غلق بعض المدارس السودانية في مصر يُربك طلابها

الحكومة طالبتها بـ«تقنين أوضاعها»... واتصالات دبلوماسية لحل الأزمة

امتحانات الطلاب السودانيين في القاهرة (السفارة السودانية)
امتحانات الطلاب السودانيين في القاهرة (السفارة السودانية)
TT

غلق بعض المدارس السودانية في مصر يُربك طلابها

امتحانات الطلاب السودانيين في القاهرة (السفارة السودانية)
امتحانات الطلاب السودانيين في القاهرة (السفارة السودانية)

أربك إغلاق السلطات المصرية عدداً من المدارس السودانية العاملة في مصر، لحين توافر «الاشتراطات القانونية»، طلاب الجالية السودانية في البلاد، قبل أيام من بدء موسم الامتحانات وسط مخاوف من ضياع العام الدراسي.

وتستضيف مصر أكثر من نصف مليون سوداني فروا من الحرب الداخلية بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، التي اندلعت في 15 أبريل (نيسان) العام الماضي، فضلاً عن آلاف من السودانيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات.

وعلى مدار الأيام الماضية، تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، و«غروبات» تابعة للجالية السودانية بمصر، قرارات بغلق مدارس سودانية في القاهرة وعدة مدن أخرى. ونشرت صفحة «الجالية السودانية بمصر»، على موقع «فيسبوك»، ما وصفته بقرار «تعليق العمل بجميع الأعمال والأنشطة التجارية الخاصة بالسودانيين بالقاهرة، غير المقننة»، وأشار المنشور إلى أنه «تم البدء بتعليق عمل بعض المدارس السودانية».

وفي أول توضيح سوداني رسمي، طالبت سفارة السودان بالقاهرة، أصحاب المدارس، بـ«الالتزام بثمانية شروط، وضعتها السلطات المصرية، لتقنين أوضاع المدارس المغلقة»، وقالت إنها «تجري اتصالات مستمرة لحل الأزمة». وتضمنت الاشتراطات، وفق إفادة للملحقية الثقافية، «موافقة من وزارتي التعليم والخارجية السودانية، موافقة من الخارجية المصرية، توفير مقر للمدرسة يفي جميع الجوانب التعليمية، مصحوباً برسم تخطيطي لهيكل المدرسة، وإرفاق البيانات الخاصة لمالك المدرسة، مع طلب من مالك المدرسة للمستشارية الثقافية بالسفارة السودانية، وملفاً كاملاً عن المراحل التعليمية وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم بالمدرسة».

منشور للسفارة السودانية بالقاهرة

تواصل مع السلطات المصرية

وأكدت السفارة أنها على «تواصل دائم مع السلطات المصرية لإيجاد حلول وتقنين أوضاع المدارس وفقاً لشروط ممارسة النشاط التعليمي للمدارس الخاصة الأجنبية بمصر، وتوفير وتسهيل فرص تعليم مناسبة للطلاب السودانيين».

وضمن المدارس المغلقة، مدرسة «الصداقة» التابعة للسفارة السودانية، وقال عادل الصول رئيس اتحاد أولياء أمور طلاب مدرسة «الصداقة السودانية المصرية»، إن «السلطات المصرية أغلقت المدرسة بعد مرور لجنة خاصة لمراجعة الإجراءات القانونية لعملها».

وقال الصول لـ«الشرق الأوسط» إن «من حق السلطات المصرية اتخاذ الإجراءات القانونية التي تنظم عمل المدارس الأجنبية على أراضيها»، موضحاً أن «هناك مشاورات بين المسؤولين في السفارة السودانية والسلطات المصرية من أجل استعادة النشاط التعليمي بالمدرسة».

ولفت الصول إلى حالة ارتباك في صفوف الطلاب بسبب غلق بعض الأنشطة التعليمية، قائلاً: «هناك تساؤلات حول مستقبل الدراسة والامتحانات المقبلة، خصوصاً أن امتحانات الشهادة الإعدادية بـ(مدارس الصداقة السودانية المصرية) مقرر لها في السادس من يوليو (تموز) المقبل». وقال أحد أولياء أمور بعض الطلاب السودانيين، السماني عوض، إن «أبناءه يدرسون في المرحلة الثانوية في مدرستين سودانيتين بالقاهرة، تم إخطارهم بتوقف الدراسة لفترة مؤقتة».

طلاب سودانيون في إحدى مدارس الولاية الشمالية بالسودان (وكالة أنباء العالم العربي)

توفيق الأوضاع

وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى «محاولات طمأنة من أصحاب المدارس بعودة انتظام الدراسة بعد توفيق الأوضاع مع السلطات المصرية خلال عدة أيام». وتابع أن «المدارس تخطر أولياء الأمور بإقامة امتحانات الشهادة الإعدادية (المرحلة المتوسطة) في مواعيدها المقررة، دون تأثر بعمليات الغلق». كما أشار إلى «عدم تحديد مواعيد امتحانات الشهادة الثانوية السودانية حتى الآن».

