تزايد وتيرة «الفساد» في ليبيا يفاقم مخاوف المواطنين

رئيس «صوت الشعب»: «الاستيلاء على المال العام أصبح ثقافة»

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
TT

تزايد وتيرة «الفساد» في ليبيا يفاقم مخاوف المواطنين

الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)
الصديق الصور النائب العام الليبي (مكتب النائب العام)

على الرغم من إعلان النائب العام الليبي، الصديق الصور، بشكل متكرر ضبط واعتقال موظفين ومسؤولين حاليين وسابقين بتهم فساد، فإن الكثير من الليبيين ما زال يتساءل عن أسباب استمرار تصاعد موجات التطاول على المال العام في هذا البلد النفطي.

بداية، يرى رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، أن بلده وصل إلى مرحلة «أصبح فيها الاستيلاء على المال العام ثقافة»، في ظل ما تكشف عنه الجهات الرقابية والنيابة العامة، المتواصل، من عمليات واسعة للنهب وتبديد ثروات الليبيين.

ويطول الفساد في ليبيا جميع مؤسسات الدولة بشكل كبير، وهي تقع ضمن تصنيفات متقدمة في مؤشرات تفشي الفساد المالي والإداري على مستوى العالم، رغم الضربات التي يتلقاها لصوص المال العام. وفي ظل أحاديث الليبيين، التي لا تنقطع عن مافيا تهريب الوقود المدعم إلى خارج البلاد، وبيعه وسط البحر للسفن المارة، تساءل الشبلي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» عن الجهة التي تستطيع أن تقف في وجه من سمّاهم «كبار اللصوص» في ليبيا؛ وأن «تُطبق عليهم قانون من أين لك هذا؟ لكن للأسف دولتنا اليوم غير مستقلة ومنقوصة السيادة. ولذلك يطالب الجميع بمحاسبة الفاسدين، لكن لا مجيب؛ في ظل عمليات واسعة من التطاول على ثروات الشعب».

ليبيون اشتكوا من تزايد عمليات مافيا تهريب الوقود المدعم إلى خارج البلاد (الشرق الأوسط)

ويصدر ديوان عام المحاسبة (أكبر جهة رقابية في ليبيا) كل عام تقريراً مُحملاً بقدر هائل من الانتهاكات والتجاوزات، التي تقترفها السلطات المحلية في حق المال العام، وسط مطالب سياسية للنيابة العامة بضرورة التحقيق فيما تضمنه من وقائع، وإخضاع من يثبت تورطه للعدالة.

وتقول النيابة العامة إنها تحقق فيما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة من جرائم وانتهاكات تطول ثروات الشعب، وسبق أن طالبت بسجن بعض الذين ثبت تورطهم في نهب ثروات الشعب. علماً بأن عمليات الحبس الاحتياطي للمسؤولين والوزراء تكررت في ليبيا طيلة السنوات الماضية، لكنها تنتهي عادة بإطلاق سراحهم، أو الحكم عليهم بأحكام مخففة.

وحلّت ليبيا في المرتبة 170 في مؤشر «مدركات الفساد» للعام 2023، مرتفعة مرتبة واحدة عن العام 2022، حين جاءت في المرتبة 171 من أصل 180 دولة يشملها المؤشر. وسبق أن قال موسى الكوني، النائب بالمجلس الرئاسي الليبي، أمام رئيس هيئة الرقابة الإدارية، سليمان الشنطي، إن بلاده «أصبحت تتصدر قوائم الفساد في العالم».

موسى الكوني أكد أن ليبيا «أصبحت تتصدر قوائم الفساد في العالم» (الشرق الأوسط)

ودافع مصدر بالنيابة العامة عن جهودها في التصدي للصوص المال العام. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن النيابة حبست أكثر من وزير بحكومة «الوحدة الوطنية» من بينهم وزير الصحة السابق، علي الزناتي، ونائبه سمير كوكو بالحكومة، احتياطياً على خلفية تورطهما في «قضايا فساد» مالي وإداري، مشيراً إلى أن مكتب النائب العام «لا يتوانى عن ضبط وحبس أي مسؤول أو موظف في الدولة، ما دام ثبت بالأدلة ضلوعه في التطاول على أموال الشعب».

