أميركا وروسيا... قطبان زادتهما «حرب النفوذ» في ليبيا تنافراً

يناكفان سياسياً بملفي «فاغنر» و«سيف القذافي»

حفتر مستقبلاً نائب وزير الدفاع الروسي يفكوروف في يناير 2024 (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً نائب وزير الدفاع الروسي يفكوروف في يناير 2024 (القيادة العامة)
TT

أميركا وروسيا... قطبان زادتهما «حرب النفوذ» في ليبيا تنافراً

حفتر مستقبلاً نائب وزير الدفاع الروسي يفكوروف في يناير 2024 (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً نائب وزير الدفاع الروسي يفكوروف في يناير 2024 (القيادة العامة)

تكثّف واشنطن وموسكو من وجودهما وتحركاتهما على الساحة الليبية، بداعي حلحلة الأزمة السياسية المعقّدة، بما يضمن التوفيق بين الفرقاء، لكن هذه المساعي تصطدم بمخاوف ليبيين، يرونها مجرد «حرب باردة على توسيع النفوذ».

واتسعت الساحة الليبية، منذ رحيل النظام السابق، لكثير من الأطراف والأقطاب الدولية المتنافرة والمتعارضة سياسياً، وبات جميعها، بما فيها أميركا وروسيا، يعمل، بحسب متابعين، على «رسم خريطة ليبيا، على نحو يخدم مصالحها الاستراتيجية».

حفتر مستقبلاً في لقاء سابق وفداً أميركياً تتقدمه مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا آي ليف (القيادة العامة)

فمن مكاتب الساسة في ليبيا إلى قاعة الجلسات الرئيسية بمجلس الأمن الدولي، تظهر ملامح تزايد هذا التنافر الأميركي الروسي، إذ يحرص مندوب كل منهما على التحدث في ملفات تزعج الطرف الآخر، وهو الأمر الذي يعيد طرح السؤال حول ما هي مقاصدهما في ليبيا؟

وأمام تزايد مخاوف وهواجس الليبيين مما يسمونه مناكفات أميركية روسية، يفسر الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، هذا الأمر بأن «من يكسب ليبيا فقد كسب عملياً قرابة 10 دول أفريقية للعمل فيها، والوصول إلى المآرب السياسية الاستراتيجية بعيدة المدى لـ50 عاماً مقبلة».

ويتحدث أوغلو إلى «الشرق الأوسط» عن أن روسيا وموسكو وبعض اللاعبين الآخرين يستغلّون، من وراء ستار، الانقسام الحاصل بين شرق ليبيا وغربها.

وفيما لم يستبعد أوغلو أن تكون رغبة هذه الأطراف الدولية هي «السيطرة على موارد البترول بشكل أساسي ومباشر»، قال إن «هناك غرضاً آخر، يتمثل في ليّ ذراع وكسر عظم الطرف الآخر، عندما يمدد نفوذه إلى مزيد من الدول في أفريقيا».

خلال لقاء سابق لحفتر بوفد أميركي في مكتبه بمدينة بنغازي (القيادة العامة)

ولوحظ أن الولايات المتحدة، ممثلة في مبعوثها الخاص ريتشارد نورلاند، تكثف جهودها الدبلوماسية من طرابلس العاصمة (غرباً) إلى بنغازي (شرقاً)، داعية إلى خريطة طريق «ذات مصداقية» توحّد الفرقاء السياسيين. كما أجرى نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، أكثر من زيارة إلى مقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» برئاسة المشير خليفة حفتر، فسّرها متابعون بأنها «لدعم تمدد بلاده في أفريقيا من بوابة ليبيا».

حالة روسيا وأميركا في ليبيا شبّهها مركز «أبعاد» للدراسات الاستراتيجية بـ«الحرب الباردة» خلال السنوات الماضية، وقال إنها «ازدادت بشكل تدريجي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا». غير أن سياسيين ليبيين يرون أن «حرب النفوذ» بين القطبين «تتزايد، ما قد يدخل البلاد في دوامة في مقبل الأيام طبقاً لأجندة كل منهما».

ويرى المركز أنه في مقابل التحرك الأميركي بين غرب ليبيا وشرقها، الذي يستهدف إنهاء الانقسام السياسي، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تفرز سلطة جديدة، ردّت روسيا بترقية علاقتها مع شرق ليبيا إلى المستوى الرسمي، بعد أن كانت تعتمد على عناصر «فاغنر»، كما مدّت جسور التواصل مع سلطات طرابلس «لتفويت الفرصة على المحاولات الأميركية الرامية إلى تطويق نفوذها».

