ليبيا: انتهت الحرب وبقيت مخلفاتها تفتك بالأطفال

نحو 436 مليون متر مربع لا تزال «ملوثة»... وإصابة أو قتل أكثر من 400 شخص بها حتى الآن

محمد صالح فرحات (10 أعوام) خلال تلقي الرعاية الصحية بقسم إيواء الأطفال في مصحة بطرابلس (أ.ف.ب)
محمد صالح فرحات (10 أعوام) خلال تلقي الرعاية الصحية بقسم إيواء الأطفال في مصحة بطرابلس (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: انتهت الحرب وبقيت مخلفاتها تفتك بالأطفال

محمد صالح فرحات (10 أعوام) خلال تلقي الرعاية الصحية بقسم إيواء الأطفال في مصحة بطرابلس (أ.ف.ب)
محمد صالح فرحات (10 أعوام) خلال تلقي الرعاية الصحية بقسم إيواء الأطفال في مصحة بطرابلس (أ.ف.ب)

بعد أربعة أعوام على انتهاء الحرب الدامية حول السيطرة على طرابلس، لا يزال الليبيون يواجهون خطراً يهدد حياتهم بشكل يومي ويتمثّل بمخلّفات الحرب من ذخائر وألغام غير منفجرة.

وقُتل كثيرون في انفجار مثل هذه الذخائر في ضواحي العاصمة بعد أن عادوا إلى منازلهم إثر انتهاء الحرب. بينهم الطفل محمد صالح فرحات (10 أعوام) الذي خرج ذات يوم الساعة 11 بالتوقيت المحلي، رفقة اثنين من أصدقائه ليلعب في الباحة الخلفية لمنزله. والتقطوا جسماً معدنياً من حائط المنزل قاموا بطرقه على الأرض لبضع دقائق قبل إلقائه بعيداً، فانفجر لحظة ارتطامه بالأرض.

وسقط محمد مضرّجاً بالدماء، وركض صديقاه هاربين من دون معرفة ما الذي حدث. كانا يجريان والدماء تسيل من نقاط مختلفة من جسديهما إلى أن التقى بهما شخص نقلهما إلى المستشفى.

ويروي همّام (12 عاماً) من قسم إيواء الأطفال في مصحة بطرابلس، حيث يتلقّى العلاج، لوكالة الصحافة الفرنسية: «وجدنا قطعة معدنية في حائط المزرعة. ظننا أنها قطعة خردة، إلى أن مرّ بنا جار لنا وطلب منا رميها لأنها قذيفة. رميناها بخوف، وبعد ثوانٍ، سمعنا انفجاراً قوياً وسقطنا على الأرض».

ويضيف همّام الذي يحمل ضمادات في أماكن مختلفة من جسمه، وقد تسبّبت شظية بتضرّر أعصاب قدميه: «لم نفهم أنها ذخيرة سلاح». ويتابع بحزن: «أنا آسف، لن نلعب هناك مرة أخرى».

ويرقد قربه شقيقه ليث الذي يصغره بعام، وهو يتلقى العلاج من إصابة طفيفة. ويقول بدوره: «لم نكن نتوقع، كنا نلعب فقط».

بين أبريل (نيسان) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، شنّ حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا وجنوبها، هجوماً عسكرياً للسيطرة على العاصمة الليبية، لكن قواته انسحبت من دون تحقيق هدفها.

الطفل ليث صقر يتلقى الرعاية الطبية بمستشفى في طرابلس (أ.ف.ب)

وبحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، زرعت قوات مجموعة «فاغنر» المدعومة من الكرملين والداعمة لقوات حفتر في الحرب ألغاماً أرضية أثناء انسحابها من ضواحي طرابلس. كما أن قوات موالية لحفتر تركت عبوات ضمن ألعاب أو أواني طهي.

وتنتشر هذه المخلفات في مناطق جنوب طرابلس يقطنها أكثر من نصف مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين هو العدد الإجمالي لسكان العاصمة.

أرض منكوبة

ويرى صالح فرحات (42 عاماً)، والد محمد، أن المنطقة التي يقطنون فيها باتت «منكوبة»، مطالباً بتكثيف الجهود لتنظيف رقعة جغرافية سكانية واسعة من مخلّفات الحرب والألغام التي تهدّد سكان جنوب طرابلس.

ويقول الأب لخمسة أطفال من باحة منزله، حيث وقع الانفجار: «شهدت هذه المنطقة اشتباكات ومعارك عنيفة منذ العام 2011، ونسمع بين الحين والآخر عن تعرّض أحد الجيران لبتر طرف نتيجة انفجار مفاجئ».

ويتابع بحسرة: «لم تقم الدولة بالجهد الكافي لنزع ورفع الألغام والمخلّفات (...). أنا أب مكسور لدي ابن وحيد وأربع بنات أشعر بالحزن العميق لإصابة ابني الخطيرة».

