مصر: خطط تسويقية «مرنة» بقناة السويس لمواجهة «توترات» البحر الأحمر

بعد تراجع عائداتها بنسبة 50 %

سفن شحن تعبر قناة السويس المصرية (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)
سفن شحن تعبر قناة السويس المصرية (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)
TT

مصر: خطط تسويقية «مرنة» بقناة السويس لمواجهة «توترات» البحر الأحمر

سفن شحن تعبر قناة السويس المصرية (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)
سفن شحن تعبر قناة السويس المصرية (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)

في محاولة لمواجهة «توترات» البحر الأحمر، وضعت هيئة قناة السويس المصرية خطة تسويقية ضمن ما وصفته بـ«استراتيجية مرنة» تستهدف «تقليل تأثير تداعيات الأزمة على سلاسل الإمداد العالمية»، بحسب رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع.

وتواصل جماعة الحوثي اليمنية شنّ هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ سعياً «لمنع الملاحة المرتبطة بإسرائيل»، على حد زعمها. وأعلنت الجماعة، الخميس، عن مهاجمة «162 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي».

ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم ما يسببه هذا التغيير من ارتفاع في تكلفة الشحن المالية والزمنية؛ ما تسبب في تراجع عائدات قناة السويس.

وقال رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن «إيرادات القناة انخفضت بشكل حاد بعد أزمة البحر الأحمر»، مشيراً إلى أن «الدولة تضع جميع السيناريوهات الأكثر تشاؤماً للتعامل مع تداعيات الأزمة». وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال في فبراير (شباط) الماضي، إن إيرادات القناة تراجعت «بنسبة بين 40 و50 في المائة» بسبب الأحداث في البحر الأحمر.

رئيس هيئة قناة السويس خلال لقائه رئيس جمعية مالكي السفن الكورية (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)

وفي إطار «جهود الهيئة للحد من تداعيات الأزمة»، قال ربيع، خلال لقاء مع نائب الرئيس التنفيذي لجمعية مالكي السفن الكورية، تشانغ هو يانغ، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، الخميس، إن «قناة السويس عكفت على تطبيق استراتيجية وسياسيات تسويقية مرنة، وعملت على فتح قنوات تواصل مباشرة مع العملاء، وبحث مستقبل سياسات الإبحار مع المنظمات الدولية المعنية بالشأن البحري».

وأوضح ربيع أن «قناة السويس استحدثت خدمات جديدة لم تكن متاحة من قبل لتلبية متطلبات التعامل مع حالات الطوارئ المحتملة، من بينها خدمات الإنقاذ البحري، والإصلاح والصيانة، والإسعاف البحري»، مؤكداً «استمرار القناة في تقديم جميع خدماتها الملاحية والبحرية للسفن العابرة بها». والشهر الماضي أصدرت هيئة قناة السويس قراراً بتخفيض رسوم العبور بنسب تراوح بين 15 و70 في المائة؛ في محاولة لتنشيط حركة الملاحة في القناة.

وشهد لقاء رئيس هيئة قناة السويس والرئيس التنفيذي لجمعية مالكي السفن الكورية، «مناقشة تداعيات الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر على حركة التجارة العالمية، ومستقبل سياسات إبحار السفن التابعة للجمعية الكورية عبر قناة السويس»، بحسب إفادة رسمية نُشرت على صفحة الهيئة الرسمية بـ«فيسبوك»، الخميس.

وفي هذا الإطار، قال رئيس هيئة قناة السويس، إن «توترات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر انعكست سلباً على سلاسل الإمداد العالمية»، مشيراً إلى «ارتفاع أسعار نوالين الشحن البحري، وزيادة أسعار الوقود، وتكلفة التأمين البحري». كما لفت إلى «تأثيرات الأزمة السلبية على ارتفاع معدل الانبعاثات الكربونية، وتكدس الموانئ وتأخر وصول البضائع، وغيرها من التداعيات التي تعانيها سوق النقل البحري في الآونة الأخيرة».

بدوره، قال نائب الرئيس التنفيذي لجمعية مالكي السفن الكورية، إن «المخاوف الأمنية على سلامة السفن والطواقم البحرية والبضائع، دفعت العديد من ملاك السفن الكورية إلى تجنب العبور من منطقة البحر الأحمر؛ وهو ما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع جميع التكاليف الخاصة بالشحن البحري؛ مما نتج منه زيادة أسعار المنتجات». وأضاف أن «الاضطراب الذي شهدته حركة التجارة العالمية أسفر عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك»، متوقعاً انخفاضه مرة أخرى فور استقرار الأوضاع في المنطقة، داعياً «الأطراف المعنية كافة إلى بذل جهودها بهدف عودة الاستقرار مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط»، معرباً عن «رغبة السفن الكورية في العودة للعبور من قناة السويس في أقرب وقت».

