الأمم المتحدة: طرد المهاجرين من تونس إلى ليبيا يؤجج الابتزاز والانتهاكات

تقرير سري كشف تعرضهم المستمر للابتزاز والتعذيب والقتل

قوات خفر السواحل التونسية توقف قارباً لمهاجرين سريين كان في طريقه نحو السواحل الأوروبية (رويترز)
قوات خفر السواحل التونسية توقف قارباً لمهاجرين سريين كان في طريقه نحو السواحل الأوروبية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: طرد المهاجرين من تونس إلى ليبيا يؤجج الابتزاز والانتهاكات

قوات خفر السواحل التونسية توقف قارباً لمهاجرين سريين كان في طريقه نحو السواحل الأوروبية (رويترز)
قوات خفر السواحل التونسية توقف قارباً لمهاجرين سريين كان في طريقه نحو السواحل الأوروبية (رويترز)

أفاد تقرير سري للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان، اطلعت عليه وكالة «رويترز» للأنباء، بأن قوات حرس الحدود في تونس اعتقلت مهاجرين وسلمتهم إلى حرس الحدود في ليبيا؛ حيث يتعرضون للابتزاز والتعذيب والقتل، بالإضافة إلى العمل القسري.

اعتقالات وطرد بالجملة

يلعب البلدان دوراً رئيسياً في جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى وقف تدفق المهاجرين​، ​من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا، عبر البحر المتوسط. وجاء في تقرير الأمم المتحدة أن مئات المهاجرين في تونس اعتُقلوا ضمن موجة من الاعتقالات، وطردوا إلى ليبيا خلال النصف الثاني من العام الماضي. واستند في ذلك إلى مقابلات أجريت مع 18 شخصاً سبق احتجازهم، بالإضافة إلى أدلَّة عبارة عن صور ومقاطع مصورة لعمليات تعذيب في إحدى المنشآت. وقال طارق لملوم، الخبير الليبي في مجال حقوق الإنسان، إن عمليات نقل المهاجرين هذه جرت في أوائل مايو (أيار) الماضي، مبرزاً أن نحو ألفي مهاجر كانت تونس تحتجزهم، نُقلوا إلى ليبيا هذا العام.

مهاجرون أفارقة داخل أحد مراكز الاحتجاز في طرابلس (الشرق الأوسط)

واطَّلع دبلوماسيون في المنطقة على تقرير الأمم المتحدة الذي لم يُنشر عنه شيء سابقا، والذي جاء فيه أن «عمليات الطرد الجماعي من تونس إلى ليبيا، وما يرتبط بها من احتجاز تعسفي للمهاجرين، يؤججان عمليات الابتزاز والانتهاكات، وهي بالفعل قضايا حقوق إنسان منتشرة على نطاق واسع في ليبيا». كما أشار التقرير إلى أن مسؤولين ليبيين «يطلبون آلاف الدولارات مقابل إطلاق سراح بعض المهاجرين... وهذا الوضع يصب في مصلحة أولئك الذين يستغلون الضعفاء، ومنهم المتاجرون بالبشر».

ولم ترد السلطات الليبية ولا التونسية على طلبات للتعليق على تقرير الأمم المتحدة. كما قال متحدث باسم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إنه ليس بوسعه التعليق على هذا التقرير.

وفي 16 أبريل (نيسان) الماضي، قال عبد الله باتيلي الذي كان حينها كبير مسؤولي الأمم المتحدة هناك، إنه «يشعر بقلق بالغ إزاء الوضع المزري للمهاجرين واللاجئين في ليبيا الذين يعانون من انتهاكات لحقوق الإنسان طوال عملية الهجرة»، بينما قال الاتحاد الأوروبي العام الماضي إنه سينفق 800 مليون يورو حتى عام 2024 في شمال أفريقيا، لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط.

