فيضانات مفاجئة تُغرق مناطق واسعة في شمال السودان للمرة الأولى

خبير في الأرصاد الجوية: تغيّر المناخ سيعود بالسودان إلى ما قبل 100 عام

مياه الفيضانات انتشرت في مناطق واسعة من الولايات الشمالية التي لم تشهدها منذ عقود (أ.ب)
مياه الفيضانات انتشرت في مناطق واسعة من الولايات الشمالية التي لم تشهدها منذ عقود (أ.ب)
TT

فيضانات مفاجئة تُغرق مناطق واسعة في شمال السودان للمرة الأولى

مياه الفيضانات انتشرت في مناطق واسعة من الولايات الشمالية التي لم تشهدها منذ عقود (أ.ب)
مياه الفيضانات انتشرت في مناطق واسعة من الولايات الشمالية التي لم تشهدها منذ عقود (أ.ب)

خلّفت فيضانات مفاجئة في ولايات شمال السودان أكثر من 70 قتيلاً، وخسائر فادحة في الممتلكات، وتسبّبت الأمطار الغزيرة في انهيار ودمار آلاف المنازل في المدن والقرى، ما أدّى إلى تهجير العوائل إلى العراء، وسط تخوّفات من غَمر مناطق بالكامل تقع في مجرى السيول.

وشهدت مناطق واسعة في السودان خلال الأيام الماضية أعلى نسبة هطول أمطار وفيضانات، هي الأكبر منذ سنوات طويلة، واجتاحت السيول مناطق في أقصى الشمال، ظلّت لعقود طويلة خارج خريطة المناخ المُمطِر في البلاد، وفق خبراء في الأرصاد الجوية، وتوقّعت وحدة الإنذار المبكر في هيئة الأرصاد الجوية استمرار هطول أمطار غزيرة، مصحوبة بعواصف رعدية ورياح قوية، قد تتسبّب في جريان السيول الجارفة المفاجئة في 4 ولايات، وهي: سنار، والبحر الأحمر، ونهر النيل، والشمالية.

ودَعَت الهيئةُ المواطنين في هذه المناطق إلى اتخاذ الحيطة والحذَر، والابتعاد عن مجاري الأودية والخيران، وتجنُّب عبورها.

بدوره، قال «الهلال الأحمر السوداني» إن كارثة السيول والأمطار بمحافظة أبو حمد بولاية نهر النيل تسبّبت في وفاة 34 شخصاً، وإصابة 588 آخرين، وتضرّر نحو 96 ألف أسرة.

وأفاد في نشرة صحافية بأن السيول الجارفة أدّت إلى انهيار أكثر من 32 ألف منزل كلياً وجزئياً، وتدمير 150 مرفقاً خدمياً.

وقالت الغرفة الفنية لطوارئ الخريف بالولاية الشمالية إن الأمطار والسيول التي اجتاحت الولاية منذ بداية موسم الخريف تسبّبت في مصرع 14 شخصاً، وإصابة 84 آخرين، في حين تعرّض 20 شخصاً على الأقل إلى «لدغات العقارب».

سكان يلجأون إلى الجبال

وتداول ناشطون مقاطع فيديو في منصات التواصل الاجتماعي لأكثر من 200 أسرة في بلدة سركتمو بالشمالية لجأت إلى الجبال، بعد محاصرة المياه البلدة بالكامل. وأشار تقرير الغرفة إلى أن الأمطار الغزيرة هطلت على 55 منطقة في الولاية الشمالية، تضرّرت منها 2766 أسرة.

وأوضحت أنها تجد صعوبة في حصر الأضرار في محليتَي حلفا ودلقو، بسبب السيول والمياه والانقطاع الجزئي في شبكات الاتصال والإنترنت.

معاناة السكان في مدينة أبو حمد (شمال) بعد تضرّرها من الفيضانات 7 أغسطس (أ.ف.ب)

من جانبها، أطلقت وزارة الصحة بالولاية الشمالية نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي والإقليمي والمحلي بضرورة التدخل العاجل لإنقاذ حياة الآلاف من المتضرّرين بالأمطار والسيول بمحافظة وادي حلفا، أقصى شمال البلاد. وحذّرت من كارثة إنسانية مُحدِقة بالآلاف من المواطنين النازحين بسبب الأمطار والسيول، وما يترتب عليها من آثار.

وقالت إن أكثر من 3 آلاف منزل، وعدداً من المرافق الصحية، ومراكز إيواء النازحين، تعرّضت لأضرار بالغة في مدينة حلفا والقرى المجاورة لها، لافتة إلى الحاجة الماسة لإطعام المتضرّرين وإيوائهم، وتوفير الخيام والمواد الغذائية والأدوية.

