الجزائر وفرنسا لبحث «المسائل الخلافية» حول حقبة الاحتلال

قضية «الذاكرة» بند في زيارة تبون المرتقبة لباريس

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

الجزائر وفرنسا لبحث «المسائل الخلافية» حول حقبة الاحتلال

الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

يلتقي باحثون في التاريخ، جزائريون وفرنسيون، الاثنين بالعاصمة الجزائرية، لتناول المسائل الخلافية حول «قضية الذاكرة وآلام الاستعمار»، تنفيذاً لتعهدات الرئيسين عبد المجيد تبون، وإيمانويل ماكرون، بخصوص «تسوية مشكلة التاريخ لبناء علاقات طبيعية، مبنية على تقاسم المنفعة».

وأكدت صحيفة «الخبر» الجزائرية، في عدد الاثنين، أن وفد الباحثين الفرنسي بقيادة المؤرخ الشهير بنجامان ستورا الذي عاش فترة من شبابه بشرق الجزائر حيث أقامت عائلته، سيبحث مع البعثة الجزائرية برئاسة لحسن زغيدي «عملاً يخص فترة الغزو العسكري (الفرنسي للجزائر) وآثاره على تركيبة المجتمع الجزائري، وما ارتبط بذلك من جرائم نهب ومصادرة الأراضي لصالح الأوروبيين والتهجير القسري، وغير ذلك من الملفات التاريخية الشائكة».

ونقلت الصحيفة ذاتها عن ستورا أنه لفت في تصريح رسمي، قبل سفره إلى الجزائر، إلى «أهمية العمل في هذا الاجتماع، على دوافع وخلفيات الحملة الاستعمارية (عام 1830) ومختلف مراحل الوجود الفرنسي في الجزائر، وتحديد المناطق التي تعرضت للمجازر». كما نقلت عنه أن الاجتماع سيبحث قضية جرد الأرشيف الخاص باستعمار الجزائر، الموجود بفرنسا، «مع تقييم ما تم إنجازه (بهذا الخصوص) من الجانب الفرنسي، خصوصاً ما تعلق بموضوع رقمنة 20 مليون وثيقة تخص فترة الاستعمار».

المؤرخ بنجامان ستورا رئيس لجنة الذاكرة عن الجانب الفرنسي (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

وأكدت الصحيفة في تقريرها أن ستورا عدّ زيارة الرئيس الجزائري المرتقبة إلى فرنسا نهاية سبتمبر (أيلول) أو بداية أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، «فرصة للاعتراف بماضي فرنسا بالجزائر، والتدقيق بمنهجية علمية في المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال ضد الشعب الجزائري في بدايات الغزو». ونقلت عن ستورا دعوته لـ«الاهتمام بمستقبل العلاقات الثنائية»، في إشارة إلى طرح رسمي فرنسي، مفاده «تفادي النظر في المرآة العاكسة، والتوجه إلى بناء علاقة على أساس براغماتي».

وكان رئيس الوفد الجزائري لحسن زغيدي، رفض الشهر الماضي، الخوض في المواضيع التي ستبحثها الجولة الخامسة من «اجتماعات الذاكرة» عندما طرح صحافيون سؤالاً بهذا الشأن. وتعهد «العمل على استعادة كل الأرشيف، ولو بقيت منه ورقة واحدة كتبت في الجزائر».

وصرح زغيدي في الفترة نفسها للإذاعة العمومية بأن «مسعى الاشتغال على الذاكرة» الجاري مع فرنسا منذ نحو عامين، بهدف تجاوز مشكلات الماضي الاستعماري «يواجه صعوبات يتحمل مسؤوليتها الجانب الفرنسي»، تتعلق، وفق قوله بـ«القوانين التي تعد كل ما نقل (من الجزائر) إلى فرنسا، من مسروقات ومنهوبات وغيرها، جزءاً لا يتجزأ من السيادة الفرنسية».

