السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
TT

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

تضاربت الأنباء حول المعارك المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية بولاية شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم طرفي الحرب بالتفوق، وفي حين تحدثت منصات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» عن تحقيق تقدم كبير والاستيلاء على أحياء في المدينة، ينفي مسؤولون بالجيش السوداني والقوات المتحالفة معه الأمر، ويقولون إنهم يتصدون لهجمات «المتمردين» ويلحقون بهم «خسائر فادحة».

وحاضرة ولاية شمال دارفور، الفاشر، هي المدينة الكبيرة الوحيدة من إقليم دارفور المتبقية تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية والقوات الحليفة لها، وذلك بعدما سيطرت «الدعم السريع» منذ أشهر على المدن والفرق العسكرية التابعة للجيش في ولايات الإقليم الأربع (غرب، جنوب، وسط، شرق دارفور).

ومنذ أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني و«الدعم السريع» حرباً واسعةً بدأت في الخرطوم، وامتدت لتشمل أنحاء البلاد كافة تقريباً، ما تسبب في موجة نزوح غير مسبوقة، وفجّر أزمة إنسانية وتفشياً للأمراض والجوع.

وتقاتل «الدعم» بقوة للاستيلاء على الفاشر التي تعني السيطرة على دارفور، الذي تحده أربع دول غرباً وجنوباً هي: ليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وولايات كردفان والشمالية من جهة الشرق والشمال.

«الدعم» يفرض حصاراً

وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الدعم السريع» حققت «اختراقات كبيرة» على حساب الجيش وحلفائه في القوات المشتركة، يوم الجمعة الماضي، وإنها «دخلت إلى سوق المدينة الكبير، وواصلت قصف تمركزات القوات المدافعة وقيادة الفرقة السادسة (التابعة للجيش)، مع اشتباكات متفرقة وعمليات كر وفر لاختراق الدفاعات».

وأكد الشاهد أن «(الدعم السريع) لا تزال تتمركز في المحور الشرقي للمدينة وأطراف سوق المدينة الكبير الشرقية، وتنتشر بكثافة في أحياء الجبل، والمصانع، والصفا، والجامعة، وحجر قد، القريبة من مقر قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش».

وقال شاهد آخر قريب من القتال إن القوات المهاجمة فرضت حصاراً مشدداً على المدينة، ولم تترك سوى منفذ خروج واحد باتجاه معسكر «زمزم للنازحين»، وتابع: «أعداد كبيرة من المستنفرين خرجوا عبره، ومن يخرج لا مجال لعودته».

سوق مدمرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور جراء المعارك (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشار الشاهد إلى تفشي حالة من عدم الثقة بين «المستنفرين والقوات المشتركة، وبين القوات المشتركة نفسها، وبين المستنفرين وقيادة الفرقة السادسة»، وسط تبادل لاتهامات «الخيانة» وعدم عدالة توزيع الإمداد العسكري والمؤن والأموال.

«الجيش يدافع»

لكن الناطق الرسمي باسم قوات «حركة العدل والمساواة السودانية» الحليفة للجيش، العميد حامد حجر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التمرد (يقصد الدعم السريع) يعتبر الفاشر هدفاً سياسياً مُهماً، لذلك يسعى بإصرار للاستيلاء عليها لتنفيذ مخططه في تقسيم السودان على غرار النموذج الليبي أو اليمني»، وأضاف: «قواتنا أفشلت مخططه (أي الدعم) وحلفائه الإقليميين للاستيلاء على المنطقة الغنية بثرواتها الزراعية والمعدنية والبشرية».

ووفقاً لحجر، فإن «الجيش والقوات المشتركة ظلا يدافعان عن الفاشر بشراسة، وخاضا أكثر من 151 معركة مع قوات (التمرد) منذ اندلاع الحرب، أفلحت في الحيلولة دون بسط سيطرته على المدينة».

