​ليبيا: هل تُغير «حرب النفوذ» الخريطة العسكرية والسياسية؟

حفتر «يتوسّع» جنوباً... والدبيبة يتوعد

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
TT

​ليبيا: هل تُغير «حرب النفوذ» الخريطة العسكرية والسياسية؟

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)
جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

اعتاد الليبيون على مشاهد التحشيد العسكري وتحريك الأرتال من منطقة إلى أخرى طوال العقد الماضي، لكن هذه المرة وهم يراقبون تحريك عناصر تابعة لـ«الجيش الوطني» إلى جنوب غربي البلاد، اختلف الأمر، متذكرين زحفه السابق على العاصمة.

قوات بـ«الجيش الوطني» تتحرك باتجاه الجنوب الغربي (من فيديو لرئاسة أركان القوات البرية)

كانت «القيادة العامة» للجيش بشرق ليبيا الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أعلنت على لسان المتحدث باسم رئاسة أركانها البرية، تنفيذ «مهمة عسكرية محددة» ضمن «خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي»، غير أن الخبر أثار مخاوف عدة لدى الغرماء غرباً.

و«المهمة» التي أطلقتها «القيادة العامة»، واكبتها تفسيرات وشكوك عدة من جانب سلطات طرابلس، لجهة «ما قد تخفيه هذه التحركات من أهداف استراتيجية»، فضلاً عن أنها تأتي في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة.

ومنذ توقف الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على طرابلس 2019، والأوضاع العسكرية تراوح مكانها في ليبيا، إلا أن البلاد شهدت عقب ذلك مزيداً من الانقسام السياسي بين حكومتين متصارعتين على السلطة الأولى بطرابلس، والثانية في بنغازي.

وعملية تحريك القوات عدّها المناوئون بغرب ليبيا «نكوصاً» عن اتفاقية «وقف إطلاق النار» الموقعة في جنيف 2020، وتعهدوا بمقاومتها. لكن ذلك استدعى على الفور تساؤلات حول القوة العسكرية للطرفين على الأرض.

وسعت قيادة «الجيش الوطني» سريعاً إلى طمأنة «الرافضين»، وقللت من مخاوفهم، وقالت إن هذا التحريك يأتي «تنفيذاً لتعليمات المشير خليفة حفتر، في إطار تعزيز الأمن على الحدود، والتصدي لأي تهديدات قد تستهدف سلامة الوطن واستقراره».

وتحركت القوات باتجاه مدينة سبها، التي توصف بأنها «عروس الجنوب الليبي»، مروراً بغات، وأباري ومرزق والقطرون، وبراك والشاطئ وصولاً إلى أدري، تلك القرية الصغيرة التي تعد النهاية الغربية لوادي الشاطئ، ويقطنها قرابة 4 آلاف مواطن.

الموالون لـ«الجيش الوطني»، والمناوئون له، قدموا في حديثهم إلى «الشرق الأوسط»، قراءات متباينة من منطلقات بعضها مناطقية، لكنها عكست فصلاً جديداً من فصول الحرب على «تمديد النفوذ على الأرض».

حفتر مستقبلاً في لقاء سابق ببنغازي نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (القيادة العامة)

انصبّ الاهتمام في ليبيا إلى حد كبير بعد رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، على جبهتي (شرق ليبيا وغربها)، وبالتبعية سقط الجنوب من حسابات الساسة الذين تصارعوا على الحكم مذاك، وبقي سكان تلك المدن البعيدة يشتكون «الإقصاء» حتى الآن.

وظلّت حدود ليبيا الجنوبية منذ توقف «حرب 2019» مقسّمة (شبه عرفي): (الجنوب الغربي) منها لسلطات طرابلس، و(الشرقي) لسلطات بنغازي، لكن الأخيرة سعت للحضور حكومياً في بعض مناطق الجنوب، فضلاً عن حضور عسكري أيضاً على الأرض من قبل.

وعلى رغم رسائل الطمأنة التي حملتها تصريحات المتحدث باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، فإن هناك من عدّ، أن هذه التحركات جاءت بـ«إيعاز من الجانب الروسي» الذي «يتمدد في بعض مناطق ليبيا».

وانطلق المحلل العسكري الليبي عادل عبد الكافي، من نقطة أن حفتر، بهذا الإجراء «يدعم حلفاءه الروس، بـالتوسع من مناطق نفوذه كي يؤمّن الحدود الرابطة بين ليبيا والنيجر، بداية من ممر السلفادور وصولاً إلى حقل العطشان».