وصعّد النائب العام من وتيرة التحقيقات لكشف «المتورطين في قضايا فساد»، تضمنها تقرير ديوان المحاسبة السابق بحق جهات حكومية ودبلوماسية كثيرة، وأمر بحبس رئيس بعثة ليبيا لدى جمهورية أوغندا السابق لاتهامه بـ«تبديد المال العام»، كما أمر بالبحث عن مسؤولين آخرين لاتهامهم بالتهمة ذاتها. فيما تعهدت النيابة العامة بالاستمرار في «مكافحة جرائم الفساد وضبط مرتكبيها».

من جهته، يرى رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي أن القضاء على الفساد في البلاد يتطلب «انتخاب رئيس شرعي؛ يفعّل كل أدوات مكافحة جرائم الاستيلاء على المال العام. وحتى يأتي هذا اليوم فإن كل من سرق سيأتي وقت محاسبته؛ لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم».

وقضت محكمة طرابلس في السادس من يونيو (حزيران) الحالي، بإدانة رئيسة البعثة السياسية لدولة ليبيا لدى مملكة بلجيكا ودوقيّة لوكسمبورغ الكبرى، السفيرة أمل الجراري، بالسجن 7 سنوات لاتهامها بـ«الاستيلاء على المال العام»، وتغريمها ضعف المبلغ المختلس. وفي مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أخضعت النيابة العامة الليبية، أمل الجراري، للتحقيق لاتهامها بالتطاول على المال العام، وحينذاك أمر رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بإنهاء إعارتها للعمل بوزارة الخارجية، وإحالة إجراءات إعفائها إلى المجلس الرئاسي، وفقاً للتشريعات النافذة، وفق نص قراره رقم (728) لسنة 2023.

رئيس حكومة «الوحدة» أمر بإقالة رئيسة البعثة السياسية لدولة ليبيا لدى مملكة بلجيكا لاتهامها بـ«الفساد» (الوحدة)

ولم تكن تهم الفساد الموجهة لسفيرة ليبيا في بلجيكا هي الوحيدة، فقد سبقها اتهامات أخرى لرؤساء بعثات دبلوماسية، إضافة إلى مسؤولين في حكومة «الوحدة الوطنية». وفي الخامس من مايو (أيار) الماضي، أمرت النيابة العامة بحبس القائم السابق بأعمال بعثة دولة ليبيا لدى جمهورية البرتغال، ورقيب سابق على إدارة المال العام في البعثة احتياطياً على ذمة التحقيق. كما أمرت النيابة العامة في نهاية مايو الماضي بحبس مسؤول الحسابات الجارية بفرع المصرف التجاري الوطني بمصفاة الزاوية، وملاحقة آخرين متهمين في قضية فساد، ارتكبت في الفرع، استولوا بمقتضاها على قرابة 5 ملايين دينار (الدولار يساوي 4.84 دينار).

كما أمرت بحبس الدكتور عمران القيب، وزير التعليم العالي، ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة من رئيس الحكومة لتوفير الكتب، على خلفية أزمة عدّت «قضية أمن قومي»، تتعلق بـ«شبهة فساد» في إجراءات التعاقد على طباعة وتوفير الكتب الدراسية، لكن تمت تبرئته.


مقالات ذات صلة

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

شمال افريقيا المنفي خلال حضور حفل العشاء مع الرئيس الأميركي (المنفي)

توتر أمني مفاجئ غرب العاصمة الليبية

أعلن أعضاء في مجلس النواب الليبي، أن جلسته المرتقبة، الاثنين المقبل، ستخصص للمصادقة على اعتماد تعيين محافظ المصرف المركزي للبلاد ونائبه.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، بينما لا تزال البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا مستشارو المحكمة الدستورية العليا عقب أداء اليمين أمام نائب رئيس مجلس النواب الليبي (المجلس)

ليبيا: «قانون الدستورية العليا» يجدد الجدل بين «الرئاسي» والبرلمان

تصاعدت حالة من الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية، أمام مجلس النواب، في ظل معارضة واسعة من المجلس الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يلتقي البرهان على هامش أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة (المجلس الرئاسي الليبي)