لحسن زغيدي رئيس لجنة الذاكرة من الجانب الجزائري (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

وكان يشير إلى رفض الحكومة الفرنسية في نهاية 2023، طلباً جزائرياً باستعادة سيف وبرنس الأمير عبد القادر قائد الثورات الشعبية الكبيرة ضد الغزو الفرنسي في القرن 19، الذي قضى 4 سنوات في الأسر (1848- 1952) بـ«قصر أمبواز» وسط فرنسا. وصرح وزير الخارجية أحمد عطاف حينها، بأن باريس «تحججت بضرورة إصدار قانون يسمح بتسليم أغراض الأمير».

وعقدت «اللجنة المشتركة الجزائرية - الفرنسية للتاريخ والذاكرة»، أول اجتماع لها في 19 أبريل (نيسان) 2023، وذلك على أساس وثيقة «إعلان الجزائر» الصادرة في 27 أغسطس (آب) 2022، بمناسبة زيارة الرئيس ماكرون. وتضمنت «تفاهمات حول الذاكرة» التي تقف عائقاً أمام إقامة علاقات عادية، على الرغم من أهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين المتوسطيين.

ولاحقاً، في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تم الاتفاق بمناسبة اجتماع «اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى»، على «معالجة جميع القضايا المتعلقة بالفترة الاستعمارية، والمقاومة وحرب التحرير المجيدة».

ومن المقرر أن تأخذ «قضية الذاكرة» حيزاً مهماً من المباحثات التي سيجريها تبون في فرنسا، خلال الزيارة المتفق على إجرائها الخريف المقبل. وقبلها ستنظم بالجزائر انتخابات للرئاسة في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل، يرجح متابعون أن تبون سيخوض غمارها.


مقالات ذات صلة

تحطم طائرة عسكرية في منطقة أدرار بالجزائر ومقتل قائدها

شمال افريقيا صورة لحطام طائرة عسكرية جزائرية سقطت قرب مطار خارج العاصمة 11 أبريل 2018 (رويترز)

تحطم طائرة عسكرية في منطقة أدرار بالجزائر ومقتل قائدها

ذكرت قناة «النهار» التلفزيونية أن طائرة عسكرية جزائرية تحطمت، الأربعاء، في منطقة أدرار، ما أدَّى إلى مقتل قائدها.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

العلاقات الفرنسية - الجزائرية إلى مزيد من التأزم وملف «المرحَّلين» يتفجر

العلاقات الفرنسية - الجزائرية إلى مزيد من التأزم وملف «المرحَّلين» يتفجر. الجزائر ترفض التعاون وباريس تلجأ إلى سياسة «الرد المتدرج» من خلال إجراءات تعدها مزعجة.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا وزير خارجية تونس خالد النوري مستقبلاً نظيره الجزائري إبراهيم مراد (الداخلية الجزائرية)

الجزائر وتونس لحماية الحدود المشتركة ومواجهة التهريب

بحث وزير خارجية تونس خالد النوري في الجزائر الثلاثاء مع نظيره الجزائري إبراهيم مراد الأوضاع الأمنية على الحدود بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل تدهور العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعلن رفضها «قائمة الترحيل» الفرنسية

بيان جزائري أكد «رفض الجزائر القاطع للغة التهديد والوعيد والمُهل ولكل أشكال الابتزاز».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عالمية فلاديمير بيتكوفيتش مدرب الجزائر (أ.ب)

بيتكوفيتش: حزين لغياب بن ناصر وسعيد بانضمام ناير

أبدى فلاديمير بيتكوفيتش مدرب الجزائر حزنه لغياب إسماعيل بن ناصر عن معسكر الجزائر قبل مواجهة بوتسوانا وموزمبيق في تصفيات كأس العالم.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

التماس بسجن الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال 10 سنوات

الكاتب بوعلام صنصال (متداولة)
الكاتب بوعلام صنصال (متداولة)
TT

التماس بسجن الكاتب الجزائري - الفرنسي صنصال 10 سنوات

الكاتب بوعلام صنصال (متداولة)
الكاتب بوعلام صنصال (متداولة)

