اتهامات للجيش السوداني بتعذيب و«اغتيال» ناشط سياسي معارض

بالتزامن مع تعديلات على قانون جهاز المخابرات تمنحه صلاحيات واسعة

عمر الدقير رئيس حزب «المؤتمر السوداني» المعرض (وكالة السودان للأنباء / سونا)
عمر الدقير رئيس حزب «المؤتمر السوداني» المعرض (وكالة السودان للأنباء / سونا)
TT

اتهامات للجيش السوداني بتعذيب و«اغتيال» ناشط سياسي معارض

عمر الدقير رئيس حزب «المؤتمر السوداني» المعرض (وكالة السودان للأنباء / سونا)
عمر الدقير رئيس حزب «المؤتمر السوداني» المعرض (وكالة السودان للأنباء / سونا)

بالتزامن مع إعلان تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة، منح بموجبها الجهاز صلاحيات واسعة، كانت قد أُلغيت من القانون بعد الثورة الشعبية التي أطاحت حكم الإسلاميين، اتهم «حزب المؤتمر السوداني» المعارض ونشطاء حقوقيون الجيش السوداني بـ«اغتيال» أحد النشطاء السياسيين البارزين في ولاية الجزيرة.

وكان مجلس السيادة الانتقالي قد أجاز تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة، منحت الجهاز سلطات واسعة، تضمنت الاعتقال التحفظي والاستجواب والمصادرة وحظر النشاط التجاري، ومنحت ضباط وأفراد الجهاز حصانة من المساءلة عن الجرائم التي قد يرتكبونها. وأعادت هذه التعديلات للجهاز سلطاته التي ألغتها الحكومة المدنية التي تلت الثورة الشعبية، والتي اقتصرت وفقاً لقانون 2019 على جمع وتحليل المعلومات وتقديمها للجهات المعنية، بينما أعادت التعديلات للجهاز سلطاته المنصوص عليها في قانون 2010، بما في ذلك سلطة الاعتقال والملاحقة والتفتيش للمعارضين السياسيين، بما يمكن من تعذيبهم وقتلهم، مع منح أعضاء الجهاز الحصانات التي تحول دون مساءلتهم أو محاسبتهم على جرائمهم.

الفريق ياسر العطا ساند تعديلات قانون المخابرات العامة (وكالة السودان للأنباء/ سونا)

وأبدى عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للجيش الفريق أول ياسر العطا، تذمره مما سماها «جهات في الدولة تعطل تعديلات قانون جهاز المخابرات العامة»، واتهمها بأنها موالية لقوات «الدعم السريع»، بقوله: «الدعم السريع يتغلغل في مؤسسات الدولة». وقال حقوقيون ونشطاء سياسيون إن التعديلات تهدف لملاحقة المعارضين، ويقف خلفها تنظيم «الإخوان المسلمون»، لتصفية الثورة ومسانديها، ومحاولة لإعدام وجودهم المادي والمعنوي، ويندرج في هذا الإطار قرار النيابة العامة في أبريل (نيسان) الماضي، بالقبض على رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك و15 من القادة المدنيين، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

الجيش: قتلته «لدغة عقرب»

ويوم الخميس، اتهم حزب «المؤتمر السوداني» الجيش بـ«اغتيال» أحد أعضائه البارزين في ولاية الجزيرة، بعد أن لقي حتفه تحت التعذيب. وقال عضو المكتب التنفيذي لـ«تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، محمد حسن عربي، وهو عضو في القطاع القانوني للحزب أيضاً، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجيش أبلغ أسرة المحامي صلاح الطيب بموته نتيجة لدغة عقرب، وأنهم دفنوه قبل نحو 3 أسابيع دون إبلاغ أسرته، بعد أن كانوا قد اعتقلوه وثلة من الشباب، أطلق سراحهم بعد تعذيب قاسٍ، كانت قد أنكرت وجوده معهم.