سفينة شحن ترفع العَلم اليوناني رست في ميناء عدن عقب تعرّضها لهجوم في البحر الأحمر مارس الماضي (رويترز)

وخلال الفترة الأخيرة، عقدت هيئة قناة السويس لقاءات عدة مع منظمات وشركات شحن عالمية بهدف بحث تداعيات التوترات الراهنة في البحر الأحمر، كما أعلنت عن «توفير حزمة من الخدمات البحرية والملاحية الخاصة، مثل خدمات الإنقاذ البحري وخدمات صيانة السفن وإصلاحها».

وعدّ الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور مدحت نافع، انتهاج قناة السويس خططاً تسويقية وزيادة الخدمات، بمثابة «وسيلة لتعويض نقص الإيرادات إثر تحويل كثير من شركات الشحن العالمية مسارها بعيداً عن البحر الأحمر». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الخدمات اللوجيستية هي الأصل في إيرادات القناة، وتطويرها يسهم في زيادة عائدات القناة». وأكد «ضرورة أن تنتهج القناة سياسة تستهدف تنويع مصادر الإيرادات، فلا تكون قاصرة على مرور السفن، بل تتضمن أيضاً توفير خدمات لوجيستية للسفن»، راهناً انتهاء الأزمة الحالية بـ«حل سياسي يوقف الحرب في قطاع غزة ويعيد التهدئة للمنطقة».

وسبق لـ«البنك الدولي» أن توقع في أبريل (نيسان) الماضي أن «يتسبب استمرار الأزمة في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر»، (الدولار الأميركي يساوي 48 جنيهاً في البنوك المصرية). وبلغت إيرادات القناة 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022 - 2023 مقارنة مع سبعة مليارات في السنة المالية السابقة.

سفينة شحن خلال عبورها قناة السويس (صفحة هيئة قناة السويس على فيسبوك)

على صعيد متصل، أكد الرئيسان المصري، والصومالي حسن شيخ محمود، في اتصال هاتفي، مساء الخميس، «حرصهما على ضمان أمن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن واستقرارهما، بما ينعكس إيجاباً على القرن الأفريقي وشعوبه»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث الرئاسي المصري، المستشار أحمد فهمي. وشدد الرئيسان على «رفض أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار باستقرار المنطقة»، منوهين إلى «ضرورة التزام دول القرن الأفريقي كافة بأطر التعاون، بما يحقق الاستقرار والتنمية لشعوبه».

وأشار السيسي إلى «حرص بلاده على أمن الصومال الشقيق واستقراره وسيادته على أراضيه، ودعمها له في مواجهة مختلف التحديات الأمنية والتنموية».


مقالات ذات صلة

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

شمال افريقيا مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

تتابع مصر التحقيقات التي تجريها السلطات الإيطالية في ميلانو حول ملابسات واقعة مقتل شاب مصري (19 عاماً).

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا السيسي مستقبلاً عباس في القاهرة 8 يناير (كانون الثاني) 2024 (إ.ب.أ)

السيسي: القضية الفلسطينية ستظل على رأس أولوياتنا

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن «القضية الفلسطينية ستظل على رأس أولوياتنا»، معرباً عن «تضامن مصر الثابت مع الفلسطينيين في ظل الأزمات المتلاحقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي مقر وزارة الخارجية المصرية وسط القاهرة على ضفاف نهر النيل (الخارجية المصرية)

مصر: نتابع من كثب مع السلطات الإيطالية حادثة مصرع أحد مواطنينا في ميلانو

قالت وزارة الخارجية المصرية، الجمعة، إنها تتابع من كثب مع السلطات الإيطالية حادثة مصرع شاب مصري في ميلانو، أثارت وفاته احتجاجات عنيفة.

شمال افريقيا المتهم داخل القفص خلال جلسة محاكمته في جلسة سابقة (الشرق الأوسط)

مصر: إحالة أوراق «سفاح التجمع» إلى المفتي تمهيداً لإعدامه

أحالت محكمة «الجنايات المستأنفة» في مصر، الخميس، أوراق المتهم كريم محمد سليم، المعروف إعلامياً بـ«سفاح التجمع»، إلى مفتي الديار المصرية لأخذ الرأي في إعدامه.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا أحد السائحين الناجين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري» خلال إنقاذه (المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)

مصر تواصل البحث عن 7 مفقودين في حادث «مركب البحر الأحمر»

لليوم الثالث على التوالي، تواصلت عمليات البحث والإنقاذ عن 7 مفقودين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري»، قبالة سواحل مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر.

محمد عجم (القاهرة)

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر: نقض أحكام بإعدام 38 شخصاً في «قضية حرائق القبائل»

مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)
مدانون بالإعدام في قضية الانتماء إلى «ماك» وحرائق القبائل (الشرق الأوسط)

قال محامون في الجزائر إن المحكمة العليا قبلت طعناً بالنقض في قضية أثارت جدلاً كبيراً العام الماضي، تمثلت في إصدار محكمة الجنايات بالعاصمة حكماً بإعدام 38 شخصاً، بتهمة «إشعال النار في منطقة القبائل، بناءً على توجيهات من تنظيم إرهابي»، يُسمى «حركة الحكم الذاتي في القبائل».