مهاجرون أفارقة في طريقهم نحو ليبيا للعبور منها سراً إلى أوروبا (رويترز)

وتُعدُّ الهجرة مصدر قلق رئيسي للناخبين في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت الأسبوع الماضي، وشهدت مكاسب لأحزاب اليمين المتطرف. لكن في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، انخفض عدد المهاجرين الوافدين إلى أوروبا، عبر البحر المتوسط ​​بأكثر من 60 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، في الرابع من يونيو (حزيران) الحالي إن الانخفاض يرجع «قبل أي شيء» إلى المساعدة القادمة من تونس وليبيا؛ لكن جماعات لحقوق الإنسان تقول إن سياسة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في نقل السيطرة على الهجرة إلى دول أخرى، مقابل تقديم مساعدات «تؤدي إلى انتهاكات، وتخفق في معالجة القضايا الأساسية». وفي مايو الماضي، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، إن مئات الأشخاص يصلون إلى بلاده كل يوم، وإن تونس تنسق عودة المهاجرين مع الدول المجاورة، بينما قالت الحكومة الليبية إنها تحترم حقوق الإنسان، وتعمل مع الدول المجاورة لحل قضايا الهجرة.

مهاجر سري ينتظر داخل أحد المنازل التي يتم فيها تجميع المهاجرين السريين الراغبين في الوصول إلى أوروبا (رويترز)

وخلصت بعثة لتقصي الحقائق، تابعة للأمم المتحدة، العام الماضي إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق مهاجرين في ليبيا، داخل بعض مراكز الاحتجاز التي تديرها وحدات تلقت دعماً من الاتحاد الأوروبي. ولم يرد متحدث باسم المفوضية الأوروبية على أسئلة طرحتها «رويترز» التي لم يتسنَّ لها أيضاً التحقق من الروايات الواردة في تقرير الأمم المتحدة عن حدوث انتهاكات من مصادر مستقلة.

الحرق حياً والضرب بالرصاص

جاء في التقرير الأحدث للأمم المتحدة، أن هناك نمطاً يقوم به مسؤولو الحدود التونسيون، بالتنسيق مع نظرائهم الليبيين لنقل المهاجرين، إما إلى مراكز احتجاز العسة أو نالوت، الواقعتين على الجانب الآخر من الحدود في ليبيا. وقال التقرير إن المهاجرين يتعرضون للاحتجاز لفترات تتراوح بين بضعة أيام وعدة أسابيع، قبل نقلهم إلى مركز احتجاز بئر الغنم بالقرب من طرابلس. ويتولى جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي وخفر السواحل إدارة مراكز الاحتجاز.

كما أوضح تقرير الأمم المتحدة أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يمنع باستمرار مسؤولي الأمم المتحدة من الدخول إلى الموقعين. وجاء المهاجرون الذين تمت مقابلتهم خلال إعداد تقرير الأمم المتحدة، من فلسطين وسوريا والسودان وجنوب السودان. وكان الحصول على معلومات من المهاجرين الأفارقة أكثر صعوبة؛ حيث كان يجري ترحيلهم، وكان التواصل معهم أكثر تعقيداً. وأضاف التقرير أن الندوب وعلامات التعذيب كانت واضحة على 3 من المهاجرين الذين تمت مقابلتهم.

كما وصف التقرير الأوضاع في العسة وبئر الغنم بأنها «بشعة»، موضحاً أن مئات المعتقلين «مكدسون في حظائر وزنازين، غالباً ما يكون بها مرحاض واحد صالح للاستخدام، ولا يوجد صرف صحي أو تهوية».

اعتراض قارب مكتظ بعشرات المهاجرين السريين كان في طريقة نحو سواحل إيطاليا (أ.ب)

وفي بئر الغنم، كانت هناك اتهامات بأن المسؤولين ابتزوا المهاجرين للحصول على مبالغ تتراوح بين 2500 و4000 دولار تبعاً لجنسياتهم، مقابل إطلاق سراحهم. ووفقاً لتقرير صدر في يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد قال شهود للأمم المتحدة إن حرس الحدود في العسة أحرقوا رجلاً سودانياً حياً، وأطلقوا الرصاص على محتجز آخر لأسباب غير معروفة. وأضاف التقرير أن محتجزين سابقين تعرفوا على تجار بشر بين مسؤولي حرس الحدود العاملين هناك.