آلية للجيش السوداني خلال دورية في الخرطوم مارس الماضي (رويترز)

وأوضح عربي أن المحامي صلاح الطيب اقتيد من منزله في بلدة العزازة بمحلية القرشي بولاية الجزيرة، بواسطة مجموعة تابعة لاستخبارات الجيش، إلى مدرسة تتخذ مقراً عسكرياً في 17 أبريل الماضي، ومعه مجموعة من شباب القرية الذين أطلق سراحهم بعد تعذيب وحشي، وقال أحدهم إنه ترك القتيل مغمى عليه داخل غرفة في المدرسة تستخدم معتقلاً.

وقال عربي إن اعتقال واغتيال المحامي الراحل صلاح الطيب ليس الوحيد من نوعه، إذ تعرض له أيضاً أعضاء في حزبه ونشطاء مدنيون وسياسيون، وبينهم الرئيس السابق للمجلس القومي للحزب، عبد القيوم عوض السيد، الذي اعتقلته استخبارات الجيش في شندي، وعضو الحزب المحامي عبد الله تبير.

ووصف عربي «اغتيال» المحامي صلاح الطيب بأنه «رسالة واضحة وغير مسؤولة لكل الداعين والعاملين لوقف الحرب، ورسالة من فلول الإرهابيين الإسلامويين الذين يقاتلون في صفوف الجيش، تنسجم مع وجهتهم نحو القمع والإرهاب التي تتولاها حكومة بورتسودان بشكل منهجي».

وجاء اغتيال الناشط السياسي متزامناً مع إعادة السلطات الواسعة لجهاز المخابرات العامة، ليستخدمها، بحسب عربي، في قمع دعاة وقف الحرب ضد المدنيين. وقال: «هذا مؤشر لملامح سودان ما بعد الحرب، يدخرها الإسلاميون وفلولهم لقمع الشعب، بعد عودة نظامهم القمعي الباطش والفاسد».

وحذر محمد حسن عربي من مخاطر السلطات القمعية الواسعة التي منحتها «حكومة بورتسودان» لأفراد جهاز المخابرات، والحصانات الكبيرة التي منحت لهم، بما يحميهم من المساءلة عن الجرائم التي يرتكبونها.

اتهام الجيش و«ميليشيات الحركة الإسلامية»

من جهته، حمّل حزب «المؤتمر السوداني» المعارض مسؤولية الجريمة لـ«القوات المسلحة، والاستخبارات العسكرية، وميليشيات الحركة الإسلامية». وقال في بيان: «نتهمها باغتيال الشهيد صلاح الطيب في معتقلاتها وبيوت أشباحها سيئة السمعة». وتابع: «من أشعلوا هذه الحرب الوحشية اللعينة، لم يتوقفوا مطلقاً عن استهداف المدنيين والتحريض عليهم بخطابات الكراهية والتخوين، واستهدافهم بالملاحقة والاعتقال الذي طال منسوبي القوى السياسية ولجان المقاومة وأعضاء غرف الطوارئ».

وأدان «محامو الطوارئ» (هيئة حقوقية تطوعية) الجريمة، وحمّلوا قيادة القوات المسلحة المسؤولية عنها، وحذروا من استمرار استهداف وترصد الناشطين السياسيين والمدنيين، وعدّوها جريمة لا تسقط بالتقادم، وتوعدوا بملاحقة الجناة عاجلاً أو آجلاً، بينما عدّت منسقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» اغتيال الناشط صلاح الطيب تحت التعذيب في معتقلات الجيش «جريمة حرب»، ووصفتها بـ«الجريمة الشنيعة» التي تستهدف القوى السياسية والمدنية والأجسام النقابية والمهنية وغرف الطوارئ، نتيجة لمواقفهم الرافضة للحرب والداعمة لإحلال السلام.