حفتر يلتقي في مكتبه قائد القوات المشتركة (الأفريكوم) الجنرال مايكل لانجلي (القيادة العامة)

وفي إحاطة أمام مجلس الأمن منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تناول المندوب الأميركي، روبرت وود، بعض الملفات الشائكة التي تزعج روسيا، متحدثاً عن «القلق إزاء الانتهاكات لحظر توريد الأسلحة في ليبيا». وأشار إلى أنشطة مجموعة «فاغنر» التي تدعمها روسيا، ووصفها حينها بأنها «مجموعة إجرامية دولية لا تبالي بسيادة ليبيا أو بالدول المجاورة لها».

ولم يفوّت مندوب روسيا لدى مجلس الأمن الفرصة، فتساءل عن «الجهاز الأمني الذي تدربه الولايات المتحدة في ليبيا». غير أن السلطات الليبية في غرب ليبيا نفت الأمر.

وإلى جانب الإشكاليات الأمنية والمخاوف الأميركية من وجود عناصر «فاغنر» في ليبيا لمساندة «الجيش الوطني» بقيادة حفتر، تجددت المناكفات السياسية بين موسكو وواشنطن، عادة حول سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، بعد مطالبة الأخيرة غير مرة، سلطات البلاد بضرورة تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتدافع موسكو عن حقّ سيف الإسلام في خوض الحياة السياسية بصفته «مواطناً ليبياً له كل الحقوق القانونية والدستورية».

ويرى رئيس حزب «صوت الشعب»، فتحي الشبلي، أن ما يحدث بين روسيا وأميركا في أوكرانيا انعكس على كل الساحات الدولية الأخرى، خاصة أفريقيا، ومنها ليبيا.

ويعتقد الشبلي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن الصراع بين هذين القطبين «لم يعد صراع نفوذ، بل أصبح صراع وجود»، وقال: «هذا هو الخطر الذي نبهنا إليه السياسيين الليبيين؛ تحويل البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة بين الروس والأميركان».

وفتح الانقسام السياسي، الذي تعيشه ليبيا، باباً واسعاً لتغوّل قوى دولية في الشؤون الداخلية للبلاد. وبحسب ما يعتقد سياسيون وأكاديميون، فإن روسيا تأتي في مقدمة هذه الأطراف، ويرون أنها «طوّرت من وجود قوات تابعة لها في ليبيا بتمدد نفوذها»، عبر ما يعرف بـ«الفيلق الأفريقي».

خالد حفتر مستقبلاً نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (القيادة العامة)

والحديث عن وجود قوات روسية في ليبيا ليس جديداً، لكن اتجاه موسكو لتعزيز هذا الوجود منذ أشهر قليلة، بعد نقل قوات وعتاد إلى مناطق في شرق البلاد، زاد منسوب المخاوف والتحذيرات، ليس لدى قوى محلية فقط، بل دولية أيضاً، ومن بينها أميركا وأوروبا.

والتشكيل العسكري الروسي الجديد، أو ما يعرف بـ«فيلق أفريقيا»، تم الكشف عنه مطلع عام 2024، ودلّت تقارير على أنه يستهدف انطلاق موسكو إلى دول أفريقية من بوابة ليبيا، بقصد «دعم مصالح روسيا في القارة السمراء»، لكن روسيا تتمسك بنفي ذلك.

وينتهي الأكاديمي التركي أوغلو إلى الاستنتاج أن «الأمر ليس مقتصراً على السيطرة على أفريقيا، بقدر ما هو معتمد على رؤية أميركا وروسيا للقرن المقبل». ويرى أن «من يستطيع منهما السيطرة على أكثر الملفات سخونة، أو التي قد تكون لاحقاً ساخنة في أكثر من قارة، وفي أكثر من إقليم جيوسياسي، هو من يفرض شروطه أو يحقق أهدافه».


