واشنطن تُلمّح إلى «اتفاق وشيك»... هل اقترب الوسطاء من «هدنة غزة»؟

وسط تشديد مصري على ضرورة وقف إطلاق النار

طفلة فلسطينية على رأسها وعاء بينما يتجمع آخرون بانتظار الطعام في شمال قطاع غزة (رويترز)
طفلة فلسطينية على رأسها وعاء بينما يتجمع آخرون بانتظار الطعام في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

واشنطن تُلمّح إلى «اتفاق وشيك»... هل اقترب الوسطاء من «هدنة غزة»؟

طفلة فلسطينية على رأسها وعاء بينما يتجمع آخرون بانتظار الطعام في شمال قطاع غزة (رويترز)
طفلة فلسطينية على رأسها وعاء بينما يتجمع آخرون بانتظار الطعام في شمال قطاع غزة (رويترز)

أعادت تلميحات أميركية إلى «اتفاق وشيك» محتمل بشأن «الهدنة في غزة»، الزخم من جديد لجهود إيجاد حل للأزمة بالقطاع، في ظل حديث مسؤولين بارزين في إسرائيل عن أن «الظروف مهيأة» لصفقة، وتأكيد مصري على «ضرورة وقف إطلاق النار».

جاء ذلك في وقت أكد فيه مصدر فلسطيني مطلع، السبت، أن مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة «متوقفة بقرار إسرائيلي». وقال المصدر لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، إن المسؤولين المصريين أبلغوا جهات فلسطينية في أعقاب لقاءاتهم الأخيرة مع الوفد الإسرائيلي المفاوض في القاهرة، بأن الوفد لم يحمل أي جديد.

وأضاف المصدر أن المفاوضات فعلياً متوقفة بقرار إسرائيلي منذ فترة، وكل الحديث عن تقدم «هو للتغطية الإعلامية على استمرار الحرب وقتل المدنيين الفلسطينيين».

في المقابل، رأى خبراء مصريون أن التفاؤل الأميركي بإمكان الوصول إلى صفقة يؤكد «استمرار المفاوضات التي لم تحمل جديداً خلال الأيام الماضية، ويؤكد قبول إسرائيل وحركة (حماس) بالمبادئ العامة لمقترح الرئيس الأميركي جو بايدن نهاية مايو (أيار) الماضي». وأشار هؤلاء الخبراء إلى أن «الترتيبات وصولاً إلى الهدنة في حاجة إلى مزيد من الوقت».

وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لواشنطن، خلال أيام، ستكون «فاصلة» في تحديد مستقبل نجاح التفاوض من عدمه.

وأكد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في تصريحات متلفزة الجمعة، أن هناك «موافقة من إسرائيل و(حماس) على مقترح بايدن، وأننا نتجه نحو الهدف النهائي» فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق، والأمر يتعلق الآن بالانتهاء من التفاوض بشأن «بعض التفاصيل المهمة»، دون أن يذكرها. ونقل إعلام إسرائيلي، السبت، عن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، قوله إن «حماس» مهتمة بالتوصل إلى صفقة لتبادل المحتجزين و«الأرض مهيأة» للتوصل إلى اتفاق.

بينما شددت مصر، بحسب مصدر وصفته قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، مساء الجمعة، بـ«رفيع المستوى»، على «ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن إقرار الهدنة في غزة».

أقارب فلسطيني قُتل خلال هجوم إسرائيلي في خان يونس (رويترز)

ورأى نائب مدير «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، اللواء محمد إبراهيم الدويري، أن هناك مسارين لمفاوضات غزة؛ الأول، مسار مبادئ وهو متفق عليه من الطرفين بالفعل، أما الثاني فهو مسار تفصيلات، تحدث عنها بلينكن، وقال إن «فيها بعض النقاشات، وقد تكون مرتبطة بالانسحاب الإسرائيلي من مناطق، أو بحث فتح معبر رفح، أو أعداد الأسرى، أو الوقف الدائم لإطلاق النار».

ورأى إبراهيم أنه لا يمكن اعتبار تصريحات بلينكن تأكيداً نهائياً على الذهاب لـ«هدنة»، مشيراً إلى أنه «لو تمت قراءة تصريحاته بتفاؤل فإنها ستكون تأكيداً لاستمرارية المفاوضات ووجود بعض التوافقات. غير أن هناك حاجة إلى وقت لحسم تفاصيل الاتفاق».

كما استبعد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، أن يكون قد جد جديد بين الوسطاء في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أن تصريحات بلينكن تأتي مقدمة «لزيارة نتنياهو الوشيكة لواشنطن واحتمال أن يعلن خلالها شيئاً ما بشأن الهدنة»، متوقعاً أن «تكون التفاصيل المهمة المتبقية التي تعرقل الاتفاق حالياً، هي ترتيبات ما بعد وقف الحرب».

وكانت القاهرة شهدت في 9 يوليو (تموز) الحالي، جولة جديدة من المسار التفاوضي لبحث تنفيذ مقترح بايدن الذي أعلنه نهاية مايو الماضي. واستكملت المفاوضات في الدوحة، قبل أن تعود لمصر من جديد، وسط تأكيدات أميركية بإحراز «تقدم» بالمسار التفاوضي.

واصطدم ذلك التقدم بحديث مسؤولين عسكريين في 12 يوليو الحالي، عن أن نتنياهو «أضاف مبادئ تتجاوز الاتفاقات مع الوسطاء» كان أبرزها استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على «ممرّ فيلادلفيا ومعبر رفح» اللذين احتلهما في مايو الماضي، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.

ولاقت إضافات نتنياهو رفضاً من «حماس»، ووصفها القيادي بالحركة، عزت الرشق، بأنها «تعطيل للاتفاق». كما صدرت تصريحات إعلامية لمصدر مصري رفيع المستوى يحذر من «عرقلة المفاوضات»، في إشارة إلى شروط نتنياهو الجديدة.

فلسطينيون في شاحنة صغيرة تسير بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)

في سياق ذلك، لا يرجح اللواء إبراهيم أن «تبرم صفقة هدنة قبل زيارة نتنياهو لواشنطن، المقررة الأسبوع الحالي»، مستبعداً أن «تحقق الضغوط الإسرائيلية الداخلية أي حسم للصفقة قبل الزيارة»، آخذاً في الاعتبار «حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي على تحقيق أكبر مكسب من الزيارة وعدم تقديم تنازلات بقبول الاتفاق تؤدي إلى إسقاط حكومته».

وأشار إبراهيم إلى أمرين؛ الأول تصريحات لمسؤولين إسرائيليين يؤكدون أن تصريحات بلينكن قد تكون خطوة أخيرة قبل التوصل إلى اتفاق وما تبقى من نقاط عالقة بحاجة لتفاصيل سيبحثها نتنياهو مع بايدن خلال الزيارة، والثاني ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» من أن وفد التفاوض الإسرائيلي لن يعود لطاولة المفاوضات قبل عودة رئيس الوزراء من واشنطن. ورأى أن الصراع الانتخابي الأميركي تجاوز الوضع في غزة، ولم يعد محوراً رئيسياً، خصوصاً بعد تدمير القطاع، وتراجع زخم القضية. لكنه قال إن بايدن بالطبع «حريص على إتمام الصفقة نسبياً لتحقيق مكسب انتخابي، ونتنياهو غير حريص بالمرة لأنه لا يريد أن يهدد حكومته».

إلا أن السفير الحفني أشار إلى أن «إعلان وقف الحرب خلال زيارة نتنياهو لواشنطن قد يحدث ضجة كبيرة، وهو أمر لن يحدث؛ إلا إذا حصلت تل أبيب على صفقة ومكاسب أخرى من واشنطن مقابل إتمام الهدنة، خصوصاً أنها دمرت القطاع وأضعفت بشكل كبير قدرات (حماس)».

