الجزائر تتأهّب لمواجهة حرائق الصيف

اندلاع حريق كبير أعاد للسكان هواجس «كارثة عام 2021»

أعوان الدفاع المدني أثناء إطفاء حريق ببجاية الثلاثاء (الدفاع المدني)
أعوان الدفاع المدني أثناء إطفاء حريق ببجاية الثلاثاء (الدفاع المدني)
TT

الجزائر تتأهّب لمواجهة حرائق الصيف

أعوان الدفاع المدني أثناء إطفاء حريق ببجاية الثلاثاء (الدفاع المدني)
أعوان الدفاع المدني أثناء إطفاء حريق ببجاية الثلاثاء (الدفاع المدني)

أثار اندلاع حريق كبير، الثلاثاء، في غابة بولاية بجاية، الواقعة شرق الجزائر، مخاوف سكان المنطقة من احتمال تكرار كارثة حقيقية عاشوها عام 2021، عندما أتت ألسنة اللهب على آلاف الهكتارات من المساحة الغابية، متسبّبة في خسائر كبيرة في الأرواح والأملاك.

صورة لحريق مهُول بمنطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأعلن الدفاع المدني الجزائري على حسابه بالإعلام الاجتماعي، أن حريقاً كبيراً شبّ في غابة بوليمات قرب مدينة بجاية (200 كيلومتر شرق)، ظهر الثلاثاء، مؤكداً أن أعوانه وجهاز حماية الغطاء النباتي بالمنطقة «نشروا تعزيزات مادية وبشرية هامة بالمكان»، تمثّل أساساً في 4 طائرات «كانادير»، مختصة في إطفاء الحرائق. مشيراً إلى أنه «تمت السيطرة على الحريق في حدود الرابعة مساءً».

بداية وصول فِرق الدفاع المدني إلى منطقة الحريق ببجاية (الدفاع المدني)

كما تمكّن الدفاع المدني في اليوم نفسه من إطفاء حريق في منطقة أميزور بذات الولاية، التي تُعرف بغاباتها الكثيفة، ما جعل منها مقصداً سياحياً.

ووفق تقارير صحافية، فقد أحصى الدفاع المدني 20 حريقاً في بجاية خلال الأسبوعين الأخيرين، لم تُخلّف أي خسائر «بفضل التدخل السريع لأعوان الحماية المدنية»، وفق التقارير ذاتها، التي نقلت عن جهاز الأمن أنه اعتقل 3 أشخاص بشبهة «إشعال النار عمداً» في منطقة بوخليفة، وفي غابة قوارية ببجاية.

وعن التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة حرائق محتملة، أكّد المفتش بالدفاع المدني، العقيد فاروق عاشور، للإذاعة العمومية، الثلاثاء، أن جهاز الإنقاذ الوطني أجّر 12 طائرة من شركة الطيران «طاسيلي» المملوكة لمجمع المحروقات الحكومي «سوناطراك»، مبرزاً أن عدد الطائرات التي تم تجنيدها لإطفاء الحرائق العام الماضي كان 6 فقط، كما تحدث عن «إمكانيات مهمة وفّرها الجيش، تتمثّل في طائرات ومروحيات من الحجم الكبير، وذلك لتقديم الدعم لفِرق الحماية المدنية المتنقلة على الأرض»، مؤكداً أنه «تم تجنيد 20 ألف عون من مختلف الرتب والاختصاصات بشكل يومي لمواجهة طوارئ مفترضة».

صورة أرشيفية لحريق في أوزلاغن بمنطقة القبائل (الدفاع المدني)

وأوضح عاشور أن 3600 عون جديد التحقوا بالدفاع المدني في 2024، لافتاً إلى «تجنيد 65 رتلاً متنقلاً، عبارة عن وحدات متخصصة في مكافحة حرائق الغابات، بالإضافة إلى تخصيص 5 مفارز جهوية لذات الغرض».

وشهدت الجزائر، وهي أكبر بلدان أفريقيا مساحةً، حرائق هائلة عام 2021، التهمت مساحات شاسعة، لا سيما في منطقة القبائل الجبلية، ما خلّف نحو 90 قتيلاً، وجرح المئات، فضلاً عن تدمير منازل، وإتلاف آلاف الهكتارات من المحاصيل الزراعية، وتركت هذه الأحداث أثراً عميقاً في نفوس سكان المنطقة، ومخاوف من تكرارها مع بداية الصيف، كلما ارتفعت درجة الحرارة إلى مستويات غير عادية.

صورة لبلدة احترق غطاؤها النباتي شرق الجزائر سنة 2023 (وزارة الداخلية الجزائرية)

وكثيراً ما يُطرح هذا التساؤل في الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي: «لماذا تشتعل غابات الجزائر بسرعة كبيرة، ولماذا لا تتخذ الاحتياطات لتجنّبها وتفادي وقوع ضحايا؟».

ويقول مختصون في هيئات حكومية مكلّفة المحافظةَ على الغابات والوقاية من تدهورها، إن هناك سببين رئيسيين يقفان وراء الحرائق المستعرة التي تخلّف مآسي كل عام، الأول هو أن صنف الأشجار والغطاء النباتي الذي يكسو ولايات كثيرة، خصوصاً في الشرق، معرّض للاشتعال بسهولة، أما السبب الثاني فيتمثل، حسبهم، في نقائص جمّة يعاني منها جهاز الإنقاذ الوطني، وضعف سلسلة الإسعافات الطبية المطلوب تحركها ساعة الكوارث بسرعة وفاعلية. وقد أظهرت عدة شرائط فيديو أشخاصاً يواجهون النيران بدون معدّات، وفي بعض الأحيان بواسطة أغصان الأشجار وأدوات البناء التقليدية.


مقالات ذات صلة

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس وقائد الجيش في آخر نشاط لهما معاً في 14 نوفمبر الحالي (وزارة الدفاع)

الجزائر: إقصاء الأحزاب الموالية للرئيس من الحكومة الجديدة

لاحظ مراقبون في الجزائر غياب «العمق السياسي» عن التعديل الحكومي الذي أحدثه الرئيس عبد المجيد تبون في حكومته.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (رويترز)

الجزائر: تعديل حكومي واسع يبقي الوزراء السياديين

أجرى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين، تعديلاً حكومياً احتفظ فيه وزراء الحقائب السيادية بمناصبهم، بعد أن كان الوزير الأول نذير عرباوي قدم استقالة…

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.