بعد نجاته من الاغتيال... البرهان يضع شروطاً للتفاوض

تساؤلات حول من يقف وراء الهجوم بالمسيّرات في منطقة جبيت العسكرية

TT

بعد نجاته من الاغتيال... البرهان يضع شروطاً للتفاوض

البرهان يحيي ضباط في الجيش خلال حفل تخرج عدد منهم بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (رويترز)
البرهان يحيي ضباط في الجيش خلال حفل تخرج عدد منهم بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) (رويترز)

عقب نجاته من محاولة اغتيال كادت تودي بحياته، حدد قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، شروطاً جديدة للتفاوض مع «قوات الدعم السريع»، وعلى رأسها الاعتراف بالحكومة والتفاوض معها، ومشاركة الحركات المسلحة الموالية للجيش في التفاوض.

وتعرّض موكب البرهان لهجوم شنّته طائرات من دون طيار «درون» مجهولة، استهدفت استعراضاً عسكرياً كان يشارك فيه بمنطقة جبيت العسكرية شرق البلاد، لقي جراءه خمسة أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون، وذلك وفقاً لبيان رسمي صادر عن الجيش، في حين ذكرت مصادر أن ثلاثة آخرين توفوا لاحقاً في المستشفى متأثرين بجراحهم.

وقال مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش في بيان مقتضب، إن المضادات الأرضية تصدت لمسيّرتين معاديتين، استهدفتا موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبحرية، وإن العملية تسببت في استشهاد خمسة أشخاص ووقوع إصابات طفيفة يجري حصرها، بينما تحدثت مصادر عن أربع مسيّرات، بينها اثنتان صدتهما المضادات الأرضية، بينما أصابت الاثنتان الأخريان المنطقة العسكرية، وقتلتا خمسة عسكريين في الحال، وتوفي ثلاثة آخرون لاحقاً متأثرين بجراحهم.

البرهان: التفاوض بشروطنا

وهجوم المسيرات على شرق البلاد هو الأول من نوعه منذ بدء الحرب منتصف أبريل (نيسان) 2023، في منطقة تبعد أكثر من 500 كيلومتر عن مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ ما أثار أسئلة بشأن الجهة التي أطلقتها ومن أين أتت، وما إن كانت قادمة من جهة «الدعم السريع» أو من طرف ثالث ضالع في محاولة لتصفية قائد الجيش.

وبعد ساعات من موعد الخطاب التقليدي بالمناسبة، أكد البرهان استمرار القتال حتى القضاء على «المتمردين» (يقصد «قوات الدعم السريع») وأن الجيش لن يستسلم ولن يتراجع و«لن يفاوض».

لكنه أبدى موافقة مشروطة على التفاوض بقوله: «نحن ما عندنا مانع، ونقول لأي (زول) يريد السلام: حبابك، كلنا دايرين السلام، وأن تقف الحرب اليوم قبل الغد، لكن إلاّ ورأسنا مرفوع ومنتصرين، لكن مع وجود العدو في بيوت الناس ويقتل فيهم، ويحاصر الفاشر وبابنوسة وقرى الجزيرة، لن تقف الحرب، وعلى من يريد إنهاء الحرب إخراجهم من الجنينة والجزيرة وحول الفاشر وبيوت الناس».

وحدد البرهان شروط المشاركة في المفاوضات المزمعة بأن تكون مع «الحكومة السودانية» وبمشاركة الحركات المسلحة الموالية للجيش، بقوله: «سمعنا أن هناك مفاوضات، نرحب بها، لكن الجهة التي يجب أن تتم دعوتها هي الحكومة وليس الجيش وحده، فالمواطنون والحركات الموقعة على اتفاق جوبا تقاتل معه، مع أخذ رأي الجيش ومشاورته».

وجزم: «لن يجبرنا أحد للسماع له أو ليعطينا التعليمات والتوجيهات. طالما نحن أحياء، فإن التوجيهات عندنا نحن وليس عند أحد آخر».