كما جاء في التقرير أن «النهج الحالي الخاص بالهجرة وإدارة الحدود غير ناجح»، داعياً ليبيا إلى إلغاء تجريم المهاجرين الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني، وطالب بدعم دولي كامل لدفع إدارة الحدود للالتزام بحقوق الإنسان.


مقالات ذات صلة

ترحيل المهاجرين ضمن مهام ترمب في أول أيامه الرئاسية

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترحيل المهاجرين ضمن مهام ترمب في أول أيامه الرئاسية

قالت ثلاثة مصادر مطلعة لـ«رويترز» إنه من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عدة إجراءات تنفيذية في أول أيام رئاسته لإنفاذ قوانين الهجرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب: لن يكون أمامنا خيار سوى تنفيذ «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين

قال الرئيس الأميركي المنتخب إن قضية الحدود تعد إحدى أولوياته القصوى، وإن إدارته لن يكون أمامها خيار سوى تنفيذ عمليات «ترحيل جماعي» للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مهاجرون يستمعون إلى التوجيهات قبل عبور الحدود من المكسيك إلى إل باسو بولاية تكساس الأميركية (أ.ف.ب)

الهجرة غير الشرعية تتراجع مع ارتفاع حدة الخطاب الانتخابي الأميركي

تبدو ضفاف نهر يفصل بين المكسيك وأميركا شبه مهجورة، وغدت ملاجئ مخصصة للمهاجرين شبه خاوية، بعد أن كانت مكتظة سابقاً، نتيجة سياسات أميركية للهجرة باتت أكثر صرامة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا السويد تعزز المساعدات للدول القريبة من مناطق النزاع في محاولة لخفض تدفق المهاجرين (إ.ب.أ)

الحكومة السويدية تخصص مساعدات إنمائية للدول التي يتدفق منها المهاجرون

أعلنت السويد أنها ستعزز المساعدات للدول القريبة من مناطق النزاع وعلى طرق الهجرة، في أول بادرة من نوعها تربط بين المساعدات الإنمائية ومحاولة خفض تدفق المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
أوروبا مبنى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (رويترز)

القضاء الأوروبي يدين قبرص لإعادتها لاجئيْن سورييْن إلى لبنان

دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الثلاثاء، قبرص لاعتراضها في البحر لاجئيْن سورييْن وإعادتهما إلى لبنان، دون النظر في طلب اللجوء الخاص بهما.

«الشرق الأوسط» (ستراسبورغ)

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
TT

حوادث مرورية متكرّرة تفجع مصريين

الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)
الطرق السريعة في مصر (وزارة النقل المصرية)

شهدت مناطق متفرقة في مصر حوادث مرورية مفجعة، أخيراً؛ مما أثار تساؤلات حول أسباب تكرارها، في حين رأى خبراء أن «غالبية تلك الحوادث تقع نتيجة لأخطاء من العنصر البشري».

وشهدت مصر، الجمعة، حادثاً أُصيب خلاله نحو 52 شخصاً، إثر انقلاب حافلة (أتوبيس رحلات) على طريق «الجلالة - الزعفرانة» (شمال محافظة البحر الأحمر - جنوب مصر)، قبل توجهها إلى دير الأنبا أنطونيوس بالمحافظة.

وأعلنت وزارة الصحة المصرية «خروج جميع المصابين من المستشفى، بعد تحسّن حالاتهم»، وقالت في إفادة لها، الجمعة، إن «الحادث أسفر عن إصابة 52 راكباً؛ نُقل 31 منهم إلى مستشفى (رأس غارب) التخصصي، في حين تم إسعاف 21 مصاباً آخرين بموقع الحادث».

واحتجزت الأجهزة الأمنية سائق «الحافلة» المتسبّب في الحادث، في حين كلّفت السلطات القضائية لجنة فنية بفحص أسباب وقوع الحادث حول ما إذا كان عطلاً فنياً أم خطأ بشرياً نتيجة للقيادة الخاطئة، حسب وسائل إعلام محلية.