وتكونت «القوات المشتركة» من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا لسلام السودان، وأبرزها «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة جبريل إبراهيم، التي التزمت الحياد طويلاً، قبل أن تقرر الانحياز للقتال مع الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وتفرض «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) الماضي حصاراً محكماً على الفاشر من الجهات كافة، وعادة فإن قيادة الجيش في بورتسودان تلجأ لعمليات «الإسقاط الجوي» لتزويد القوات المحاصرة بالذخائر والمؤن والأسلحة.

وأدى الحصار الطويل والقتال المستمر والقصف المدفعي المتبادل لأزمة إنسانية كبيرة، واضطر مئات الآلاف للنزوح من المدينة المقدر عدد سكانها بنحو 1.8 مليون، ومعظمهم نازحون سابقون من حرب دارفور الأولى 2003.

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

ووفقاً لحجر، فإن «قوةً كبيرةً جداً تدافع عن الفاشر، تتكون من الفرقة السادسة التابعة للجيش، والقوات التي انسحبت من مدن زالنجي، والجنينة، والضعين، ونيالا، إضافة للقوات المشتركة وآلاف المستنفرين»، ويضيف: «هذه القوة الكبيرة صعبت مهمة التمرد، وأفشلت استيلاءه على الفاشر، في أكثر من 151 معركة معه».

وقلل حجر من هجمات «قوات الدعم السريع»، ووصفها بـ«محاولات اقتحام يائسة»، وتابع: «تكتيكات دفاعنا تقوم على فتح ممرات تكتيكية للقوات المهاجمة، خصوصاً من الطريق المار قرب السوق الكبير إلى المناطق الشرقية، حيث حواضنهم الاجتماعية، واستدراجهم إلى مناطق يتم كسر هجومهم فيها».

وفي المحور الجنوبي، قال حجر إن «الجنجويد (تسمية يطلقها مناوئو الدعم عليها) تسللوا، الثلاثاء، من الجهة الجنوبية بحشود كبيرة، ودارت معركة كبيرة استطاعت قواته صد القوات المهاجمة، وكبدتها خسائر فادحة في العتاد والأفراد»، وأضاف: «تكتيكات (الجنجويد) تتمثل في التسلل عبر الأحياء المدنية، وقصف الأعيان المدنية ومنازل المواطنين».


مقالات ذات صلة

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من الفاشر في مخيم للاجئين شرق تشاد - 23 نوفمبر 2025 (رويترز)

مئات الأطفال السودانيين وصلوا إلى مخيم للاجئين من دون أسرهم فراراً من الفاشر

ذكر مسؤولون أن مئات الأطفال وصلوا إلى مخيم للاجئين من دون أسرهم، مع فرار آلاف الأشخاص من العنف في مدينة الفاشر السودانية في الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أوروبا كوشيب خلال جلسة النطق بالحكم في 6 أكتوبر 2025 (رويترز)

«قاتل بالفأس»... الادعاء يطالب «الجنائية الدولية» بالسجن المؤبد لزعيم بميليشيا «الجنجويد» في دارفور

طالب ممثلون للادعاء بإصدار عقوبة بالسجن المؤبد لزعيم بميليشيا «الجنجويد» مدان بارتكاب فظائع في إقليم دارفور بالسودان.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شمال افريقيا اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان (أ.ف.ب)

مسار مرهق لأكثر من 770 كيلومتراً: نازحون من الفاشر يروون ما كابدوه

روى نازحون سودانيون من جميع الأعمار لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» المسار المرهق الذي اضطروا إلى سلوكه في أثناء فرارهم من العنف في الفاشر.

