غلاء فاحش في أسعار الأضاحي بالجزائر... وحملات لمقاطعة أسواق الماشية

مشترون يعاينون الأغنام في سوق جزائرية (وكالة أنباء العالم العربي)
مشترون يعاينون الأغنام في سوق جزائرية (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

غلاء فاحش في أسعار الأضاحي بالجزائر... وحملات لمقاطعة أسواق الماشية

مشترون يعاينون الأغنام في سوق جزائرية (وكالة أنباء العالم العربي)
مشترون يعاينون الأغنام في سوق جزائرية (وكالة أنباء العالم العربي)

على مقربة نحو أسبوعين من عيد الأضحى، شنّ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر حملةً لمقاطعة أسواق الماشية؛ بسبب غلاء فاحش في الأسعار بلغ حداً لم تشهده الأسواق الجزائرية من قبل، على ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي».

وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي دعوة تحت شعار «حملة وطنية لمقاطعة أسواق الماشية حتى ترجع الأسعار في المتناول».

ويشتكي الجزائريون من غلاء أسعار كباش العيد في الأسواق، حيث بلغ سعر الحَمَل الصغير الذي تخطى عمره 6 أشهر، وهو الحد الأدنى لعمر الأضحية، حدود 70 ألف دينار (نحو 523 دولاراً).

سوق للماشية في العاصمة الجزائرية

وفي أسواق ضواحي العاصمة والمستودعات التي تحوّلت إلى نقاط بيع للمواشي تخطى سعر «الحَولي»، الذي يبلغ من العمر عاماً، 120 ألف دينار. ويتراوح سعر الكباش من عمر عام إلى 3 أعوام، وهي التي يفضّلها الجزائريون عادة، بين 100 ألف دينار و200 ألف دينار. أما الكبش «العملاق» فقد بلغ سعره حداً خيالياً، حيث لامس 350 ألف دينار.

وأثارت هذه الأسعار استغراب عديد من المواطنين، وتعالت الأصوات الشاكية.

يقول محمد، وهو رب أسرة في الخمسينات من عمره من ضواحي الجزائر العاصمة لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، «إذا كان سعر الخروف الذي يزن 25 كيلوغراماً 100 ألف دينار، فهذا معناه أني سأشتري لحمه بـ4 آلاف دينار للكيلوغرام، في حين أن سعر لحم الغنم عند الجزار لا يتجاوز 3 آلاف دينار للكيلوغرام على أقصى تقدير».

وسخر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي من المبالغة في أسعار الأضاحي، ومنها تعليق جرى تداوله بقوة يقول: «خروف يوزن 20 كلغ سعره 10 ملايين سنتيم (أي 100 ألف دينار)، السمسار (التاجر الوسيط) والموال (مربي الأغنام): نحن لا نبيع الخروف، نحن نبيع الروح التي تسكنه!».

سوق للماشية في الجزائر (وكالة أنباء العالم العربي )

وعبَّر عبد القادر، وهو حارس ليلي في الستينات من عمره، عن خيبة أمله من عدم إقرار السلطات بيع الكباش المستوردة من رومانيا أخيراً للمواطنين حية كما كان يشاع.

وكان الجزائريون يعقدون الآمال على الكباش الرومانية التي استوردتها سلطات بلادهم أخيراً؛ من أجل الظفر بكبش العيد بسعر لا يتعدى 40 ألف دينار، بينما يتخطى نظيره.

وبينما انتشرت دعوات مقاطعة أسواق المواشي، أطلق ناشطون آخرون منشورات تحذّر من الدعوة إلى مقاطعة الشعيرة الدينية تحت أي مبرر. وقال رئيس «المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه»، مصطفى زبدي، إنه ليس من المشجعين على مقاطعة أضحية العيد. وأضاف: «أضحية العيد من الناحية الدينية سُنَّةٌ، ولا يصح حضّ الجزائريين على ألا يؤدوا شعيرة دينية تحت أي مبرر».

ومضى قائلاً: «إن غلاء أسعار المواشي لم يمس الجزائر وحدها، حيث يشهد كثير من البلدان العربية ذلك، حتى إنها لجأت إلى الاستيراد». وأقرّ بأن «زيادة أسعار أضاحي العيد هذا العام بلغت حداً قياسياً مقارنة بالسنوات الماضية». وأوضح أن منظمته «اقترحت على السلطات استيراد الأغنام من رومانيا كما فعلت في رمضان الماضي».

