وقائع الإطاحة بمسؤولين ليبيين تورطوا بتهريب 26 طن ذهب

التحقيقات كشفت عن صراع بين الأجهزة الأمنية بمطار مصراتة

جانب من سبائك ذهب عثر عليها قبل تهريبها إلى الخارج (مكتب النائب العام)
جانب من سبائك ذهب عثر عليها قبل تهريبها إلى الخارج (مكتب النائب العام)
TT

وقائع الإطاحة بمسؤولين ليبيين تورطوا بتهريب 26 طن ذهب

جانب من سبائك ذهب عثر عليها قبل تهريبها إلى الخارج (مكتب النائب العام)
جانب من سبائك ذهب عثر عليها قبل تهريبها إلى الخارج (مكتب النائب العام)

وضع النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور حداً لقصة محاولة تهريب «كمية كبيرة» من الذهب، التي جرت وقائعها في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2023، وتسببت في وقف مؤقت لحركة الطيران بمطار مصراتة الدولي حينها.

وأعلن مكتب النائب العام، في وقت متأخر من مساء (الأحد)، جانباً من هذه القصة، التي أثارت لغطاً وجدلاً واسعين في البلاد خلال الأشهر الخمسة الماضية، وقال إن جهة التحقيق انتهت إلى حبس مدير عام مصلحة الجمارك؛ ورؤساء مركز جمرك مطار مصراتة، والمراجعة، ولجنة التصدير المؤقت للذهب، وذلك لـ«تآمرهم مع آخرين على إخراج نحو 26 ألف كيلوغرام من سبائك الذهب بالمخالفة للتشريعات الناظمة».

النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

وكانت الأوساط الليبية قد انشغلت بالحديث حول تورط مجموعات مسلحة في محاولة تهريب «أكبر كمية من الذهب» خارج البلاد، وذلك بعد إغلاق منظومة الجوازات وتوقف حركة الطيران بمطار مصراتة الدولي، إثر خلافات حادة اندلعت بين الأجهزة الأمنية القائمة على إدارته.

في تلك الأثناء، التزمت السلطات الرسمية في طرابلس العاصمة الصمت حيال الوقعة، بينما تصاعدت اتهامات «جهاز الأمن الداخلي» لـ«القوة الأمنية المشتركة بمصراتة» بالضلوع في عملية تهريب الذهب إلى تركيا. علماً بأن القوتين تتبعان حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة.

ومع إثارة هذه القضية دوامة واسعة من الجدل، طالب سياسيون وحقوقيون ليبيون النائب العام بفتح تحقيق للكشف عن ملابسات «تهريب ثروات ليبيا إلى الخارج وسرقة المال العام ومحاسبة المسؤولين».

وتعاني ليبيا من تفشي الفساد في جُل مؤسسات الدولة، بالنظر إلى الانقسام السياسي الذي تعانيه ويلقي بظلاله على منافذ البلاد الجوية والبرية والبحرية.

وقال رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد عبد الحكيم حمزة، إن واقعة تهريب الذهب التي شغلت الرأي العام «تعدّ شكلاً من أشكال الفساد الذي استشرى في جميع المرافق والجهات السيادية والأمنية والخدمية؛ وهذا ناتج عن سياسة الإفلات من العقاب التي سادت خلال الفترات الماضية»، منوهاً بأن مثل هذه العمليات ممن يسيئون استغلال سلطاتهم الوظيفية، «تضرّ باقتصاد ليبيا وبأمنها القومي، فضلاً عن استنزاف ثرواتها الثمينة وتجريفها».

وفي إطار ما بات ملحوظاً لعموم الليبيين من جهود يضطلع بها مكتب النائب العام لمكافحة مثل هذه الجرائم، لفت حمزة، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن جهود النيابة العامة والأجهزة الضبطية «باتت تترصد لمثل هذه الممارسات التي يجرمها القانون ويعاقب عليها».