ومنذ اندلاع الحرب قبل 10 أشهر، شهدت غزة هدنة واحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم تستمر إلا نحو أسبوع، تضمنت تبادل أسرى وإدخال مساعدات إغاثية، قبل أن يدخل الوسطاء نحو نصف عام بين «مناورات» و«تعقيدات» من قبل طرفي الحرب لم تسفر عن هدنة ثانية.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تدعو إلى إتمام «هدنة غزة» سريعاً

خاص زحمة في سوق بخان يونس بالتزامن مع أنباء عن قرب التوصل إلى هدنة (رويترز)

بريطانيا تدعو إلى إتمام «هدنة غزة» سريعاً

دعت بريطانيا إلى إتمام اتفاق بين إسرائيل و«حماس» يقضي بوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإطلاق الأسرى «في أقرب وقت».

نجلاء حبريري (لندن)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

إسرائيل و«حماس» تتوصلان لاتفاق لوقف النار في غزة

قال مسؤول مطلع لـ«رويترز»، الأربعاء، إن إسرائيل وحركة «حماس» اتفقتا على وقف القتال في غزة وتبادل للرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية غزيون يتفقدون الدمار الذي خلَّفته غارة إسرائيلية على مدرسة الفارابي وسط مدينة غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

إسرائيل تستعد لتشويش «أفراح حماس» عند تنفيذ الصفقة

تحتل مهمة التشويش على ما يسمى في تل أبيب «أفراح حماس» مكانة رفيعة.

نظير مجلي (تل أبيب)
تحليل إخباري رد فعل امرأة وهي تتفقد الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين وسط غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل تكون خطة «اليوم التالي» في غزة «نقطة خلاف» جديدة؟

وسط جهود مكثفة نحو تنفيذ هدنة جديدة في قطاع غزة، تزايد الحديث عن خطة «اليوم التالي» لانتهاء الحرب، كان أحدثها تصريحات أميركية شملت تفاصيل، بينها وجود أجنبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي أنباء عن التوصل لاتفاق بشأن غزة (د.ب.أ) play-circle 01:33

«حماس» وافقت على اتفاق وقف النار... واجتماع مرتقب لحكومة نتنياهو لإقراره

وافقت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» شفهياً على اتفاق وقف النار في غزة، فيما تستعد الحكومة الإسرائيلية للاجتماع لإقراره.

«الشرق الأوسط» (لندن)

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
TT

جزائريون يشنّون حملة بفرنسا ضد «تمجيد» أحد رموز الاستعمار

مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)
مظاهرة لجزائريين بمدينة ليون بفرنسا لإزالة اسم المارشال بيجو من شارع رئيسي (ناشطون جزائريون بفرنسا)

في حين تغرق العلاقات بين الجزائر وباريس في دوامة من التوترات، جدّد جزائريون يعيشون بوسط فرنسا حملة سبق أن أطلقوها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لنزع اسم حاكم عسكري بالجزائر خلال القرن الـ19، اشتهر بالبطش ضد قبائل قادت ثورات عسكرية، بهدف طرد الاستعمار الفرنسي من البلاد.

مبادرة الجالية الجزائرية في فرنسا تأتي في وقت تتفاقم فيه التوترات بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

القصة بدأت قبل عدة أسابيع، عندما بدأت «جمعية فرنسيين من أصول جزائرية» تنشط بمدينة ليون، تضغط على عمدتها غريغوري دوسيه، من أجل استبدال اسم المارشال توماس بيجو (1784-1849) من شارع رئيسي بالدائرة السادسة بالمدينة، بحجة أن «الإبقاء عليه تمجيدٌ لمجرم حرب، وإهانة لنا، ولجميع الفرنسيين الذين يؤمنون بقيم الجمهورية والقيم الإنسانية لبلدنا فرنسا»، وفق ما كتبه ناشطو الجمعية في حساباتهم بالإعلام الاجتماعي.