«لم أفعل شيئاً سوى التعبير عن رأيي، ولا أعلم كيف يمكن لتصريحاتي أن تسيء للمؤسسات الوطنية»... هكذا ردَّ الكاتب الجزائري - الفرنسي، بوعلام صنصال، اليوم (الخميس)، على أسئلة القاضي في محكمة بالضاحية الشرقية للعاصمة، من دون مساعدة محامين للمرافعة عنه. في وقت طالبت فيه النيابة بإنزال عقوبة السجن 10 سنوات مع التنفيذ، وتمَّ وضع القضية في المداولة القضائية، على أن يصدر الحكم في الـ27 من الشهر الحالي.

الرئيس هاجم الكاتب بوعلام صنصال في خطاب أمام البرلمان نهاية 2024 (الرئاسة)

فوجئت الأوساط الإعلامية والسياسية المهتمة بـ«قضية صنصال» بتنظيم محاكمة له اليوم. ففي غياب محامين يمثلونه لم تعلن عائلته عن موعد إحالته إلى «محكمة الدار البيضاء»، ويعود ذلك إلى رفضه أن يترافع محامٍ عنه منذ توقيفه منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بمطار العاصمة الجزائرية، بينما كان عائداً من باريس. وفي وقت سابق صرَّح محامٍ فرنسي أنَّ السلطات الجزائرية «رفضت منحه التأشيرة ليزوره في سجنه».

الرئيسان الجزائري والفرنسي بالجزائر نهاية أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وظلت قضية اعتقال صنصال إحدى حلقات التوتر غير المسبوق، الذي تعرفه العلاقات بين الجزائر وفرنسا حالياً، فقد تدخَّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً في هذه الحادثة، عاداً أن «احتجازه لا يُشرِّف الجزائر».

وأكد محامٍ كان موجوداً في المحكمة نفسها للمرافعة لمصلحة موكله في قضية أخرى، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رأى صنصال في صحة جيدة عندما دخل إلى قاعة المحاكمة محاطاً برجال أمن»، موضحاً أنه تابع أطوار محاكمته «التي كانت قصيرة»، وأكد أن «القاضي سأله: لماذا ترفض أن تُعيِّن لك المحكمة محامياً للمرافعة عنك، إنه حق يكفله لك القانون؟». فردَّ صنصال، وفق المحامي نفسه: «أريد الدفاع عن نفسي بنفسي سيدي القاضي».

الدبلوماسي الفرنسي كزافييه دريانكور في نشاط بالجزائر حيث كان سفيراً بين 2017 و2020 (متداولة)

ولفت المحامي إلى أن «زملاء لي أكدوا لي أن زوجته هي الشخص الوحيد من طرف صنصال مَن كان حاضراً في المحاكمة».

وواجه القاضي الكاتب، صاحب الـ76 سنة، بالوقائع التي بنت النيابة على أساسها التهم، التي تتمثَّل في تصريحات أدلى بها لمنصة «فرونتيير» الإخبارية الفرنسية قبيل سفره إلى الجزائر، زعم فيها أنَّ فرنسا احتلت الجزائر «لأنها مجرد شيء»، وكان يقصد أنها «لم تكن دولة قائمة» وقت غزوها عام 1830. كما قال إن «مناطق واسعة من الغرب الجزائري، تضم تلمسان ووهران وحتى معسكر، كانت أجزاء من المغرب، ثم اجتزأتها فرنسا».

الرئيس الفرنسي قال إن سجن صنصال «لا يشرف الجزائر» (الإليزيه)

صبت النيابة «التصريح- الواقعة»، في مادة في قانون العقوبات، تصف أي عمل قد يهدِّد «أمن الدولة والوحدة الوطنية وسلامة التراب الوطني، أو استقرار المؤسسات» بأنه «عمل إرهابي أو تحريضي».