من إحدى أسواق الماشية قرب الجزائر العاصمة (وكالة أنباء العالم العربي)

واستوردت الجزائر في الأشهر الماضية 100 ألف رأس غنم على دفعات من رومانيا؛ من أجل كسر سعر اللحوم الحمراء وتوفيرها بأثمان مناسبة للمواطنين خلال شهر رمضان.

وقال زبدي إنه «يحترم تقديرات السلطات التي لم ترِد تكرار التجربة نفسها على ما يبدو»، مضيفاً: «قد تكون لدى السلطات معلومات لا نملكها نحن استندت إليها في قرارها». ودعا إلى فتح نقاط البيع في المدن حتى يتمكّن المربون من بيع الأضاحي مباشرة إلى المواطنين دون المرور على سلسلة الوسطاء.

واعترف رئيس المجلس المهني لشعبة اللحوم الحمراء، ميلود بوعديس، بأن الخرفان والكباش الموجهة للبيع بوصفها أضاحي العيد أصبح ثمنها أعلى بكثير من تلك التي تُوجَّه للذبح لتسويقها لحوماً حمراء.

وأوضح بوعديس، في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، أن الفرق بين سعر لحم خروف الأضحية الحي ولحم الخروف المذبوح الذي يُباع في المجازر بسعر الجملة، يتراوح بين 500 و1000 دينار في الكيلوغرام الواحد. وبرر ذلك بأن فترة العيد تشهد طلباً كبيراً على الأغنام، ويسعى التجار فيها لاغتنام الفرصة لرفع هامش الربح.

وقال بوعديس الذي يملك مذبحاً للحوم الحمراء بضواحي العاصمة، وينشط في مجال بيع الأغنام، إن سعر الخرف الذي يصلح أضحية للعيد يبدأ من 75 ألف دينار ويصل إلى 180 ألف دينار جزائري.

وأقرّ بأن «أسعار الأضاحي هذا العام وصلت حداً قياسياً، والكثير من الأسر أصبح في ظل الوضع الحالي يفضّلون الاشتراك معاً لشراء أضحية واحدة وتقسيمها فيما بينهم، عوضاً عن شراء كبش لكل عائلة».

واستبعد أن تشهد أسواق المواشي في الأيام المقبلة تراجعاً للأسعار، خصوصاً بعدما أكد ناشطون في هذا المجال عدم لجوء السلطات إلى بيع الكباش التي استوردتها من رومانيا أخيراً في الأسواق.

وقال: «بعد جلب كميات الخرفان التي وصلت بالبواخر إلى موانئ الجزائر قادمة من رومانيا، ساد ترقب بين مربي الأغنام الجزائريين والوسطاء خشية إغراق السوق بها لكسر أسعار أضاحي العيد».

أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

ولما استشعر المربون والوسطاء أن الأغنام المستوردة من رومانيا لن تباع إلا لحماً في المذابح، تضاعفت أسعار المواشي، خصوصاً بعد شهر رمضان، بحسب بوعديس الذي قال: «إن الوقت فات لإطلاق عملية استيراد ثانية قبيل حلول العيد».

وعن أسباب عدم اللجوء إلى بيع كباش رومانيا حيةً في أسواق الماشية للمواطنين، قال إن ذلك راجع إلى تخوف السلطات من اختلاط السلالة الرومانية بالسلالات الجزائرية، وسعيها لحماية سلالات الأغنام التي تمتلكها الجزائر والحفاظ عليها. وأكد أن السلطات تشدد على ضرورة ألا تغادر الكباش الرومانية المذابح حيةً، حيث تمنع بيعها حية للمواطنين.

وأرجع بوعديس أسباب غلاء أسعار الأغنام إلى السياسات السابقة، حيث كان المسؤولون السابقون بقطاع الفلاحة لا يولون اهتماماً لتطبيق القوانين المتعلقة بالأمر.

وقال: «من بين أكبر الكوارث على قطاع تربية المواشي في الجزائر ذبح إناث المواشي والأبقار، رغم أن القانون يمنع ذلك».

وتأثرت الثروة الحيوانية بذبح صغار إناث المواشي الذي انعكس سلباً على عملية التكاثر. ويضاف إلى ذلك الجفاف الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة وتأثر به المربون، وبات توفير غذاء المواشي حِملاً مرهقاً عليهم مع تقلص مساحات الري.

وتمتلك الجزائر ثروة من الأغنام تُقدر بنحو 17 مليون رأس وفق إحصاءات وزارة الفلاحة. وينحر الجزائريون سنوياً نحو 4 ملايين رأس غنم في عيد الأضحى.