«الشرق الأوسط» (الدبة (السودان))
شمال افريقيا اللاجئون السودانيون بمخيم أوري كاسوني بتشاد هرباً من الصراع في بلادهم (أ.ف.ب) play-circle

هجوم بالمسيّرات على مروي في شمال السودان... والجيش يتهم «الدعم السريع»

نفّذت قوات «الدعم السريع»، الخميس، عدة ضربات بواسطة مسيّرات على مدينة مروي بشمال السودان حيث يقع سد رئيسي، وفقاً للجيش.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«النيابة المصرية» تنفي علاقة «الدارك ويب» بواقعة «التحرش» داخل مدرسة دولية

مقر النائب العام المصري في القاهرة (الصفحة الرسمية لمكتب النائب العام)
مقر النائب العام المصري في القاهرة (الصفحة الرسمية لمكتب النائب العام)
TT

«النيابة المصرية» تنفي علاقة «الدارك ويب» بواقعة «التحرش» داخل مدرسة دولية

مقر النائب العام المصري في القاهرة (الصفحة الرسمية لمكتب النائب العام)
مقر النائب العام المصري في القاهرة (الصفحة الرسمية لمكتب النائب العام)

نفت النيابة العامة في مصر وجود علاقة بين «الدارك ويب» أو ما يُعرف بـ«الإنترنت المظلم» وقضية «التحرش» بإحدى المدارس الدولية في القاهرة (يتم التحقيق فيها حالياً)، وأعلنت «اتخاذ الإجراءات القانونية حيال مروِّجي تلك الشائعات». وقالت إنها «تؤدي إلى إثارة الذعر بين الناس، وتكدير السلم العام».

وأوضحت النيابة العامة في بيان، الجمعة، أنها «رصدت قيام بعض صفحات مواقع التواصل بإذاعة ونشر أخبار كاذبة بشأن التحقيقات الجارية في قضية (هتك عرض) عدد من الأطفال بإحدى المدارس الدولية، إذ تضمَّنت شائعات مفادها أن وراء تلك الواقعة منظمات وجهات أجنبية حرَّضت المتهمين بقصد إحداث خلل بالمجتمع المصري، ونشرها على (الدارك ويب) لتحقيق مكاسب مالية».

وبحسب بيان النيابة العامة فإن «نيابة استئناف القاهرة» باشرت التحقيقات، وقامت بتحديد ناشري تلك الأخبار واستجواب أحدهم، والذي تبيَّن أنه من المحامين الحاضرين مع الأطفال في تحقيقات تلك القضية.

كما أصدرت النيابة قراراً بضبط وإحضار شخص آخر، والذي تمَّ ضبطه بدائرة محافظة الغربية (دلتا مصر) تمهيداً لاستجوابه. وأهابت النيابة العامة بجميع وسائل الإعلام والقائمين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عدم الانسياق وراء تلك الأخبار الكاذبة أو تداولها تجنباً للمساءلة القانونية.

وأثارت قضية «التحرش» بمدرسة دولية في القاهرة جدلاً واسعاً. وقبل أيام أعلنت النيابة العامة أسماء متهمين جدد إلى القضية، وذلك عقب صدور تقرير مصلحة الطب الشرعي الذي أكد «العثور على خلايا بشرية تخص 3 متهمين على ملابس بعض المجني عليهم»، ليرتفع عدد المتهمين في القضية إلى 7 شملتهم تحقيقات النيابة العامة حتى الآن.

وفور تسلّم تقرير الطب الشرعي، الصادر الاثنين الماضي، أُحيل التقرير والمتهمون إلى النيابة العسكرية التي تواصل استكمال التحقيقات، حسب بيان سابق للنيابة المصرية.

وكانت الأجهزة الأمنية ألقت القبض على 4 عاملين بالمدرسة، الأسبوع الماضي، بعد اتهامهم بالتورط في وقائع «تعدٍّ» على عدد من الأطفال داخل المدرسة، وذلك عقب تلقي بلاغات عدة من أولياء الأمور.

وقرَّر وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، وضع المدرسة التي شهدت هذه الوقائع تحت الإشراف المالي والإداري للوزارة، وإحالة كل مَن يثبت تورطه في التستر أو الإهمال في حماية التلاميذ للشؤون القانونية.