تحذير إلى لعمامرة

في الوقت ذاته، وجّه البرهان رسالة تحذير لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، من تبني ما أطلق عليه «رؤية المتمردين»، وتابع: «نقول للعمامرة، إذا أردت المشي في الطريق الصحيحة، لا تتبنَ أي رؤية للمتمردين، وتعال عندنا لنتفاهم قبل تقديم أي مبادرة، وحتى الدول الراغبة في تقديم مبادرات عليهم المجيء إلينا».

البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)

وتوعّد البرهان برد حاسم على «قوات الدعم السريع»، وقال: «سنرد عليهم، وقريباً جداً سترون ردنا»، وتابع: «هذا الجيش عظيم ومؤسسة عريقة، وسنبذل أرواحنا وحياتنا للحفاظ عليها».

وأثار الهجوم الذي استهدف البرهان موجة أسئلة، حول ما إذا كانت العملية محاولة «اغتيال» تستهدفه أم تطوراً جديداً في الحرب، أم أن طرفاً ثالثاً يسعى للتخلص منه والحيلولة دون ذهابه لمفاوضات جنيف استجابة للمبادرة الأميركية.

«الدعم السريع» ينفي

ونفت «قوات الدعم السريع» من جهتها، في سابقة تعدّ الأولى منذ بدء الحرب، ضلوعها في محاولة قتل البرهان، والتي وصفها المستشار السياسي لقائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، في تعليق مقتضب لـ«الشرق الأوسط» بأنها «محاولة لاغتيال البرهان» في حال موافقته على إرسال وفد من الجيش إلى مفاوضات جنيف.

واعتبر الباشا «محاولة الاغتيال» التي تعرّض لها الرجل بالطيران المسيّر في جبيت «رسالة واضحة من تيار الحرب داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي»، وتوقع المزيد من عمليات التصفيات والاغتيالات داخل الجيش، تستهدف قادته.

خبير عسكري: هناك طرف ثالث

ووصف خبير عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه ما حدث في جبيت بـ«الورطة»، سواء كان من يقف خلفها «الدعم السريع» أو جهة ثالثة. وقال: «إذا كانت (الدعم السريع) وراء العملية فهذا يعني أنها امتلكت مسيّرات حديثة تقطع مسافات طويلة وتصيب أهدافها بدقة، أو أن هناك خلايا نائمة تابعة لها ومدربة جيداً للوصول إلى قائد الجيش نفسه».

ورأى الخبير أن من يشنّون التهديدات على وسائط التواصل الاجتماعي الموجهة للرجل من أنصار استمرار الحرب من الإسلاميين وأعضاء «حزب المؤتمر الوطني» وحملات التخويف التي يتعرض لها، لمنعه من التفاوض مع «الدعم السريع»، ربما يكونون وراء المحاولة، بقوله: «أرجّح أن يكون ما يعرف بالطرف الثالث أرسل رسالة تهديد واضحة للبرهان».

جانب من حفل تخريج ضباط جدد بقاعدة جبيت العسكرية (شرق) قبيل استهدافه بمسيّرات الأربعاء (موقع مجلس السيادة بمنصة إكس)

ووافقه الرأي أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعات السودانية، الدكتور عبد الناصر علي الفكي، الرأي بتساؤله: «من كان يجيّش العاطفة الشعبية ويحشدها تجاه الرجل طوال الأيام القليلة الفائتة؟».

وأرجع الفكي الحادثة إلى ما أسماها «المواقف المتباينة والصراع الداخلي حول الحرب والتفاوض» في معسكر البرهان، وقال: «داخل معسكر الحرب تحتدم الصراعات، وتتضارب المواقف بين وزارة الخارجية والجيش»، مشيراً إلى تهديدات مساعد البرهان، الفريق أول ياسر العطا، للدول والأطراف السياسية، وتزامنها مع الخطاب التحريضي الهادف لعودة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عبر كتائب الإسلاميين.

