دخلت الأزمة الليبية مزيداً من التأزّم، على أثر اندلاع خلاف جديد بين رئيسيْ مجلسي الأعلى للدولة محمد تكالة، و«النواب» عقيلة صالح، دفعت الأول إلى تعليق مشاورات كانت مزمعة بالقاهرة قبل نهاية الأسبوع الحالي.
وجاء التوتر الأحدث في العلاقات على خلفية اعتماد مجلس النواب «منفرداً» مشروع قانون الموازنة العامة لحكومة أسامة حمّاد، التي تتخذ من شرق ليبيا مقراً لها، دون عرضه على «الأعلى للدولة» لدراسته، وفق طلبه.
وتُعد هذه الموازنة هي الكبرى في تاريخ ليبيا، إذ تُقدَّر بـ179 مليار دينار، بعدما أضيفت إليها مخصصات تُقدَّر بـ89 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.84 دينار في السوق الرسمية).
وفي أول تصعيد من تكالة باتجاه اعتراضه على إقرار الموازنة العامة، أرسل خطاباً إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لإخطاره بتعليق المشاركة في أي مشاورات أو حوار مع مجلس النواب، بسبب «ما يصدر عنه من قرارات بالمخالفة للاتفاقات السياسية السابقة»، في إشارة إلى إقرار قانون الموازنة العامة لعام 2024.
وقال تكالة، في رسالته، إنه تلقّى دعوة بشأن استضافة الجامعة العربية الجولة الثانية من الحوار، بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس «النواب»، مُبدياً أسفه لعدم تلبية الدعوة لاعتقاده «بعدم جدوى حضور مثل هذه اللقاءات نتيجة عدم رغبة مجلس النواب في تحقيق أي تقدم على طريق حلحلة الأزمة، بل سعيه لاستخدامها للمناورة واستهلاك الوقت».
وقرر رئيس مجلس الدولة تعليق المشاركة في أي مشاورات أو حوار مع مجلس النواب، «إلى حين معالجة القضايا العالقة، وفي مقدمتها قانون الميزانية، وإزالة ما ترتّب على إصدار مجلس النواب منفرداً من آثار».
وسبَق أن اجتمع المنفي وصالح وتكالة في جامعة الدول العربية بالقاهرة، في العاشر من مارس (آذار) الماضي، وبحثوا أزمة القوانين الانتخابية، على أمل اللقاء مجدداً في جولة ثانية من المباحثات.
ويرى سياسيون أن توقف المشاورات بين صالح وتكالة يعمّق الأزمة السياسية، المتجمدة بالأساس، لكنهم يُعوّلون على «لجنة الاتصال» المشكَّلة من المجلسين من قبل لحل الأزمة العالقة، الخاصة بقوانين الانتخابات العامة.
وتعبيراً عن تمسكه برفض إقرار الموازنة، سارع تكالة بمخاطبة محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، وطالبه بعدم تنفيذ قانون الموازنة. وقال إن مجلس النواب «خالف نصوص الاتفاق السياسي، التي تقضي بقيام الحكومة بوصفها الجهة المختصة بعرض مشروع قانون الميزانية على المجلس الأعلى للدولة؛ لإبداء الرأي المُلزِم فيه، ومن ثم إحالته إلى مجلس النواب؛ لمناقشته وإقراره، وهو ما لم يحدث».
وكان الكبير قد عقد اجتماعاً موسعاً عبر «الفيديو» مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا (السويد - النمسا - بلجيكا - ألمانيا - الدنمارك - إسبانيا - فرنسا - اليونان - آيرلندا - إيطاليا - مالطا - هولندا - المجر). وأوضح المصرف أن اللقاء يأتي في إطار الاجتماعات الدورية للإحاطة بآخِر تطورات الوضع الاقتصادي، واعتماد «ميزانية موحدة»، ومناقشة مستجدّات توحيد المصرف المركزي، بالإضافة إلى دور دول الاتحاد في دعم مشاريع إعادة الإعمار، وبناء القدرات البشرية والمؤسساتية للمصرف، وباقي مؤسسات ليبيا.
ولم تعلق حكومة عبد الحميد الدبيبة على إقرار مشروع الموازنة العامة، في حين رحبت بها غريمتها في شرق ليبيا بقيادة حماد، بوصفها «الميزانية الموحدة لجميع الدولة».
وتشهد العملية السياسية في ليبيا جموداً منذ فشل السلطات في إجراء الانتخابات نهاية 2021، في حين تسعى ستيفاني خوري، المبعوثة الأممية بالإنابة، لجمع أفرقاء الأزمة على طاولة حوار لحل الملفات الخلافية بشأن الانتخابات.
وفي حين كانت الأجواء تزداد توتراً بين المجلسين المعنيين بمناقشة القضايا التشريعية، التقت خوري بالأعضاء المنتخبين في لجنة الاتصال الليبية بين مجلسي النواب و«الأعلى للدولة».
التقيت اليوم بالأعضاء المنتخبين في لجنة الاتصال الليبية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. ناقشنا سبل الدفع بعملية سياسية يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتيسرها الأمم المتحدة بدعم دولي، بهدف معالجة الانسداد الراهن. pic.twitter.com/PK67FTkyco
— Stephanie Koury (@stephaniekoury1) July 11, 2024
وقالت البعثة، مساء الخميس، إن خوري ناقشت مع «النواب» سبل الدفع بـ«عملية سياسية» يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتيسرها «الأمم المتحدة» بدعم دولي، بهدف معالجة الانسداد الراهن.
ومن جهتها، قالت خوري إن اللقاء تناول أيضاً «الوضع الأمني الهش والمخاوف المستمرة بشأن حقوق الإنسان، كما جرى استعراض الأوضاع الاقتصادية، مع التشديد على أهمية إرساء مبادئ المساءلة والحوكمة الرشيدة لموارد الدولة».
يأتي ذلك في وقت ناقشت فيه مجموعة العمل الأمنية، المنبثقة عن «عملية برلين»، بحضور خوري، «سبل دعم المؤسسات الأمنية الليبية والأطراف الفاعلة في تحقيق السلام والاستقرار المستدامين».
وقالت البعثة الأممية، مساء الخميس، إن الاجتماع الذي ضم أيضاً الرؤساء المشاركين من كل من فرنسا والمملكة المتحدة، وإيطاليا وتركيا والاتحاد الأفريقي، ناقش «الخطوات التي يمكن اتخاذها لدعم الجهود الليبية في توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وبناء الثقة وتعزيز احترام اتفاق وقف إطلاق النار».
في شأن مختلف، وفي حين أطلق مسلّحون مجهولون بمدينة مصراتة سراح الناشط السياسي المعتصم العريبي، بعد اعتقاله لأربعة أيام، تحدثت منظمات حقوقية، اليوم الجمعة، عن توقيف الصحافي أحمد السنوسي، رئيس تحرير صحفية «صدى» الاقتصادية، من قِبل جهاز الأمن الداخلي بطرابلس.