وحاول معلم اللغة العربية بمدارس «القبس» السودانية في القاهرة، عبد الرحمن شنقب، طمأنة بعض أولياء الأمور، قائلاً في رسالة صوتية إن «ما يحدث إجراء إداري يتعلق ببعض المدارس السودانية في مصر»، مشيراً إلى أنه تم «إزالة حالة اللغط الخاصة بعمل المدارس السودانية، والنشاط التعليمي مستمر بها».

وفي مايو (أيار) الماضي، طالبت وزارة الداخلية المصرية الأجانب المقيمين على أراضيها بتقنين أوضاعهم، قبل نهاية شهر يونيو (حزيران) الحالي، في وقت تواجه فيه مصر تدفقات مستمرة من مهاجرين من بلاد مختلفة. وتقدر الحكومة المصرية أعداد اللاجئين والمهاجرين المقيمين على أراضيها بأكثر من 9 ملايين أجنبي من 133 دولة.

وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بجمعية الصداقة السودانية - المصرية محمد جبارة لـ«الشرق الأوسط»، إن «بعض المدارس الخاصة السودانية تم افتتاحها دون توافر اشتراطات ممارسة النشاط التعليمي»، موضحاً أن «بعض أصحاب المدارس يفتتح أنشطة تعليمية في مبانٍ سكنية، وهذا لا يتوافق مع اشتراطات وزارة التعليم المصرية».

والأسبوع الماضي، قدمت السفارة السودانية في القاهرة الشكر للحكومة المصرية على تعاونها في إنجاح امتحانات الشهادة الابتدائية السودانية، التي عُقدت خلال الفترة 1-6 يونيو الحالي في 6 مراكز تعليمية سودانية تابعة للسفارة السودانية. وأشارت السفارة إلى أن الامتحانات شارك فيها أكثر من 7 آلاف طالب، منها 132 طالباً من جنسيات أجنبية، كما شهدت مشاركة أكثر من 400 مراقب من المعلمين.


مقالات ذات صلة

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

تعرضت مدينة الفاشر، الأربعاء، لقصف مدفعي وغارات جوية أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وأدانت مسؤولة أممية الهجمات، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز)

السودان... دولة واحدة بعملتين ومخاوف من تكريس الانقسام

عزز مُضي الحكومة السودانية في إجراءات التبديل الجزئي لعملات وطنية، مخاوف من تكريس الانقسام.

أحمد يونس (كامبالا)
تحليل إخباري عائلة تستريح بعد مغادرة جزيرة توتي التي تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في أم درمان بالسودان يوم 10 نوفمبر 2024 (رويترز)

تحليل إخباري عقوبات جديدة ضد المتحاربين السودانيين... هل تفتح باباً للتفاوض؟

أدرج الاتحاد الأوروبي مجدداً عناصر من طرفي الحرب في السودان، على لائحة العقوبات، غير أن محللين وخبراء سودانيين قدروا أنها ربما تكون محاولة لفتح باب التفاوض.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عَلم السودان ملصق بمدفع رشاش يتبع «قوات الدعم السريع» شمال الخرطوم (رويترز) play-circle 02:09

تحليل إخباري السودان... دولة واحدة بعملتين

منذ أعلنت الحكومة بدء التبديل الجزئي لعملات وطنية في العاشر من الشهر الحالي، أصبح السودان عملياً «بلداً واحداً بعملتين»، ما استدعى ذكرى انفصال الجنوب.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا أشخاص يتجمعون بالقرب من مركبة مدمرة بعد قصف سابق لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان (أرشيفية - رويترز)

السودان: 15 قتيلاً في هجوم بمسيّرة «تابعة للجيش» في أم درمان السبت

قالت جمعية «محامو الطوارئ» إن هجوماً شنته مسيّرة تابعة للجيش السوداني على عربة في غرب أم درمان الواقعة ضمن الخرطوم الكبرى أسفر عن مقتل 15 مدنياً السبت.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«افتعال الأزمات للبقاء بالسلطة» اتهام يحاصر قادة ليبيا

الدبيبة خلال إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي» الشهر الحالي (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي» الشهر الحالي (حكومة الوحدة)
TT

«افتعال الأزمات للبقاء بالسلطة» اتهام يحاصر قادة ليبيا

الدبيبة خلال إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي» الشهر الحالي (حكومة الوحدة)
الدبيبة خلال إطلاق «الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي» الشهر الحالي (حكومة الوحدة)

تصاعدت حدة التراشق وتبادل الاتهامات في ليبيا بين رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، ومجلس النواب، وتحميل أحد الطرفين مسؤولية تواصل الجمود السياسي بالبلاد، وسط اتهامات لبعض ساسة البلاد بـ«افتعال الأزمات لإطالة بقائهم في السلطة».

ولفت مراقبون إلى التصريحات التي أطلقها الدبيبة، خلال مشاركته في احتفالية «ملتقى أسرى ثورة 17 فبراير»، التي وجه فيها انتقادات حادة لأطراف عدة، واتهمها بعرقلة الانتخابات العامة، بداية من البرلمان، مروراً بالقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، وتنظيم الإخوان، وانتهاءً بتيار الملكية.

