اتهامات حقوقية للسلطات الليبية بـ«توظيف الخطاب الديني لتبرير القمع»

استنكار لـ«الصمت» على جرائم الإخفاء القسري لنواب ونشطاء

رفض حقوقي ليبي لاستخدام المنابر في التحريض على المعارضين السياسيين والقوى المدنية (متداولة)
رفض حقوقي ليبي لاستخدام المنابر في التحريض على المعارضين السياسيين والقوى المدنية (متداولة)
TT

اتهامات حقوقية للسلطات الليبية بـ«توظيف الخطاب الديني لتبرير القمع»

رفض حقوقي ليبي لاستخدام المنابر في التحريض على المعارضين السياسيين والقوى المدنية (متداولة)
رفض حقوقي ليبي لاستخدام المنابر في التحريض على المعارضين السياسيين والقوى المدنية (متداولة)

اتهمت منظمات ومراكز حقوقية ليبية وعربية السلطات المحلية في البلاد بـ«تعمد توظيف الخطاب الأمني والديني لقمع المعارضة»، وسط استنكار لـ«الصمت» على جرائم إخفاء قسري طاولت عدة نواب ونشطاء منذ الانفلات الأمني الذي ضرب البلاد.

وتشتكي الأوساط الحقوقية والسياسية في ليبيا من تعقب المدافعين عن حقوق الإنسان، ومنتقدي السلطة شرق البلاد وغربها، بالتوقيف والاعتقال، فضلاً عما تعانيه ليبيا من «ترد في ملف حقوق الإنسان» يتمثل في الأوضاع السيئة للسجون. غير أن الحكومات الليبية تقول إنها تنأى بنفسها عن هذا المسلك.

الناشط السياسي الليبي سراج دغمان (حسابات موثوقة على مواقع التواصل الاجتماعي)

واستنتجت ورقة بحثية أعدها «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» تحت عنوان «تبرير القمع» كيف أن السلطات الليبية «توظّف الخطاب الأمني والديني لقمع المعارضة»، موثقاً مجموعة من الوقائع في الفترة بين عامي 2020 و2024 قال إنها «تعكس هذا النمط من القمع».

ما ذهب إليه «مركز القاهرة» ونشره الثلاثاء، تضامن معه أحمد عبد الحكيم حمزة رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا»، رافضاً ما سمّاه بـ«تسييس الدين، واستخدامه لصالح أهداف وغايات لبعض المؤسسات أو التيارات».

ورأى حمزة في حديث مع «الشرق الأوسط» أن «استخدام المنابر في ليبيا بكل أسمائها وتوجهاتها للنيل من المعارضة والقوى المدنية أمر مرفوض، كما أنه خلط في غير محله، ومساس بالحقوق السياسي والمدنية للمواطنين»، لافتاً إلى أن مثل هذه الأفعال «تحض على العنف ولا يمكن القبول بها».

أحد مساجد مصراتة (مواقع التواصل)

ويعتقد «مركز القاهرة» في ورقته البحثية، أن عمليات قمع المعارضة بمقتضى الخطاب الديني تتورط فيها «الأجهزة الأمنية أو الجماعات الدينية المسلحة المهيمنة، بالتحريض على النشطاء الحقوقيين والسياسيين، بل والزج بهم في السجون، وغلق مؤسساتهم، بدعوى تهديدهم للأمن العام أو مخالفتهم وعدائهم للدين وقيم المجتمع».

وتعاني ليبيا من الانقسام، إذ تتنافس فيها حكومتان وعدد من الكيانات المسلحة. وقد أدت هذه البيئة الانقسامية، وفق «مركز القاهرة»، إلى «إحباط جميع الجهود الدولية والمحلية المتطلعة للإصلاح».

ورغم التنافس والانقسام، يرى المركز، أن السلطات بشرق ليبيا وغربها تشترك في سمة رئيسية، وهي «الاستهداف المنهجي للنشطاء السياسيين والحقوقيين، وقمع كل أشكال المعارضة، سواء باستخدام الخطاب الديني أو المبررات الأمنية، بجانب توظيف الإطار القانوني القمعي للانتقام منهم».

