حكومة السودان تحضر «جنيف الإنسانية» وتتمسك بــ«منبر جدة»

مجلس الأمن دعا إلى مزيد من الخطوات الإيجابية للسماح بتيسير وصول المساعدات

البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)
البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)
TT

حكومة السودان تحضر «جنيف الإنسانية» وتتمسك بــ«منبر جدة»

البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)
البرهان مستقبلاً المبعوث الأممي إلى السودان رمطان لعمامرة في يناير الماضي (وكالة السودان للأنباء)

أعلنت الحكومة السودانية، اليوم، موافقتها على المشاركة في مداولات غير مباشرة بمدينة جنيف السويسرية بشأن الأوضاع الإنسانية، وذلك استجابة لمبادرة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة. وذكر بيان صادر من مكتب وزير الثقافة والإعلام المتحدث باسم الحكومة، جراهام عبد القادر، أن قرار المشاركة جاء تماشياً مع «واجبها الوطني تجاه مواطنيها، وتماشياً مع التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وحرصاً منها على التعاون والارتباط الإيجابي البنَّاء مع الأمم المتحدة، ممثلة في المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة». ويترأس الوفد الممثل لحكومة السودان في هذه المداولات السيدة سلوى آدم بنية، مفوضة العون الإنساني، ويضم ممثلين للوزارات والجهات ذات الصلة بالعمل الإنساني.

ترقب سوداني وتبرير حكومي

ويترقب السودانيون نتائج المحادثات غير المباشرة التي بدأت في جنيف برعاية أممية بين وفدي الحكومة السودانية؛ و«قوات الدعم السريع»، بهدف توفير المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين. وخلال يومين من انطلاقة المفاوضات تغيب وفد الحكومة عن المحادثات، في حين قال مصدر دبلوماسي لــ«الشرق الأوسط» إن بعثة الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص للسودان رمطان لعمامرة، واصلت النقاشات مع وفد «قوات الدعم السريع». وحول غياب وفد الحكومة من المشاورات، يقول وزير الإعلام السوداني، إن وفده «لم يتلقَّ أي أجندة أو برنامج عن هذه المداولات، منذ وصوله إلى جنيف، قبل بضعة أيام». وأضاف: «طُلِب من الوفد الذهاب إلى قصر المؤتمرات بجنيف خلافاً للطبيعة غير المباشرة للمناقشات غير المباشرة، وهو أمر لم ير فيه الوفد الحكومي داعياً، ويتناقض مع التفاهم حول عدم الإشهار الإعلامي لهذه المناقشات؛ الأمر الذي طالب به الممثل الشخصي للأمين العام».

وأعلنت الأمم المتحدة، الخميس، وصول وفدَي الحكومة و«قوات الدعم السريع» إلى جنيف لحضور مباحثات «غير مباشرة» يعقدها المبعوث الشخصي للأمين العام للسودان، رمطان لعمامرة. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إنه تمت دعوة الوفدين لبدء مناقشات مع المبعوث الشخصي، مضيفاً: «للأسف أحد الوفدين لم يحضر الجلسة المقررة»، في حين اجتمع المبعوث الشخصي وفريقه مع الوفد الآخر وفق ما كان مقرراً. ووفق دوجاريك، دعا رمطان لعمامرة الوفدين إلى مواصلة النقاش المقرر على مدى بضعة أيام. ورفض المتحدث باسم الأمم المتحدة الإدلاء بمعلومات عن الوفد الذي لم يحضر جلسة الخميس مع المبعوث الشخصي.

ستيفان دوجاريك (رويترز)

وفي تصريحات صحافية ليل الجمعة - السبت، قال دوجاريك إن المناقشات ستستمر خلال عطلة نهاية الأسبوع «بصيغ مختلفة وفي أماكن مختلفة».
وذكر: «المهم هو أن نبقى على تواصل مع كلا الوفدين». وقال دوجاريك إن «الوضع الإنساني في السودان يتدهور كل يوم، ويؤثر بشكل مروع على السكان المدنيين، لا نستطيع الوصول إلى الكثير من الناس المحتاجين إلى المساعدة». وأضاف أن ما ينشده لعمامرة هو أن يرتقي الوفدان السودانيان إلى مستوى التحدي، وينخرطا في مناقشات بناءة من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني.