11 دولة تدعو ليبيا لضخ النفط... وإخراج «المرتزقة»

حثت أميركا ودول أوروبية وعربية الأطراف الليبية كافة على العمل لاستئناف إنتاج وتصدير النفط «بالكامل دون تعطيل أو تدخل أو تسييس».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من الحضور خلال توقيع اتفاق ينهي أزمة الصراع على مصرف ليبيا المركزي (البعثة الأممية)

اتفاق يطوي أزمة «المركزي» الليبي

بحضور دبلوماسي عربي وغربي، وقّع ممثلان عن مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» في ليبيا اتفاقاً يقضي بتعيين محافظ مؤقت للمصرف المركزي ونائب له.

جمال جوهر (القاهرة)

مرشح لـ«رئاسية» تونس يؤكد مواصلة السباق الانتخابي رغم وجوده في السجن

المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
TT

مرشح لـ«رئاسية» تونس يؤكد مواصلة السباق الانتخابي رغم وجوده في السجن

المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)
المرشح لـ«رئاسية» تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أعلن رمزي الجبابلي، رئيس الحملة الانتخابية للمترشح للانتخابات الرئاسية التونسية، العياشي زمال، خلال ندوة صحافية عقدها، اليوم (السبت)، مواصلة الأخير خوض الحملة الانتخابية، رغم وجوده بالسجن وعدم إمكانية التواصل معه.

وقال الجبابلي: «ننتظر إلى يوم الاثنين.. لن ننسحب من السباق الانتخابي.. وقد دفعنا الكثير والكثير.. أعضاء الحملة والعائلة وجهة الشمال الغربي كلنا في حصار.. وهذا الحصار يقوينا».

والعياشي زمال رجل أعمال، ورئيس «حركة عازمون»، وهو ملاحق في 5 قضايا في 5 ولايات، تتعلق بشبهات «افتعال تزكيات شعبية من الناخبين». وصدر ضده حكم عن محكمة جندوبة غرب تونس.

وفي وقت سابق، قال محاميه ورئيس هيئة الدفاع، عبد الستار المسعودي، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الحكم لن يكون له تأثير على الحملة الانتخابية، مبرزاً أن زمال سيستمر في السباق الرئاسي، ولن ينسحب. وتابع المحامي: «يريدون إرغامه على الانسحاب. وما يحدث هو عملية تنكيل، لكنه لن يتراجع، ويمكنه الفوز في الانتخابات وهو في السجن. ستكون سابقة في العالم».

من جلسة التصويت على تعديل القانون الانتخابي (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، بدأ سريان التعديل الجديد لقانون الانتخابات في تونس، فور نشره بالجريدة الرسمية، السبت، وذلك قبل أيام من الانتخابات الرئاسية، المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ووسط احتجاجات من المعارضة ومنظمات حقوقية. وصادق برلمان تونس، الجمعة، في جلسة عامة استعجالية بأغلبية واسعة على التعديل المثير للجدل، الذي يتيح سحب اختصاص البت في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية ليكون أمام محاكم الاستئناف العادية. لكن معارضي التعديل يقولون في المقابل إنه يهدد نزاهة الانتخابات. وقد شهدت الشوارع قبل أيام، ومحيط البرلمان أثناء جلسة أمس، احتجاجات ضده.

جانب من المظاهرة التي نظمتها جمعيات حقوقية للاحتجاج عل تعديل القانون الانتخابي (إ.ب.أ)

وتأتي خطوة البرلمان في أعقاب نزاع اختصاص بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية. يشار إلى أن الهيئة استبعدت ثلاثة مرشحين من السباق الرئاسي، رغم صدور قرار من المحكمة بتثبيتهم وبسلامة ملفاتهم. وقال خبراء إن التعديل يهدف على الأرجح إلى تفادي أي قرار من المحكمة الإدارية ضد نتائج الانتخابات.

ويتنافس الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد مع مرشحَين اثنين أقرتهما هيئة الانتخابات، وهما زهير المغزاوي رئيس «حركة الشعب»، والعياشي زمال رئيس «حركة عازمون»، الملاحق في قضايا انتخابية، والذي صدرت ضده أحكام بالسجن.