وأعاد انقلاب الحافلة بطريق «الجلالة - الزعفرانة» إلى الأذهان حادث انقلاب حافلة تابعة لجامعة «الجلالة الأهلية»، على الطريق السريع «الجلالة - العين السخنة»، في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ مما أدّى إلى وفاة 7 أشخاص، وإصابة نحو 25 آخرين.

وشهدت منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) حادث «دهس» سيارة، دراجةً نارية كان يستقلها عامل «دليفري» (التوصيل المنزلي)؛ مما أدى إلى مقتله.

كما شهدت محافظة الفيوم (جنوب القاهرة) حادث انقلاب سيارة نقل ركاب، الخميس، على الطريق الصحراوي السريع؛ مما أدى إلى إصابة 14 شخصاً.

وأظهرت التحريات الأولية للحادث أن السيارة تعرّضت للانقلاب، نتيجة السرعة الزائدة، وفقدان السائق السيطرة عليها.

وسجّلت إصابات حوادث الطرق في مصر ارتفاعاً بنسبة 27 في المائة، على أساس سنوي، بواقع 71016 إصابة عام 2023، في حين بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق خلال العام نفسه 5861 حالة وفاة، بنسبة انخفاض 24.5 في المائة، وفقاً للنشرة السنوية لنتائج حوادث السيارات والقطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في شهر مايو (أيار) الماضي.

طريق الجلالة (وزارة النقل المصرية)

وباعتقاد رئيس الجمعية المصرية لرعايا ضحايا الطرق (منظمة مدنية)، سامي مختار، أن «نحو 80 في المائة من حوادث الطرق يحدّث نتيجة لأخطاء من العنصر البشري»، مشيراً إلى أن «تكرار الحوادث المرورية يستوجب مزيداً من الاهتمام من جهات حكومية؛ للحد من وقوعها، وتعزيز السلامة على الطرق».

ودعا مختار، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضرورة تكثيف حملات التوعية بالسلامة المرورية، لجميع مستخدمي الطرق، من سائقي السيارات والركاب»، قائلاً إن حملات التوعية يجب أن تشمل «التعريف بقواعد وآداب السير على الطرق، وإجراءات السلامة، والكشف على تعاطي المخدرات للسائقين في أثناء السير»، ومشدداً على ضرورة «تكثيف حملات الرقابة بخصوص تعاطي المخدرات في أثناء القيادة».

ولقي حادث انقلاب حافلة طريق «الجلالة» تفاعلاً من رواد منصات التواصل الاجتماعي في مصر؛ حيث دعوا إلى «مراجعة الحالة الفنية للطريق، بعد تكرار حوادث انقلاب حافلات الركاب عليه».

بينما يستبعد أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، حسن مهدي، فرضية أن يكون وقوع الحوادث بسبب الحالة الفنية للطريق، مرجعاً ذلك إلى «عدم تكرار الحوادث في مكان واحد على الطريق»، ومشيراً إلى أن «وقوع الحوادث المرورية في مناطق متفرقة يعني أن السبب قد يكون فنياً؛ بسبب (المركبة)، أو لخطأ بشري من السائق».

وأشار مهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة «تطبيق منظومة النقل الذكي، للحد من الحوادث، خصوصاً على الطرق السريعة»، مضيفاً أن «التوسع في المراقبة الذكية لحركة السير سيقلّل من الأخطاء، ويُسهم في التزام السائقين بإجراءات السلامة في أثناء القيادة»، وموضحاً أن «مشروع قانون المرور الجديد، المعروض أمام البرلمان ينص على تطبيق هذه المنظومة بشكل موسع».

وتضع الحكومة المصرية «قانون المرور الجديد» ضمن أولوياتها في الأجندة التشريعية لدور الانعقاد الحالي للبرلمان، وناقش مجلس النواب، في شهر أكتوبر الماضي «بعض التعديلات على قانون المرور، تضمّنت عقوبات مغلظة على مخالفات السير، والقيادة دون ترخيص».