صالح فرحات الذي أصيب ابنه بأحد مخلفات الحرب في طرابلس (أ.ف.ب)

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تشهد ليبيا فوضى عارمة وتحكمها حكومتان، واحدة في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة وأخرى في الشرق مدعومة من البرلمان الليبي وخليفة حفتر.

ويقول الفريق الطبي المتابع لحالة محمد إن شظايا عدة أصابت جسده، لكن الشظية الأخطر استقرّت في دماغه، وحالته مستقرة الآن، لكنه سيحتاج إلى برنامج علاجي طويل ومكثّف.

وناشد عضو بلدية أبو سليم في منطقة طرابلس الصديق العباسي «جميع الأطراف المعنية بتوفير المعدّات التقنية الحديثة لإعادة مسح المنطقة المنكوبة من مخلّفات الحرب؛ لأن الأمر يجعل السكان خائفين وحياتهم في خطر».

وأكد العباسي أن «أبو سليم من أكثر المناطق التي تضرّرت في الحرب الأخيرة؛ إذ تسبّبت الاشتباكات العنيفة في انتشار واسع لمخلفات الحرب».

وأبو سليم هي إحدى بلديات طرابلس الست، وتقع في الجزء الجنوبي للعاصمة، وشهدت عمليات عسكرية مكثفة في الحرب الأخيرة.

استراتيجية مشتركة

وأعلن المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام في مطلع مايو (أيار) عن خطط مشتركة لتطوير مكافحة الألغام بالتعاون مع مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسبع منظمات غير حكومية.

ووفقاً للأمم المتحدة، نجحت ليبيا في تنظيف نحو 36 في المائة من الأراضي الخطرة التي تمّ تحديدها، إلا أن نحو 436 مليون متر مربع لا تزال «ملوثة».

وأصيب أو قُتل أكثر من 400 شخص في حوادث مرتبطة بذخائر غير منفجرة، منذ انتهاء الحرب. وسجّلت 35 من تلك الحوادث العام الماضي فقط، وكان من بين ضحاياها 26 طفلاً.

منزل دُمّر بسبب الحرب في طرابلس (أ.ف.ب)

ورأت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا، فاطمة زريق، أن هذه الأرقام «لا تسلّط الضوء على التحدّيات الخطيرة التي نواجهها فحسب، بل تؤكد أيضاً على الأهمية الحيوية للشراكات الدولية (...). يمكننا تعزيز قدرات قطاع الأعمال المتعلقة بالألغام، وضمان مستقبل أكثر أماناً للجميع».

وأضافت أن تطوير استراتيجية ليبيا لمكافحة الألغام سيفضي في نهاية المطاف إلى «تعظيم تأثير جهود الأعمال المتعلقة بالألغام وتقليل المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات المحلية».

ووفقاً لمسؤول بوزارة الدفاع الليبية، فإن الاستقرار السياسي وحده ما سيسمح في نزع كل مخلفات الحرب والألغام.

ويقول المسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية: «نعتقد أن سلطة تنفيذية موحدة تستطيع خلال فترة تتراوح بين 5 و10 أعوام من الانتهاء من عمليات تطهير كل الأراضي الليبية من مخلفات الحرب».


مقالات ذات صلة

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

مدافعون عن هانيبال القذافي يطالبون السلطات الليبية بـ«تدويل» قضيته

طالب ليبيون موالون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي (الخميس) سلطات بلادهم بـ«التحرك العاجل» لإطلاق سراح نجله هانيبال، المعتقل في لبنان منذ قرابة 9 سنوات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مستقبِلاً في أنقرة بلقاسم حفتر (صندوق إعادة إعمار ليبيا)

سلطات شرق ليبيا توسّع انفتاحها على تركيا

تأتي زيارة بلقاسم حفتر إلى تركيا غداة تأكيد وزير خارجيتها على «تقدّم العلاقات مع شرق ليبيا بشكل جيد للغاية»، في ظل «وجود تواصل مع المشير حفتر وأبنائه».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من جلسة مجلس النواب (المجلس)

«النواب» الليبي لبدء إجراءات تشكيل «حكومة جديدة»

أكد رئيس مجلس النواب الليبي،عقيلة صالح، «تنفيذ ما جاء في البيان الختامي لاجتماع أعضاء بمجلسي النواب والدولة في القاهرة، والبدء في إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة.

خالد محمود (القاهرة)

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
TT

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)
وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)

يواصل مسؤولون مصريون جولاتهم المفاجئة داخل الأسواق للتأكد من توافر السلع بـ«أسعار مناسبة»، عقب زيادة أسعار الوقود بنسب تراوحت ما بين 10 و15 في المائة، وسط مخاوف متصاعدة بين المواطنين من «موجة غلاء» جديدة.