وكشفت تحقيقات النيابة عن تفاصيل الواقعة التي بدأت ببلاغ في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستمعت النيابة لأقوال الأطفال الـ5 وذويهم، حيث أجمعوا على تعرُّضهم لوقائع هتك عرض بعد استدراجهم بداعي اللهو إلى أماكن بعيدة عن كاميرات المراقبة والإشراف، واستغلال صغر سنهم، ثم تهديدهم بالإيذاء باستخدام سكين.

كما شهدت مدرسة دولية أخرى بمحافظة الإسكندرية واقعةً مشابهةً، حيث بدأت جهات قضائية، الثلاثاء، تحقيقات موسَّعة بشأن «تعدي أحد العاملين بمدرسة دولية على طلاب بمرحلة رياض الأطفال، وذلك عقب تسلم تقرير الطب الشرعي الذي أكد تعرُّض الأطفال لاعتداء نتجت عنه إصابات بالغة الصعوبة»، وفق ما نشرته وسائل إعلام محلية. واستدعت جهات التحقيق عدداً من العاملين بالمدرسة لسماع أقوالهم حول ملابسات الواقعة، بينما أكدت تحريات المباحث صحة ما جاء في أقوال المجني عليهم، وتطابقها مع الوقائع المشار إليها في البلاغات المقدمة من أسر الأطفال.


مصر: نتائج أولية تشير لـ«تقدم» مستقلين في «الدوائر الملغاة» بـ«النواب»

ناخبون خلال الإدلاء بأصواتهم في إحدى الدوائر الملغاة بمدينة أسيوط الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون خلال الإدلاء بأصواتهم في إحدى الدوائر الملغاة بمدينة أسيوط الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

مصر: نتائج أولية تشير لـ«تقدم» مستقلين في «الدوائر الملغاة» بـ«النواب»

ناخبون خلال الإدلاء بأصواتهم في إحدى الدوائر الملغاة بمدينة أسيوط الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
ناخبون خلال الإدلاء بأصواتهم في إحدى الدوائر الملغاة بمدينة أسيوط الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

في مشهد انتخابي مُثير للجدل أعقب إلغاءً واسعاً لنتائج عشرات الدوائر في انتخابات مجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، كشفت المؤشرات الأولية للحصر العددي في الدوائر الـ19 المعاد التصويت فيها خلال الأربعاء والخميس، عن «تقدم لافت للمرشحين المستقلين على حساب مرشحي الأحزاب»، بالتوازي مع تساؤلات متصاعدة حول نسب «المشاركة المتدنية في عدد من هذه الدوائر».

بينما تواصلت عمليات الفرز حتى ظهر الجمعة، اتضحت ملامح النتائج في 19 دائرة أُعيد فيها التصويت بعد إلغائها، إلى جانب جولة إعادة منفصلة. وتشير المؤشرات الأولية إلى تزايد فرص المرشحين المستقلين؛ إذ يخوض أكثر من 30 منهم جولة الإعادة المقررة في 23 و24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

في المقابل، سجّل حزب «مستقبل وطن»، صاحب الأغلبية البرلمانية، تراجعاً ملحوظاً بعدما خسر 4 دوائر، مقابل فوز مرشحَين فقط له، بينما مُني «حماة الوطن» و«الجبهة الوطنية» بخسائر أخرى.

وتبرز دائرة إمبابة بمحافظة الجيزة مثالاً لملامح التحول في الدوائر الملغاة؛ إذ نجح مرشح مستقل في حسم أحد المقعدين من الجولة الأولى، فيما ذهب المقعد الثاني إلى جولة إعادة بين مستقل ومرشح عن «مستقبل وطن»، في مشهد مغاير لما كانت عليه نتائج المرحلة الأولى قبل إلغائها.