من جلسة سابقة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ويحذر هؤلاء المراقبون من أن استمرار وتفاقم الخلافات بين أفرقاء الأزمة، أو كشف بعضهم عن نفقات خصومهم، أو مدى تورطهم في ملفات فساد، «لن تؤدي لتعزيز موقعهم بالمشهد السياسي كما يتوقعون، بل إلى زيادة الغضب والرغبة الشعبية في إزاحتهم جميعاً من مناصبهم».

في هذا السياق، يرى عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، ضو المنصوري، أن الليبيين «باتوا ينظرون للأجسام المتصارعة على السلطة بكونها منتهية الولاية؛ وهذا يشمل البرلمان وحكومته، التي يرأسها أسامة حمّاد، والتي لا يعترف بها المجتمع الدولي، وأيضاً حكومة الوحدة الوطنية».

واتهم المنصوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الأجسام المتصدرة للسلطة بـ«افتعال واصطناع الخلافات فيما بينها بهدف تعميق الأزمة السياسية، وعرقلة إجراء الانتخابات، وبالتبعية إطالة مدد بقائهم بمواقعهم، وإلهاء الشعب بتلك الخلافات عن متابعة أوضاع البلاد، ومطالب أبنائها بتحسين أحوالهم».

وأضاف المنصوري موضحاً أن هذه الأجسام «جاءت لهدف محدد وهو تهيئة ليبيا لإجراء الانتخابات، وانتقالها لمرحلة الاستقرار وحكم ديمقراطي مؤسس على قواعد الدستور؛ إلا أنها ترفض الذهاب للاستفتاء على مشروع الدستور الذي أعُد عام 2017 من قبل هيئة منتخبة من الشعب».

رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع المشير خليفة حفتر (الوحدة)

وفي تصريحاته الأخيرة خلال فعاليات «ملتقى أسرى ثوار فبراير» في مسقط رأسه بمدينة مصراتة، وجه الدبيبة انتقادات حادة للبرلمان قائلاً: «المجلس يعمل منذ 13 سنة، لكنه يريد البقاء 13 سنة أخرى. وهو يرفع شعار تغيير الحكومة، وإذا تغيرت الحكومة فماذا سيكون بعد؟ هم يريدون تغيير الحكومة للبقاء سنوات أخرى». وحمل مسؤولية إعاقة العملية السياسية لكل من البرلمان والمنظومة العسكرية والإخوان، وتيار الملكية.

بدوره، عدّ الناشط السياسي، أحمد التواتي، أن محاولة أي طرف من أفرقاء الأزمة التأثير على شعبية خصومه السياسيين، عبر الكشف عن نفقاتهم أو ثرواتهم، أو تورطهم بشبهات فساد باتت «غير مجدية».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

وقال التواتي لـ«الشرق الأوسط» إن نشطاء ومتابعين في غرب ليبيا وشرقها «باتوا يكشفون عن حقائق وأرقام أضخم مما يعلنه أي أحد من أفرقاء الأزمة، خلال تصريحاتهم الإعلامية بمواجهة بعضهم بعضاً». ورأى أن الليبيين «سئموا من الاتهامات المتبادلة بين قيادات الأجسام والسلطات الراهنة، وتحولت لقوة دفع لاستمرار تطلعهم لإجراء الانتخابات بهدف التخلص من تلك الوجوه»، مشدداً على أن «معرفة قيادات تلك الأجسام المتصارعة بتلك الحقيقة هي ما ندفعهم لعرقلة إجراء الاستحقاق الانتخابي، وتعطيل أي سعي أممي لتحقيقه».

وكان الدبيبة قد ذكر قبل أسبوع بأن «الإنفاق الموازي، غير الخاضع للرقابة، بلغ أكثر من 40 مليار دينار عام 2024»، في إشارة لما أنفقته السلطات في شرق البلاد، وتحديداً الحكومة الموازية له، التي يترأسها حماد. (الدولار يساوي 4.89 دينار).

واستعرض التواتي وضعية الخلافات في المشهد الليبي مؤخراً، وكيف انتقلت من خلاف مستمر بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة حول القوانين الانتخابية، إلى خلاف بين البرلمان وحكومته، مع حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي.

بهذا الخصوص يعتقد الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، أنه على الرغم من غضب الشارع الليبي من خلافات القوى المحلية فإن «خياراته تظل محدودة في التعاطي مع هذا الواقع». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس أمام الليبيين سوى التنفيس عن غضبهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وربما بأسماء وهمية، حتى لا يتم اعتقالهم من طرف السلطات المختلفة في ليبيا»، لافتاً إلى أنهم عندما خرجوا في مظاهرات قبل سنوات قليلة، احتجاجاً على تدهور الأوضاع، تمت مواجهتهم من قبل مجموعات مسلحة، وأطلق عليهم الرصاص، واعتقل وخطف بعضهم.

وأرجع القماطي اتهامات الدبيبة الأخيرة لبعض القوى في ليبيا إلى أن رئيس الوحدة «فزع من عزم بعض الدول الغربية على التفكير في إزاحة حكومته عن المشهد، فوزع الاتهامات على الجميع».