الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
TT

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

تحتاج زوجة السوداني محمد الجنيد المصابة بالسرطان إلى علاج بالأشعة؛ لكن بعدما مزقت الحرب السودان، ودمرت بناه التحتية ومرافقه، بات يتطلب الأمر سفرها مسافة ألف كيلومتر تقريباً، للوصول إلى المستشفى الوحيد الذي يقدم هذه الرعاية.

ويقول الزوج البالغ من العمر 65 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من ولاية القضارف في شرق السودان؛ حيث لجأ مع زوجته هرباً من الحرب: «حتى لو وصلنا إلى مروي (في الشمال)، فسيتعين علينا أن ننتظر دورنا لتلقِّي هذه الرعاية».

ويشهد السودان منذ 15 أبريل (نيسان) العام الماضي حرباً عنيفة، بين القوات المسلحة النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

ودمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية، وخرج 70 في المائة من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندميير: «من 20 إلى 30 في المائة فقط من المرافق الصحية في البلاد لا تزال في الخدمة... وتعمل بالحد الأدنى»؛ مشيراً إلى أن الإمدادات الطبية «لا تلبي سوى 25 في المائة من الاحتياجات».

مرضى يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام بشرق السودان (أ.ف.ب)

وتدفق مئات الآلاف من الأسر إلى ولاية القضارف، بعدما نزحت من الولايات التي طالتها الحرب، وسط معاناة من نقص في المواد الغذائية ومياه الشرب والمرافق الصحية.

ويصطف مرضى السرطان في انتظار دورهم داخل مركز «الشرق» لعلاج الأورام، وهو الوحيد المخصص لذلك؛ لكن لا يتوفر في هذا المركز علاج بالأشعة، لذلك يلجأ المرضى إلى مستشفى مروي في الشمال الذي يبعد نحو ألف كيلومتر عن القضارف.

كانت زوجة الجنيد تتلقى علاجها في مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان، قبل إغلاقه بسبب اندلاع المعارك، ما دفع أسرتها للفرار إلى القضارف.

بسبب الحرب أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية (أ.ف.ب)

ويوضح الجنيد: «اليوم يرى الأطباء أنها تحتاج مجدداً إلى الخضوع للعلاج الإشعاعي، وهو في مروي فقط».

وبسبب طول الرحلة بين الولايتين، وكثرة الحواجز الأمنية، طلب السائق الذي وافق على اصطحاب الجنيد وزوجته إلى مروي، مبلغ 4 آلاف دولار، وهو ما لم يقدر الجنيد على دفعه، فألغيت الرحلة.

27 سريراً فقط ومئات المرضى

وبسبب الحرب، أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، يكتظ مركز القضارف بمرضى السرطان، على الرغم من سعته الضئيلة.

ويضم المركز 27 سريراً فقط، بينما «يحتاج إلى 60 سريراً على الأقل»، على ما يقول مديره معتصم مرسي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويوضح مرسي: «العام الماضي استقبلنا نحو 900 مريض جديد»، مقارنة بنحو «300 أو 400 مريض» في الأعوام الماضية.

وفي الربع الأول فقط من عام 2024، استقبل المركز 366 مريضاً، إلا أن مرسي أكد أن الأدوية لا تزال متوفرة «إلى حد بعيد»، على الرغم من «بعض النقص» المسجل من قبل بدء الحرب.

دمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية وخرج 70 % من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة (أ.ف.ب)

وعلى سرير في مركز القضارف؛ حيث يتقاسم المرضى الغرف بسبب الازدحام، تقول المعلمة السودانية فتحية محمد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عاد المرض (السرطان)، واضطررت إلى استئناف العلاج».

كانت فتحية تتلقى علاجها أيضاً مثل زوجة الجنيد بمستشفى ود مدني، قبل النزوح إلى ولاية القضارف.

وقالت بحسرة: «هنا لا يوجد علاج إشعاعي... إنه متوفر في مروي؛ لكنه يكلف مليارات الجنيهات السودانية».

وتحتاج المعلمة السودانية إلى علاج بالأشعة بشكل دوري، وهو ما يُعدُّ «مكلفاً للغاية» خصوصاً أنها لم تتقاضَ سوى راتب 3 أشهر فقط من العام الماضي، بسبب اندلاع الحرب، حسبما تقول.