وبينما جدد وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، شريف فاروق، خلال جولة له في الإسكندرية، اليوم (السبت)، «تأكيده التزام الدولة بثبات سعر الخبز المدعم من دون تغيير مع تحمل الدولة فارق الزيادة»، باشر عدد من المحافظين جولاتهم الميدانية للتأكد من «تطبيق التعريفات الجديدة في المواصلات، وتوافر السلع وأسعارها بالمجمعات الاستهلاكية، مع التأكيد على بيع الخبز المدعم للمواطنين بـ20 قرشاً».

ومطلع يونيو (حزيران) الماضي، رفعت الحكومة المصرية للمرة الأولى منذ 36 عاماً، سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشاً للرغيف، بدلاً من 5 قروش (الجنيه يساوي 100 قرش، بينما يعادل الجنيه 0.021 دولار أميركي).

محافظ القاهرة خلال متابعة تطبيق التعريفة الجديدة للمواصلات (محافظة القاهرة)

وقدمت عضوة مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائبة راوية مختار، سؤالاً برلمانياً إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير البترول حول تأثير قرار رفع أسعار الوقود على السلع خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أن القرار سيؤدي حتماً إلى «زيادة الأسعار» في الأيام المقبلة، بما يشكل عبئاً على المواطن، ويخالف تعهدات الحكومة بالتخفيف عن المواطن.

وأعلنت الحكومة المصرية، الخميس الماضي، زيادة أسعار أنواع الوقود. ووفقاً لما نقلته الجريدة الرسمية عن وزارة البترول، فقد جرت زيادة أسعار بنزين 80 بسعر 12.25 جنيه (0.25 دولار)، وبنزين 92 بسعر 13.75 جنيه، وبنزين 95 بسعر 15 جنيهاً. أما السولار، وهو أحد أكثر أنواع الوقود استخداماً، فشهد زيادة أكبر؛ إذ تقرر رفع سعره إلى 11.50 جنيه (0.24 دولار) من 10 جنيهات.

وبحسب الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور كريم العمدة، فإن «رفع الحكومة لسعر السولار الأكثر استخداماً في سيارات النقل ومركبات الأجرة سيؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار بنسب متفاوتة»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحركات الحكومية من أجل ضبط الأسواق يجب أن تكون أكثر صرامة لضمان عدم استغلال نسب زيادة الوقود في رفع الأسعار بصورة مبالغ فيها»، مضيفاً أن «ارتفاع تكلفة النقل سيؤدي بالتبعية إلى زيادة أسعار السلع بنسب ثابتة، بافتراض ثبات باقي العوامل الأخرى المؤثرة في عملية التسعير».

محافظ الجيزة في جولة تفقدية بأحد الأسواق (محافظة الجيزة)

لكن عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب محمود أبو الخير، يرى أن نسب الزيادة ستكون ذات تأثير محدود على المواطنين «حال نجاح الأجهزة الرقابية في متابعة دورها، ليس فقط على أسعار السلع؛ لكن أيضاً على وسائل النقل وغيرها من الأمور»، لافتاً إلى أن «تحركات المحافظين والوزراء والمسؤولين على الأرض تعكس بوضوح وجود جدية حكومية في هذا الأمر».

وقال أبو الخير لـ«الشرق الأوسط»، إن «جولات المسؤولين المصريين قد تحد من استغلال بعض التجار، الذين يسعون لتحقيق مكاسب إضافية، فور الإعلان عن أي زيادات سعرية»، مشيداً بـ«سرعة التحرك الحكومي لضبط الأسواق وتجنب حدوث مشكلات في توافر بعض السلع».

مسؤولون مصريون يتابعون العمل داخل إحدى محطات الوقود عقب زيادة أسعار البنزين والسولار (الشرق الأوسط)

ومنذ بدء برنامج «الإصلاح الاقتصادي» بمصر مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، اتبعت الحكومة المصرية «إجراءات تقشفية»، على رأسها «تقليل دعم الوقود والكهرباء والمياه بشكل تدريجي»، بحسب مراقبين.

وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي، «رفع أسعار عدة خدمات حتى نهاية العام المقبل بشكل تدريجي». لكن مدبولي تعهد العمل على «ضبط الأسعار» من خلال «ضخ كميات إضافية من السلع، مما يحقق وفرة في العرض، وبالتالي تحقيق انخفاض في السعر».

وعودة إلى النائب أبو الخير، فقد أكد «أهمية الاستمرار في المتابعة الميدانية لضمان توافر السلع، مع وجود احتياطي استراتيجي منها يكفي لفترات أطول»، لافتاً إلى «ضرورة تفعيل أدوات الرقابة والمحاسبة للمخالفين، الذين يقومون بتخزين السلع لمحاولة احتكارها من أجل زيادة سعرها».