ويعتقد عبد الكافي في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن هناك في هذه المنطقة القصيّة «قرابة 18 ممراً تستطيع عناصر (الفيلق الأفريقي) التابع لروسيا استخدامها لتأمين عمليات الإمدادات العسكرية، ما يسهل لها الدفع بعناصر من الأراضي الليبي إلى النيجر ومالي».

هذا الاستنتاج الذي قدمه المحلل العسكري، نفاه المسماري في تصريحات صحافية، وأكد أن الهدف هو «تأمين كامل الأراضي الليبية، مع ما تشهده بعض الدول في الجنوب وفي الصحراء الغربية أو الأفريقية، من توترات وقلاقل».

جانب من المشروع التعبوي (درع الكرامة) 2024 الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

ويرى متابعون ليبيون، أن ما يحدث في ليبيا من توترات، خاصة على الحدود، لا ينفصل عن الصراع الدولي في الساحل الأفريقي، عادّين أن «كل طرف يسعى لتعزيز قواته عبر حلفائه العسكريين في المنطقة، بقصد إحكام السيطرة على أكبر قدر من المناطق الحيوية، ومن ثم فتح نافذة حدودية جديدة على القارة».

وفتح الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا باباً واسعاً لتغوّل قوى دولية في الشؤون الداخلية للبلاد. وبحسب ما يعتقد سياسيون وأكاديميون، فإن روسيا تأتي في مقدمة هذه الأطراف، ويرون أنها «طوّرت من وجود قوات تابعة لها في ليبيا بتمدد نفوذها»، فيما يعرف بـ«الفيلق الأفريقي».

والحديث عن وجود قوات روسية في ليبيا ليس جديداً، لكن اتجاه موسكو لتعزيز هذا الوجود منذ أشهر قليلة، بحسب تقارير، بعد نقل قوات وعتاد إلى مناطق في شرق البلاد، زاد منسوب المخاوف والتحذيرات، ليس فقط لدى قوى محلية بل دولية أيضاً، ومن بينها أميركا وأوروبا.

جانب من المشروع التعبوي الذي سبق ونظمه الجيش «الوطني الليبي» في بنغازي (القيادة العامة)

رغم نفي قيادات «الجيش الوطني»، فإن التوتر وتسارع التحشيد العسكري، تواصلا على أطراف غرب ليبيا، ودخلت قوى دولية على خط الأزمة. إذ حضّت البعثة الأممية، الأطراف كافة على «تجنب أي أعمال استفزازية»، ودعتهم إلى الدخول في حوار لمنع مزيد من الانقسام، والحفاظ على الاستقرار وعلى «اتفاق وقف إطلاق النار» الموقع في عام 2020.

كما استشعرت بعثة الاتحاد الأوروبي هي الأخرى «القلق العميق» إزاء التحشيدات والتحركات العسكرية في المنطقة الجنوبية الغربية... وموقف البعثتين، وبعض الدول الرافضة لخطوة الجيش، استقبله المسماري، باستهجان كبير، لكن ذلك لم يمنع مصادر ليبية كثيرة من الربط بين هذا التحرك، واجتماعات سابقة لحفتر بقيادات عسكرية واستخباراتية عربية وأجنبية، معتقدين أن ليبيا ربما تكون «على أبواب تغيرات سياسية وعسكرية في الأيام الآتية».

والحديث عن المخاطر التي تتهدد «اتفاقية وقف النار» لم تتوقف عند تحذيرات البعثة الأممية، إذ يعتقد المحلل العسكري الليبي عبد الكافي، الذي يقيم في طرابلس، أن هناك «خرقاً للاتفاقية» التي تأسست على «عدم قيام أي تحركات عسكرية ضخمة، أو استفزازية لأي من الطرفين».

وهنا، جدد المسماري التزام القيادة العامة «باتفاق وقف إطلاق النار، وبتعهداتها أمام الدول الصديقة والشقيقة، والمنظمات الدولية».

غير أن نبرة التخوف التي خلفها تحريك قوات «الجيش الوطني» جاءت متصاعدة، فـ«المجلس الأعلى للدولة»، وصف الخطوة بأنها «مشبوهة»، وتمثل «عودة إلى الصراع المسلح»، وطالب بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي «بموقف واضح» و«إدانتها بشكل واضح وصريح».