من جانبه، اعتبر الصحافي عثمان فضل على صفحته في منصة «فيسبوك» ما حدث، تقصيراً أمنياً أو تواطؤاً كبيراً في دوائر حماية القائد العام، تجسّد في عدم تأمين الحفل. وأضاف: «تحدث بيان الجيش عن التصدي للمسيّرات، لكن الفيديوهات تؤكد عكس ما قال البيان، ولم تسمع أصوات مضادات أرضية؛ ما يعضد فرضية الإهمال ونظرية المؤامرة»، وتساءل: «إذا افترضنا أن المسيّرة انطلقت من مكان قريب أو بعيد، فكيف عبرت حتى وصلت هدفها»؟.

وخلص فضل الله إلى أن استهداف البرهان يحتمل التأويلات كافة، ومنها أن يكون الحادث اختراقاً داخلياً ناتج من تصدعات معسكر الحرب. «سيما وأن من يملك مسيّرات هي القوات المسلحة وكتيبة (البراء بن مالك) التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين»، ولم يستبعد فرضية أن يكون قد قامت بها «الدعم السريع» من نقاط تواجدها أو عبر خلايا نائمة في منطقة قريبة.


مقالات ذات صلة

مشاورات مصرية - أميركية لحلحلة الأزمة في السودان

شمال افريقيا وزير الخارجية والهجرة المصري خلال مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

مشاورات مصرية - أميركية لحلحلة الأزمة في السودان

بحث وزير الخارجية الأميركي مع نظيره المصري، مساء الثلاثاء، تطورات الوضع في السودان، وأعرب الجانبان عن تطلّعهما لأن تسفر الجهود الدولية عن حلحلة الأزمة هناك.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا البشير أثناء خطاب بالقصر قبل شهرين من سقوط نظامه في أبريل 2019 (أ.ب)

هل انشق حزب البشير أم «غيّر جلده» استعداداً لما بعد الحرب؟

تضاربت الآراء حول تعديلات أجراها قيادي في «حزب المؤتمر الوطني» المنحل، نصب نفسه رئيساً، بين كونها انقساماً أو صراعاً داخلياً أو إعادة هيكلة لمرحلة ما بعد الحرب.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا السيسي مستقبلاً الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بمدينة العلمين الجديدة (الرئاسة المصرية)

توافق مصري - تشادي على دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان

توافقت مصر وتشاد على ضرورة دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان الذي يعاني من أزمة إنسانية متفاقمة «تستوجب التدخل العاجل لتخفيفها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سوق مدمرة بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور جراء المعارك السابقة (أرشيفية - أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تحض مجدداً طرفي الحرب السودانية على وقف القتال

حضّت نكويتا سلامي الدول المانحة على «تكثيف الجهود بشكل عاجل لصرف التزاماتها وتحديد تمويل جديد لمنع حدوث مجاعة واسعة النطاق».

محمد أمين ياسين (ود مدني (السودان))
شمال افريقيا حمدوك يتوسط قيادة «تقدم» (الشرق الأوسط)

مؤتمر «تشاوري» سوداني لوقف الحرب في ميونيخ

قيادات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمبدعين والثوار ولجان المقاومة وتنسيقياتها، وصلتهم الدعوات ليشاركوا في نقاش مفتوح وشفاف يتناول سبل إيقاف الحرب.

أحمد يونس (كمبالا)

مشاورات مصرية - أميركية لحلحلة الأزمة في السودان

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024 (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري خلال مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024 (الخارجية المصرية)
TT

مشاورات مصرية - أميركية لحلحلة الأزمة في السودان

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024 (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية والهجرة المصري خلال مؤتمر القوى السياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

التقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيريللو، في القاهرة، مساء الأربعاء، وبحث معه في تطورات الأزمة السودانية، والجهود الدولية والإقليمية لوقف الحرب الداخلية.