«تحمل الألم الشديد»

وفي أواخر مايو (أيار) حذَّرت منظمة الصحة العالمية من أن «نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار؛ خصوصاً في المناطق التي يصعب الوصول إليها».

وأضافت: «تُدمَّر المرافق الصحية، وتتعرض للنهب، وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات».

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) حذَّر مقال نشره أطباء سودانيون في مجلة «إيكانسر» البريطانية، من أن «محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر».

وأشار المقال إلى أن «التكاليف المرتبطة بالعلاج الإشعاعي والنقل والسكن تجعلها غير متاحة لكثير من المرضى، ما يجبرهم على مواجهة الموت في المستقبل، من دون رعاية كافية».

في أواخر مايو حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار (أ.ف.ب)

وحسب المقال، فقد عطَّلت الحرب «سلاسل التوريد وتوفر المسكنات»، الأمر الذي يدفع المرضى إلى «تحمل الألم الشديد».

في مروي، يقول أحد الأطباء، وقد طلب عدم ذكر اسمه: «يعمل لدينا جهازان للعلاج الإشعاعي على مدار 24 ساعة يومياً».

ويضيف: «إذا تعطل أحد الأجهزة وتطلَّب الصيانة، فإن ذلك يتسبب في تكدس المرضى الذين يأتون من جميع أنحاء السودان».


مقالات ذات صلة

السودان... تصاعد وتيرة القتال في الخرطوم والجزيرة والفاشر

شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين قوات «الدعم السريع» والجيش في الخرطوم 26 سبتمبر (رويترز)

السودان... تصاعد وتيرة القتال في الخرطوم والجزيرة والفاشر

تصاعدت حدة القتال، الجمعة، بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في عدد من الجبهات مع سقوط عشرات القتلى والجرحى خلال الـ24 ساعة الماضية بصفوف الجانبين.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان يدلي بخطابه في الأمم المتحدة بنيويورك 26 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

البرهان: لا شروط مسبقة للحوار ونطالب بتنفيذ «اتفاق جدة»

أكد رئيس مجلس السيادة قائد القوات المسلحة السودانية الفريق عبد الفتاح البرهان أنه «لا يضع شروطاً مسبقة» للحوار، وطالب «قوات الدعم السريع» بتنفيذ «اتفاق جدة».

علي بردى (نيويورك)
الخليج الربيعة يلقي كلمة السعودية في اجتماع بشأن الوضع الراهن للمساعدات الإنسانية بالسودان (واس)

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

أكد الدكتور عبد الله الربيعة المشرف على «مركز الملك سلمان للإغاثة» أن السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإيجاد سبل لإعادة الأمل إلى شعب السودان منذ بداية أزمة بلادهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة play-circle 01:27

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس.

محمد أمين ياسين (نيروبي) أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو أيام تحالفهما (أرشيفية)

البرهان: أدعم جهود إنهاء «احتلال» قوات «الدعم السريع» أراضي بالسودان

قال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، اليوم (الخميس)، إنه يؤيد الجهود الرامية لإنهاء الحرب المدمرة في بلده.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (نيويورك)

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)

تواصلت التعهدات الحكومية في مصر من جديد بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع. وأَحْدَثُ هذه التعهدات، تأكيدات وزير الصحة، خالد عبدالغفار، خلال مؤتمر طبي، السبت، بتوافر الأدوية الناقصة خلال الأسابيع المقبلة. وأرجع أزمة نقص الدواء التي تشهدها البلاد منذ بداية العام الحالي إلى «عدم توافُر الدولار».

وخفض البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي منذ مارس (آذار) الماضي، بعد فترة شهدت اضطراباً في توافر الدولار لشركات الأدوية بالسعر الرسمي، «ما أدى إلى إيقاف بعض خطوط الإنتاج المحلية للدواء، وتأخُّر استيراد بعض الأدوية الهامة»، حسب مراقبين.