توقعات بتغيرات كبيرة

وقال الخبير في الأرصاد الجوية، المنذر أحمد الحاج، إن المناخ في ولايتَي نهر النيل والشمالية (شمال البلاد) بدأ يعود كما كان قبل عشرات السنين، مضيفاً أنه نبّه منذ وقت طويل إلى تغيّر في المناخ يعود بالسودان إلى قبل أكثر من 100 عام.

وأوضح في إفادة لــ«الشرق الأوسط» أن المناخ في السودان بدءاً من يوليو (تموز) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، سيكون مناخاً استوائياً أو شبه استوائي، وهذا يتطلب تغييراً في سياسة البناء وطريقة الزراعة؛ للتأقلم على الطقس الجديد.

وتوقع المنذر أن تغمر المياه كل البلدات والمناطق السكنية التي تقع في مجرى السيول والوديان بالولايات الشمالية، ما قد يؤدي إلى وقوع أضرار كبيرة للمواطنين. ووفق وحدة الإنذار المبكر، متوقع أن يستمر تساقط الأمطار بغزارة، مصحوبة بسيول إلى 24 من أغسطس (آب) الحالي.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن صد هجوم من «الدعم السريع» على الفاشر

شمال افريقيا دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور إثر معارك سابقة بين الجيش و«الدعم السريع» (د.ب.أ)

الجيش السوداني يعلن صد هجوم من «الدعم السريع» على الفاشر

أعلن الجيش السوداني، السبت، تصديه لهجوم كبير شنته قوات «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، فيما أفادت مصادر بتوافد أعداد كبيرة من المصابين إلى مستشفى المدينة.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)
شمال افريقيا ممثلون لطرفَي النزاع السوداني خلال توقيع «اتفاق جدة» في مايو 2023 (رويترز)

مباحثات أميركية سودانية في جدة بشأن مفاوضات جنيف

يُنتظر أن تشهد مدينة جدة السعودية مباحثات سودانية أميركية للتشاور بشأن مشاركة الجيش في مفاوضات جنيف، الأربعاء، مع قوات «الدعم السريع»، وفقاً لمبادرة أميركية.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عائلات نازحة بسبب تقدم قوات الدعم السريع في ولايتي الجزيرة وسنار بالسودان تلجأ إلى موقع عمر بن الخطاب للنازحين بولاية كسلا بالسودان في 10 يوليو 2024 (رويترز)

مقاتلون في «الدعم السريع» ينشرون الفوضى في قلب المناطق الزراعية بالسودان

استفاض العشرات من شهود العيان بوصف دوامة النهب والخطف والقتل منذ أن سيطرت عناصر «الدعم السريع» على معظم أنحاء ولاية الجزيرة ومناطق أخرى في السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عائلات سودانية نازحة في ولاية كسلا بالسودان، 10 يوليو 2024 (رويترز)

وفد من حكومة السودان سيتشاور مع الحكومة الأميركية بشأن محادثات وقف إطلاق النار

قالت الحكومة السودانية، اليوم الجمعة، إنها سترسل وفداً إلى جدة للتشاور مع الحكومة الأميركية بخصوص الدعوة المقدمة منها لحضور مفاوضات لوقف إطلاق النار في السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أنتوني بلينكن حضّ البرهان على المشاركة في مفاوضات سويسرا (د.ب.أ)

مصادر لــ«الشرق الأوسط»: بلينكن وافق على لقاء ثنائي مع الجيش السوداني

قال البرهان على منصة «إكس»، إنه تحدّث مع الوزير الأميركي «عن ضرورة معالجة شواغل الحكومة قبل بدء أي مفاوضات».

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))

مصر: نظام جديد لـ«تكليف» خريجي الطب بالعمل في المستشفيات الحكومية

طبيبة مصرية شابّة تكشف على أحد المرضى ضمن مبادرة #100_يوم_صحة (وزارة الصحة المصرية)
طبيبة مصرية شابّة تكشف على أحد المرضى ضمن مبادرة #100_يوم_صحة (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر: نظام جديد لـ«تكليف» خريجي الطب بالعمل في المستشفيات الحكومية

طبيبة مصرية شابّة تكشف على أحد المرضى ضمن مبادرة #100_يوم_صحة (وزارة الصحة المصرية)
طبيبة مصرية شابّة تكشف على أحد المرضى ضمن مبادرة #100_يوم_صحة (وزارة الصحة المصرية)

تعتزم الحكومة المصرية بدء تطبيق نظام جديد لـ«تكليف» خريجي كليات الطب، بالعمل في المستشفيات الحكومية، مبنيّ على «مبدأ الاحتياج»، وليس الإلزام للجميع، كما كان مطبّقاً منذ عشرات السنين.