إلا أن وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي، قلل من خطورة الأمر، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تلك التحركات «تستهدف حماية الحدود من عمليات التهريب، وتدفق المهاجرين غير النظاميين»، ورأى أن الأمر «بات يستدعي تدخل الجيش».

خلال احتفال بتخريج دفعة بأكاديمية الدراسات البحرية بغرب ليبيا (مكتب الدبيبة)

وأمام ما تشهده ليبيا من متغيرات متسارعة في ظل «جمود سياسي»، بالنظر إلى ما تراه سلطات طرابلس من توسّع حفتر باتجاه الجنوب الغربي، واستقبال القاهرة أسامة حمّاد، رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، باتت هناك أحاديث داخلية تتوقع «متغيرات قريبة».

ويعتقد مسؤول ليبي سابق تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أن التقارب المصري - التركي واستقبال القاهرة حمّاد، وزيارة بالقاسم نجل حفتر إلى أنقرة مؤخراً: «ربما يكون وراء ذلك كله، شيء سيكشف عنه لاحقاً».

وزاد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، من توقعه بأن هذه التغيرات السريعة في المواقف «توحي بأن هناك اتفاقاً ما لتغيير كامل الخريطة العسكرية والسياسية الليبية؛ بحيث يسيطر الجيش الوطني على باقي أطراف ليبيا»، متوقعاً أن «أمراً ما سيحدث في ليبيا خلال الأيام القليلة المقبلة؛ وأن هذا سيغير مختلف قواعد اللعبة العسكرية والسياسية».

ولم يوضح المسؤول، ما إذا كان هناك اتفاق بين الأطراف الدولية المتداخلة في الملف الليبي بشأن قرب تشكيل «حكومة جديدة موحدة» أم لا. لكن هناك رهانات من مناوئي رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، على التقارب بين صالح، وخالد المشري الذي يقترب من رئاسة «المجلس الأعلى للدولة»، لإنجاز ذلك عما قريب.

ومع أول ظهور للدبيبة، الذي انشغل بوفاة نجله عبد الرحمن، خلال الأسبوع الماضي، توعّد بـ«الوقوف أمام من يحاول تجديد الخروقات العسكرية وتعزيز الانقسام»، دون أن يأتي على ذكر حفتر.

واستغل الدبيبة كلمته خلال تخريج طلبة الكليات والأكاديميات العسكرية، ووجه حديثه للخريجين ودعاهم «للسير على نهج المؤسسين للجيش من أجل رد الأطماع الخارجية وتفتيت الطموحات الشخصية التي تسعى لعودة الاستبداد».

جانب من تدريب سابق بمركز تدريب الزاوية ومقر الكتيبة 103 مشاة (رئاسة أركان الوحدة)

التهديدات والتحشيدات - التي ربما تكون قلّت حدتها خلال الساعات الماضية لانشغالات داخلية - دفعت كثيرين للتساؤل عن حقيقة القوة الصلبة «لطرفي الصراع» على الأرض، وما يحوزان من قدرات عسكرية لاستخدامها إذا احتدمت المعركة التي يسعّر البعض نارها.

متابعون كثيرون للشأن العسكري يرون أن الأطراف الليبية اعتمدت بشكل كبير ومباشر منذ رحيل نظام القذافي، على دعم الأطراف الخارجية، ويشيرون إلى أن «حسم أي معركة يتوقف على سخاء الداعمين الخارجيين، وما يقدمونه من أسلحة متطورة من بينها المسيرات».

جانب من القوات البرية التابعة لـ«الجيش الوطني» المكلفة بالتحرك جنوب غربي ليبيا (رئاسة أركان القوات البرية)

وقدرات «الجيش الوطني» كثيرة، لكن المحلل العسكري عبد الكافي، تحدث عن أشهرها وتتمثل في «اللواء طارق بن زياد المعزز» الذي يشرف عليه صدام حفتر، و«اللواء 128 المعزز» و«كتيبة سبل السلام»، إلى جانب عشرات الكتائب والألوية الموجودة ما بين شرق ليبيا وجنوبها.

كما تستند قوات غرب ليبيا، وفق عبد الكافي، على كتائب عدة من بينها «كتيبة مدينة مصراتة» و«اللواء 444 قتال»، و«اللواء 555» و«اللواء 111»، بالإضافة إلى «القوة العسكرية بالزاوية»، كما تعتمد بشكل مباشر على التشكيلات المسلحة.