مقالات ذات صلة

توقيف مسؤول أمني ليبي في إيطاليا

شمال افريقيا مؤسسة الإصلاح والتأهيل قسم النساء بطرابلس (المكتب الإعلامي للمؤسسة)

توقيف مسؤول أمني ليبي في إيطاليا

التزمت السلطة التنفيذية في ليبيا الصمت إزاء خبر اعتقال أنجيم، آمر جهاز السلطة القضائية، من قبل السلطات الإيطالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب للقاء بعض أعضائه مع خوري في بنغازي

خوري تناقش في بنغازي «مبادرة» البعثة لكسر الجمود السياسي بليبيا

ناقشت خوري خلال زيارة مفاجئة للمرة الأولى إلى مقر مجلس النواب في بنغازي، مع بعض أعضائه، العملية السياسية التي تعتزم البعثة الأممية تيسيرها.

خالد محمود (القاهرة)
تحليل إخباري جانب من حضور الناظوري والحداد مؤتمراً سابقاً نظّمته «أفريكوم» لوزراء الدفاع ورؤساء الأركان لجيوش دول قارة أفريقيا (رئاسة أركان حكومة «الوحدة»)

تحليل إخباري هل ينجح «تخفيف» حظر تصدير السلاح إلى ليبيا في توحيد جيشها؟

أعاد قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن وضع «استثناءات» على حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، قضية توحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة، إلى واجهة الأحداث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عربية محمود عبد المنعم «كهربا» (النادي الأهلي)

الأهلي المصري يوافق على إعارة كهربا للاتحاد الليبي

وافقت إدارة الأهلي المصري على عرض فريق الاتحاد الليبي لاستعارة لاعب الفريق الأحمر لكرة القدم محمود عبد المنعم «كهربا» لمدة 6 شهور.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مؤتمر صحافي لإعلان انطلاق المرحلة الثانية من انتخابات البلدية في ليبيا (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تبدأ التحضير للجولة الثانية من الانتخابات البلدية في 63 مجلساً

قالت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، الأحد، إن المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية ستجري على مستوى 63 مجلساً.

خالد محمود (القاهرة )

القضاء التونسي يواصل استجواب المتهمين في قضية اغتيال بلعيد «عن بعد»

شكري بلعيد (أ.ف.ب)
شكري بلعيد (أ.ف.ب)
TT

القضاء التونسي يواصل استجواب المتهمين في قضية اغتيال بلعيد «عن بعد»

شكري بلعيد (أ.ف.ب)
شكري بلعيد (أ.ف.ب)

واصلت السلطات القضائية في تونس جلسات استجواب للمتهمين في قضية اغتيال شكري بلعيد، التي انطلقت أمس (الاثنين)، «عن بعد»، وذلك بسبب تهديدات أمنية، بحسب ما أورده تقرير لـ«وكالة الصحافة الألمانية».

وصدر قرار في وقت سابق الشهر الحالي بإجراء الجلسات في قضية اغتيال بلعيد عن بعد، في خطوة تعد الأولى للمحكمة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب، وذلك بسبب «خطر حقيقي ملم». وقالت المحكمة في بيان لها، إن هذه الإجراءات «سيستمر العمل بها إلى حين البت في القضية». وتشمل قائمة المتهمين في القضية 23 متهماً، من بينهم 14 بحالة إيقاف في السجن.

وصدرت في مارس (آذار) 2024، أحكام بالإعدام بحق 4 من المتهمين، وبالسجن مدى الحياة لاثنين، والسجن لمدة تتراوح بين 4 سنوات و30 سنة ضد 12 متهماً آخرين، وبالإفراج عن 5 متهمين. واغتيل بلعيد المحامي والأمين لحزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد» في 6 فبراير (شباط) عام 2013، بالرصاص من جانب متشددين أمام مقر سكنه.

وشهدت الجلسة حضور جميع أعضاء هيئة الدفاع عن بلعيد، إلى جانب محامي المتهمين. وستستمر هذه المحاكمة وسط اهتمام واسع من الرأي العام، بالنظر إلى أهمية القضية وتأثيرها على المشهدين السياسي والقضائي في تونس.

وكانت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، قد أصدرت في 26 مارس الماضي، أحكامها في قضية اغتيال بلعيد، وذلك بعد استكمال الأبحاث من قبل المحكمة، واستنطاق المتهمين أواخر شهر فبراير الماضي، حين تم الاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع عن بلعيد، ومرافعة النيابة العمومية ومحامي المتهمين.

وجاء الحسم في ملف اغتيال بلعيد بعد أن استنكر الرئيس قيس سعيد طول إجراءات التقاضي ومدة الإيقاف.