ونظم مئات الأشخاص، عدد منهم يحمل جنسيتي البلدين، وآخرون هاجروا من الجزائر إلى فرنسا في بداية الألفينات، مظاهرة الأحد الماضي في الشارع، الذي يحمل اسم بيجو، لمطالبة رئيس البلدية دوسيه بإلغاء اسمه من المكان، على أساس أنه «عرف بمجازره التي ارتكبها في الجزائر في القرن التاسع عشر».

ووصف المتظاهرون أنفسهم بأنهم «أبناء مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، الذين تم خنقهم وحرقهم أحياء على يد مارشال فرنسا توماس بيجو»، الذي حكم الجزائر من 1830 إلى 1840.

اسم المارشال بيجو على اللوحة في باريس قبل نزعه (متداولة)

ويناضل المحتجون ليحمل الشارع، الذي يقع بالقرب من القنصلية الجزائرية، اسم «شارع 17 أكتوبر 1961»، تكريماً لـ297 جزائرياً نكّل بهم محافظ شرطة باريس، موريس بابون، عندما خرجوا في مظاهرات في ذلك التاريخ لدعم ثورة التحرير (1954-1962)، التي كانت على وشك الحسم مع الاستعمار.

ووفق الصحافة المحلية في ليون، فقد أعلن غريغوري دوسيه منذ فترة عن دعمه لفكرة تغيير تسمية شارع بيجو، وأكدت أنه «من المتوقع أن تطلق مدينة ليون في الأسابيع المقبلة لجنة من الخبراء لإجراء جرد للشارع والتماثيل، وكذا اللوحات والمواقع التي تُثير الجدل، وتقديم حلول لكل منها».

عمدة مدينة ليون غريغوري دوسيه (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

من جهته، أعلن «الاتحاد الجزائري»، وهو جمعية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، عزمه رفع دعوى قضائية ضد دوسيه بتهمة «تمجيد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، مقترحاً أن يصبح شارع بيجو «شارع كاميل بلان»، عمدة إيفيان-ليه-بان، الذي جرى اغتياله عام 1961 من قِبَل «منظمة الجيش السري»، في حين كان يناضل من أجل السلام في الجزائر.

وقتلت هذه المنظمة المئات من الأشخاص في الجزائر غداة الإعلان عن استقلالها عام 1962، رافضة فكرة خروج فرنسا منها.

عمدة باريس تشرف على إعادة تسمية الشارع بالدائرة 16 (بلدية باريس)

وفي حين يستمر الجدل في ليون، حسمت عمدة باريس، آن هيدالغو، القضية نفسها عندما نزعت في 14 من أكتوبر الماضي، اسم المارشال بيجو من طريق رئيسي بالدائرة رقم 16 «بسبب دوره السيئ في الجزائر؛ حيث ارتكب ما يمكن أن يعد اليوم جرائم حرب»، وفق بيان للعمدة التي تنتمي لليسار، والتي سمّت الطريق نفسه باسم هوبرت جيرمان، أحد رموز تحرير فرنسا من ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتتزامن هذه التطورات مع اقتراب العلاقات بين البلدين من القطيعة، بعد أن اشتدت الأزمة بين البلدين في يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلنت باريس دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، وهو ما أثار سخط الجزائر، التي سحبت سفيرها فوراً، وألغت ترتيبات زيارة كانت ستقود الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا في خريف العام الماضي.

جانب من المظاهرة بدعم من الحزب الشيوعي الفرنسي (متداولة)

ومع ذلك ظل هدير الأزمة صامتاً، على الرغم من الحملات التي شنّها اليمين الفرنسي المتطرف بهدف إلغاء «اتفاق الهجرة 1968»، الذي يؤطر مسائل الإقامة والدراسة والعمل والتجارة، و«لمّ الشمل العائلي»، بالنسبة للجزائريين في فرنسا.