ومع كشف النيابة العامة عن أبعاد هذه القضية، فإن بعض الليبيين لا يزالون يتحدثون عن «تورط شخصيات كبيرة في هذه الواقعة، لكن لم تطلها بعد يد السلطة القضائية».

جانب من سبائك ذهب عثر عليها قبل تهريبها إلى الخارج (مكتب النائب العام)

وسبق أن تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع تسجيلاً صوتياً، يوثّق محادثة بين مسؤولين من جمارك مصراتة وآخرين من «القوة الأمنية المشتركة»، حول سبل تهريب كميات كبيرة من الذهب خارج ليبيا.

في تلك الأثناء علّق سياسيون ليبيون كثيرون على الواقعة، وقال عضو «المؤتمر العام» السابق محمود عبد العزيز، إنه «استمع مثل غيره لتسريبات حول تهريب الذهب من مطار مصراتة... شيء مخجل أن يحدث هذا من أجهزة كنا نأمل أن تكون هي التي تكافح التهريب واستنزاف موارد البلاد».

وتحتل ليبيا المرتبة الثالثة في احتياطي الذهب بامتلاكها 117 طناً خلال العام الماضي، بحسب موقع «بيزنس إنسايدر أفريكا»، لكنها تحتل المرتبة 170 في مؤشر مدركات الفساد للعام ذاته، مرتفعة مرتبة واحدة عن عام 2022 حين جاءت في المرتبة 171 من أصل 180 دولة يشملها المؤشر.

ووصف مكتب النائب العام التورط في جريمة تهريب الذهب من قبل مسؤولي الشؤون الجمركية بالمطار، في معرض الكشف عنها، بأنها «تآمر وممارسة سلوكيات غير رشيدة»، متوعداً بمواصلة التصدي لمثل هذه الجرائم.

وكان النائب العام قد أعلن، في مستهل العام الحالي، أن النيابة العامة بدأت التحقيق في قضية تهريب الذهب عبر مطار مصراتة، وقال في مؤتمر صحافي، إن «جهاز الأمن الداخلي» أحال إليه تقريراً حول واقعة التهريب، متوعداً بأنه «إذا ثبت أن إدارة الجمارك بالمطار ارتكبوا جرائم سوف تتخذ ضدهم الإجراءات القانونية».

وبجانب تهريب الذهب والوقود من ليبيا، لم تسلم البلاد من عمليات تنقيب غير شرعية عن هذا الخام، إذ تتبنى تقارير غير رسمية أن دولاً ومنظمات تعمل على ذلك. وفي نهاية العام الماضي، قالت النيابة الليبية إن مأمور الضبط القضائي، بجهاز الاستخبارات الليبية، لاحظ وجود أربعة أشخاص يحملون الجنسية الصينية دخلوا ليبيا بشكل غير قانوني انخرطوا مع آخرين من ليبيا وتشاد في التنقيب عن الذهب في الجنوب الليبي.


مقالات ذات صلة

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

شمال افريقيا عناصر من هيئة البحث عن المفقودين يتفقدون موقعاً لمقابر جماعية تم العثور عليها في ترهونة (الهيئة)

مطالب أممية بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في ترهونة الليبية

حذّر تقرير للأمم المتحدة من أن غياب المساءلة، والسنوات الطويلة من إفلات المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات المرتكبة في مدينة ترهونة الليبية

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي، مرحلة جديدة، السبت، وسط محاولة من حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، لاحتواء لانتقادات أميركية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح والمشري وستيفان ويليامز المبعوثة الأممية بالإنابة (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي)

ليبيون يعلّقون آمالهم على تقارُب صالح والمشري لإحياء المسار الانتخابي

تدفع أزمة المصرف المركزي الليبي بإمكانية العودة إلى بحث العملية السياسية، في ظل عقد البعض آمالاً على عودة التقارب بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع صالح وسفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا (حساب السفير على «إكس»)