وقال رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية في مصر، علي عوف، لـ«الشرق الأوسط» إن المؤشرات تشير إلى «قرب انتهاء الأزمة بالفعل مع توفير الدولار، وضخ الأدوية الناقصة في الأسواق خلال الشهر الماضي بكميات تكفي الاحتياج الفعلي للأسواق، وعبر آليات ضبط من (هيئة الدواء) تضمنت عدم تخزين الأدوية، وضمان وصولها إلى المواطن في الوقت نفسه». وأضاف أن «توافر الدولار، والاتفاق على زيادة أسعار أصناف الدواء التي زادت تكلفة إنتاجها بسبب انخفاض قيمة الجنيه، أمران ساعدا على توافر الأدوية بالفعل، بالتنسيق بين الحكومة وشركات الأدوية الخاصة التي انتظمت خطوط الإنتاج فيها، وبدأت في الضخ بالأسواق بالفعل».

وقدَّر وزير الصحة المصري، السبت، إنتاج القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات بـ90 في المائة من إجمالي الأدوية الموجودة في السوق المصرية، مشيراً إلى أن «حجم سوق الدواء يبلغ نحو 300 مليار جنيه». (الدولار يساوي 48.31 جنيه في البنوك المصرية). ويأمل عضو «لجنة الصحة» بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، النائب أحمد العرجاوي، في «تنفيذ وعود المسؤولين بتوافر الدواء»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، رصد تحركات إيجابية من مسؤولين عدة لحل الأزمة بعدما وصلت الأمور إلى ذروتها خلال الصيف بنقص أدوية هامة لا يمكن الاستغناء عنها.

وزير الصحة المصري خلال تفقُّد مخزون الأدوية (وزارة الصحة المصرية)

وخلال اجتماع الحكومة الأخير، الأسبوع الماضي، تَحَدَّثَ رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن انتهاء الأزمة بشكل كامل خلال الأسابيع المقبلة، مؤكداً «استمرار العمل على توطين صناعة الدواء محلياً».

تكرار التصريحات الرسمية بشأن أزمة الدواء في أوقات مختلفة «يجعل هناك ترقباً لحدوث انفراجة على أرض الواقع»، وفقاً لعضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، النائب محمد صلاح البدري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك وعوداً كثيرة صدرت في الشهور الماضية، لافتاً إلى أن «هناك خطأً حكومياً بعدم التعامل بشكل سريع مع الأزمة وتوفير دعم لمصانع الأدوية لتجنُّب توقُّف خطوط إنتاجها مع زيادة تكلفة استيراد المواد الخام اللازمة لتصنيع الأدوية».

وأضاف أن «هيئة الدواء» تأخرت في إعادة تسعير الأدوية مع تغيُّر سعر الصرف، وفي الوقت نفسه غاب بشكل كامل الدعم لشركات الأدوية التي تعمل من أجل تحقيق أرباح، على أساس أن غالبيتها شركات خاصة، ومن ثم كانت «هناك ضرورة لتسريع وتيرة تغيير الأسعار بما يضمن استمرار توافر الأدوية، لا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة».

جولة تفقدية لأحد المسؤولين في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة (مجلس الوزراء المصري)

من جهته، أشار العرجاوي إلى وجود نقص ملحوظ في الأدوية خلال الفترات السابقة من دون وجود تفسيرات واضحة لأسباب حدوثه، وعدم التعامل معه بشكل سريع، لافتاً إلى أن الانفراجة التي حدثت في الأيام الماضية بتوافر أدوية ناقصة لشهور «تعطي أملاً في إتاحة مزيد من الأدوية الناقصة قريباً».

بينما رأى عوف أن «الأمر أصبح مسألة وقت مع انضباط خطوط الإنتاج بالشركات المختلفة خلال الأسابيع الماضية»، مؤكداً أن دورة العمل تسير في الوقت الحالي بشكل جيد في مختلف الشركات المصنِّعة للدواء داخل مصر.

في سياق ذلك، أعلن رئيس مجلس الوزراء «دعم التوجه لكتابة الأدوية بالاسم العلمي للمادة الفعالة بدلاً من الاسم التجاري»، وهي الخطوة التي وصفها رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية بـ«الإيجابية»، مؤكداً أنها «ستساعد المرضى في الحصول على الدواء بالسعر الذي يناسبهم»، لكن عضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ أبدى تخوفاً من أن تؤدي هذه الخطوة إلى «القضاء على التنافسية الموجودة بين الشركات في ظل وجود أكثر من شركة تصنع الدواء لكن بأسماء مختلفة، ومن ثم فإن التوجه نحو الأرخص سعراً للبيع سيكون بمثابة ضرر للشركات الأخرى».