صورة لنيران منطقة القبائل صيف 2021 (الشرق الأوسط)

وأكد المحامي والحقوقي الشهير، مصطفى بوشاشي، الذي ترافع لصالح بعض المتهمين، لصحافيين، أن أعلى غرفة الجنايات بأعلى هيئة في القضاء المدني نقضت، مساء أمس الخميس، الأحكام التي صدرت فيما بات يعرف بـ«قضية الأربعاء ناث إراثن»، وهي قرية ناطقة بالأمازيغية (110 كيلومترات شرق)، شهدت في صيف 2021 حرائق مستعرة مدمرة، خلفت قتلى وجرحى، وإتلافاً للمحاصيل الزراعية ومساحات غابات كبيرة، وعقارات ومبانٍ على غرار قرى أخرى مجاورة.

مبنى المحكمة العليا بأعالي العاصمة الجزائرية (الشرق الأوسط)

غير أن الحرائق ليست أخطر ما حدث يومها في نظر القضاء، فعندما كان سكان القرية يواجهون النيران بوسائلهم الخاصة البسيطة، تناهى إليهم أن شخصاً بصدد إضرام النار في بلدتهم عمداً، وفعلاً ألقت الشرطة بهذه الشبهة على ثلاثيني من منطقة بوسط البلاد، يُدعى جمال بن سماعين، فتوجهوا وهم في قمة الغضب إلى مقر الأمن، وكان الشاب في تلك الأثناء داخل سيارة الشرطة فأخرجوه منها، غير عابئين بالعيارات النارية، التي أطلقها رجال شرطة لثنيهم عن قتله، وأخذوه إلى الساحة العامة، فنكّلوا به وأحرقوا جثته، بينما كان يتوسل إليهم أن يخلوا سبيله، وبأنه حضر إلى القرية للمساعدة وليس لإشعال النار.

وجرى تصوير مشاهد التنكيل المروعة بكاميرات الهواتف النقالة، واعتقل الأمن لاحقاً كل الذين ظهروا في الصور.

جمال بن سماعين قُتل على أيدي سكان قرية التهمتها النيران (متداولة)

على أثر ذلك، طالبت قطاعات واسعة في المجتمع بـ«القصاص»، ورفع التجميد عن عقوبة الإعدام، التي تصدرها المحاكم دون أن تنفذ، وذلك منذ تطبيقه بحق 3 إسلاميين عام 1993، بتهمة تفجير مطار العاصمة صيف 1992 (42 قتيلاً). لكن أثبت التحقيق بأن بن سماعين لا يد له في الأحداث المأساوية.

وبثّ الأمن الجزائري «اعترافات» لعدد كبير من المعتقلين بعد الأحداث، أكدوا كلهم أنهم وراء النيران المستعرة، وبأنهم ارتكبوا الجريمة بأوامر من رئيس تنظيم «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المعروف اختصاراً بـ«ماك»، فرحات مهني، الذي يتحدر من المنطقة، ويقيم منذ سنوات طويلة بفرنسا بصفته لاجئاً سياسياً.

فرحات مهني المتهم بإشعال النار في منطقة القبائل (الشرق الأوسط)

وقال محامو المتهمين بعد تداول هذه «الاعترافات» إن القضاء «يبحث عن مسوّغ لإنزال عقوبة ثقيلة في حقهم»، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بإدانتهم بالإعدام. علماً بأن التهم وجهت لمائة شخص في هذه القضية، وحُكم على بعضهم بالسجن بين عام و5 سنوات مع التنفيذ، في حين نال آخرون البراءة.

وتمثلت التهم أساساً في «نشر الرعب في أوساط السكان بإشعال النيران»، و«الانتماء إلى منظمة إرهابية» تُدعى «ماك»، و«قتل شخص عن سبق إصرار والتنكيل بجثته»، و«القيام بأفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي، عن طريق بث الرعب في أوساط السكان، وخلق جو انعدام الأمن»، وتم تثبيت الأحكام بعد استئنافها.

أما فرحات مهني فكذّب، في فيديو نشره بالإعلام الاجتماعي، التهمة المنسوبة إليه، وطالب بفتح تحقيق مستقل في الأحداث «من طرف جهة أجنبية».

وفي نظر عدد كبير من المحامين على صلة بهذا الملف، فإن القضاء يبحث من خلال نقض الأحكام عن «إصلاح أخطاء تسبب فيها بإصدار قرارات متسرعة»، وبأن القضاة «كانوا تحت ضغط رأي عام طالب بالقصاص». ووفق ما ينص عليه القانون، ستعاد محاكمة المتهمين في محكمة الجنايات بتشكيل قضاة غير الذين أدانوهم في المرة السابقة.