وقال دبلوماسيون وسياسيون إن «المشاورات المصرية - الأميركية تستهدف حلحلة الأزمة السودانية، ودعم مبادرة الخارجية الأميركية لإجراء محادثات في جنيف بين طرفي الحرب؛ لوقف إطلاق النار». وأكّدوا أهمية «التنسيق بين القاهرة وواشنطن في مسار الحل السياسي الشامل لتلك الأزمة».

وتأتي مباحثات بيريللو، بعد أن بحث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع نظيره المصري، تطورات الوضع في السودان، في اتصال هاتفي، الثلاثاء. وأعرب الجانبان عن تطلعهما لأن تُسفر الجهود الدولية عن «حلحلة الأزمة، ووقف إطلاق النار بشكل فوري وشامل، وإتاحة الفرصة لنفاذ المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى السودانيين».

ودعت الخارجية الأميركية مؤخراً لمبادرة جديدة تجمع طرفي القتال: الجيش، و«قوات الدعم السريع»، في محادثات بسويسرا، منتصف أغسطس (آب)، بهدف العمل على إنهاء الحرب.

وأعلن قائد «الدعم» محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبوله المشاركة، في حين وافقت الحكومة السودانية على الدعوة (بشروط). وقالت وزارة الخارجية في بورتسودان، الثلاثاء، إن «أي مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة، الذي ينص على الانسحاب الشامل ووقف التوسع، لن تكون مقبولة للشعب السوداني».

جانب من مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

وربط نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، صلاح حليمة، بين زيارة المبعوث الأميركي للقاهرة، ومفاوضات جنيف المرتقبة. وقال إن «واشنطن تسعى لإحداث حلحلة للأزمة السودانية، من خلال التنسيق مع دول الجوار والقوى الإقليمية قبل إجراء المشاورات بين طرفي الحرب». وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة الأميركية تستهدف العمل لتنفيذ مخرجات مسار جدة لحل الأزمة السودانية».

واستضافت مدينة جدة بمبادرة سعودية - أميركية محادثات بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع ما عُرف بـ«إعلان جدة الإنساني»، ونص على «حماية المدنيين والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية».

وسبق أن شارك الطرفان في محادثات غير مباشرة، احتضنتها مدينة جنيف السويسرية، بوساطة من الأمم المتحدة لبحث الأوضاع الإنسانية، لكنها «لم تتوصل إلى تقارب في الرؤى حول اتفاق مشترك بشأن إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين».

وقال حليمة إن «الجانب الأميركي بات يتحدث عن إشراك المجتمع السوداني في مسار الحل السياسي»، وأرجع ذلك «إلى مخرجات مبادرة مؤتمر القوى السياسية والمدنية الذي دعت له مصر، بحضور ممثلي الكتل السياسية الرئيسية في السودان».

واستضافت القاهرة مؤخراً فعاليات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية. وأكّد البيان الختامي للمؤتمر «ضرورة الوقف الفوري للحرب، والالتزام بإعلان جدة، والنظر في آليات تنفيذه».

قوى سياسية سودانية في مؤتمر بالعاصمة المصرية القاهرة مايو الماضي (الشرق الأوسط)

وقلّل الباحث السياسي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، صلاح خليل، من تأثير التدخل الأميركي في الأزمة السودانية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدور الأميركي في وقف الحرب السودانية لا يحظى بثقة الجيش السوداني». وأرجع ذلك إلى «رفض قادة الجيش مساواة واشنطن للمؤسسة العسكرية بـ(الدعم السريع)، في مسارات التفاوض الخاصة بالحرب».

ورأى خليل أنه «لا يوجد أمل في إحداث تقدّم بمفاوضات وقف الحرب خلال اجتماعات جنيف المرتقبة»، بسبب «الشروط التعجيزية التي قدمتها الحكومة السودانية قبل الجلوس إلى مائدة التفاوض، وخصوصاً أن تُخلي عناصر (الدعم السريع) المنازل والمناطق التي تستولي عليها، إلى مناطق خارج الأحياء السكنية».