يبدو أن التوترات المتصاعدة أخيراً بين مصر وإسرائيل، قد وصلت إلى محطة جديدة، لا سيما مع تقارير زعمت تعديل القاهرة بنود اتفاق «الهدنة» في قطاع غزة لصالح حركة «حماس»، ما تسبب في «تعطيل» اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي الوقت الذي نفت مصر تلك المزاعم، مؤكدة «بذلها جهوداً كبيرة للوصول إلى اتفاق»، لم تصدر تصريحات رسمية عن إسرائيل، أو أي من الوسطاء في قطر والولايات المتحدة الأميركية بشأن تلك «الاتهامات».
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، عن ثلاثة مصادر، وصفتها بـ«المطلعة»، على مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، قولها، الأربعاء، إن «المخابرات المصرية غيرت في صمت، بنود مقترح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل بالفعل في وقت سابق من هذا الشهر، ما أدى في النهاية إلى إحباط صفقة، كان من الممكن أن تطلق سراح الرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحدد مساراً لإنهاء القتال مؤقتاً في غزة».
وأضافت المصادر الثلاثة، التي لم تحدد «سي إن إن» جنسيتها، أن «اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته حركة (حماس) في 6 مايو (أيار) الحالي، لم يكن ما يعتقد القطريون أو الأميركيون أنه تم تقديمه إلى (حماس) لمراجعته». وأشارت إلى أن «التغييرات التي أجرتها مصر، والتي لم يتم الكشف عن تفاصيلها من قبل، أدت إلى موجة من الغضب والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين من الولايات المتحدة وقطر وإسرائيل، وتركت مفاوضات وقف إطلاق النار في طريق مسدودة».
وفي القاهرة، أعرب مصدر رفيع المستوى، الأربعاء، عن «دهشة مصر» مما وصفه بـ«محاولات بعض الأطراف تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة على مدار الأشهر الماضية للوصول إلى وقف إطلاق نار بقطاع غزة ووقف نزف دماء الأبرياء في القطاع».
وقال المصدر المصري لـ«الشرق الأوسط»، رافضاً الكشف عن هويته، إن «بعض الأطراف يمارس لعبة توجيه الاتهامات للوسطاء والادعاء بانحيازهم، وإلقاء اللوم عليهم للتهرب من اتخاذ القرارات المطلوبة»، مشيراً إلى أن هذه الأطراف «تارة تتهم قطر، وتارة تتهم مصر، للتهرب من الموافقة على وقف إطلاق النار».
ومنذ نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، يسعى الوسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، وعُقدت جولات مفاوضات ماراثونية غير مباشرة في باريس والقاهرة والدوحة، أملاً في الوصول إلى اتفاق خلال شهر رمضان الماضي أو حتى عيد الفطر. لكن المفاوضات تعثرت، ولوحت قطر، في أبريل (نيسان) الماضي، بإمكانية «تجميد دورها بوصفها وسيطاً في المفاوضات»، عقب انتقادات إسرائيلية لدور الدوحة بصفتها وسيطاً، ودعوة النائب الديمقراطي الأميركي، ستيني هوير، الولايات المتحدة إلى مراجعة علاقاتها مع قطر، متهماً إياها بـ«عدم ممارسة ضغوط كافية على (حماس) للوصول إلى إطلاق سراح الرهائن».
عودة إلى المصدر المصري، الذي أكد أن «ممارسة القاهرة لدور الوساطة في صفقة وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن بقطاع غزة، جاءت بعد طلب وإلحاح متواصلين للقيام بهذا الدور؛ وذلك نظراً لخبرة وقدرة وحرفية مصر في إدارة مثل هذه المفاوضات الصعبة»، معرباً عن «استغرابه من استناد بعض وسائل الإعلام لمصادر تطلق عليها (مطلعة)»، متحدياً إذا كان «من الممكن نسب ما تم نشره لمصادر أميركية أو إسرائيلية رسمية محددة».
وأعادت مصر إحياء مفاوضات وقف إطلاق النار بزيارة وفد أمني مصري إلى إسرائيل، نهاية أبريل الماضي، تم خلالها «البحث في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة»، وأعقبتها جولات مباحثات غير مباشرة في القاهرة بحضور «مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، وممثلين عن قطر وإسرائيل و(حماس)».
وفي السادس من مايو الحالي، أعلنت حركة «حماس»، في بيان صحافي، أن رئيس مكتبها إسماعيل هنية، تواصل هاتفياً مع كل من رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، وأبلغهما بـ«موافقة الحركة على مقترحهما بشأن اتفاق وقف إطلاق النار». لكن لم يحظ الاتفاق بقبول إسرائيلي.
ونقلت «سي إن إن»، عن أحد المصادر المطلعة الثلاثة، قوله إن «بيرنز كان غاضباً ومحرجاً عندما علم بتغيير مصر بنود الاتفاق».
لكن متحدثاً باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، رفض التعليق على تلك المزاعم، بحسب «سي إن إن».
ورأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أن «مصر ليست لديها مصلحة إطلاقاً في فعل ما نسبته لها هذه المصادر المطلعة»، مشيراً إلى أن «القاهرة تلعب دور الوساطة للمرة الخامسة لوقف الحروب في قطاع غزة منذ عام 2008، والمزاعم الأخيرة لا تتفق مع تاريخ مصر في المفاوضات».
هريدي أضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر هي الدولة الأولى في العالم التي لها مصلحة أكيدة في إنهاء الحرب على قطاع غزة، لما لها من آثار سلبية، سواء على المستوى الاقتصادي بتراجع عائدات قناة السويس أكثر من النصف، أو على المستوى الأمن القومي للبلاد»، موضحاً أن «استمرار الحرب في غزة، وتوسيع العملية العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية على الحدود مع مصر، من شأنهما أن يؤديا، عاجلاً أم آجلاً، إلى دفع الفلسطينيين للنزوح باتجاه سيناء، ما يعني تنفيذ الأهداف غير المعلنة للحملة العسكرية - الإسرائيلية على قطاع غزة، وهي التهجير القسري».
وسبق وأكدت مصر مراراً رفضها التهجير القسري للفلسطينيين داخل أو خارج أراضيهم. وعَدّت ذلك تصفية للقضية الفلسطينية.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، قال إن «القاهرة ليس من مصلحتها فقدان ثقة الولايات المتحدة الأميركية بتغيير بنود اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما أن هذه إحدى النقاط الرئيسية في العلاقات بين البلدين، حيث سبق وأشاد الرئيس جو بايدن بدور مصر في هذا الملف». وبحسب هريدي فإن «السياسة الخارجية المصرية لا تلجأ لهذه الطرق الملتوية».
وتزامنت الاتهامات الموجهة لمصر بتغيير بنود اتفاق وقف إطلاق النار، مع توترات بين القاهرة وتل أبيب منذ بدء إسرائيل عمليتها العسكرية في رفح الفلسطينية المتاخمة للحدود مع مصر، في 7 مايو الحالي، وما أعقب ذلك من اتهامات إسرائيلية لمصر بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح، نفتها القاهرة أكثر من مرة. كما أعلنت مصر الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
وعَدّ هريدي مزاعم تعديل مصر اتفاق وقف إطلاق النار بأنها «جزء من حملة لتشويه موقف القاهرة ودفعها لتليين مواقفها تجاه إسرائيل، وتجاه السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح»، مشيراً إلى أنها «تأتي في إطار الاتهامات الإعلامية الأميركية والإسرائيلية لمصر بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح».