تونس: «استبعاد السياسيين» وتعيين «التكنوقراط» على رأس مؤسسات الأمن السياسي والاجتماعي

ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع واشنطن وأوروبا

وزير الداخلية الجديد القاضي خالد النوري يؤدي القسم أمام الرئيس سعيّد (موقع رئاسة الجمهورية)
وزير الداخلية الجديد القاضي خالد النوري يؤدي القسم أمام الرئيس سعيّد (موقع رئاسة الجمهورية)
TT

تونس: «استبعاد السياسيين» وتعيين «التكنوقراط» على رأس مؤسسات الأمن السياسي والاجتماعي

وزير الداخلية الجديد القاضي خالد النوري يؤدي القسم أمام الرئيس سعيّد (موقع رئاسة الجمهورية)
وزير الداخلية الجديد القاضي خالد النوري يؤدي القسم أمام الرئيس سعيّد (موقع رئاسة الجمهورية)

أدخل الرئيس التونسي، قيس سعيد، تعديلاً سياسياً على تركيبة الحكومة، شمل بالخصوص وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية وتكنولوجيا الاتصالات؛ أي الوزارات المكلفة ملفات الأمن السياسي والإرهاب والهجرة غير النظامية، والعلاقات مع نقابات العمال ورجال الأعمال والأمن الاجتماعي.

وأسفر هذا التعديل عن إقالة وزير الداخلية والناشط السياسي السابق كمال الفقي، وتعيين القاضي خالد النوري المحافظ السابق لولاية أريانة شرق العاصمة، وزيراً جديداً.

في الوقت نفسه، أحدث التعديل منصب «كاتب دولة للأمن الوطني» معتمد لدى وزير الداخلية، (وكيل وزارة)، أسند إلى القاضي سفيان بن الصادق، الذي سبق له أن تولى مسؤوليات قضائية؛ بينها رئاسة «الدائرة الجناحية السادسة»، كما تولى مسؤوليات أمنية وإدارية وقانونية في وزارة تكنولوجيا الاتصالات.

وزير الداخلية التونسي المُقال كمال الفقي (أ.ف.ب)

ووفق مصادر مطلعة، فإن تغيير وزير الداخلية وإعادة مؤسسة «كتابة الدولة للأمن الوطني» تقررا في سياق إصلاحات جاءت بعد «أخطاء» سجلت في تسيير القطاع الأمني وبعض مؤسسات الدولة والإدارة.

ومن المقرر الإعلان رسمياً عن تعديلات على رأس عدد من المحافظات وإدارات الأمن المركزية والجهوية والمؤسسات المكلفة ملفات الهجرة غير النظامية والإرهاب والشرطة.

في سياق متصل، أسفر التعديل الحكومي الجزئي عن إبعاد وزير الشؤون الاجتماعية؛ السياسي الذي لعب أدواراً سياسية وأمنية من الدرجة الأولى خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مالك الزاهي.

والوزير الزاهي، هو نجل قيادي سابق في «مركزية» أكبر نقابة تونسية (الاتحاد العام التونسي للشغل)، وكان يعدّ من بين أكثر المتدخلين في ملفات الأمن السياسي والاجتماعي والهجرة والعلاقات مع نقابات العمال ورجال الأعمال، التي شهدت في المدة الماضية «تصعيداً غير مسبوق»، تطور إلى إحالة نقابيين إلى التحقيق الأمني والمحاكم بسبب شبهات خطرة بعضها له علاقة بـ«قطب الإرهاب» و«قطب مكافحة الفساد».

الرئيس سعيّد مستقبلاً وزير الداخلية الجديد (موقع رئاسة الجمهورية)

وقد عين على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية الخبير في الأمن الاجتماعي كمال المدوري. والوزير الجديد «تكنوقراط» حمل خلال الأعوام الماضية مسؤوليات كثيرة على رأس مؤسسات «الأمن الاجتماعي» خلال توليه منصب المدير العام في الوزارة، ورئاسة «الصندوق الوطني للتأمين على المرض»، و«صندوق التقاعد»، اللذين يشرفان على ملايين الموظفين والمتقاعدين.

وجاءت خطوة «استبعاد السياسيين» وتعيين «التكنوقراط» على رأس مؤسسات الأمن السياسي والاجتماعي، بعد أسابيع من إقالة وزير التربية والتعليم محمد علي البوغديري، الذي سبق له أن تصدر المشهدين السياسي والنقابي من خلال تحمله مسؤولية الأمين العام المساعد لاتحاد نقابات العمال، والمشاركة في الحراك السياسي الوطني مع حزب «حركة الشعب القومي العروبي».

وجاءت التغييرات على رأس قطاعي الأمن السياسي والاجتماعي بعد أيام قليلة من زيارات عدد من موفدي الحكومات الغربية إلى تونس؛ بينهم مسؤولون أمنيون وعسكريون من أميركا وأوروبا مثل وزير العدل والشرطة المستشار الفيديرالي السويسري بيت جانز.

وقد التقى هؤلاء المسؤولون نظراءهم في وزارتي الداخلية والدفاع لمتابعة «التنسيق» في مجال الهجرة غير النظامية، ومكافحة الإرهاب، وبرامج التدريب المشتركة.

وزير الدفاع التونسي عماد مميش (الشرق الاوسط)

كما أعلنت وزارة الخارجية التونسية أن وزير الخارجية، نبيل عمار، التقى وزير العدل والشرطة السويسري وعدداً من السفراء الأجانب المعتمدين لدى تونس، بينهم السفير الأميركي، وبحث معهم ملفات أمنية وقضائية وسياسية؛ بينها تحركات السلطات التونسية منذ أكثر من 13 عاماً للمطالبة باسترجاع الأموال والأصول المصادرة في سويسرا وبلدان غربية عدة، التي كان يملكها مقربون من الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي.

طائرات نقل

في سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع التونسية، في بلاغ رسمي، عن تنظيم الدورة الـ36 للجنة العسكرية المشتركة التونسيّة - الأميركيّة في تونس يومي 23 و24 من الشهر الحالي بحضور أعضاء المجلس الأعلى للجيوش في تونس ونائبة السفير الأميركي لدى تونس وقيادات عسكريّة رفيعة المستوى من الجانبين.

كما حضر الأشغال وزير الدفاع التونسي عماد مميش ومساعدة وزير الدفاع الأميركي المكلّفة الشّؤون الأمنية سيليست وولدنر.

وتوج الاجتماع بتوقيع محضر اتفاق حول «الشراكة بين تونس والولايات المتحدة العام القادم» في مجالات التعاون الأمني والعسكري وبرامج التدريب وتبادل المعلومات وتطوير التجهيزات.

من الاجتماعات التونسية - الأميركية (موقع رئاسة الجمهورية)

في السياق نفسه، أعلنت السفارة الأميركية أن وفداً عسكرياً أمنياً يقوده اللواء غريغوري بورتر من «الحرس الوطني» في وايومينغ، ونائب عميد جامعة وايومينغ المكلفة البرامج الدولية، إيزادورا هلفغوت، زار تونس قبل أيام «للاحتفال بالذكرى العشرين لبرنامج الشراكة العسكرية والأمنية والعلمية».

وأورد البلاغ أن الوفد الأميركي بحث في تونس «مجالات التعاون القائمة والمستجدة في مجالات الأمن، والتعليم العالي، والفلاحة، والسياحة».

كما أعلن بلاغ السفارة الأميركية لدى تونس عن مشاركة مسؤولين عسكريين وأمنيين تونسيين وأميركيين في حفل نظم في «القاعدة العسكرية التونسية الجوية»، في العوينة شمال مطار تونس - قرطاج الدولي، وقع خلاله تسليم تونس سادس طائرة نقل عسكرية من طراز «C-130» جرى اقتناؤها في إطار برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية.

طائرة النقل العسكرية من طراز «C-130»... (موقع رئاسة الجمهورية)

وستدخل هذه الطائرة العسكرية الخدمة ضمن أسطول تونس العسكري قريباً.

وأوضح أن تونس استخدمت هذا النوع من الطائرات، الذي تبلغ قيمته 588 مليون دينار تونسي (190 مليون دولار)، في مجموعة من المهام الإنسانية؛ بما في ذلك توصيل المساعدات إلى المناطق التي غمرتها الفيضانات في ليبيا، وتقديم الدعم الطبي لضحايا الزلزال في تركيا، ودعم عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ومكافحة الحرائق في تونس.


مقالات ذات صلة

تونس: انتشال 6 جثث متحللة لمهاجرات من بينهن رضيعة

شمال افريقيا «الحرس الوطني التونسي» ينقذ قارباً يحمل مهاجرين غير نظاميين (صفحة الحرس الوطني التونسي على فيسبوك)

تونس: انتشال 6 جثث متحللة لمهاجرات من بينهن رضيعة

أعلن مصدر قضائي في تونس الخميس العثور على ست جثث متحللة لمهاجرات غرقى من بينهن رضيعة في أحدث مأساة تشهدها سواحل تونس.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا جانب من وقفة سابقة نظمها محامون وسط العاصمة التونسية للاحتجاج على «التضييق على الحريات» (أرشيفية - إ.ب.أ)

تونس: المحامون يحملون «الشارات الحمراء» احتجاجاً على «قيود مسلطة على مهامهم»

يتّهم المحامون، السلطةَ التنفيذية «بالهيمنة على جهاز القضاء» منذ إطاحة الرئيس قيس سعيد بالنظام السياسي في 2021، وتوسيع صلاحياته في دستور جديد، و«بإعاقة عملهم».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي وعلم بلاده (د.ب.أ)

توقيف 4 أشخاص في تونس بسبب رفع علم تركيا خطأ على مبنى حكومي

فتحت وزارة النقل تحقيقاً في الواقعة «لتحميل المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات الإدارية والترتيبية في الغرض».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا العلم التونسي أمام البنك المركزي في العاصمة تونس 4 أكتوبر 2017 (رويترز)

توقيف 4 أشخاص في تونس بسبب رفع علم تركيا خطأ على مبنى حكومي

أوقف القضاء التونسي 4 أشخاص إثر رفع علم دولة تركيا من طريق الخطأ على مبنى حكومي بالعاصمة، على ما ذكرت وسائل إعلام محلية، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا إحدى الطائرات الأربع التي تسلمتها تونس (وكالة الأنباء التونسية)

4 طائرات استطلاع من أميركا إلى تونس

سلمت أميركا تونس 4 طائرات مخصصة للاستطلاع ومجهزة بأحدث المنظومات؛ «بما سيعزز القدرات العسكرية والعملياتية للجيش الوطني في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة».

«الشرق الأوسط» (تونس)

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر: تعهدات حكومية بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع

واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)
واجه المرضى نقصاً في الأدوية خلال الشهور الماضية (وزارة الصحة المصرية)

تواصلت التعهدات الحكومية في مصر من جديد بإنهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع. وأَحْدَثُ هذه التعهدات، تأكيدات وزير الصحة، خالد عبدالغفار، خلال مؤتمر طبي، السبت، بتوافر الأدوية الناقصة خلال الأسابيع المقبلة. وأرجع أزمة نقص الدواء التي تشهدها البلاد منذ بداية العام الحالي إلى «عدم توافُر الدولار».

وخفض البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأميركي منذ مارس (آذار) الماضي، بعد فترة شهدت اضطراباً في توافر الدولار لشركات الأدوية بالسعر الرسمي، «ما أدى إلى إيقاف بعض خطوط الإنتاج المحلية للدواء، وتأخُّر استيراد بعض الأدوية الهامة»، حسب مراقبين.

وقال رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية في مصر، علي عوف، لـ«الشرق الأوسط» إن المؤشرات تشير إلى «قرب انتهاء الأزمة بالفعل مع توفير الدولار، وضخ الأدوية الناقصة في الأسواق خلال الشهر الماضي بكميات تكفي الاحتياج الفعلي للأسواق، وعبر آليات ضبط من (هيئة الدواء) تضمنت عدم تخزين الأدوية، وضمان وصولها إلى المواطن في الوقت نفسه». وأضاف أن «توافر الدولار، والاتفاق على زيادة أسعار أصناف الدواء التي زادت تكلفة إنتاجها بسبب انخفاض قيمة الجنيه، أمران ساعدا على توافر الأدوية بالفعل، بالتنسيق بين الحكومة وشركات الأدوية الخاصة التي انتظمت خطوط الإنتاج فيها، وبدأت في الضخ بالأسواق بالفعل».