«الأوروبي» يدعو قادة ليبيا إلى «خفض التوترات»... وتشغيل النفط

أطلقت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا عدداً من التحذيرات لقادة البلاد ودعتهم للتحاور والاستجابة لمبادرة الأمم المتحدة، كما شددت على ضرورة إعادة إنتاج وضخ النفط.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا طالبت لجنة الأزمات والطوارئ ببلدية زليتن المواطنين بالابتعاد عن مجرى الوادي (مديرية أمن طرابلس)

سيول جارفة تضرب مناطق متفرقة في ليبيا... وتنشر المخاوف

ضربت أمطار غزيرة وصلت إلى حد السيول مناطق عدة في شمال غربي ليبيا، وأعلن جهاز الإسعاف والطوارئ رفع درجة الاستعدادات وسط إنقاذ عائلات عالقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
TT

«النواب» الليبي يُصر على رفض محافظ «المركزي»... ويدعو للتهدئة

محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)
محافظ المصرف المركزي الجديد خلال اجتماع بمساعديه (المصرف المركزي)

دخلت أزمة المصرف المركزي الليبي مرحلة جديدة، اليوم (السبت)، وسط محاولة حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، احتواء انتقادات أميركية رسمية بشأن الإدارة الجديدة للمصرف، التي نصبها المجلس الرئاسي، بينما تمسك عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بموقفه الرافض للاعتراف بها.

وعدّت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة أن بيان إدارة شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية، بشأن تطورات الوضع المتعلق بالمصرف، يعكس «التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي، وتعزيز الشفافية في مؤسساتنا المالية»، وعدّته خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي.

واجهة مصرف ليبيا المركزي في طرابلس (رويترز)

وقالت «خارجية الوحدة»، اليوم (السبت): «نتفهم القلق حيال حملات التشويه والأكاذيب التي تستهدف مؤسسات الدولة الليبية، ونتفق على أن هذه المخاوف ستنتهي بمجرد زوال تلك الحملات، وتوحيد الصفوف خلف مؤسساتنا الوطنية». وأشارت إلى الحاجة المزدادة للتدقيق في المعاملات المالية خلال المراحل الانتقالية للمؤسسات النقدية، لافتة إلى أنها تعدّ هذه الإجراءات البروتوكولية «ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة».

لقاء سابق بين رئيس مجلس النواب والسفير والمبعوث الأميركي الخاص (أرشيفية)

وأكدت الوزارة إعلان الإدارة الجديدة للمصرف «تسلم مهامها بسلاسة، ومباشرة تفعيل المنظومات المختلفة، والتجاوب الذي لاقته الإدارة الجديدة مع المنظومة المصرفية الدولية، بعد 9 سنوات من غياب الحوكمة والعمل الفردي، الأمر الذي كان مطلباً أساسياً لكل المنظمات الدولية المعنية. وهذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسيرة الإصلاح المالي والإداري في ليبيا».

وبعدما أكدت التزامها باحترام سيادة ليبيا، واستمرار ثقتها بالدولار الأميركي والمؤسسات الأميركية، خصوصاً في ظل التحديات الحالية والتجاذبات والصراع على النفوذ في أفريقيا، أعربت «خارجية الوحدة» عن التطلع لتعزيز التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة، لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في ليبيا. وأوضحت أن المجلس الرئاسي، وفي خطوة لإضفاء مزيد من التوافق، أعلن التزامه بالانفتاح على الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، مع منح فرصة أخيرة للمجلسين لتحقيق توافق بعد 10 سنوات من التخاذل، ما أدى لتعزيز الحكم الفردي وغياب الشفافية، وزيادة المخاطر المرتبطة بتنفيذ سياسات لا تعكس إرادة الدولة الليبية.

الصديق الكبير (رويترز)

وكانت «الخارجية» الأميركية قد أعلنت عبر مكتبها لشؤون الشرق الأدنى، أن البنوك الأميركية والدولية قامت بإعادة تقييم علاقاتها مع المصرف المركزي الليبي، وفي بعض الحالات وقف المعاملات المالية، حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية لـ«المركزي».