خطورة هذا المشهد السياسي المعقد تتضاعف بعدما أعلنت «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» في 9 يونيو (حزيران) الحالي، بدء عملية تسجيل الناخبين لاستحقاق المجالس البلدية في 60 بلدية، بما في ذلك بلديات انقضت وأخرى مستحدثة تُدار حالياً بمجالس تسييرية.

وعبّر «مركز القاهرة» عن خشيته من تنامي القمع خلال الفترة الراهنة، كما سبق وحدث في انتخابات أغسطس (آب) 2020، وضرب مثلاً بالهجوم على مراكز الاقتراع في بلدية تراغن جنوب غربي ليبيا، وأخرى في بلدية القطرون، وإغلاقها ومنع إجراء الانتخابات فيها.

ويحذّر المركز من «أن بعض الأجهزة الأمنية إلى جانب فصائل مسلحة، تحظى بحضور متمكن في كل من شرق ليبيا وغربها، وأن الاندماج بين هذه الأجهزة وبين الجماعات المسلحة الكبرى أسهم في تعزيز قوتهما العسكرية بشكل كبير، وتنامي نفوذهما السياسي على الحكومات المتنافسة».

النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على فيسبوك)

ومن بين الانتهاكات الحقوقية التي شهدتها ليبيا اعتقال المواطن «ما شاء الله فرج» (37 عاماً)، الذي ينتمي إلى منطقة إجخرّة جنوب شرقي البلاد، من قبل الأجهزة في 19 يونيو الحالي.

وقال أحمد عبد الحكيم حمزة رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا»، إن اعتقال فرج جاء بعد ساعات من نشره مقطعاً مصوراً عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك» يُعبّر فيه عن استيائه من الأوضاع المعيشية والصحية والخدمية في منطقته.

حمزة وصف عملية الاعتقال بأنها «احتجاز تعسفي تم من دون أي أساس ولا مسوغ قانوني»، وعدّ ذلك «مخالفة واضحة وصريحة لقانون الإجراءات الجنائيّة الليبي».

وطالب حمزة السلطات الأمنية بـ«الإفراج الفوري وغير المشروط» عن المواطن الموقوف، والتحقيق في ملابسات الواقعة، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، داعياً السلطات التنفيذيّة والأمنية لضمان احترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، والالتزام بالضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية المتعلقة بذلك.

وفي السياق ذاته، أبدى حزب «صوت الشعب» الليبي استغرابه الشديد لما سماه «حالة التجاهل وعدم اللامبالاة» التي قال إنها «أصبحت واضحة من موقف الاتحاد الأوروبي، وسفرائه في ليبيا»؛ وفق قوله.

كما استغرب «حرص الاتحاد على حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، في حين يصمت على الجرائم السالبة للحريات والقمع والإخفاء القسري التي تتم في شرق وجنوب ليبيا بشكل يومي وممنهج».

سهام سرقيوة البرلمانية الليبية (يمين) قبل خطفها برفقة المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز (البعثة)

ولفت الحزب في بيانه، إلى استمرار اعتقال الشيخ علي أبو صبيحة، رئيس «المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان» (جنوب ليبيا)، واستمرار إخفاء النائب إبراهيم الدرسي، في مدينة بنغازي، وعدم فتح تحقيق في قضية اختفاء النائبة سهام سرقيوة، واغتيال الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص، وكثير من النشطاء.

وتساءل حزب «صوت الشعب»: «أين من يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان؟ وأين المنظمات التي تدعي ذلك سواء كانت محلية أو عربية أو أفريقية أو دولية؟»، مطالباً «المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان» بالاضطلاع بمسؤولياته القانونية والأخلاقية و«الانتصار لمبدأ القوة القانونية؛ وليس قوة الغابة».

ودخلت دار الإفتاء الليبية التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، على خط الوقفات الاحتجاجية، وموقف الدين منها، وقالت إنها «من حيث المبدأ حقّ مشروع، ومن الوسائل العصرية الفعّالة في المطالبة بالحقوق ورفع الظلم، وهي وسيلة تكون مشروعة بشرط أن يكون المقصد الذي تتم المطالبة به، مشروعاً»

واشترطت «الإفتاء» «ألا يؤدي الاحتجاج إلى مفسدة أعظم مِن المفسدة التي خرج من أجلها الناس، وأن يكون بالمظهر الحضاري اللائق»، وقالت: «لا يجوز أن تكون الاعتصامات بالاعتداء على الحقوق العامّة للناس، أو إقفال طرقاتهم، أو تعطيل المؤسسات الخدمية والحيوية»، وذلك في إِشارة إلى إغلاق معبر «رأس جدير» من قبل قوة مسلحة تابعة لمدينة زوارة الأمازيغية.