وقدَّر وزير الصحة المصري، السبت، إنتاج القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات بـ90 في المائة من إجمالي الأدوية الموجودة في السوق المصرية، مشيراً إلى أن «حجم سوق الدواء يبلغ نحو 300 مليار جنيه». (الدولار يساوي 48.31 جنيه في البنوك المصرية). ويأمل عضو «لجنة الصحة» بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان)، النائب أحمد العرجاوي، في «تنفيذ وعود المسؤولين بتوافر الدواء»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، رصد تحركات إيجابية من مسؤولين عدة لحل الأزمة بعدما وصلت الأمور إلى ذروتها خلال الصيف بنقص أدوية هامة لا يمكن الاستغناء عنها.

وزير الصحة المصري خلال تفقُّد مخزون الأدوية (وزارة الصحة المصرية)

وخلال اجتماع الحكومة الأخير، الأسبوع الماضي، تَحَدَّثَ رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن انتهاء الأزمة بشكل كامل خلال الأسابيع المقبلة، مؤكداً «استمرار العمل على توطين صناعة الدواء محلياً».

تكرار التصريحات الرسمية بشأن أزمة الدواء في أوقات مختلفة «يجعل هناك ترقباً لحدوث انفراجة على أرض الواقع»، وفقاً لعضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، النائب محمد صلاح البدري، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك وعوداً كثيرة صدرت في الشهور الماضية، لافتاً إلى أن «هناك خطأً حكومياً بعدم التعامل بشكل سريع مع الأزمة وتوفير دعم لمصانع الأدوية لتجنُّب توقُّف خطوط إنتاجها مع زيادة تكلفة استيراد المواد الخام اللازمة لتصنيع الأدوية».

وأضاف أن «هيئة الدواء» تأخرت في إعادة تسعير الأدوية مع تغيُّر سعر الصرف، وفي الوقت نفسه غاب بشكل كامل الدعم لشركات الأدوية التي تعمل من أجل تحقيق أرباح، على أساس أن غالبيتها شركات خاصة، ومن ثم كانت «هناك ضرورة لتسريع وتيرة تغيير الأسعار بما يضمن استمرار توافر الأدوية، لا سيما الخاصة بالأمراض المزمنة».

جولة تفقدية لأحد المسؤولين في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة (مجلس الوزراء المصري)

من جهته، أشار العرجاوي إلى وجود نقص ملحوظ في الأدوية خلال الفترات السابقة من دون وجود تفسيرات واضحة لأسباب حدوثه، وعدم التعامل معه بشكل سريع، لافتاً إلى أن الانفراجة التي حدثت في الأيام الماضية بتوافر أدوية ناقصة لشهور «تعطي أملاً في إتاحة مزيد من الأدوية الناقصة قريباً».

بينما رأى عوف أن «الأمر أصبح مسألة وقت مع انضباط خطوط الإنتاج بالشركات المختلفة خلال الأسابيع الماضية»، مؤكداً أن دورة العمل تسير في الوقت الحالي بشكل جيد في مختلف الشركات المصنِّعة للدواء داخل مصر.

في سياق ذلك، أعلن رئيس مجلس الوزراء «دعم التوجه لكتابة الأدوية بالاسم العلمي للمادة الفعالة بدلاً من الاسم التجاري»، وهي الخطوة التي وصفها رئيس «شعبة الدواء» بالغرفة التجارية بـ«الإيجابية»، مؤكداً أنها «ستساعد المرضى في الحصول على الدواء بالسعر الذي يناسبهم»، لكن عضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ أبدى تخوفاً من أن تؤدي هذه الخطوة إلى «القضاء على التنافسية الموجودة بين الشركات في ظل وجود أكثر من شركة تصنع الدواء لكن بأسماء مختلفة، ومن ثم فإن التوجه نحو الأرخص سعراً للبيع سيكون بمثابة ضرر للشركات الأخرى».