وعدّ أعضاء بنقابة الأطباء المصرية وبرلمانيون، النظام الجديد «ضرورياً لضبط منظومة التعليم الطبي، وعلاج الخلل في تكليف الأطباء الجدد بالمحافظات»، مطالبين في نفس الوقت «بوضع ضوابط للدراسة في كليات الطب الخاصة، لضمان تقديم أطباء يمتلكون الكفاءة».

ووفق المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، خالد عبد الغفار، في تصريحات إعلامية، السبت، فإن «الوزارة ستبدأ اعتباراً من عام 2025، تطبيق قرار مجلس الوزراء، بتكليف الأطقم الطبية وفقاً للاحتياج الفعلي للمنظومة الصحية»، مشيراً إلى أن «قواعد تكليف خريجي الكليات الطبية المتعارَف عليها لا زالت قائمة كما هي حتى العام المقبل».

وكان مجلس الوزراء المصري اتخذ قراراً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بتعديل نظام تكليف الفئات الطبية ليكون «وفقاً للاحتياج اعتباراً من عام 2025»، وخصّ القرار الخريجين من «الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وإخصائي العلاج الطبيعي وهيئات التمريض والفنيين الصحيين».

ويمنح القانون الحق لوزارة الصحة المصرية في تكليف خريجي الكليات الطبية (الأطباء والصيادلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض)، بشكل إجباري، للعمل في المستشفيات الحكومية، أو الوحدات التابعة لها، لمدة سنتين، مع إجازة تجديد التكليف لمدد أخرى».

وتطبّق مصر نظام تكليف الأطباء منذ 50 عاماً، حيث تُجرى 13 حركة تكليف كل عام، بواقع 20 ألف مكلَّف سنوياً من خريجي الكليات الطبية، وفقاً لبيانات الصحة المصرية.

وأثار تأكيد الصحة المصرية تطبيق نظام التكليف وفقاً للاحتياج جدلاً بين مستخدِمي منصات التواصل الاجتماعي بمصر، وتساءل مستخدمون حول إمكانية إلغاء التكليف الإجباري لخريجي كليات الطب، ومستقبل فرص العمل للراغبين في الالتحاق بالكليات الطبية.

وذكرت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب المصري (البرلمان)، إيرين سعيد، أن تعديل نظام التكليف، «أمر طبيعي مع تزايد أعداد الخريجين من كليات الطب»، لكنها ترى ضرورة أن يسبق تطبيق القرار حزمة من الإجراءات، مثل «التنسيق بين وزارتي الصحة والتعليم العالي بخصوص أعداد القبول في الكليات الطبية، وإعلام الطلاب قبل الالتحاق بعدم وجود التكليف، ثم إعادة النظر في منظومة التكليف وتوزيعها في المحافظات».

وانتقدت البرلمانية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، ما أسمته «غياب التنسيق بين وزارتي التعليم العالي والصحة المصرية، وعدم التخطيط المسبق لاحتياجات القطاع الصحي من الخريجين».

وقالت إن «لجنة الصحة بالبرلمان انتقدت طرح الحكومة الحالية ضمن برنامجها التوسع في إقامة كليات طبية جديدة»، عادّةً ذلك يتعارض مع «خطة ضبط منظومة التكليف».

وطالبت بإعادة النظر في منظومة التكليف، حيث أشارت إلى «سوء التوزيع بتعيين الأطباء الجدد في محافظات خارج محل إقامتهم»، وقالت: «يجب إعادة دراسة المنظومة وفقاً للاحتياج داخل المؤسسات الصحية».

ويرى أمين عام مساعد نقابة الأطباء المصرية، خالد أمين، أن إعادة النظر في نظام تكليف خريجي الكليات الطبية «كان ضرورياً لضبط منظومة التعليم الطبي، وربطه باحتياجات سوق العمل»، مشيراً إلى ما أسماه «حالة الانفلات في إقامة كليات طبية بالجامعات الخاصة، دون الالتزام بمعايير إقامة مستشفيات جامعية»، واصفاً ذلك بأنه «أفرز أطباء وخريجين يفتقدون للكفاءة والخبرة العملية».

وأوضح عمر لـ«الشرق الأوسط» أن «غياب موازنة وزارة التعليم العالي بين أعداد كليات الطب (حكومية وخاصة)، واحتياجات سوق العمل، سبّب حالة خلل في منظومة تكليف خريجي تلك الكليات».

واستشهد على ذلك «بتزايد أعداد خريجي كليات الصيدلة والعلاج الطبيعي وأطباء الأسنان عن طاقة العمل بالمستشفيات، في مقابل عجز خريجي كليات الطب والتمريض».