مقالات ذات صلة

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا المنفي خلال حضور حفل العشاء مع الرئيس الأميركي (المنفي)

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

أعلن أعضاء في مجلس النواب الليبي، أن جلسته المرتقبة، الاثنين المقبل، ستخصص للمصادقة على اعتماد تعيين محافظ المصرف المركزي للبلاد ونائبه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، بينما لا تزال البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

تصاعدت حالة من الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية، أمام مجلس النواب، في ظل معارضة واسعة من المجلس الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)

مرشح لـ«رئاسية» تونس يؤكد مواصلة السباق الانتخابي رغم وجوده في السجن

المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
TT

مرشح لـ«رئاسية» تونس يؤكد مواصلة السباق الانتخابي رغم وجوده في السجن

المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أعلن رمزي الجبابلي، رئيس الحملة الانتخابية للمترشح للانتخابات الرئاسية التونسية، العياشي زمال، خلال ندوة صحافية عقدها، اليوم (السبت)، مواصلة الأخير خوض الحملة الانتخابية، رغم وجوده بالسجن وعدم إمكانية التواصل معه.

وقال الجبابلي: «ننتظر إلى يوم الاثنين.. لن ننسحب من السباق الانتخابي.. وقد دفعنا الكثير والكثير.. أعضاء الحملة والعائلة وجهة الشمال الغربي كلنا في حصار.. وهذا الحصار يقوينا».

والعياشي زمال رجل أعمال، ورئيس «حركة عازمون»، وهو ملاحق في 5 قضايا في 5 ولايات، تتعلق بشبهات «افتعال تزكيات شعبية من الناخبين». وصدر ضده حكم عن محكمة جندوبة غرب تونس.

وفي وقت سابق، قال محاميه ورئيس هيئة الدفاع، عبد الستار المسعودي، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الحكم لن يكون له تأثير على الحملة الانتخابية، مبرزاً أن زمال سيستمر في السباق الرئاسي، ولن ينسحب. وتابع المحامي: «يريدون إرغامه على الانسحاب. وما يحدث هو عملية تنكيل، لكنه لن يتراجع، ويمكنه الفوز في الانتخابات وهو في السجن. ستكون سابقة في العالم».

من جلسة التصويت على تعديل القانون الانتخابي (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، بدأ سريان التعديل الجديد لقانون الانتخابات في تونس، فور نشره بالجريدة الرسمية، السبت، وذلك قبل أيام من الانتخابات الرئاسية، المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ووسط احتجاجات من المعارضة ومنظمات حقوقية. وصادق برلمان تونس، الجمعة، في جلسة عامة استعجالية بأغلبية واسعة على التعديل المثير للجدل، الذي يتيح سحب اختصاص البت في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية ليكون أمام محاكم الاستئناف العادية. لكن معارضي التعديل يقولون في المقابل إنه يهدد نزاهة الانتخابات. وقد شهدت الشوارع قبل أيام، ومحيط البرلمان أثناء جلسة أمس، احتجاجات ضده.

جانب من المظاهرة التي نظمتها جمعيات حقوقية للاحتجاج عل تعديل القانون الانتخابي (إ.ب.أ)

وتأتي خطوة البرلمان في أعقاب نزاع اختصاص بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية. يشار إلى أن الهيئة استبعدت ثلاثة مرشحين من السباق الرئاسي، رغم صدور قرار من المحكمة بتثبيتهم وبسلامة ملفاتهم. وقال خبراء إن التعديل يهدف على الأرجح إلى تفادي أي قرار من المحكمة الإدارية ضد نتائج الانتخابات.

ويتنافس الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد مع مرشحَين اثنين أقرتهما هيئة الانتخابات، وهما زهير المغزاوي رئيس «حركة الشعب»، والعياشي زمال رئيس «حركة عازمون»، الملاحق في قضايا انتخابية، والذي صدرت ضده أحكام بالسجن.