وطالبت الجهات الفاعلة الليبية باتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف، وإيجاد حل لا يضر بسمعته، ومشاركته مع النظام المالي الدولي، معبرة عن شعورها بالقلق من أن مزيداً من الاضطرابات مع البنوك الدولية، يمكن أن يضر بالاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية.

وشددت على دعوة مجلس الأمن للجهات الفاعلة الليبية للعمل بشكل عاجل معاً، ومع البعثة الأممية لإيجاد حل سياسي، يعيد القيادة المختصة وذات المصداقية للبنك المركزي الليبي.

بدوره، حذر رالف تاراف، سفير ألمانيا لدى ليبيا، من أن تؤدي ما وصفه بـ«الإجراءات أحادية الجانب» إلى الانحراف عن طريق الاستقرار والانتخابات الديمقراطية.

وأعرب في بيان مقتضب، اليوم (السبت)، عن دعم بلاده بقوة لدعوة البعثة الأممية لإجراء اجتماع عاجل لإيجاد حل للوضع الراهن.

في المقابل، دعا عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى ضرورة الالتزام ببنود الإعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، الذي ينص على صلاحيات واختصاصات مجلس النواب في التكليف بالمناصب السيادية بالتشاور مع مجلس الدولة، وعدّ القرار الصادر بتكليف محافظ ومجلس إدارة للمصرف معدوماً، لافتقاده للأسباب ومخالفاً للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ولأنه جاء بعد جهود مضنية لتوحيد المصرف.

ورحب صالح، في بيان وزعه مركزه الإعلامي، مساء الجمعة، ببيان مجلس الأمن الدولي. وأكد «دعوة مختلف الأطراف للتهدئة، والتوقف عن إصدار قرارات والقيام بتصرفات من شأنها زعزعة الاستقرار، وتعميق الانقسام المؤسسي وتقويض الثقة بين الليبيين».

من جهته، نفى مصدر بالمجلس الرئاسي، لوسائل إعلام محلية، صحة بيان منسوب للمجلس، يعيد تكليف الصديق الكبير، المحافظ السابق للمصرف، في منصبه مجدداً، علماً بأن الكبير فر إلى خارج البلاد، مدعياً تلقيه تهديدات من مجموعات مسلحة، لم يحددها.

اجتماع نجل حفتر مع رئيس المجلس الحاكم في النيجر (القوات البرية بالجيش الوطني)

في غضون ذلك، أعلنت الإدارة الجديدة للمصرف استعادة العمل بجميع الأنظمة المستخدمة، بينما شدد محافظه المكلف، عبد الفتاح عبد الغفار، خلال اجتماعه مع مسؤولي المصرف، على ضرورة رفع وتيرة العمل في كل الإدارات بكفاءة عالية، لإنجاز الملفات في أسرع وقت ممكن، وتعهد بأن تعمل إدارة المصرف على حلحلة كل العراقيل التي تواجه العمل المصرفي.

إلى ذلك، قال الفريق صدام، نجل المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، إنه اجتمع، اليوم (السبت)، باعتباره مبعوثاً لوالده، ورئيس القوات البرية بالجيش، مع عبد الرحمن تشياني، رئيس المـجلس الحاكم في النيجر لتنسيق التعاون الثنائي بين الجانبين، ضمن جولة تشمل عدداً من الدول الأفريقية لتعزيز التعاون وأمن الحدود.

لقاء حماد مع الرئيس التشادي في إنجامينا (حكومة الاستقرار)

وكان أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار، قد أوضح أن رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، الذي التقاه مساء الجمعة بالعاصمة إنجامينا، أشاد بالمشير خليفة حفتر، ودعمه اللوجيستي لبلاده في تأمين الحدود المشتركة، ومكافحة ظاهرة «الهجرة غير المشروعة» والجريمة المنظمة بما يحمي السلم والاستقرار في البلدين الجارين.