مقالات ذات صلة

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

شمال افريقيا تبون يلقي خطاباً أمام القضاة (الرئاسة)

الجزائر: تبون يهاجم فترة حكم بوتفليقة في ملف «محاسبة المسيرين النزهاء»

تبون: «مؤسسات الجمهورية قوية بالنساء والرجال المخلصين النزهاء، ومنهم أنتم السادة القضاة… فلكم مني أفضل تحية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من لقاء سابق بين الرئيسين الفرنسي والجزائري (الرئاسة الفرنسية)

لائحة الخلافات بين الجزائر وفرنسا في اتساع متزايد

يقول صنصال إن «أجزاء كبيرة من غرب الجزائر تعود إلى المغرب»، وإن قادة الاستعمار الفرنسي «كانوا سبباً في اقتطاعها، مرتكبين بذلك حماقة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الروائي المثير للجدل كمال داود (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

«قضية الروائي داود» تأخذ أبعاداً سياسية وقضائية في الجزائر

عقوبة سجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ ضد «كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية، أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهورية».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس تبون مع قائد الجيش (وزارة الدفاع)

الجزائر: شنقريحة يطلق تحذيرات بـ«التصدي للأعمال العدائية»

أطلق قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة، تحذيرات شديدة اللهجة، في أول ظهور إعلامي له.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، يوم الاثنين المقبل، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

وأعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن استضافة «مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة»، يوم 2 ديسمبر (كانون الأول)، وقال خلال مشاركته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا الاثنين: «المؤتمر سيبحث إجراءات تعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، حسب إفادة للخارجية المصرية.

وأعاد عبد العاطي التأكيد على محددات الموقف المصري تجاه التطورات الإقليمية، التي تتضمن «ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن أهمية الانتقال لإيجاد أُفق سياسي لتنفيذ حل الدولتين».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن «المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور سيشمل تمثيلاً إقليمياً، من دول المنطقة، ودولياً، من المجتمع الدولي»، إلى جانب «تمثيل المؤسسات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها (الأونروا)».

وتجري القاهرة استعداداتها المكثفة لاستضافة المؤتمر، لضمان مشاركة واسعة فيه إقليمياً ودولياً، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن «مصر ما زالت تتلقى تأكيدات من الدول التي ستشارك»، وأوضحت أن «المؤتمر سيناقش الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للوضع في قطاع غزة»، وأن «دعم عمل وكالة (الأونروا)، سيكون من فعاليات المؤتمر».

ويعقد المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتوقف رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، صلاح عبد العاطي، عند عقد المؤتمر بالتزامن مع الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، وقال إن «الفلسطينيين ينظرون بإيجابية لمؤتمر القاهرة الوزاري، أملاً في تحقيق اختراق لأزمة المساعدات الإنسانية، والتدخل لإنفاذ الدعم لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن «استمرار الوضع الحالي، مع حلول موسم الشتاء، يفاقم من المعاناة الإنسانية للسكان بغزة».

وتحدث عبد العاطي عن الأهداف التي يأمل الفلسطينيون أن يحققها المؤتمر، ودعا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يحقق المؤتمر استجابة إنسانية سريعة لسكان القطاع، كما حدث في التدخلات المصرية السابقة»، إلى جانب «ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر أمام المساعدات الإغاثية»، كما طالب بـ«تشكيل تحالف دولي إنساني لدعم الإغاثة الإنسانية لغزة».

وتقول الحكومة المصرية إنها قدمت نحو 80 في المائة من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، وفق تصريحات لوزير التموين المصري في شهر مايو (أيار) الماضي.

واستضافت القاهرة، في أكتوبر من العام الماضي، «قمة القاهرة للسلام»، بمشاركة دولية واسعة، بهدف «دفع جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، أن «مؤتمر القاهرة الوزاري يستهدف إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، مرة أخرى، في ضوء التطورات الإقليمية»، وقال إن «توقيت ومستوى التمثيل في المؤتمر، يقدمان رسائل تنبيه مبكرة لخطورة الوضع في القطاع، والمسار المستقبلي للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي».

وستتجاوز مناقشات المؤتمر حدود الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة، وفقاً لفهمي، الذي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى، ويستهدف استعراض الجهود المبذولة، خصوصاً من الدول العربية، لوقف الحرب في القطاع»، مشيراً إلى أن «المؤتمر سيسعى لصياغة مقاربات جديدة للتعاطي مع الأزمة في غزة، والقضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تولي إدارة دونالد ترمب مهامها الرسمية في أميركا».