ولا تسمح الاستخبارات العسكرية بأي أنشطة مدنية تدعو لوقف الحرب، وتعدّها موالاة لقوات «الدعم السريع»، بل «خيانة للجيش وضده»، وتشن حملات دهم واعتقال للقادة السياسيين ونشطاء لجان المقاومة من دعاة وقف الحرب.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
TT

رفع الحصانة عن برلماني مصري في قضية وفاة اللاعب رفعت

أحمد رفعت (الشرق الأوسط)
أحمد رفعت (الشرق الأوسط)

وافق مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان)، الأحد، على رفع الحصانة عن وكيل لجنة الشباب والرياضة بالمجلس، النائب أحمد دياب؛ للاستماع إلى أقواله في تحقيقات النيابة العامة بشأن وفاة اللاعب أحمد رفعت، الذي رحل في يوليو (تموز) الماضي، إثر معاناة من تداعيات أزمة قلبية مفاجئة، أرجعها في تصريحات تلفزيونية قبل وفاته لـ«مضايقات تعرَّض لها من بعض المسؤولين».

ويشغل دياب رئيس رابطة الأندية المصرية، وورد اسمه في التحقيقات بعدما ترددت مسؤوليته عن توريط اللاعب الراحل في أزمة قانونية، عبر تسهيل سفر رفعت للاحتراف في الخارج خلال فترة تجنيده، بالمخالفة للقواعد المعمول بها في هذا الشأن.

وتُوفي رفعت (30 عاماً)، في 7 يوليو الماضي، بعد معاناة مع المرض إثر سقوط مفاجئ في مباراة لناديه، مودرن سبورت، بالدوري المصري في مارس (آذار) الماضي. في حين أمر النائب العام المصري في أغسطس (أب) الماضي بـ«تحقيقات موسعة للوقوف على ملابسات الوقائع التي تعرَّض لها اللاعب قبل وفاته».

النائب دياب خلال حضوره جلسة لمجلس الشيوخ (مجلس الشيوخ)

وعقب ضجة واسعة بالقضية التي شغلت الرأي العام المصري، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس، بـ«تحقيقات موسعة في القضية لكشف ملابساتها ومحاسبة المسؤولين عنها»، وطالب الجهات المعنية بـ«حوكمة الإجراءات الخاصة بسفر الرياضيين للخارج في أثناء فترة التجنيد، بما يضمن تسهيل الإجراءات ووضوحها لتحقيق المساواة في التعامل مع ذوي الشأن».

وقال رئيس مجلس الشيوخ، المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، إن رفع الحصانة عن دياب جاء بناء على طلب النائب؛ من أجل استكمال إجراءات التحقيق في القضية، ووصف الطلب بـ«السابقة التاريخية»، كونه جاء بطلب دياب نفسه لاستكمال التحقيقات.

وعدّ عبد الرازق، في كلمته أمام الجلسة العامة، أن موقف دياب «يظهر التزاماً راسخاً بمبادئ العدالة واحترام القانون والمؤسسات القضائية»، مؤكداً أن «النائب لا يزال غير متهم بأي اتهام».

ووفق الخبير في الشؤون البرلمانية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو هاشم ربيع، فإن رفع الحصانة يأتي في إطار رغبة النائب في الإدلاء بأقواله أمام النيابة العامة؛ لعدم قدرته على القيام بهذا الأمر من دون موافقة المجلس على رفع الحصانة، حيث تتطلب الإجراءات القانونية للاستماع لأقوال عضو البرلمان أمام النيابة العامة، ضرورة رفع الحصانة.

أحمد دياب (رابطة الأندية المصرية المحترفة)

وقال المحامي المصري محمد رضا لـ«الشرق الأوسط» إن النيابة العامة تقوم بتحديد موعد للاستماع إلى أقوال النائب بعد وصول قرار رفع الحصانة لمكتب النائب العام، للاستماع لإفادته بشكل كامل وتفصيلي، على أن يعقب ذلك اتخاذ قرار بشأنه.

وأضاف: «الاستماع إلى أقوال النائب في الواقعة يمكن أن يكون بصفته شاهداً، لكن إذا تبيَّن خلال التحقيقات تورطه في القضية فيكون من حق المحقق توجيه الاتهام واتخاذ قرار سواء بإخلاء سبيل النائب مع توجيه الاتهام أو حبسه على ذمة التحقيقات حال وجود ما يستلزم ذلك وفقاً للقانون».