أما التهمة الثانية فتتمثل في «تمكين سفير فرنسا في الجزائر بمعلومات وبيانات حساسة ذات طابع أمني واقتصادي»، وتم وصف هذه الأفعال بأنها «تخابر مع جهة أجنبية»، وتعود إلى الفترة التي كان فيها صنصال مديراً بوزارة الصناعة الجزائرية، التي غادرها إلى التقاعد منذ أكثر من 15 سنة. علماً بأن صنصال حصل على الجنسية الفرنسية في يونيو (حزيران) الماضي، ويقول أصدقاء له في الجزائر إنه لا يملك بيتاً في فرنسا، بينما صرَّح سفير فرنسا في الجزائر سابقاً، كزافييه دريانكور، بعد أيام من اعتقاله، بأنه طلب منه أن يبحث له عن شقة يؤجرها في باريس عندما يعود من سفره الجزائري.

تمَّت إضافة هذه التهمة إلى ملف القضية منذ أسبوع فقط، حيث استدعاه قاضي التحقيق، وأبلغه بأنه متابع بتهم جديدة تُشكِّل «جنايةً» وفقاً لقوانين البلاد.

وكتب موقع صحيفة «الشروق» أن التهم تم توجيهها لمؤلف رواية «قرية الألماني» عام 2008، الشهيرة، على أساس محاضر للأمن الداخلي، تتضمَّن «بيانات صحفية ومنشورات إلكترونية تم استخراجها من أجهزته الشخصية، لا سيما جواله، وحاسوبه الشخصي وذاكرته المحمولة، التي احتوت على ما عدّته النيابة أشياء مهينة للمؤسسات الدستورية والمدنية والعسكرية، وللدولة الجزائرية».

ورداً على هذه التهم، نفى صنصال وجود أي نية لديه لإهانة الجزائر، عاداً تصريحاته ومواقفه التي أدلى بها للصحافة الفرنسية «مجرد تعبير عن رأيي كما يفعل أي مواطن جزائري»، مؤكداً أنه «لا يعلم الأضرار المحتملة التي قد تسببها بعض تصريحاته للمؤسسات الوطنية».

وحول «بيع أسرار الدولة للسفير الفرنسي»، نفى الكاتب، الذي يتحدر من محافظة تسمسيلت (250 كيلومتراً غرب العاصمة)، هذه التهمة بشكل قاطع. وأكد المحامي، الذي تحدَّث لـ«الشرق الأوسط» حول محاكمته، أنه «لم يُظهِر تأثراً عندما سمع طلبات النيابة بسجنه لمدة 10 سنوات». وإثر ذلك اقتاد رجال شرطة صنصال إلى خارج المحكمة باتجاه سجنه بالضاحية الغربية للعاصمة، بعد أن أعلن قاضي الجلسة أن النطق بالحكم سيكون خلال 7 أيام.

وتعاملت الجزائر مع مطلب كبار المسؤولين الفرنسيين بالإفراج عن صنصال، على أنه «ضغط سياسي عليها»، لذلك اعتقد مراقبون أن الفرنسيين لم يخدموه بإلحاحهم على أنه «سجين رأي». وقد ردَّ الرئيس عبد المجيد تبون على هذه الأحداث بنفسه في مقابلة أجراها في فبراير (شباط) الماضي مع صحيفة «لوبينيون» الفرنسية، قائلاً إنها قضية «مثيرة تهدف إلى التحريض ضد الجزائر، فبوعلام صنصال ذهب لتناول العشاء مع كزافييه دريانكور، السفير الفرنسي السابق في الجزائر، قبل سفره إلى الجزائر. وكان دريانكور قريباً من برونو ريتايو (وزير الداخلية)، الذي كان من المفترض أن يلتقيه عند عودته»، وفهم من تصريحات تبون أن صنصال كان «يتصرف كأنه مخبر» لصالح مسؤولين فرنسيين.