أن «حسم أي معركة يتوقف على سخاء الداعمين الخارجيين، وما يقدمونه من أسلحة متطورة من بينها المسيرات».

جانب من القوات البرية التابعة لـ«الجيش الوطني» المكلفة بالتحرك جنوب غربي ليبيا (رئاسة أركان القوات البرية)

وقدرات «الجيش الوطني» كثيرة، لكن المحلل العسكري عبد الكافي، تحدث عن أشهرها وتتمثل في «اللواء طارق بن زياد المعزز» الذي يشرف عليه صدام حفتر، و«اللواء 128 المعزز» و«كتيبة سبل السلام»، إلى جانب عشرات الكتائب والألوية الموجودة ما بين شرق ليبيا وجنوبها.

كما تستند قوات غرب ليبيا، وفق عبد الكافي، على كتائب عدة من بينها «كتيبة مدينة مصراتة» و«اللواء 444 قتال»، و«اللواء 555» و«اللواء 111»، بالإضافة إلى «القوة العسكرية بالزاوية»، كما تعتمد بشكل مباشر على التشكيلات المسلحة.

أسئلة إضافية تم استحضارها على خلفية تقارب تركي مع سلطات غرب ليبيا راهناً، وما إذا كان ذلك سيسهم في رفع أنقرة الغطاء عن شركائها بالعاصمة، هنا يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، بأن تركيا «تسعى منذ أكثر من عام إلى أن توازن في علاقتها بين شرق ليبيا وغربها؛ لذا ستعمل على منع أي تصعيد، لأن عكس ذلك ستكون له أثمان باهظة».


مقالات ذات صلة

استنفار في ليبيا لاحتواء آثار سيول الكفرة

شمال افريقيا جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)

استنفار في ليبيا لاحتواء آثار سيول الكفرة

ضربت أمطار غزيرة تحولت إلى سيول جارفة الكفرة في شرق ليبيا، واجتاحت مستشفى «الشهيد عطية الكاسح» بالمدينة، كما تضررت بعض المنازل، وانقطعت الكهرباء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صالح مستقبلاً في لقاء سابق أسامة حماد (مكتب صالح)

ليبيا: صالح ينتقد «التصرفات غير المسؤولة» لحكومة «الوحدة» ضد مصر

استنكر عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، ما وصفه بـ«التصرفات غير المسؤولة» من حكومة الدبيبة إزاء مصر.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» (الوحدة)

الدبيبة: وحدة ليبيا خط أحمر

أكد أن حكومته «ماضية في بناء جيش قوي يقوم على عقيدة أساسها الولاء لله ثم الوطن»...

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الطاهر الباعور المكلّف بتسيير وزارة الخارجية بحكومة الدبيبة (الحكومة)

حكومة الدبيبة «ترفض» استقبال مصر رئيس حكومة شرق ليبيا

أعربت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عن رفضها واستيائها لاستقبال الحكومة المصرية بشكل رسمي «أجساماً موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا حفتر خلال إحياء ذكرى توحيد الجيش الليبي (الجيش الوطني)

حفتر يطمئن الليبيين في ذكرى تأسيس الجيش ويعدهم بـ«الأفضل»

وجه المشير خليفة حفتر كلمة لليبيين بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ84 لتأسيس «الجيش»، وقال لهم: «أبشروا، فإن جيشكم لن يخذلكم أبداً وستكون له الكلمة الفصل...».

خالد محمود (القاهرة)

استنفار في ليبيا لاحتواء آثار سيول الكفرة

جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)
جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)
TT

استنفار في ليبيا لاحتواء آثار سيول الكفرة

جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)
جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)

ضربت أمطار غزيرة تحولت إلى سيول جارفة مدينة الكفرة بشرق ليبيا، ما دفع الحكومتين المتصارعتين على السلطة في ليبيا إلى التحرك لاحتواء الآثار الناتجة عن ذلك، في حين سارعت الأجهزة المحلية لمساعدة المواطنين وإجلاء بعض الأسر.

واجتاحت المياه مستشفى «الشهيد عطية الكاسح» بالمدينة، كما تضررت بعض المنازل، وانقطعت الكهرباء عن جميع المناطق المتضررة، وسط مخاوف من ظهور العقارب.

جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)

وقال جهاز الإسعاف والطوارئ التابع لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إن عدد الحالات التي أجليت من مستشفى «عطية الكاسح» بعد خروجه عن الخدمة، بلغ 35 حالة، وتم نقلهم إلى مستشفى «الهوارى القروي» وبعض المراكز الصحية داخل المدينة، كما تم إجلاء 19 مواطناً من مساكنهم المتضررة.

وقال رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب الليبي مقراً لها، إنه وجّه جميع الوزارات والهيئات المختصة برفع درجة الاستعداد القصوى وتسخير الإمكانات والتجهيزات اللازمة للانتقال لبلدية الكفرة من أجل مساعدة المواطنين.

كما أكد أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، والتي تدير المنطقة الشرقية، أنه أصدر تعليماته بضرورة تسخير كافة الإمكانات لتجاوز الأزمة الراهنة بالمدينة، والتأكيد على سلامة المواطنين، داعياً سكان المدينة للابتعاد قدر الإمكان عن أماكن جريان الأودية تحسباً لاحتمالية زيادة كمية الأمطار.

جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)

وتداول مستخدمو منصات التواصل صوراً ومقاطع تظهر غزارة الأمطار التي تساقطت منذ الأحد، واجتاحت عدداً من المنازل ومستشفى «الكاسح»، مسببة أضراراً بالغة.

وأوضح رئيس بلدية الكفرة عبد الرحمن عقوب، أن الجهود متواصلة لاحتواء الموقف بالرغم من غزارة الأمطار «التي لم تشهدها المدينة منذ سنوات عديدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا توجد أي خسائر بشرية، لكن 40 منزلاً «تضررت بشكل كبير؛ ما دفع سكانها لإخلائها»، لافتاً إلى انقطاع الكهرباء بشكل تام جراء تضرر محوّلات وأعمدة وأسلاك الشبكة الكهربائية بالمدينة.

واشار إلى أن كل المرافق بالكفرة ومنها شبكة الكهرباء «لم تكن مهيأة على الإطلاق لتقلبات الطقس وهبوب الرياح وسقوط الأمطار»، مشيراً إلى أن الفرق المحلية تحاول حصر الأضرار لإصلاحها.

واعتبر أن النازحين من دولة السودان الموجودين بالبلدية هم «الطرف الأكثر تضرراً؛ إذ عانوا من أوضاع مأساوية خلال اليومين الماضيين»، لافتاً إلى أنهم «كانوا يفترشون الأرض بالمزارع والمخازن بالمدينة وضواحيها، ومع هطول الأمطار بغزارة لم يعد هناك مكان ملائم يؤويهم، فضلاً عن تضرر أمتعتهم وفراشهم».

وحول وصول المساعدات للبلدية من الحكومتين، قال عقوب: «حتى الآن لم يصل إلينا أي شيء من الحكومة في طرابلس»، لافتاً إلى أن الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، أرسلت إليهم «طائرة محملة بالمساعدات تتضمن مضخات رفع المياه وأسلاكاً مطلوبة لإصلاح شبكة الكهرباء وأدوية وأغذية».

جانب من مياه الأمطار التي غمرت الكفرة في جنوب شرقي ليبيا (قناة «الحدث» المحلية)

وبعد شهور قليلة من اندلاع الصراع بالسودان في أبريل (نيسان) العام الماضي، باتت الكفرة مقصداً لأعداد ضخمة من النازحين الذين هربوا من ويلات هذا الصراع، مما دفع المسؤولين المحليين بالبلدية لإطلاق صيحات التحذير والاستغاثة لضعف قدراتهم على استيعاب المتطلبات المعيشية والصحية لهؤلاء.

ونفى رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بالحكومة المكلّفة من البرلمان، الدكتور إسماعيل العيضة، وجود أي إصابات لحقت بالأهالي جراء تدفق مياه الأمطار لمنازلهم. وقال في تصريح صحافي إن «التخوف الرئيسي من استمرار تعطل الكهرباء».

ولم تتوقف دعوات العديد من الليبيين على صفحات التواصل الاجتماعي لسكان المناطق المتضررة، متذكرين السيول التي اجتاحت مدينة درنة في سبتمبر (أيلول) الماضي.