أسئلة إضافية تم استحضارها على خلفية تقارب تركي مع سلطات غرب ليبيا راهناً، وما إذا كان ذلك سيسهم في رفع أنقرة الغطاء عن شركائها بالعاصمة، هنا يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، بأن تركيا «تسعى منذ أكثر من عام إلى أن توازن في علاقتها بين شرق ليبيا وغربها؛ لذا ستعمل على منع أي تصعيد، لأن عكس ذلك ستكون له أثمان باهظة».


مقالات ذات صلة

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

شمال افريقيا الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على تقرير ديوان المحاسبة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد بتقرير ديوان المحاسبة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد البرلماني الليبي برئاسة صالح في إيطاليا (مكتب صالح)

رئيس «النواب» يُشدد من روما على «حاجة ليبيا لحكومة موحدة»

دافع عقيلة صالح عن مجلسه خلال زيارته إلى روما، وقال إن «الجمود في العملية السياسية ليس بسبب البرلمان؛ بل نتيجة القوة القاهرة التي ذكرتها مفوضية الانتخابات».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا مسؤولون ليبيون خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين بعد تعطل مركبهم أثناء محاولتهم الهجرة السرية نحو أوروبا (الشرق الأوسط)

شبح «توطين المهاجرين» في ليبيا يستحضر نظام «الكفيل الخاص»

إلى جانب المخاطر الدستورية المحتملة، يخشى مراقبون من تهديدات «التوطين» للأمن القومي في ليبيا؛ إذ قد ينذر «باختراقات أمنية خطيرة وارتفاع معدلات الجريمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من اجتماع الوفد الأممي مع القيادات المحلية في سبها جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

خوري: حان الوقت ليمسك الليبيون بزمام أمورهم

ناقش وفد أممي بقيادة خوري، خلال زيارته مدينة سبها بجنوب ليبيا مع كبار المسؤولين العسكريين، تحسن الوضع الأمني في الجنوب وتحديات أمن الحدود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة لسيف القذافي تداولها أنصاره على صفحاتهم الشخصية

تصريحات منسوبة لسيف القذافي تعيده للساحة السياسية الليبية

يُبقي أنصار سيف الإسلام القذافي عليه حاضراً في المشهد السياسي الراهن بتصريحات غير موثقة للتأكيد على قربه من الحياة العامة رغم أنه لم يظهر في مكان عام منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات، وتكليف عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن رئيساً لها، وتسمية مجلس تأسيس مدني (مجلس تشريعي ولائي) من 90 شخصاً برئاسة نايل بابكر نايل المك ناصر، لتقديم الخدمات وبسط الأمن وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وتضم ولاية الخرطوم سبع محليات أو تقسيمات إدارية هي: «الخرطوم، وجبل أولياء، والخرطوم بحري، وشرق النيل، وأم درمان، وأم بدة، وكرري»، ويسيطر الجيش منها في الخرطوم على «القيادة العامة، وسلاحَي الذخيرة والمدرعات»، ومناطق في منطقة مقرن النيلين، متاخمة لأم درمان، في حين تسيطر «الدعم السريع» على باقي الأنحاء والأحياء، والتي تضم القصر الرئاسي والوزارات.

وفي الخرطوم بحري يسيطر الجيش على بعض المناطق الشمالية وجسر الحلفايا التي استعادها مؤخراً، إلى مقراته العسكرية في شمال ووسط وشرق النيل، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الأنحاء، بما في ذلك مركزها.

وفي أم درمان يسيطر الجيش على كامل «محلية كرري شمال أم درمان، ومحلية أم درمان القديمة، وأجزاء من محلية أم بدة»، وتقع فيها منطقة كرري العسكرية ومطار وادي سيدنا وسلاح المهندسين، في حين تسيطر «الدعم السريع» على بقية أنحاء المحلية، وجنوب وغرب الولاية حتى جبل أولياء غربا.

ووفقاً للخريطة الجغرافية، فإن «قوات الدعم السريع» تسيطر بشكل شبه كامل على الولاية، لا سيما مدن الخرطوم والخرطوم بحري، وتفرض حصاراً مشدداً على الوحدات العسكرية الموجودة فيها، وتجعل منها جيوباً محاصرة.