مجلس الأمن يرحب بجنيف

من جهة ثانية، رحب أعضاء مجلس الأمن الدولي، في بيان صحافي، ليل الجمعة، بجهود رمطان لعمامرة، وأعربوا عن «قلقهم البالغ» بشأن الوضع الإنساني الصعب وانعدام الأمن الغذائي الحاد في السودان، واستمرار انتهاكات القانون الدولي والأثر الفادح الذي يخلفه الصراع الحالي على المدنيين، من بينهم النساء والأطفال.
ودعا الأعضاء الطرفين إلى استغلال فرصة المحادثات للاتفاق على خطوات لتنفيذ تلك الأهداف بشكل عاجل، والعمل باتجاه الإنهاء المستدام للأزمة في السودان. كما دعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الطرفين إلى الاتفاق على مزيد من الخطوات للسماح وتيسير الوصول الإنساني الآمن وبدون عوائق إلى السودان وفي أنحائه.
ودعوا جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يثير الصراع وعدم الاستقرار، وأن تدعم بدلاً من ذلك جهود الوساطة من أجل السلام المستدام. وحث أعضاء المجلس الطرفين على تهدئة التصعيد ووقف الأعمال القتالية وضمان حماية المدنيين، بما في ذلك في الفاشر، بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

تمسك حكومي بمنبر جدة

من جهتها، أكدت الحكومة السودانية، أنها «لا ترى داعياً لإنشاء منبر جديد للوساطة، معلنة تمسكها بمنبر جدة وتعهداته وضرورة تنفيذ تلك التعهدات التي أُبرمت فيه، كما جددت تأكيدها بأنها لن تقبل التعامل مع أي جسم بديل أو موازٍ بشأن الإغاثة الإنسانية خلافاً للكيان الحكومي المختص بذلك، وهو مفوضية العون الإنساني واللجنة العليا للطوارئ الإنسانية». وتعهدت الحكومة السودانية بـ«الالتزام بالتعاون الإيجابي مع الأمم المتحدة في كل ما من شأنه تخفيف المعاناة عن شعبنا والتوصل إلى رؤية مشتركة بشأن توصيل الإغاثة للمحتاجين والنازحين في المناطق المتضررة»، وأشارت إلى حرصها على «توصيل المساعدات الإنسانية إلى المواطنين السودانيين في المناطق التي تتواجد بها ميليشيا (الدعم السريع)، وقد يسرت مؤخراً دخول أكثر من 460 شاحنة إغاثة إنسانية عبر معبر الطينة حصراً على مواطنيها في تلك المناطق».
ونص إعلان مبادئ جدة الموقع بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في مايو (أيار) العام الماضي في مدينة جدة، على الالتزام بضمان حماية المدنيين، والسماح بمرور آمن للمدنيين السودانيين لمغادرة مناطق القتال. وأكد الطرفان على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين.

توصيل المساعدات الإنسانية

ويشهد السودان قتالاً عنيفاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023. بسبب خلافات سياسية وأمنية، أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين. ولم تفلح وساطات متعددة قادتها جهات مختلفة إقليمية ودولية في إنهاء القتال. وقال قيادي رفيع في «قوات الدعم السريع» على صلة وثيقة بالملف، إن وفدهم في جنيف ناقش مع المسؤولين الأمميين سبل توصيل المساعدات عبر نقاط اتصال تسهل عملية المرور وفتح الممرات الإنسانية الآمنة للمدنيين. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الوفد ناقش بشفافية وأجاب عن كل الاستفسارات من قبل الأمم المتحدة، مؤكداً «الالتزام الصارم لـ(قوات الدعم السريع) بالقانون الدولي الإنساني، واستعدادها للانخراط بشكل أكبر في أي عملية تفاوض تمكن من وصول المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في السودان».

قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يصافح لعمامرة في وقت سابق بأوغندا (إكس)

وقال القيادي إن الوفد خلال المناقشات قدم شرحاً وافياً إلى الأمم المتحدة عن «القيود البيروقراطية وغيرها من العراقيل التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية؛ بعدم منح التصاريح والأذونات الأمنية، وعمليات التفتيش للعاملين في المجال الإنساني». ورحَّبت «قوات الدعم السريع» في بيان على منصة «إكس»، بالدعوة التي تقدمت بها الأمم المتحدة لإجراء محادثات في العاصمة السويسرية جنيف مع وفد القوات المسلحة، حول تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.


مقالات ذات صلة

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

السودان: 40 قتيلاً في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

أفاد طبيب بمقتل 40 شخصاً «بالرصاص» في السودان، بهجوم شنّه عناصر من «قوات الدعم السريع» على قرية بولاية الجزيرة وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جلسة مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان (د.ب.أ)

حكومة السودان ترحب بـ«الفيتو» الروسي ضد «مشروع وقف النار»

رحّبت الحكومة السودانية باستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، اليوم (الاثنين)، ضد مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن بشأن السودان.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».