كما عادت الصحافية نشوى الديب إلى سباق المنافسة في جولة الإعادة، بعد أن خسرت الجولة الملغاة، وظهرت في تسجيل مصوّر سابق تشكو فيه «خروقات شابت العملية الانتخابية»، لتتحول إلى أحد أبرز الأسماء العائدة للمنافسة في هذه الجولة.

ولم يتوقف الجدل منذ إعلان إلغاء نتائج 19 دائرة دفعة واحدة في سبع محافظات، الشهر الماضي، بسبب «خروقات شابت العملية الانتخابية» قوبلت بتدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم صدور أحكام المحكمة الإدارية العليا بإبطال نتائج 30 دائرة إضافية.

مصريات في أحد مراكز الاقتراع بمحافظة الجيرة الخميس (المجلس القومي للمرأة)

ومنذ ذلك الحين، تصاعدت التساؤلات حول مسار العملية الانتخابية برمتها، مع قفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة، وهي سابقة تعكس «حجم الاضطراب الذي رافق المرحلة الأولى».

وخلال التصويت الذي جرى، الأربعاء والخميس الماضيين، في الدوائر الملغاة، أدلى الناخبون بأصواتهم في 1775 لجنة فرعية على مستوى 20 دائرة في 7 محافظات، تنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وفي موازاة ذلك، قفز عدد الطعون المقدمة إلى المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن الجولة الأولى من المرحلة الثانية إلى نحو 300 طعن، وفق تقديرات إعلامية محلية، ما يعكس «استمرار حالة التوتر حول العملية الانتخابية».

البرلماني المصري، الإعلامي مصطفى بكري قال لـ«الشرق الأوسط» إن أداء المستقلين «يمثل مفاجأة هذه الانتخابات»، ويشير - بحسب رأيه - إلى أن «ضوابط العملية الانتخابية باتت أكثر حسماً، وأتاحت فرصة لتصحيح الأمور»، متوقعاً «برلماناً متوازناً يتكاتف مع الدولة المصرية في تحدياتها الخارجية، رغم اختلاف توجهات أعضائه في الملفات الخدمية»، لكنه دعا في الوقت نفسه «الأحزاب الكبرى إلى مراجعة أدائها».

رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات حازم بدوي خلال اجتماع سابق بمقر الهيئة بوسط القاهرة (الصفحة الرسمية للهيئة)

غير أن أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، يرى أن فوز عدد لافت من المستقلين «لا يعني بالضرورة دخول لاعبين جدد خارج المسار التقليدي للحياة البرلمانية».

وتساءل صادق عن «الطبيعة الحقيقية لهؤلاء المرشحين، وما إذا كانوا سيبقون مستقلين فعلاً، أم أن بعضهم قد يقترب عملياً من توجهات الأحزاب الكبرى داخل البرلمان المقبل»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «أحزاب الموالاة ضمنت أغلبية ساحقة ومريحة في (النواب)».

في سياق ذلك، طرحت تساؤلات على مستوى مؤشرات الإقبال على صناديق الاقتراع، أظهرتها تجربة دائرة إمبابة أيضاً؛ إذ لم يحضر سوى نحو 27 ألف ناخب من أصل نصف مليون مسجلين، بنسبة لا تتجاوز 5.1 في المائة، وفق محاضر فرز اطلع عليها الصحافي المصري محمد بصل، المتخصص في الشأن القضائي. كما أظهرت بعض النتائج الأولية داخل لجان نسبة «مشاركة متدنية»، تم تداولها على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

وأرجع صادق «المشاركة المتدنية في بعض اللجان» إلى «أزمة ثقة بين عدد من الناخبين والبرلمان المرتقب بتشكيلته الجديدة»، موضحاً أن مثل هذه المؤشرات «تعكس توقعات محدودة لدى الجمهور بشأن قدرة المجلس المقبل على إحداث تغيير ملموس في السياسات العامة أو أداء المؤسسات». فيما يرى بكري أن «الثقة سوف تعود بشكل تراكمي في الممارسات الانتخابية المقبلة».


الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».