منازل تعرضت للقصف في معارك دارت أخيراً بالخرطوم (أ.ب)

وفي مؤتمر صحافي عُقد بالخرطوم، الجمعة، أكد رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، تشكيل برلمان ولائي أطلق عليه اسم «مجلس التأسيس المدني» من 90 عضواً يمثلون محليات الولاية المختلفة، بما في ذلك الشباب والمرأة والإدارة الأهلية والمهنيون والطرق الصوفية. وانتخب المجلس في جلسة إجرائية نايل بابكر نايل المك ناصر رئيساً له.

مجلس تأسيسي

وقالت «الدعم السريع» إن «مجلس التأسيس انتخب مجلساً للقضاء، وبدوره اختار رئيساً له، أدى أمامه رئيس مجلس التأسيس المدني (رئيس الإدارة الجديدة) اليمين الدستورية»، متعهداً بمباشرة مهامه في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وحمايتهم وتقديم المساعدات المدنية لهم، واستعادة «أجهزة الدولة» التي انهارت بسبب الحرب لمدة عامين.

وظلت الخرطوم بلا حكومة أو إدارة مدنية منذ انتقال العاصمة إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في حين يحكم «والي الخرطوم» المكلف من قبل قائد الجيش بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 من مدينة أم درمان ومحلية كرري على وجه الخصوص، ولا يستطيع الوصول إلى معظم أنحاء الولاية.

وقال رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، في المؤتمر الصحافي بالخرطوم، الجمعة، إن الفراغ الناتج عن الحرب أدى لغياب الخدمات الأساسية والضرورية؛ ما دفع مواطني الولاية للمطالبة بتكوين إدارة مدنية. وأضاف: «تداعى نفر كريم من مواطني ولاية الخرطوم، وأخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية التاريخية من أجل المواطن، وتواصلوا مع قيادات (الدعم السريع) بالولاية، وطلبوا منهم الموافقة على تأسيس إدارة مدنية تتولى تقديم الخدمات الأساسية، واستجابت (الدعم السريع) لمطلبهم».

وأوضح أن رئيس الإدارة المدنية، عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن، سيقوم بالتعاون مع مجلس التأسيس المدني بتشكيل جهاز تنفيذي يتولى تقديم الخدمات وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الخرطوم.

وقال رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف الحسن، إن تكليفه جاء انحيازاً لما أسماه «المواطن المغلوب على أمره، ومن أجل حفظ الأمن، وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء السلام المجتمعي، وتوفير وإيصال المساعدات الإنسانية»، ودعا المهنيين والفنيين العاملين في ولاية الخرطوم لما أسماه «تحمل المسؤولية» بالعودة الفورية للعمل، ليقدموا الخدمات للمواطنين.

دعوة لوقف الحرب

وحضر المؤتمر عن «الدعم السريع» حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والعقيد حسن محمد عبد الله الترابي رئيس دائرة التوجيه، ممثلاً للقوات.

ودعا المسؤول المدني الجديد من أطلق عليهم «أطراف الصراع»، إلى الحكمة وإنقاذ البلاد بوقف الحرب عاجلاً والعودة للتفاوض، وإلى التزام القانون الدولي الإنساني، وإلى الكف عن القصف الجوي للمستشفيات والأسواق ودور العبادة، واستهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم، وناشد المنظمات العاملة في المجال الإنساني تقديم المساعدات لمواطني الخرطوم والسودان بالسرعة الممكنة.

من جهته، قال العقيد حسن محمد عبد الله الترابي، إن قواته تقدم الشهداء من أجل تحقيق الحكم المدني الديمقراطي في السودان، وتعهد بدعم الإدارة المدنية وحمايتها وحفظ الأمن، وبعدم التدخل في سير أعمال الإدارة المدنية لتعبر عن إرادة المواطنين، وأضاف: «قادة النظام القديم اختطفوا الخرطوم وذهبوا بها إلى بورتسودان مثلما اختطفوا الجيش؛ لذلك فإن انتخاب قيادة ميدانية يوقف عبث اختطاف الخرطوم سياسياً واقتصادياً، ويؤكد بقاء الخرطوم عاصمة للسودان».

وسبق أن شكّلت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية في عدد من مناطق سيطرتها في ولايات دارفور الأربع وولاية الجزيرة، ويُخشى على نطاق واسع من تطور الأوضاع إلى «حكومتين» تتنازعان السلطة في البلاد، أسوة بـ«الأنموذج الليبي».